147 من حديث: (كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن..)

 
14/409- وعن أَبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ، وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخ، فَكَأَنَّ ذلِكَ ثَقُلَ عَلى أَصْحَابِ رسولِ اللَّه ﷺ، فقالَ لَهُمْ: قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوكِيلُ رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
15/410- وعن أَبي هريرة قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزلَ، ألا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَاليةٌ، أَلا إِنَّ سِلْعةَ اللَّهِ الجَنَّةُ رواه الترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ.
16/411- وعن عائشةَ رضي اللَّه عنها قَالَتْ: سمعتُ رَسُول اللَّه ﷺ يقول: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُراةً غُرْلًا، قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّه، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ؟! قَالَ: يَا عَائِشَةُ، الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُم ذلكَ.
وفي روايةٍ: الأَمْرُ أَهَمُّ مِن أَن يَنْظُرَ بَعضُهُمْ إِلى بَعْضٍ متفقٌ عَلَيهِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث كالتي قبلها في بيان أهوال يوم القيامة، وأن الواجب على المؤمن أن يحذر التَّفريط والتَّساهل، وأن يُبادر إلى ما أوجب الله عليه، وأن يحذر ما حرَّم الله عليه، وأن يستعدَّ لهذا اليوم العظيم: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ۝ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ۝ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ۝ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34- 37]، فيوم القيامة يومٌ عظيمٌ.
وفي هذا الحديث يقول ﷺ: كيف أنعم وصاحب القَرْنِ قد التقمه؟ للنَّفخ في السُّور، يعني: إسرافيل، فعَظُم ذلك على أصحاب النبي ﷺ، فقال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، يعني: كافينا الله ونعم الوكيل، يعني: اطلبوا الحسبَ من الله واعملوا.
والمعنى: أنَّ على الإنسان مع الجدِّ والعمل أن يتوكَّل على الله، فيكون توكُّلٌ صادقٌ مع العمل بطاعة الله، والحذر من معاصي الله، ولهذا يقول ﷺ: مَن خاف أَدْلَجَ يعني: مَن خاف السير في السفر أَدْلَجَ: جدَّ في السير، ومَن أَدْلَجَ بلغ المنزلَ، ألا إنَّ سلعةَ الله غاليةٌ، ألا إنَّ سلعةَ الله الجنَّة، فمَن خاف صادقًا أدلج في السير إلى الله، وعمل صالحًا، واستقام على الهدى، وبادر بالأعمال الصالحة، وجدَّ في السير حتى يبلغ الجنة، كما أنَّ مَن أراد مكةَ أو غيرها وخاف في الطريق أدلج في السير، ولم يتمادَ في السير، بل يُتابع الليل والنهار حتى يبلغ المنزل.
ويقول ﷺ: إنَّ الناس يُحْشَرون يوم القيامة حُفَاةً عُراةً غُرْلًا، حُفَاةً: ما عليهم نِعال، عُراةً: ما عليهم كسوة، غُرْلًا: غير مختونين، قالت عائشة: يا رسول الله، الرجال والنساء ينظر بعضُهم إلى بعضٍ؟! قال النبيُّ ﷺ: الأمر أشدُّ من ذلك، الأمر والهول أشدّ من أن ينظر بعضُهم إلى بعضٍ، ثم أول مَن يُكْسَى إبراهيم كما في الحديث الصحيح: أول مَن يُكْسَى إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام.
فهذا فيه الحثّ على الإعداد للآخرة، والتَّأهُّب للقاء الله، والحذر من التَّساهل في هذه الدنيا التي هي دار العمل، ودار الغرور، فالواجب عليك يا عبدالله ألا تغترَّ بها، وأن تعدّ فيها العُدَّة الصَّالحة، كما قال تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة:197]، فهذه هي دار العمل، دار السفر إلى الآخرة، والزاد الصالح فيها تقوى الله، وتقوى الله هي طاعة الله، وتوحيده، والإخلاص له، واتباع أوامره، وترك نواهيه، فهذه التقوى -توحيده وطاعته والاستقامة على دينه والحذر من معاصيه- هي الزاد النافع: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ، ويقول جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، ويقول جلَّ وعلا يُخاطب نبيَّه ﷺ: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، وهو نبي الله، أي: الزم الحقَّ واستقم حتى الموت.
وهكذا كل إنسانٍ يجب عليه أن يستقيم، وأن يلزم الحقَّ، وأن يثبُت، وأن يجتهد في السير إلى الله بخُطًى ثابتة، على بصيرةٍ، على هدى، حتى يلقى ربَّه، حتى يموت.
رزق الله الجميع التَّوفيق والهداية.

الأسئلة:
س: ................