123 من حديث: ( لا يدخل الجنة قاطع )

 
4/339- وعن أَبي محمد جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ : أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ، قَالَ سفيان في روايته: يَعْني: قاطِع رحِم. متفقٌ عَلَيهِ.
5/340- وعن أَبي عِيسى المُغِيرةِ بنِ شُعْبةَ ، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، ومَنْعًا وهاتِ، ووَأْدَ البَنَاتِ، وكَرِهَ لكُمْ: قِيلَ وقالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤالِ، وإِضَاعة المالِ متفقٌ عليه.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذان الحديثان يتعلَّقان بالعقوق وقطيعة الرحم، يقول النبيُّ ﷺ في حديث جُبير بن مطعم: لا يدخل الجنَّةَ قاطعٌ يعني: قاطع رحمٍ كما في الرواية الأخرى، قال الله جلَّ وعلا: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ۝ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد: 22- 23]، وسبق الحديث أنَّ الرحم لما خلقها الله قامت وقالت: يا رب، هذا مقام العائِذ بك من القطيعة، فقال الله لها جلَّ وعلا: ألا ترضين أن أَصِلَ مَن وصلَكِ، وأن أقطعَ مَن قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فذلك لك، وفي اللفظ الآخر: مَن وصلها وصلتُه، ومَن قطعها بَتَتُّه.
فالواجب على جميع المسلمين العناية بالرحم، من الآباء، والأمهات، والأجداد، والجدّات، والأولاد، والإخوة وأولادهم، والأعمام، والعمّات، والأخوال، كل هؤلاء رحم، وكل مَن كان أقرب كان أشدّ في إثم قطيعة الرحم، وكان أعظم في الأجر في وصله، قال رجل: يا رسول الله، مَن أبرُّ؟ قال: أمك، قال: ثم مَن؟ قال: أمّك، قال: ثم مَن؟ قال: أمك، قال: ثم مَن؟ قال: أباك، ثم الأقرب فالأقرب، فبعد الأب والأجداد والأولاد يأتي الإخوة وبنوهم، والأعمام وبنوهم، ثم الأخوال، هؤلاء هم الأرحام.
وفي حديث المغيرة بن شعبة يقول النبيُّ ﷺ: إنَّ الله حرَّم عليكم: عقوقَ الأُمّهات، ووأد البنات، ومنعًا وهاتِ، وكَرِهَ لكم: قيلَ وقالَ، وإضاعةَ المال، وكثرةَ السؤال، وفي اللفظ الآخر: ويسخط لكم: قيلَ وقال، وإضاعةَ المال، وكثرةَ السؤال، فهذا الحديث فيه تصريح بتحريم العقوق للأمهات، فعقوقهنَّ أشد من عقوق الأب، كما أنَّ برّهنَّ أوجب من برِّ الأب، ولكن عقوقهما جميعًا من أكبر الكبائر، وبرّهما جميعًا من أهم الواجبات، ولكن حقَّ الأم أكبر.
وتقدم قوله ﷺ: ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، ثم قال: وعقوق الوالدين، فجعله يلي الشّرك، ثم قال: وشهادة الزور، فالعقوق للوالدين من أقبح الكبائر، وللأمهات بوصفٍ خاصٍّ أشد في الإثم؛ لعظم تعبها عليه، وإحسانها إليه، فالواجب أن تُقابَل بالإحسان والبِرّ، فإذا قابل هذا بالقطيعة صار ذلك أشدّ في الإثم من قطيعة الأب.
ووأد البنات معناه: قتل البنات، كانوا في الجاهلية يقتلون البنات، ويُسمَّى: وأد، يَئِدها أبوها أو أمها حتى تموت: إمَّا بخنقها، وإما بإلقائها في حفرةٍ، وإمَّا بغير هذا من أسباب القتل، قال الله تعالى: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ۝ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير: 8- 9]، تُسأل يوم القيامة، وهذا من سُنَّة الجاهلية: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [النحل:58]، ثم يقتلها، بعضهم يقتلها، وبعضهم لا يقتلها، لكن تسوء حاله ويكرهها كثيرًا، ويزعمون أنها قد تجلب لهم العار، وهذا من جهلهم.
ومَنْعًا وهاتِ يعني: البخل والحرص، فلا يجوز للإنسان أن يكون بخيلًا شحيحًا، لا، يحذر البخل والشح: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9]، ويقول سبحانه: وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ [محمد:38]، فلا يجوز البخل ولا الشح، الشح: الحرص على جلب المال ولو من طرقٍ محرَّمةٍ، والبخل: حبس المال وعدم إخراجه في وجوهه، والشَّحيح البخيل: هو الذي يحرص على جلب المال من كلِّ طريقٍ، ولو من حرامٍ، ثم يبخل به بعد وجوده، فهذا يُسمَّى: "شحيح بخيل"، ويُطْلَق عليه "شحيح" أيضًا -نسأل الله العافية.
