512 من: (باب ما يتوهم أنه رياء وليس هو رياء)

 
باب ما يُتوهم أنه رياء وليس برياء
1/1621- عنْ أَبي ذَرٍّ قَال: قِيل لِرسُولِ اللَّه ﷺ: أَرأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعملَ مِنَ الخَيْرِ، ويَحْمدُه النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: تِلْكَ عاجِلُ بُشْرَى المُؤْمِنِ رواه مسلم.

290- باب تحريم النظر إِلى المرأة الأجنبية والأمرد الحسن لغير حاجةٍ شرعيةٍ
قَالَ الله تَعَالَى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، وقال تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا [الإسراء:36]، وقال تَعَالَى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]، وقال تَعَالَى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14].
1/1622- وَعَنْ أَبي هُريْرةَ ، عنِ النَّبيِّ ﷺ قَال: «كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذلكَ لا محالَةَ: الْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، والأُذُنَانِ زِنَاهُما الاستِماعُ، واللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلامُ، وَالْيدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، والرِّجْلُ زِنَاهَا الخُطَى، والْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمنَّى، ويُصَدِّقُ ذلكَ الْفرْجُ أوْ يُكَذِّبُهُ متفقٌ عليه، وهذا لَفْظُ مسلمٍ، وروايةُ الْبُخاريِّ مُخْتَصَرَةٌ.
2/1623- وعنْ أَبي سعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبيِّ ﷺ قَالَ: إيَّاكُمْ والجُلُوسَ في الطُّرُقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُول اللَّه، ما لَنَا مِنْ مجالِسِنا بُدٌّ، نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَإذَا أبَيْتُمْ إلَّا المجْلِسَ فأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ، قَالُوا: ومَا حَقُّ الطَّرِيق يَا رَسُولَ اللَّه؟ قَالَ: غَضُّ البَصَرِ، وكَفُّ الأذَى، وردُّ السَّلامِ، والأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ، والنَّهْيُ عنِ المُنْكَرِ متفقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات والحديثان كلها تتعلق بغضِّ البصر، وحفظ الجوارح عن محارم الله، فالمؤمن في هذه الدنيا معرَّضٌ للفتن: فتن الشَّهوات والشُّبهات، فالواجب عليه الحذر من أسبابها، واتقاؤها غاية ما يمكنه، وسؤال الله التوفيق والإعانة والعافية من مُضلات الفتن، ويأخذ بالأسباب الواقية؛ لأنَّ الله أمر بذلك، أمر بالأسباب وحثّ عليها، فالله يقول جل وعلا: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، ويقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1]، ويقول جل وعلا: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14]، ويقول سبحانه: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]، ويقول جل وعلا: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]، ويقول : وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].
فالإنسان مسؤولٌ عن هذه الجوارح، هل حافظ عليها؟ هل صانها أم أطلقها؟
فإذا أطلق اللسانَ وقع في البلاء: في الغيبة، والنميمة، والشتم، وغير ذلك، وإذا أطلق بصرَه رأى ما لا يحل له من النساء، أو المردان اللذين قد يتعلق بهم القلب، وقد يرى أشياء أخرى يحرم عليه النظر إليها، وهكذا اليد قد تمد إلى ما لا يحل: من لمس ما لا يحل، أو تناول ما لا يحل، وهكذا الرِّجْل قد تمشي إلى ما لا يحل، فالمؤمن يصون هذه الجوارح ويحفظها.
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: كُتِبَ على ابن آدم حظّه من الزنا، مُدْرِكٌ ذلك لا محالة، كلٌّ يأتيه نصيبه، هذه الدنيا ........... الفتن: فالعينان زناهما النظر، والنظر قد يجرّ إلى الشر، والأذنان زناهما الاستماع، قد يستمع إلى ما لا يحل له، ولهذا يقول ﷺ: مَن استمع حديثَ قومٍ وهم له كارهون صُبَّ في أُذنيه الآنُك يوم القيامة يعني: الرصاص. رواه البخاري رحمه الله.
تستمع بالهاتف أو غير الهاتف لأناسٍ يتحدثون سرًّا بينهم وهم يكرهون سماعك فلا يجوز هذا، هذا من زنا الأذنان: استماعها لما لا ينبغي، فقد تستمع بها إلى كلام المرأة بالشهوة فيجر ذلك إلى الفاحشة، وهكذا اليد زناها البطش، الأخذ والعطاء، قد تأخذ ما حرَّم الله عليها، وقد تُعطي ما حرَّم الله عليها، وقد تلمس ما حرَّم الله عليها، وهكذا الرِّجْل قد تمشي إلى ما حرَّم الله.
