149 من حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم -ومعاذ رديفه على الرحل- قال: «يا معاذ»..)

 
4/415- وَعن أَنسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ -وَمُعَاذٌ ردِيفُهُ عَلى الرَّحْلِ- قَالَ: يَا مُعاذُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قالَ: يَا مُعَاذُ، قالَ: لَبَّيكَ يا رَسُول اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قالَ: يَا مُعَاذُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثَلاثًا، قالَ: مَا مِن عَبدٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِله إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ، قالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا أُخْبِرُ بِها النَّاسَ فيَستبشِروا؟ قال: إِذًا يَتَّكِلُوا، فَأَخْبرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْد مَوْتِهِ تَأَثُّمًا. متفقٌ عَلَيهِ.
5/ 416- وعنْ أَبي هريرة أَوْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضيَ اللَّهُ عنهما -شَكَّ الرَّاوِي، وَلا يَضُرُّ الشَّكُّ في عَينِ الصَّحابي؛ لأَنَّهم كُلُّهُمْ عُدُولٌ- قال: لما كان يَوْمُ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَصابَ الناسَ مَجَاعَةٌ، فَقالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَذِنْتَ لَنا فَنَحَرْنَا نَواضِحَنا فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: افْعَلُوا، فَجَاءَ عُمَرُ فقالَ: يَا رَسولَ اللَّهِ، إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ، وَلَكِن ادْعُهُمْ بفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، ثُمَّ ادْعُ اللَّه لَهُمْ عَلَيْهَا بِالبَرَكَةِ، لَعَلَّ اللَّه أَنْ يَجْعَلَ في ذلكَ البَرَكَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نَعَمْ، فَدَعَا بِنِطْعٍ فَبَسَطهُ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، فَجعلَ الرَّجُلُ يجيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ، ويجيءُ الآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ، ويجيءُ الآخَرُ بِكِسْرَةٍ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلى النِّطْعِ مِنْ ذَلِكَ شَيءٌ يَسِيرٌ، فَدَعَا رسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالبَرَكَةِ، ثُمَّ قالَ: خُذُوا في أَوْعِيَتِكُمْ، فَأَخَذُوا في أَوْعِيَتِهِمْ حَتَّى مَا تركُوا في العَسْكَرِ وِعاءً إِلَّا مَلَأُوهُ، وأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَفَضَلَ فَضْلَةٌ، فقالَ رَسُولُ الله ﷺ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، لا يَلْقَى اللَّهَ بِهِما عَبْدٌ غَيْرُ شاكٍّ فَيُحْجَبَ عَنِ الجَنَّةِ رواهُ مسلم.
6/417- وَعَنْ عِتْبَانَ بنِ مالكٍ -وَهُوَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا- قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمي بَني سالمٍ، وَكَانَ يَحُولُ بَيْني وَبينهُم وادٍ إِذَا جاءَتِ الأَمطارُ، فَيَشُقُّ عَليَّ اجْتِيَازُهُ قِبَلَ مَسْجِدِهِمْ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فقلتُ لَهُ: إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ الوَادِيَ الَّذِي بَيْني وَبَيْنَ قَوْمِي يَسِيلُ إِذَا جَاءَت الأَمْطارُ، فَيَشُقُّ عَليَّ اجْتِيازُهُ، فَوَدِدْتُ أَنَّكَ تَأْتي فَتُصَلِّيَ في بَيْتي مَكانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى، فقال رسُولُ اللَّهِ ﷺ: سأَفْعَلُ، فَغَدا عليَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ بَعْدَمَا اشْتَدَّ النَّهَارُ، وَاسْتَأْذَنَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَذِنْتُ لهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ فَأَشَرْتُ لهُ إِلى المَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّه ﷺ فَكَبَّرَ وَصَفَفْنَا وَراءَهُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْن، ثُمَّ سَلَّمَ، وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ، فَحَبَسْتُهُ علَى خَزِيرةٍ تُصْنَعُ لَهُ، فَسَمِعَ أَهْلُ الدَّارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ في بَيْتي، فَثَابَ رِجَالٌ منهمْ حتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ في البَيْتِ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا فَعَلَ مَالِكٌ؟ لا أَرَاهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: ذلِكَ مُنَافِقٌ، لا يُحِبُّ اللَّه ورَسُولَهُ، فقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا تَقُلْ ذَلِكَ، أَلا تَراهُ قالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعالى؟ فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، أَمَّا نَحْنُ فَوَاللَّهِ مَا نَرَى وُدَّهُ وَلا حَديثَهُ إِلَّا إِلى المُنَافِقينَ، فقالَ رسولُ اللَّه ﷺ: فَإِنَّ اللَّه قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ متفقٌ عَلَيهِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة وما جاء في معناها من الأحاديث كلها تدل على فضل التوحيد، وأنَّ مَن لقي الله بالتوحيد صادقًا مخلصًا ليس بشاكٍّ حرَّمه الله على النار، وما ذاك إلا لأنَّ مَن لقي الله بالتوحيد صادقًا غير شاكٍّ لا يُصرّ على المعاصي، بل إيمانه الصحيح وتصديقه الجازم يمنعه من اقتراف المعاصي والإصرار عليها، فإذا مات على التوحيد والإيمان والصدق والإخلاص وترك المعاصي حرَّمه الله على النار.
المقصود أنَّ هذا يدل على فضل التوحيد، وأن أهل الإيمان والتوحيد موعودون بالجنة والسعادة، والتوحيد الصَّادق الخالص لا يدعهم يُصرون على سيئةٍ؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا قال في كتابه العظيم: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۝ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:135- 136].
فهذه الأحاديث الثلاثة وما في معناها -كحديث عُبادة السابق- كلها مقيَّدة بأحاديث الوعيد، وأحاديث الأحكام الشرعية لا بدَّ منها، فمُطلق النصوص مُقيَّدٌ بمُقَيّدها من القرآن والسنة جميعًا، فلا بدّ من هذا وهذا، أما مَن مات على السّيئات ولم يَتُبْ منها فهو تحت مشيئة الله، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فمَن مات على الزنا أو السرقة أو العُقوق أو الربا ولم يتب فهو تحت مشيئة الله، وإن كان مُوحِّدًا، لكن توحيده يكون ناقصًا وضعيفًا، ولو كان توحيدُه كاملًا لترك المعاصي والإصرار عليها.
فهذا هو الجمع عند أهل السنة والجماعة، الأحاديث المطلقة مُقَيَّدة بالأحاديث المقيّدة، فلا بدّ من كون التوحيد صادقًا مانعًا من الذنوب، ففي حديث معاذٍ يقول: صِدْقًا من قلبه، وفي الحديث الثاني: غير شاكٍّ، وفي حديث عتبان: مَن قال: لا إله إلا الله يبتغي بها وجهَ الله، فلا بدّ من هذه القيود التي تمنع من الإصرار على الذنوب والسّيئات.
وحديث معاذ: مَن شهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله صدقًا من قلبه، وفي الرواية الأخرى لما كان رديفه على الحمار قال: أتدري ما حقُّ الله على العباد، وما حقُّ العباد على الله؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: حقُّ الله على عباده أن يعبدوه ولا يُشركوا به شيئًا، وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه، يعبد الله، لا يُشرك به شيئًا، فإذا مات على هذه الحال صادقًا، تاركًا للذنوب، غير مُصِرٍّ عليها؛ دخل الجنة من أول وهلةٍ، أما إن مات على المعاصي ولم يتب فهو تحت المشيئة، إن شاء الله غفر له، وإن شاء أدخله النار حتى يُطَهَّر من سيئاته، فإذا طُهِّرَ منها في النار أخرجه الله من النار إلى الجنة بفضل رحمته جلَّ وعلا، ولا يبقى في النار إلا الكفَّار، لا يُخلَّد فيها إلا الكفرة الذين قال فيهم سبحانه: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167]، ويقول فيهم جلَّ وعلا: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة:37]، هذه حال الكفرة، أما العُصاة فلهم مخرجٌ، إذا عُذِّبوا قدر معاصيهم لهم مخرج، يُخرجهم الله من النار ولو بقوا مدةً طويلةً، يُخرجهم الله من النار إلى الجنة بتوحيدهم الذي ماتوا عليه، وإسلامهم الذي ماتوا عليه.
نسأل الله للجميع العافية والسلامة.

