108 من حديث: (إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة..)

 
5/293- وعن أَبي مَسْعُودٍ الْبَدرِيِّ ، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نفقَةً يحتَسبُها فَهِي لَهُ صدقَةٌ متفقٌ عَلَيهِ.
6/294- وعن عبدِاللَّهِ بنِ عمرو بنِ العاصِ رَضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: كَفى بِالمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يقُوتُ حديثٌ صحيحٌ، رواه أَبو داود وغيره.
ورواه مسلم في "صحيحه" بمعنَاهُ، قَالَ: كَفى بِالمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يملِكُ قُوتَهُ.
7/295- وعن أبي هريرةَ : أَن النبيَّ ﷺ قَالَ: مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا ملَكَانِ يَنْزلانِ، فَيقولُ أَحدُهُما: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويَقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا متفقٌ عَلَيهِ.
8/296- وعنه ، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، ومَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِه اللَّهُ رواه البخاري.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث كالتي قبلها في الحثِّ على النفقة، ولا سيَّما على الأهل؛ لأنَّ نفقتهم واجبةٌ، يعني: الزوجة والأولاد القاصرين ومَن يقوم بنفقته وحسابه، فالواجب أن يبدأ بهم قبل غيرهم، كما في الحديث الصحيح: ابدأ بمن تعول، يقول ﷺ: إنَّ الرجل إذا أنفق النفقة على أهله يحتسبها كتبها الله له صدقة يعني: مع أجر أداء الواجب يكتب له صدقة، هذه زيادة مع كونه أدَّى الواجب، فيُؤْجَر على أداء الواجب، ويؤجر على نيته الطيبة، فإذا أنفق يحتسب ما عند الله من المثوبة، وأن الله جل وعلا أوجب عليه العناية بأهله والإنفاق عليهم، ويحتسب ذلك طاعةً لله، والتماسًا لمرضاته؛ فيكتب الله له بذلك صدقةً مع أجر الواجب، وهذا فيه فضلٌ عظيمٌ.
فينبغي للمؤمن أن يلاحظ ذلك، وأن يكون عنده احتساب في صدقاته، وفي إنفاقه على أهله، يرجو ما عند الله من المثوبة ، فصدقته على أهله يحتسبها تُحسب له صدقة مع أجر أدائه الواجب.

كذلك حديث عبدالله بن عمرو: يقول ﷺ: كفى بالمرء إثمًا أن يُضَيِّع مَن يقوت، وفي اللفظ الآخر من رواية مسلم: كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمَّن يملك قوته يعني: كافيه في الإثم أن يُضيع مَن تحت يده من أزواجٍ، وأولادٍ، وخدمٍ أرقاء، يعني: أنه يحصل له إثم عظيم بذلك.
فينبغي للمؤمن أن يلاحظ مَن تحت يده، وأن ينفق عليهم، ويحسن إليهم، حتى لا يصاب بأسبابهم.

ويقول ﷺ: اليد العليا خيرٌ من اليد السُّفْلَى، وابدأ بمَن تعول يبدأ بمن يعول من: زوجة، وأولاد، ونحو ذلك، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غِنًى يعني: بعد الأولاد وبعد الزوجة يتصدق، فيتصدق بعدما يُؤدي الواجب، ومَن يستغنِ يُغنه الله، ومَن يستعفف يُعفه الله، فهذا فيه توجيه من النبي ﷺ إلى أن المؤمن تكون يده عليا، منفقة، لا سائلة، يحرص على أن يكون منفقًا، لا سائلًا، ويبدأ في نفقته بمن يعول من: زوجة، وأولاد، ونحوهم، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غِنًى فيتصدَّق بعدما يؤدي الواجب ويجود على غيرهم من الفقراء والمساكين والأرحام، ونحو ذلك.
ومَن يستعفف يُعفّه الله، ومَن يستغنِ يُغنه الله فيه الحث على التعفف، وعدم سؤال الناس والحاجة إليهم، والاستغناء عنهم حيث أمكنه ذلك.