فالواجب أن تُصان هذه الجوارح، ويحذر المؤمن، والنفس تتمنى وتشتهي، فالإنسان يتمنى ويشتهي، قد يتمنى هذا، قد يشتهي هذا، ويتوسَّل بالوسائل، والفرج يُصدِّق ذلك أو يُكذِّبه، فالفرج يُصدِّق ذلك بوقوع الفاحشة، أو يُكذِّبه بعدم وقوعها إن كان الله صانه وعافاه من ذلك، فهذه الجوارح وسيلة إلى زنا الفرج، فيجب الحذر منها حتى لا تقع في الغاية التي هي الزنا أو اللواط، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والله جل وعلا أمر المؤمن أن يحذر فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71]، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا [المائدة:92]، فالمؤمن يأخذ حذره ولا يتساهل، بل يأخذ حذره في جميع الأحوال.
ويقول النبي ﷺ للصحابة: إيَّاكم والجلوسَ في الطُّرقات؛ لأنها مظنة التعرض للفتن ومرور النساء وغير النساء، قالوا: يا رسول الله، ما لنا بُدٌّ من مجالسنا، نتحدث فيها، يعني: نحتاج إلى ........... على حافات الطرق يكون للناس مجالس، قال: أما إذا أبيتُم يعني: احتجتم إلى المجلس فأعطوا الطريق حقَّه، هذا يُفيد أن ترك المجالس أولى وأبعد عن الشر، لكن إذا دعت إليها الحاجةُ فالواجب أن يُعْطَى الطريق حقّه، قالوا: وما حقّه يا رسول الله؟ قال: غضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، هذا من حقِّ الطريق.
أما إذا تيسَّر مجلسٌ بعيدٌ عن الطريق: في أحد البيوت، في صحراء بعيدة عن الطريق؛ فهذا طيبٌ، هذا أسلم، لكن إذا دعت الحاجةُ إلى حافَّة الطريق وما حول الطريق فالواجب أن يُعْطَى الطريقُ حقّه، من غضِّ البصر عن محارم الله، وكفِّ الأذى، فلا تُؤذي المارة بلسانك: هذا كذا، وهذا كذا، تؤذيهم بلسانك أو بفعالك، تكفّ الأذى عن المارة، لا من اللسان، ولا من غير اللسان، ورد السلام على مَن سلَّم، تقول: وعليكم السلام، فإذا سلَّم المار ترد السلام، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، رأيت منكرًا في الطريق: امرأة غير متسترة، إنسان يتكلم بما لا ينبغي في الطريق؛ تأمرهم بالمعروف، وتنهاهم عن المنكر: يا فلان، هذا ما يجوز، دع هذا الكلام، يا فلانة، احتجبي، يا فلان، دع هذا الكلام، اتَّقِ الله، يعني: تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر حسب الطاقة، بالحكمة والأسلوب الحسن واللين وعدم العنف، حتى تكون هاديًا مهديًّا، وحتى تكون هذه الجلسات نافعة، تنفعك وتنفع المارة.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: مَن ابتُلِيَ بخادمةٍ وكذلك مربية، ويتساهل في النظر إليها، وكذلك أنها مثلًا تُقَدِّم لهم الطعام وتخدمهم، وأحيانًا تكون وحدها في البيت مع المحرم، وتكون الأم مثلًا مدرسة أو نحو ذلك، ويخلو بها، ما رأيكم؟
ح: الواجب عليه غضّ البصر، وأمرها بالحجاب وعدم الخلوة، كل هذه يجب أن يُراعيها، وعلى المرأة أن تجلس في بيتها ولا تذهب لعملها وتتركه يخلو بالمرأة، أو تكونا ثنتين حتى لا يصير خلوة، وإلا فتجلس، ما يلزم التدريس، تحفظ بيتها وأولادها وتدع التدريس.
س: كذلك التساهل بالنظر إليها، يقول مثلًا: هذه خادمة؟
ج: ولو، ولو، قد يشتهيها، لكل ساقطةٍ لاقطة، قد تُشْتَهَى حتى العجوز، ولهذا قال جل وعلا في العجائز: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ وهن عجائز خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60] خأخذ.
س: بعضهم يأتي بكافرةٍ؟
ج: لا، ما يجوز هذا، لا يجوز أن يأتي بكافرةٍ، يجب إبعادها، هذه الجزيرة العربية ما يكون فيها الكفار، النبي ﷺ أمر بإخراج الكفرة من هذه الجزيرة، لا من الرجال، ولا من النساء، والواجب عليه ردّها إلى بلادها.
س: ما وجه تشبيه المرأة بالأمرد؟
ج: لأنها تُشْتَهَى، وهو يُشْتَهَى، بعض الناس قد يشتهي المردان أكثر، مثل قوم لوط، فقوم لوط تركوا النساء وتحولوا إلى المردان -نسأل الله العافية- حتى عاقبهم الله بالخسف.
س: نهي المرأة عن المنكر في الشارع إذا كانت مفردةً قد يجلب مفسدةً؟
ج: يقول: اتَّقي الله يا أمة الله، تحجَّبي، اتركي كذا، اتركي كذا.