320 من حديث: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة..)

 
4/994- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالَتْ: قالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُو ماهِرٌ بِهِ معَ السَّفَرةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِي يقرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُو عليهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْران متفقٌ عَلَيْهِ.
5/995- وعن أَبي موسى الأَشْعريِّ قال: قال رسولُ اللَّهِ ﷺ: مثَلُ المُؤمنِ الَّذِي يَقْرَأُ القرآنَ مثَلُ الأُتْرُجَّةِ: ريحُهَا طَيِّبٌ، وطَعْمُهَا طَيِّبٌ، ومثَلُ المُؤمنِ الَّذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرةِ: لا رِيح لهَا، وطَعْمُهَا حُلْوٌ، ومثَلُ المُنَافِق الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الرّيحانَةِ: رِيحها طَيِّبٌ، وطَعْمُهَا مُرٌّ، ومَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لا يَقْرَأُ القرآنَ كَمَثلِ الحَنْظَلَةِ: لَيْسَ لَها رِيحٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ متفقٌ عَلَيْهِ.
6/996- وعن عمرَ بن الخطابِ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّه يَرْفَعُ بِهذَا الكِتَابِ أَقوامًا، ويضَعُ بِهِ آخَرين رواه مسلم.
7/997- وعنِ ابن عمر رضي اللَّه عنهما، عن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لا حَسَدَ إلَّا في اثنَتَيْن: رجُلٌ آتَاهُ اللَّه القُرآنَ، فهوَ يقومُ بِهِ آناءَ اللَّيلِ وآنَاءَ النَّهَارِ، وَرجُلٌ آتَاهُ اللَّه مَالًا، فهُو يُنْفِقهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النهارِ متفقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ:
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالقرآن مع عظيم شأنه، فالقرآن كتاب الله، فيه الهدى والنور، وهو أفضل الكلام، وأصدق الكلام، وفيه شرائع الله وأحكامه، فتلاوته والتَّعبد به من أفضل العبادات والقربات، وتحكيمه واجبٌ، على أهل الإسلام أن يُحَكِّمُوه فيما شجر بينهم مع سنة الرسول ﷺ، كما قال : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، والرد إلى الله هو الرد إلى القرآن الكريم، والرد إلى الرسول هو الرد إليه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.
ففي هذه الأحاديث الدلالة على فضل تلاوة القرآن، والعناية به، والعمل به.
الحديث الأول
في الحديث الأول: يقول ﷺ: الماهِرُ بالقرآن مع السَّفَرة الكرام البَرَرة، الذي يقرأ القرآن وهو ماهِرٌ فيه، يُجيد قراءَته، ويحفظه جيدًا مع السَّفَرة الكرام البَرَرة، يعني: إذا كان يتلوه قولًا وعملًا، لا مجرد التلاوة فقط، يُجيد تلاوته، ويعمل به، فهو قائم به لفظًا ومعنًى، والذي يقرأ القرآنَ وهو عليه شاقٌّ ويَتَتَعْتَعُ فيه له أجران، هذا أيضًا من فضل الله، فالإنسان الذي يقرأه وقصده الخير ويريد الفائدة ويريد العلم ويتتعتع فيه له أجران: أجر القراءة، وأجر الاجتهاد والتَّعب، فينبغي لك يا عبدالله أن تعتني بالقرآن، وأن تحرص على حفظ ما تيسر منه، وأن تجتهد في معرفة المعنى، والعمل بما دلَّ عليه المعنى.
الحديث الثاني
وفي حديث أبي موسى يقول ﷺ: إن المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة، طعمها طيب، وريحها طيب، والذي لا يقرأ القرآنَ كالتَّمرة، طعمها طيب، وليس لها ريح، فالمؤمن كله خير، قرأ أو لم يقرأ، كله خير، لكن الذي يقرأ القرآن له شأنٌ عظيمٌ: يُعلِّم الناسَ، يُرشِد الناسَ، يدعو إلى الله، فهو كالأُتْرُجَّة، طعمها طيب، وريحها طيب، والذي لا يقرأ كالتَّمرة، طعمها طيب، مُغَذِّيَة، نافعة، لكن ليس لها ريح؛ لأنَّه لا يملك علمًا يُعلِّمه الناس.
أما المنافق الذي يقرأ فهو كالرّيحانة، لها ريح، ولكن طعمها مُرّ، فله ريح ما يصل من القرآن طيب، وما يسمع من القرآن طيب، ولكن الباطن خبيث، فما أظهره من القرآن طيب، والقرآن كله خير، ولكن باطنه وعقيدته خبيثة كالحنظلة، ولهذا فإنَّ الذي لا يقرأ القرآنَ كالحنظلة، طعمها مُرّ، ولا ريحَ لها.
فينبغي للمؤمن أن يعتني بالقرآن، وأن تظهر عليه آثاره علمًا وعملًا وتوجيهًا وإرشادًا ونفعًا للناس، حتى يُحقق هذا المثل، وهو الأُترجة والتَّمرة، وكلَّما زاد علمه بالقرآن وزاد تعليمه للناس زاد الأجر والفضل: «مَن دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله»، وكما تقدَّم في حديث عثمان: «خيرُكم مَن تعلَّم القرآنَ وعلَّمه».
 الحديث الثالث
ويقول : عن النبي ﷺ أنَّه قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين، يرفع به أقوامًا عملوا به، واجتهدوا، فصاروا في القمة، رفعهم الله به، وصاروا علماء أخيارًا، وآخرين ضيَّعوه وحادوا عن سبيله فهلكوا وصاروا ضائعين لا قيمةَ لهم؛ لعدم قيامهم بأمر الله.
الحديث الرابع
وفي الحديث الرابع: يقول النبيُّ ﷺ: لا حسدَ إلا في اثنتين يعني: لا غِبْطَة، فالحسد: الغِبْطَة، يعني: لا شيء ينبغي أن يُغْبَط به الإنسان ويتمنى أن يكون مثله إلا اثنتين: رجل آتاه الله القرآنَ، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار يتلوه ويتعبَّد به، ورجلٌ آتاه الله مالًا، فهو يُنْفِقه آناء الليل وآناء النهار، وفي اللفظ الآخر: رجل آتاه الله القرآنَ، فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله الحكمةَ، فهو يقضي بها ويُعلِّمُها والحكمة: الفقه في الدِّين.
فالمقصود أن يتفقَّه المؤمنُ في الدين، ويتعلَّم ويجتهد في قراءة القرآن وإنفاق المال، فهذا له شأنٌ عظيمٌ، ومرتبةٌ عالية؛ لعلمه وفقهه وإنفاقه، فينبغي أن يَغْبِط المؤمنُ مثلَ هذا، ويتمنى أن يكون مثله في عنايته بالقرآن، وفي إنفاقه المال، وفي التَّفقُّه في الدِّين.