الأسئلة:

س: المستمر على الزنا والذي يموت عليه ..؟
ج: من جُملة أهل المعاصي.
س: ابن كثير رحمه الله تعالى عند قول الله : وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:69]، التَّخليد يعني: مؤقت أو ماذا؟
ج: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ [الفرقان:70]، مَن دخل النار فقد أُهين، ليس هناك أعظم إهانةٍ من دخول النار –نسأل الله العافية.
س: والخلود هنا ما المقصود به عند عدم التوبة؟
ج: المدة الطويلة، المدة الطويلة يُقال لها: خلود، أقاموا فأخلدوا، يعني: طوَّلوا.
س: ما الحكمة من أنَّ عتبان طلب من رسول الله ﷺ أن يُصلي في بيته؟
ج: لأجل أن يتَّخذ مُصلًّى؛ لأنه إذا قصد محلًّا وصلَّى فيه صار محلًّا مناسبًا وشريفًا، مثل: لما صلَّى عند مقام إبراهيم صار سنةً، فالمحل الذي يقصد الصلاةَ فيه حتى يتّخذ مُصلًّى يكون محلَّ عبادةٍ، ويكون محلًّا مباركًا وطيبًا، أما الصلاة العابرة في الطُّرقات فلا.
س: .................
س: الذي يموت على كلمة "لا إله إلا الله"، يعني: بلغتُه آخرًا؟
ج: إذا كان صادقًا، أما إن كان منافقًا فلا تنفعه.
س: ...................
س: ما الحكمة في أنَّ الرسول ﷺ أعاد ثلاث مراتٍ لمعاذٍ؟
ج: حتى يستعدَّ للفائدة وينتبه.