157 من: (باب فضل الرجاء)

 
52- باب فضل الرَّجاء
قَالَ الله تَعَالَى إخبارًا عن العبدِ الصالِحِ: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۝ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا [غافر:44، 45].
1/440- وعن أَبي هريرة ، عن رَسُول اللَّه ﷺ أَنَّهُ قَالَ: قالَ اللَّه : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدي بِي، وأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُني، وَاللَّهِ للَّهُ أَفْرَحُ بتَوْبةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضالَّتَهُ بالْفَلاةِ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقرَّبْتُ إِلَيْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِراعًا تقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إلَيه أُهَرْوِلُ متفقٌ عليه، وهذا لفظ إحدى رِوايات مسلم.
3/441- وعن جابِر بن عبدِاللَّه رضي اللَّه عنهما: أَنَّهُ سَمعَ النَّبِيَّ ﷺ قَبْلَ مَوْتِهِ بثلاثَةِ أَيَّامٍ يقولُ: لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُم إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ باللَّه عزَّ وَجَلَّ رواه مسلم.
3/442- وعن أَنسٍ قَالَ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ ﷺ يقُولُ: قَالَ اللَّه تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَني وَرَجَوْتَني غَفَرْتُ لَكَ عَلى مَا كَانَ مِنكَ وَلا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّماءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَني، غَفَرْتُ لَكَ، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَو أَتَيْتَني بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايا، ثُمَّ لَقِيْتَني لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث مع الآية الكريمة فيها الحثّ على إحسان الظنِّ بالله، وتفويض الأمر إليه جلَّ وعلا، وتقدمت أحاديث كثيرة في فضل الرجاء، وأنَّ الواجب على المؤمن ألا يقنط، ولا ييأس، بل يُحْسِن ظنّه بربِّه، مع العمل الصالح، فإنَّ إحسان الظن يُوجِب العمل الصالح، أما سُوء العمل فيُوجب سُوء الظن، ولكن متى أحسن العمل فإنَّ هذا يُعينه على حسن ظنه بالله جلَّ وعلا، كما قال تعالى عن الرجل المؤمن: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [غافر:44]، فوَّض أمره بعدما عمل، بعدما اجتهد في الطاعة، وأنذر قومه وحذَّرهم.
فهكذا المؤمن يُطيع الله، ويستقيم على دينه، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويُحسِن ظنه بربه جلَّ وعلا، والله يقول: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني.
فالواجب على المؤمن أن يُحسِن ظنه بربه، وأن يكون حسن الظن، حسن الرجاء، مع العمل الصالح، ومع الجد في طاعة الله، كما قال تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ [الزمر:54]، وقال تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110].
وفي هذه الأحاديث دلالة على أنَّ الله أسرع بالخير إلى عبده، وأنه أفرح بتوبته من الرجل الذي يفقد راحلتَه ثم يجدها، فهو أفرح بتوبته من هذا الرجل، فدلَّ ذلك على أنَّه سبحانه يُحبُّ من عباده أن يتوبوا إليه، كما قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، ويقول سبحانه: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ [الشورى:25]، ويقول: مَن تقرَّب إليَّ شبرًا تقرَّبْتُ منه ذراعًا، ومَن تقرَّب مني ذراعًا تقرَّبْتُ منه باعًا، ومَن أتاني يمشي أتيتُه هرولةً، فكل هذا فيه الحثّ على المسارعة إلى الخيرات، والمسابقة إلى الطاعات، وعدم الغفلة.
وهكذا قول الله جلَّ وعلا: إنَّكَ ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالي، يا ابن آدم، لو بلغتْ ذنوبُك عنانَ السَّماء ثم استَغْفَرْتَنِي غفرتُ لك، فمَن تاب وأسلم -حتى من الشرك- تاب الله عليه، ولهذا قال: إنَّك لو لقيتني بقُرَاب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئًا؛ لأتيتُك بقُرابها مغفرةً، فمَن وحَّد الله واستقام على دينه غفر الله له، وكما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ [الشورى:25]، وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، يعني: للتائبين، أجمع العلماءُ على أنها في التَّائبين، وقال تعالى: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87].
والمقصود أنَّ هذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها فيها الحثُّ على التوبة، والاستغفار، وحسن الظن بالله، وحسن الرجاء، وعدم اليأس، وعدم القنوط، لا مع الإهمال والإعراض، أمَّا مَن أهمل وأعرض وارتكب السيئات فقد جاهر الله بالمعاصي، وقد جاهر الله بالمحاربة، فهو على خطرٍ عظيمٍ، ولهذا توعَّد أهل المعاصي بالنار، وتوعدهم بغضبه جلَّ وعلا.
فكل ذلك للتَّحذير مما حرَّم الله، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۝ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:90- 91]، ويقول تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32]، ويقول جلَّ وعلا: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يُشرك أو يقتل أو يزني يَلْقَ أَثَامًا ۝ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ۝ إِلَّا مَنْ تاب .. [الفرقان:68- 70]، ويقول النبيُّ ﷺ: الصَّلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان؛ كفَّارات لما بينهنَّ إذا اجتنب الكبائر، والله يقول سبحانه: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، فالأحاديث المُطْلَقة تُفَسِّرها الأحاديثُ المُقَيَّدة والنصوص المقيدة.
فالواجب على المؤمن أن يحذر مطاوعة الهوى، والنفس الأمَّارة بالسوء، والغرور؛ فيقع في المعاصي ولا يتوب، فهذا هو الخطر العظيم.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.

الأسئلة:

س: بعض الذين يشتغلون في العسكرية يُسْبِلون بناطلهم، فإذا أُمِرُوا بعدم الإسبال قالوا: المرتبة الكبيرة تأمرنا بذلك، هل هذا لهم ضرورة وعذرٌ؟
ج: يقول النبي ﷺ: إنما الطاعة في المعروف، لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق، فليس لهم طاعتهم، حدُّ اللباس الكعب، لا ينزل عن الكعب، سواء عسكري، أو غير عسكري.
س: يعني ليست بضرورةٍ لهم؟
ج: ليست بضرورةٍ، يكذبون.
س: .................
س: إذا كان الرجلُ ظالمًا ثم تاب؟
ج: يرد الحقوقَ إلى أهلها.
س: يعني تبقى التوبةُ مُعَلَّقة؟
ج: لا بدّ أن تُرد الحقوقُ إلى المظلومين، فإن لم يردها أخذوها يوم القيامة من أعماله.
س: ................