138 من حديث: (عن أبي إدريس الخولاني قال: دخلت مسجد دمشق فإذا فتى براق الثّنايا وإذا الناس معه..)

 
8/382- وعن أَبي إِدريس الخَولانيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ، فَإِذَا فَتًى بَرَّاقُ الثَّنَايَا، وَإِذَا النَّاسُ مَعهُ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا في شَيءٍ أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ، وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ: هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ هَجَّرْتُ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ، ووَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صلاتَهُ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ للَّهِ، فَقَالَ: آللَّهِ؟ فَقُلْتُ: آللَّهِ، فَقَالَ: آللَّهِ؟ فَقُلْتُ: آللَّهِ، فَأَخَذَني بِحَبْوَةِ رِدَائي، فَجَبَذَني إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَبْشِرْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يقول: قالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَبَتْ مَحبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فيَّ، والمُتَجالِسِينَ فيَّ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فيَّ، وَالمُتَباذِلِينَ فيَّ حديثٌ صحيحٌ، رواه مالِكٌ في "الموطأ" بإِسنادِهِ الصَّحيحِ.
9/383- وعن أَبي كَريمةَ المِقْدَادِ بن مَعْدِي كَرب ، عن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْه أَنَّهُ يُحِبُّهُ رواه أَبُو داود والترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ.
10/384- وعن مُعَاذٍ : أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقالَ: يَا مُعَاذُ، واللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، ثُمَّ أُوصِيكَ يَا مُعاذُ: لا تَدَعنَّ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ تَقُولُ: اللَّهُم أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وحُسنِ عِبَادتِك حديثٌ صحيحٌ، رواه أَبُو داود والنَّسائي بإسنادٍ صحيحٍ.
11/385- وعن أَنسٍ : أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَمَرَّ رجلٌ بِهِ فَقال: يا رسول اللَّهِ، إِنِّي لأُحِبُّ هَذا، فَقَالَ لَهُ النبيُّ ﷺ: أَأَعْلَمْتَهُ؟ قَالَ: لا، قَالَ: أَعْلِمْهُ، فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ في اللَّه، فقالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ. رواه أبو داود بإِسنادٍ صحيحٍ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالحبِّ في الله، وتقدم بعض الأحاديث في ذلك، والحبُّ في الله من القُربات، ومن أفضل الطَّاعات، وسبق قوله ﷺ: سبعةٌ يُظلهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه، وذكر منهم: رجلين تحابَّا في الله، اجتمعا عليه، وتفرَّقا عليه، وقوله ﷺ: يقول الله يوم القيامة: أين المتحابُّون بجلالي؟ اليوم أُظلهم في ظلِّي، يوم لا ظلَّ إلا ظلي، وتقدم حديث الرجل الذي قصد رجلًا في قريةٍ لأنَّه يُحبه في الله، فأرصد الله على طريقه ملكًا، فسأله عن ذلك فقال: إني أُحبُّه في الله، قال: إني رسول الله إليك أنَّ الله يُحبك كما أحببتَه، فهذا فضلٌ عظيمٌ.
وفي هذا الحديث -حديث معاذ- يقول ﷺ: يقول الله جلَّ وعلا: وجبتْ محبَّتي للمُتحابّين فيَّ، والمتباذلين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، هذا فضلٌ عظيمٌ.
وجبت يعني: حصلت ووقعت للمُتحابّين في الله، والمتباذلين في الله، المتباذلين يعني: الذين يُعطون لله، لا لأجل أمرٍ آخر، والمتزاورين فيَّ: الذين يتزاورون محبةً في الله، والمتجالسين كذلك، يتجالسون محبةً في الله، فهذا كلُّه يدل على فضل المحبَّة في الله، والمجالسة في الله، والمزاورة، وهكذا العطاء لله، والجود، والكرم، رجاء ما عند الله جل وعلا.
