305 من: (باب ثناء الناس عَلَى الميت)

 
163- باب ثناء الناس عَلَى الميت
1/950- عن أَنسٍ قَالَ: مرُّوا بجنَازَةٍ فَأَثْنَوا عَلَيْهَا خَيرًا، فَقَالَ النبيُّ ﷺ: وَجَبَتْ، ثُمَّ مرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَال النَّبيُّ ﷺ: وَجبَتْ، فَقَال عُمرُ بنُ الخَطَّاب : ما وَجَبَتْ؟ قَالَ: هَذَا أَثْنَيتُمْ علَيْهِ خَيرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وهَذَا أَثْنَيتُم عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أنتُم شُهَدَاءُ اللَّهِ في الأرضِ متفقٌ عَلَيْهِ.
2/951- وعن أَبي الأَسْوَدِ قَالَ: قَدِمْتُ المدِينَةَ، فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ، فَمَرَّتْ بِهِمْ جنَازةٌ، فأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِها خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بأُخْرى، فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِها خَيرًا، فَقَالَ عُمَرُ: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ، فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا شَرًّا، فَقَال عُمَرُ: وَجَبَتْ، قَالَ أَبُو الأَسْودِ: فَقُلْتُ: وَمَا وَجَبَتْ يَا أميرَ المُؤمِنينَ؟ قَالَ: قُلتُ كما قَالَ النَّبيُّ ﷺ: أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لهُ أَربعةٌ بِخَيرٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجنَّةَ، فَقُلنَا: وثَلاثَةٌ؟ قَالَ: وثَلاثَةٌ، فقلنا: واثنانِ؟ قال: واثنانِ، ثُمَّ لم نَسْأَلْهُ عَن الواحِدِ. رواه البخاري.

الشيخ:
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذان الحديثان الشَّريفان الصَّحيحان فيهما الدلالة على أنه ينبغي للمؤمن أن يجتهد في البعد عن الشر، والتَّخلق بالأخلاق التي شرعها الله، حتى يشهد له إخوانه بالخير، فإخوانه هم شهداء الله في الأرض، فينبغي للمؤمن أن يجتهد ويحرص على العمل الطيب، والخلق الكريم الفاضل فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين العباد، وأن يحذر جميع الأخلاق الرَّذيلة، والصّفات الذميمة، فيما يتعلّق بحقِّ الله، وفيما يتعلّق بحقِّ الخلق.
فإنَّ في هذين الحديثين الصَّحيحين أنَّ الرسول ﷺ مُرَّ عليه بجنازةٍ فأثنى عليها الحاضرون خيرًا، فقال: وَجَبَتْ، ثم مُرَّ عليه بأخرى فأثنى عليها الحاضرون شرًّا، فقال: وَجَبَتْ، وهكذا عمر عمل بهذه السنة لما مُرَّ عليه بجنائز، فلما سُئِل النبيُّ ﷺ عن ذلك قال: أنتم شُهداء الله في الأرض، هذا أثنيتُم عليه خيرًا فوجبتْ له الجنة، وهذا أثنيتُم عليه شرًّا فوجبت له النار، وفي حديث عمر أنهم سألوه عن أربعةٍ، وعن ثلاثةٍ، وعن اثنين، فقال: نعم إذا شهد اثنان، يعني: من أهل الخير والعدالة.
ففي هذا الحثّ والتّحريض على الاستقامة على طاعة الله، وإظهار الخير، والحذر من الشر، وأن الناس ليس لهم إلا الظاهر، وهم شهداء الله في أرضه، فمَن شُهِدَ له بالخير فهو عدلٌ مَرْضِيٌّ عند الله وعند الناس -عند أهل الإيمان- في شهادته، وفي أحكامه، ومَن أُثني عليه شرًّا فهو عند الله وعند الناس شرٌّ، إذا أثنى عليه أهلُ الخير شرًّا، فهم شُهداء الله في الأرض.
وفيه الدّلالة على قبول التزكية من اثنين، ومن ثلاثة، ومن أكثر إذا كانوا عُدولًا، وأنَّ المُزَكَّى تُقْبَل شهادته، فإذا أثنى  عليه أهلُ الخير -وأقلّهم اثنان- خيرًا فإنه تُقْبَل شهادته، وإذا أثنى عليه أهلُ الخير شرًّا فيكون مُعتبرًا من أهل الشر، لا تُقْبَل شهادته، ويُعامل معاملة أهل الشر.
رزق الله الجميع التَّوفيق والهداية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الأسئلة:

س: كيف الجمع بين هذا وبين قول رسول الله ﷺ: لا تسُبُّوا الأموات، فقد أَفْضَوا إلى ما قدَّموا؟
ج: هذا ما فيه سبٌّ لهم، وإنما هو إخبارٌ عمَّا عرفوه مما أُعلن، يعني: مما هو معروفٌ عند الناس؛ لأن الرسول ﷺ ما أنكر عليهم، بل قال: أنتم شُهداء الله في الأرض، بخلاف إخراج الكلام السيئ على سبيل السبّ والذمّ له بأشياء ما عرفها الناسُ، فلا يُسَبُّ بشيءٍ مستورٍ يفضح، بخلاف الشيء الظاهر الذي عرفه الناسُ.
س: إذا أثنى المسلمون على إنسانٍ بخيرٍ أو شرٍّ هل يُقال: وَجَبَتْ؟
ج: مثلما قال ﷺ، إذا عرف الذي حصل عنده الثناء شأن مَن شَهِدَ، ويعرف أنَّهم عُدول يقول: وجبت.
س: أليس هذا شهادة للمُعَيَّن؟
ج: هذا قاله جماعةٌ من أهل العلم، فالإمام أحمد رحمه الله وجماعة قالوا: إنه يُشهد للمُعَيَّن بالجنة، حتى قال فيه جماعة: إنَّه من أهل الجنة بهذه الشَّهادة، لكن المعروف في العقائد أنه لا يُشْهَد إلا بنصٍّ من الكتاب أو السنة، لكن بعض أهل العلم أخذ بهذا في شهادة المعين أيضًا: كأحمد بن حنبل، والقاضي عياض، والشافعي، ومالك، وجماعة ممن أُثني عليه خيرًا وعُرِفَ بالخير.
س: يُؤخذ من هذا الحديث جواز غيبة الفاسق؟
ج: نعم، مَن أظهر الشرَّ فلا غيبة له.
س: فيما أظهر فقط؟
ج: فيما أظهر فقط، ولهذا ذكروا أنَّ مَن أظهر الفسق لا غيبةَ له.
س: هذا هو الراجح؟
ج: هذا من أدلَّتهم.