129 من حديث: (إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم..)

 
7/354- وعن أَبي موسى قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تَعَالَى: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبةِ المُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرآنِ غَيْرِ الْغَالي فِيهِ والجَافي عَنْهُ، وإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ المُقْسِطِ حديثٌ حسنٌ، رواه أَبُو داود.
8/355- وعن عَمْرو بنِ شُعَيْبٍ، عن أَبيهِ، عن جَدِّه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا حديثٌ صحيحٌ، رواه أَبُو داود، والترمذي، وَقالَ الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيح.
وفي رواية أبي داود: حَقَّ كَبِيرِنَا.
9/356- وعن مَيْمُون بنِ أَبي شَبِيبٍ رحمه اللَّهُ: أَنَّ عَائشَةَ رَضي اللَّه عنها مَرَّ بِها سَائِلٌ، فَأَعْطَتْهُ كِسْرَةً، وَمرَّ بِهَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وهَيْئَةٌ، فَأَقْعَدَتْهُ، فَأَكَلَ، فَقِيلَ لَهَا في ذَلِكَ! فقَالتْ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ رواه أبو داود، لكِنْ قال: مَيْمُونُ لَمْ يُدْرِك عائِشَةَ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ في أَوَّلِ "صَحِيحهِ" تَعْلِيقًا فقال: وَذُكِرَ عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالت: أَمرنا رسولُ اللَّه ﷺ أَنْ نُنْزِل النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ.
وَذَكَرَهُ الحاكِمُ أَبُو عبدِاللَّهِ في كِتابِهِ "مَعْرفَة عُلُومِ الحَديث"، وقال: هو حديثٌ صحيحٌ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث كالتي قبلها في أنه ينبغي إكرام ذي الشَّيبة المسلم وحامل القرآن وأهل العلم، وهكذا رحمة الصغير، وتوقير الكبير، وإكرام السلطان المقسط، كلّ هذا مما جاءت به الشريعةُ، ولهذا قال ﷺ: إنَّ من إجلال الله: إكرامَ ذي الشَّيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرامَ السلطان المُقْسِط يعني: العادل، وفي اللفظ الآخر: ليس منا مَن لم يرحم صغيرَنا، ويعرف حقَّ كبيرنا.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها -وفي إسناده انقطاع- أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: أنزلوا الناسَ منازلهم، والأدلة الشرعية تدل على هذا المعنى، فإنَّ الناس يُنزَلون منازلهم، فالعالم له حقّه، وشيخ القبيلة ورئيس القوم له حقه، والصغير له حقه، وحامل القرآن وطالب العلم له حقّه، وكبير السن بالنسبة للصغير، وهكذا إنزال الناس منازلهم.
فالمؤمن يعرف لكلِّ ذي حقٍّ حقَّه، ولا يجفو مَن يستحق عدم الجفاء، بل ينظر في منازل الناس حتى يُعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، من باب إنزال الناس منازلهم، فإذا كان الفقير الذي ترده اللُّقْمة واللُّقْمتان أعطاه، وإذا كان من ذوي الشَّرف وذوي الهيبة فيُنزل منزلته: يُدْعَا ويُكرم في البيت أو في المحل المناسب، حتى يُقدَّم له ما يحتاجه من غداءٍ أو عشاءٍ أو نحو ذلك.
فالمقصود من هذا كله أنَّ المؤمن يُنزل الناسَ منازلهم، ولا يجعلهم على حدٍّ سواء في إكرامهم وتقديرهم، بل على حسب مراتبهم في الدِّين، ومراتبهم في كبر السن، ومراتبهم في وظائفهم الشَّرعية: فالقاضي له حقّه، والعالم له حقّه، والسلطان له حقّه، والأمير له حقّه، والشيخ كبير السن له حقّه، والوالد له حقّه، والأخ الكبير له حقّه، والجار له حقّه، وهكذا، فكلّ إنسانٍ يُعْطَى حقَّه المناسب له بحسب ما جاءت به الشريعة.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: بالنسبة للغالي في القرآن والجافي فيه: كيف يغلو المسلمُ في القرآن؟
ج: الغالي فيه: الذي يحمله على غير محامله، ويزيد فيه، مثل: غلو الخوارج وأشباههم، حتى يُحمِّله ما لا يحتمل، والجافي فيه: الذي لا يعمل به، يقرأه ولا يعمل به -نسأل الله العافية.
فالغلو هو أن يحمله على محامل ضد محامله زيادةً غاليةً، فيحمل الآيات التي في المعاصي على كفر مَن فعلها، ويحمل الآيات التي في الرَّجاء على أنَّ العملَ ليس من الإيمان، وأنَّه يكفي مجرد القول، وما أشبه ذلك.