وهكذا قوله ﷺ لمعاذٍ: والله إني لأُحبُّك، أقسم ﷺ أنه يُحب معاذًا، وهذه منقبةٌ عظيمةٌ لمعاذٍ رضي الله عنه، وإن كان الرسول ﷺ يُحب الصحابةَ كلهم، ويقول: آية الإيمانِ حبُّ الأنصار، وحب المهاجرين من باب أولى، لكن هذه محبّة خاصَّة، ثم يقول: لا تَدَعَنَّ دبر كل صلاةٍ أن تقول: اللهم أعنِّي على ذكرِك وشكرِك وحُسنِ عبادتك، فيُستحب أن يُؤتى بهذا الدعاء في آخر الصلاة قبل أن يُسلِّم: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك؛ لأنَّ الدعاء قبل السلام أفضل، لأنه ﷺ قال في حديث ابن مسعودٍ لما علَّمه التَّشهد، قال: ثم ليتخَيَّر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو يعني: قبل أن يُسلِّم، وإن دعا بهذا بعدما ينتهي من الذكر فلا بأس، لكن الدعاء قبل أن يُسلِّم أكمل وأفضل.

وهكذا الحديث الثالث: قوله ﷺ: إذا أحبَّ أحدٌ أخاه فليُعلمه، هذا يدل على استحباب إعلامه؛ لأنَّ هذا مما يُوطد المحبة، فإذا أعلمه كان من أسبابها أنَّ الآخر يُحبّه لله، وأن تزداد المحبة وتتأكَّد، وأنَّ المحبوب يقول: "أحبَّك الله الذي أحببتَنا له" إذا أعلمه، وهذه المحبَّة تُوجِب التَّعاون على البر والتقوى، والتَّواصي بالحق، والتَّناصح، هكذا المتحابُّون في الله: يتعاونون على البرِّ والتقوى، ويتواصون بالحقِّ، ويتناصحون، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: يقول: "أُشْهِد الله أنِّي أُحبُّك في الله" وهو يُبغضه؟
ج: هذا كذَّاب، عليه إثم الكذب.
س: قالت: "إني أُحب العالم الفلاني في الله"، فهل يلزم مَن رأى هذا العالم الفلاني أن يُوصِل هذه المحبة؟
ج: لا، ما هو بلازمٍ، يُستحب لها أن تُعلمه هي بنفسها، فإن أعلمته فهو أفضل.
س: ما حكم معانقة الكافر؟
ج: لا يبدأه، ولا يُعانقه، لكن إن بدأه ردَّ عليه، وإن مدَّ يده يمدّ يده، فيكون الكافرُ هو البادئ، فإذا بدأ فلا بأس.
س: الإعلام بالنسبة لمن يُحبّه على حسب النصوص للوجوب أم للاستحباب؟
ج: المشهور في مثل هذا أنه للاستحباب.
س: بالنسبة للغة: كيف يُفْهَم قوله: "والله إني لأُحبُّك في الله"؟
ج: "لَأُحِبُّ" هذه اللام مُوطِّئة للقسم، للتثبيت، ما هي: "لا أحبك"، بل "إني أحبك"، فهي لام موطئة للقسم، والله إني لرسول الله لام التثبيت والتأكيد، وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:192]، إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة:40]، هذه للتثبيت.
س: ما حكم وضع الخطوط في الكلمات التي يُخْطَأ فيها في القراءة في المصحف عند التسميع؟
ج: المعروف عند العلماء أنه لا تُوضع خطوطٌ في المصحف، لا يُزاد فيه شيء، لا خطوط، ولا غيرها.
س: .....................
س: هل من تثبيت المحبَّة أن يُوصيه كما وصَّى رسولُ الله ﷺ معاذًا؟
ج: إذا أخبره ما هو بلازمٍ، وإن وصَّاه زاد خيرًا، فإذا أخبره بالمحبَّة تكفي، وإذا وصَّاه وقال: اتَّقِ الله، أو: أُوصِيك بتقوى الله، أو: أُوصيك بصلة الرحم، أو: أُوصيك بطلب العلم، زيادة خير.