98 من: (باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضَّعَفة والمساكين والمُنكسرين والإِحسان إليهم والشَّفقة عليهم والتواضع معهم وخفض الجناح لهم)

 
33- باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضَّعَفة والمساكين والمُنكسرين والإِحسان إليهم والشَّفقة عليهم والتواضع معهم وخفض الجناح لهم
قَالَ الله تَعَالَى: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر:88]، وَقالَ تَعَالَى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الكهف:28]، وَقالَ تَعَالَى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ۝ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [الضحى:9-10]، وَقالَ تَعَالَى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [الماعون:1-3].
1/260- وعن سعد بن أَبي وَقَّاصٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ سِتَّةَ نفَرٍ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ للنَّبِيِّ ﷺ: اطْرُدْ هؤُلاءِ، لا يَجْتَرِئُون عَليْنا، وكُنْتُ أَنا وابْنُ مسْعُودٍ ورجُل مِنْ هُذَيْل وبِلال ورجلانِ لَستُ أُسمِّيهِما، فَوقَعَ في نَفْسِ رَسُول اللَّه ﷺ مَا شاءَ اللَّه أَن يقعَ، فَحَدَّثَ نفْسَهُ، فأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُون رَبَّهُمْ بالْغَداةِ والعَشِيِّ يُريدُونَ وجْهَهُ [الأنعام:52] رواه مسلم.
2/261- وعن أَبي هُبيْرةَ عائِذِ بن عمْرو المُزَنِيِّ -وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بيْعةِ الرِّضوانِ - أَنَّ أَبا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سلْمَانَ وصُهَيْبٍ وبلالٍ في نفَرٍ، فقالوا: مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّه مِنْ عدُوِّ اللَّه مَأْخَذَهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُريْشٍ وَسيِّدِهِمْ؟! فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبرهُ، فَقَالَ: يَا أَبا بَكْر، لَعلَّكَ أَغْضَبْتَهُم؟ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ؟ فأَتَاهُمْ فَقَالَ: يَا إِخْوتَاهُ، آغْضَبْتُكُمْ؟ قالوا: لا، يَغْفِرُ اللَّه لَكَ يَا أُخَيَّ. رواه مسلم.
3/262- وعن سهلِ بن سعدٍ قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: أَنَا وكافلُ الْيتِيمِ في الجنَّةِ هَكَذَا وأَشَار بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وفَرَّجَ بَيْنَهُمَا. رواه البخاري.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات والحديثان كلها تتعلق بالحثِّ والترغيب في خفض الجناح للمؤمنين، ورحمة اليتيم والمسكين، وعدم التكبر والتجبر، هكذا يجب على أهل الإيمان: أن يكونوا متواضعين مع إخوانهم، خافضين للجناح، ولا سيَّما مع الفقير والمسكين واليتيم والمريض، ومن به عاهة قد ينفر منه الناس، أو ما أشبه ذلك، وهكذا مَن ليس له جماعة تحميه، كل هذا من شأن المؤمنين: أن يرفقوا به، ويرحموه، ويكونوا قوةً له، وسندًا له، ولهذا قال جل وعلا: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر:88]، هكذا ينبغي للمؤمنين: أن يكونوا أهل تواضع وخفض جناح لإخوانهم، ولو كانوا فقراء.
وهكذا قوله جل وعلا: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ۝ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ۝ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [الماعون:1-3] يَدُعُّ يعني: يدفعه ولا يُبالي به، ولا يرحمه؛ تكبُّرًا وتعاظُمًا، وقال جل وعلا: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ يعني: احبسها، يخاطب نبيَّه ﷺ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف:28] يعني: مع الفقراء، والآية نزلت في سعد بن أبي وقاص وبلال وابن مسعود وأشباههم من الفقراء -فقراء المهاجرين- لما طلبت قريش إبعادهم منه؛ أمره الله أن يحبس نفسه معهم، وأن يتواضع لهم، وألا يُطيع فيهم هؤلاء الكفرة.
ويقول ﷺ: أنا وكافل اليتيم كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى. فالمقصود أنَّ المشروع للمؤمنين والواجب عليهم: التواضع وعدم التكبر، والتلطف بالمساكين والفقراء والأيتام، والإحسان إليهم، ورحمة حالهم، ودفع الضَّرر عنهم.
ولما قدم أبو سفيان المدينة لطلب تأكيد الصلح بينه وبين أهل مكة في الهدنة التي بين النبي ﷺ وبين أهل مكة التي تمت يوم الحديبية، وكانت بنو بكر قد خانت وغزت خزاعة وهم في حلف النبي عليه الصلاة والسلام، فجاء أبو سفيان ليُؤكد الصلح، فلم يُكلمه النبيُّ ﷺ، وقال فيه بعضُ الصحابة -كصهيب وغيره: "ما أخذت سيوفُ الله من عدو مأخذها"، فقال لهم أبو بكر: "أتقولون هذا لسيد قريش؟!" لأنَّ أبا سفيان كان في ذاك الوقت كبير قريش، وهو الذي ترأس غزوة أحد والأحزاب، فقال له النبيُّ ﷺ: لئن كنتَ أغضبتهم يعني: هؤلاء الفقراء فقد أغضبتَ ربك، فأتاهم الصديق، وقال: "يا إخوتاه، قد أغضبتكم؟" قالوا: "لا، يغفر الله لك".
والشاهد قوله ﷺ: لئن كنتَ أغضبتهم فقد أغضبتَ ربك، فهذا فيه دلالة على أنَّ رحمة المساكين والإحسان إليهم والتلطف بهم مما يُرضي الله، وأنَّ سبَّهم أو الغلظة عليهم أو التَّجبر عليهم أو جفاءهم أو الإساءة إليهم مما يُغضب الله .
نسأل الله للجميع التَّوفيق والهداية، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه.