وكَرِهَ لكم: قيلَ وقال، فلا ينبغي للإنسان أن يكون دأبُه قيل وقال، بئسَ مطِيَّة الرجل: زعموا، ينبغي أن يتثَبَّت، ولا يتكلم إلا عن بصيرةٍ، حتى لا يقع في الكذب، وفي الحديث الصحيح يقول ﷺ: كفى بالمرء إثمًا أن يُحدِّث بكلِّ ما سمع؛ لأنه إذا حدَّث بكلِّ ما سمع وقع في الكذب.
وهكذا إضاعة المال، فإضاعة المال لا تجوز، ولهذا جاء في اللفظ الآخر: يسخط لكم: قيلَ وقال، وإضاعة المال، فكونه يبذر المال أو يُسرف فيه أو يحرقه أو ما أشبه ذلك فهذا من إضاعته، فيجب حفظه وصرفه في وجوهه وعدم إتلافه، فإذا كان عنده سعة يتصدق ويُعطيه الفقراء والمحاويج، ويصرفه في المشاريع الخيرية.
ويكره لكم: قيلَ وقال، وإضاعةَ المال، وكثرةَ السؤال، فُسِّر السؤال بالعلم، وفُسِّر بسؤال الدنيا وهو يعمّ الجميع، والإلحاح في السؤال في طلب الدنيا لا يجوز؛ لأنه يُحرج المسؤولين، ويدل على جشع السائل، وفي العلم: قد يُقال في الأغلاط، فكثرة الأسئلة وتواليها قد تُوقع المسؤول في الغلط، فينبغي أن تكون الأسئلة بالقسط، لا في المال، ولا في العلم، يسأل ولكن بالقسط، لا يُلحّ في السؤال، ولا يُكثِر، حتى يحفظ الجواب، وحتى لا يُلْجِئ المسؤول إلى أن يقع في الغلط، ولكن يحرص على الأهم فالأهم، يسأل عن الأهم فالأهم، ثم يحفظ ويكتب ويُقيد حتى لا ينسى، ويكون سؤاله منظَّمًا حتى لا يقع هو في الغلط، ولا يُوقِع غيرَه في الغلط.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: لو قال قائلٌ: أنا أزور أقاربي مرتين في السنة: في عيد الفطر، وفي عيد الأضحى، فهل يكون قاطعًا للرحم؟
ج: إذا ما صار بينه وبينهم سوءٌ فما هو بقاطع رحم، قاطع الرحم الذي يُؤذيهم، أو يقطع عنهم ما يجب لهم من الحقوق؛ لفقرهم وحاجتهم، أو لأمورٍ تلزمهم، لكن كونه يصلهم بالمكاتبة أو بالزيارة فهذا من باب تثبيت الصلة.
س: كثر الكلام بأنَّ مَن يضرب أباه فإنَّ ابنه سيضربه بعد زمنٍ، فهل هذا صحيح؟
ج: يقع، بل منهم مَن قتل أباه -نسأل الله العافية.
س: هم يقولون: إذا ضرب أباه يجيء ولده فيضربه، حتى إنَّ واحدًا ضرب أباه وأنزله من الدّرج، فجاء ابنه فضربه وأنزله من الدّرج، فهل هذا صحيح؟
ج: قد يقع والله أعلم، فيُعاقَب بجنس ما فعل -نسأل الله العافية.
س: بعض الناس دائمًا يُسافر في الصيف إلى الخارج لغرض التَّمشية، فهل هذا من إضاعة المال؟
ج: لا، ما هو من إضاعة المال، إذا كان يأكل المال أو يتصدَّق به فما هو بإضاعةٍ، أما إذا كان يكنزه ويُبقيه فهذا من إضاعته، وهو عبثٌ لا يجوز، أما إذا كان يصيد ويأكل أو يُعطي الناس ويتصدَّق فما هو بإضاعته.
س: وإذا كان للنُّزهة مثلًا؟
ج: ولو للنزهة، لكن لا يقتل الصيدَ عبثًا، كأن يقتله ويتركه، إذا قتله ليأكل أو ليبيع أو ليتصدّق فما هو بعبثٍ.
س: الخال هل هو أولى بالبِرِّ من العم؟
ج: العم والخال متساويان، هذا أخو الأب، وهذا أخو الأم، أما الخالة فبمنزلة الأم، وهي أحقّ من العمَّة.