ويقول ﷺ: ما من يومٍ يُصبح فيه الناس إلا وينزل فيه ملكان، أحدهما يقول: اللهم أعطِ مُنفقًا خلفًا، والثاني يقول: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا فهذا فيه الحث على النفقة، وأن المنفق موعود بالخلف، والمَلَكُ يدعو له بالخلف، يقول الله : وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، ويقول جل وعلا: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن:16]، ويقول سبحانه: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد:7]، ويقول جل وعلا: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، فالمؤمن يُحسن ظنه بربه، ينفق ويرجو من الله الخلف والبركة في البقية، فوعد الله حق، فعليك إحسان الظن بربك، والإنفاق مما لديك في وجوه النفقة، لكن تبدأ بمن تعول، تبدأ بالواجب.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: كيف نجمع بين هذين الحديثين: قوله عليه الصلاة والسلام: ومَن يستغنِ يُغنه الله، ومَن يستعفف يُعفّه الله ووصيته للصحابة بأن يجمعوا لأهل الصفة ما يجمعوا؟
ج: الصدقة على الفقراء، يُحسنوا إلى الفقراء، يعني: كان النبي ﷺ يُعطيهم ويُحسن إليهم، وإذا جاءت صدقة حوَّلها لهم، فأهل الصفة مهاجرون فقراء.
س: مَن علم بفقيرٍ هل يُخبر عنه؟
ج: إذا سأل عنه ما سأل لنفسه، فهذا متوسِّطٌ في الخير.
س: دعاء الملائكة لمَن أمسك شيئًا واجبًا أو المُتطوع؟
ج: الظاهر: الذي يُمسك مع قدرته على الإنفاق في وجوه الخير، وأعظم ذلك الزكاة.
س: هل يُستجاب دعاؤه؟
ج: يُخاف عليه.
س: قد يُستجاب وقد لا يُستجاب؟
ج: الله أعلم.
س: لو أخرج الزكاةَ ليتصرف فيها الفقراء: فهل مثلًا يرى أقاربه أولى بهذا الأمر، فيُعطي أقاربه من هذا المال؟
ج: يعمل الأصلح، إذا كان أقاربه فقراء يُعطهم؛ لأنه مُوَكَّل، فلا يحيد، لا يُعطيهم وهم ليسوا بأهلٍ، لكن إذا كان هناك فقراء أشدّ حاجة منهم يعتني بالأشد.
س: هل تُنفق الزكاة في مصالح المسجد؟
ج: لا، المسجد ما يُعمر من الزكاة، لا المساجد، ولا المدارس، الزكاة لأهلها الثمانية.
س: كيف نجمع بين قوله عليه الصلاة والسلام: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنًى وقوله: وأن تصدق وأنت صحيحٌ شحيحٌ؟
ج: يعني: بعدما يفضل من عائلته، يبدأ بمن يجب عليه، فإذا كان عنده فضل يتصدق.
س: النفقة على العيال: الواجبات أم الكماليات؟
ج: الإنفاق في الواجبات، بحيث لا يكون فيها إسراف ولا تبذير، الوسط.
س: بالنسبة لشخصٍ أُعطي من البنك فوائد، ورأى أن تُصرف هذه الفوائد في بناء حمامات مثلًا، أو ما شابه ذلك؟
ج: ما في بأس، الحمامات، أو إصلاح الطرق، أو ما أشبه ذلك.
س: لو كان له أقارب فقراء، هل له أن يُعطيهم ولا يُخبرهم؟
ج: إذا كانوا مستحقين للزكاة لا يلزم أن يُخبرهم، نعم، ما هو بلازم أن يُخبرهم، إلا إذا كان في شكٍّ .............
س: صحة حديث عبدالله بن عمرو؟
ج: صحيح، وأصله في مسلم.
س: النساء البائن بينونة صغرى أو كبرى عدتهن دائمًا في غير بيت الزوج؟
ج: الرجعية في بيت الزوج إذا تيسَّر، أما إذا ما تيسَّر تذهب إلى أهلها، أما البائن فلا، تحرم، ما عادت زوجةً له، إذا طلَّقها ثلاثًا أو خالعها تخرج، فالرجعية إذا صارت عنده يُراجعها، أي أنَّ وجودها عنده من أسباب الرجعة، إذا كان طلَّقها طلقتين بعدما دخل بها.
س: هل تُشترط النية في النفقة أو الاحتساب؟
ج: إنما الأعمال بالنيات، فالعمل بغير نيةٍ ما ينفع.
س: يقصد: هل يُشترط الاحتساب في  كل نفقةٍ أم أنها مرة واحدة؟
ج: أداء الواجب ما يحتاج، يؤدي الواجب ولو ما نوى.
س: يُكتب له أجر الصدقة؟
ج: أجر الصدقة في الاحتساب.
س: والدي كبير السن ولا يستطيع الصيام، ماذا عليه؟
ج: تتصدقون عنه، عن كل يومٍ .............