الأسئلة:

س: معلمة تسأل وتقول: سمعتُ أحد الدعاة في شريطٍ يقول أنَّ النبي ﷺ يقول: رحم الله المُتسرولات من النساء؟
ج: التَّسرول ما فيه بأس، السروال لا بأس به، لبسه الصحابة، ولبسه الأخيار، ولا بأس به، ويلبسه النساء، والإزار والسروال كله جائز، والحديث لا أصلَ له.
س: وضعتُ مالًا أحفظه في بنك الراجحي لأني أخاف عليه من السرقة؟
ج: بنك الراجحي لا بأس به، فهو بنك إسلامي، بخلاف البنوك الأخرى.
س: المُتكبر أو المتغطرس كيف يُتعامل معه؟
ج: يُنْصَح ويُوصَّى بالخير: ثلاثة لا يُكلِّمهم الله يوم القيامة، ولا يُزكِّيهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ، وملك كذَّاب، وعائل مستكبر.
س: هل يُهْجَر؟
ج: لا، يُنصح ويُوجه أولًا، فإذا أظهر الكبر وأظهر المعاصي فهو يستحق الهجر، لكن قد يكون جاهلًا يحتاج إلى تعليم، ويحتاج إلى تبصير، ويحتاج إلى نصيحة حتى يزول عنه ما بلاه الله به من الكبر، مثل غيره من أهل المعاصي، فإنهم يُنصحون أولًا ويُوجهون إلى الخير، فإذا أصرُّوا على المعاصي الظاهرة استحقُّوا الهجر، إذا كان الهجرُ أصلح في حقِّهم.
س: هناك واحدٌ يقول: الله أذلّ أصحابَ الهيئة، وفكَّنا من شرِّهم، هل هذا كفر أو نفاق أكبر؟
ج: هذا كلام قبيح شنيع -والعياذ بالله- فإذلال الهيئة ليس شيئًا يُحبه الله، بل يسخطه الله، والذي يُحب إذلال أهل الحق ونصر أهل الباطل ليس من الإسلام في شيءٍ -والعياذ بالله- فالواجب محبة نصر الدين، ومحبة نصر أهله، وكراهة ظهور الكفر، ومحبة خفضهم وإذلالهم، هذا جاهل يُعَلَّم، مسكين، وعليه التوبة إلى الله، والرجوع عن هذا الكلام القبيح؛ نسأل الله العافية.
س: ذكرتم أمس أن ثلاثةً تكلَّموا وهم صبية: عيسى ابن مريم، والغلام صاحب جريج، وصاحب المرأة، وفي حديثٍ هنا عند الإمام أحمد، قال: حدثنا أحمد، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب: أنَّ رسول الله ﷺ قال: كان فيمَن كان قبلكم ملك، وكان له ساحرٌ، فلما كبر الساحر قال للملك: إني قد كبر سني، وحضرني الأجل .. وذكر قصة الغلام مع الأخدود، وفي آخرها قال: فجاءت امرأةٌ بابنٍ لها تُرضعه، فكأنَّها تقاعست أن تقع في النار، فقال الصبيُّ: اصبري يا أُمَّاه فإنَّك على الحقِّ. وذكره ابن كثير في تفسير سورة البروج؟
ج: إذا صحَّ يكون صبيًّا رابعًا، إذا صحَّ أنه رضيع، فقد لا يكون رضيعًا، فبعض الرّضعان يتكلم، لكن إذا صحَّ أنَّه رضيع يكون رابعًا مع الثلاثة الذين ذكرهم النبيُّ ﷺ.