113- من حديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره..)

 
7/309- وعن أَبي شُريْحٍ الخُزاعيِّ : أَنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إلى جارِهِ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَنْ كانَ يُؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ رواه مسلم بهذا اللفظ، وروى البخاري بعضه.
8/310- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قَالَت: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّه، إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلى أَيِّهما أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْربهمِا مِنْكِ بَابًا رواه البخاري.
9/311- وعن عبدِاللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: خَيْرُ الأَصحاب عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى خَيْرُهُمْ لصاحِبِهِ، وخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى خيْرُهُمْ لجارِهِ رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث تتعلق بالجار والصاحب، وتقدمت أحاديث الباب، وكلها تدل على وجوب إكرام الجار، والإحسان إليه، وكفّ الأذى عنه، فالجار له حق عظيم، فالواجب مثلما قال ﷺ: إكرامه والإحسان إليه، يقول ﷺ: مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكْرِمْ جاره»، وفي رواية أبي شريح: «فليُحْسِنْ إلى جاره، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفه، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت.
فهذا اللسان خطره عظيم، فالواجب على المؤمن أن يحفظ لسانه، وأن يصونه عمَّا لا ينبغي، فإما أن يقول خيرًا، وإمَّا أن يسكت، هذا هو الواجب على المؤمن: الحذر من شرِّ لسانه، ولهذا يقول ﷺ مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، قال معاذ: يا رسول الله، وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلَّم به؟ قال: يا معاذ، وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم -أو قال: على مناخِرهم- إلا حصائد ألسنتهم؟، وفي الحديث الصحيح: إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يتبين فيها –يعني: ما يتثبَّت فيها- يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يتبين فيها؛ يكتب الله له بها رضاه.
فأنت يا عبدالله على خيرٍ إذا حفظت لسانك، وصنت لسانك، وأنت على خطرٍ إذا أطلقت هذا اللسان ولم تتحفظ.

تقول عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، إنَّ لي جارين، فإلى أيِّهما أُهدي؟ قال: إلى أقربهما منكِ بابًا، فهذا يدل على أنَّ العبرة في الجوار بقرب الباب، لا بقرب الجدار، فالجيران متفاوتون، فكل مَن كان أقرب بابًا فهو أحق بالإكرام والإحسان، ولهذا قال ﷺ: إلى أقربهما منكِ بابًا.
وتقدم قوله ﷺ: يا نساء المسلمات، لا تحقرنَّ جارةٌ لجارتها ولو فرسن شاة، ويقول ﷺ: خير الأصحاب خيرهم لصاحبه، وخير الجيران خيرهم لجاره.
فالمؤمن يعتني بصحبه، ولا يؤذيهم، ويصلهم، ويُحسن إليهم، ويعلمهم، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويزيدهم من الخير، ويُواسيهم من ماله إن كانوا فقراء، هكذا الصاحب الخَيِّرُ الطَّيِّب، وهكذا مع الجيران ومع الأقارب يكون محسنًا، كافًّا للأذى، يقول الخير، ويكفّ الشر، مع الجار، ومع الأقارب، ومع غيرهم.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: والجار ذي القربى والجار الجنب؟
ج: الجار القريب، والجار الجنب يعني: البعيد، يقول سبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ [النساء:36]، الجار ذي القربى له خصلتان: الجوار والقرب، يعني: تكون الصدقة فيه والهدية فيه لها جهتان: صدقة، وصلة، والجار الجنب يعني: البعيد، الفقير الذي ما هو قريب، تكون صدقة، يقول النبي ﷺ: الصدقة على ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة، وعلى الفقير -مَن ليس بذي رحم- صدقة.
س: مع بُعْد القريب في الصلة يُقَدَّم على القريب في المنزل؟
ج: القريب يُقدَّم على البعيد، الصدقة على القريب صدقة وصلة، وعلى الأجنبي صدقة فقط: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ ...............
س: رجل يطلب العلم ويكذب على شيخه، يقول: قال الشيخ كذا، ولم يقل الشيخ، هل هو ثقة؟
ج: لا، يكذب، ما يجوز هذا، وليس بثقةٍ، فالذي يُعْرَف بالكذب ما يُصَدَّق.
س: صحة حديث عبدالله بن عمرو: خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه؟
ج: ما أذكر حاله.
طالب: سند الحديث معي، يقول: حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا عبدالله بن المبارك، عن حيوة بن شريح، عن شرحبيل بن شريك، عن أبي عبدالرحمن الحبلي، عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ: خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره، قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وأبو عبدالرحمن الحبلي اسمه عبدالله بن يزيد؟
الشيخ: أبو عبدالرحمن الحبلي ثقة، لكن في إسناده شرحبيل بن شريك، وهو محل نظر.
الطالب: رواه الدارمي والإمام أحمد كذلك.
الشيخ: الحاشية؟
الطالب: نعم، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: وإسناده صحيح، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
الشيخ: على حاشية "رياض الصالحين"؟
الطالب: نعم.
الشيخ: أيش قال عن شرحبيل بن شريك؟
الطالب: شرحبيل بن شريك كذا ذكره صاحب "الكمال"، صوابه: شريك بن حنبل، أبو داود والترمذي، وغيره: شرحبيل بن شريك المعافري، أبو محمد، المصري، ويقال: شرحبيل بن عمرو بن شريك، صدوق، من السادسة. (البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي).
الشيخ: مثلما قال، لا بأس به، جيد.
س: ما الفضل في قوله تعالى: وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237] في آية الطلاق؟
ج: عام، يعم الفضل بالكلام، والصدقة، والإحسان، والشفاعة الطيبة بعد الفراق.
س: بعد الفِراق الكُلّي؟
ج: لا تنسَى هي، ولا ينسَى هو.
س: في الطلقة الأولى والثانية والثالثة؟
ج: يعني: لا ينسوا الفضل، من مكارم الأخلاق.
س: المُعتبر في تحديد الجوار، هل مرده إلى العُرف؟
ج: لا، قُرب الأبواب، فكلَّما قرب البابُ فهو أقرب.
س: لكن تحديد ..؟
ج: يُروى في هذا: أربعون دارًا، ولكن ما أعلم فيه حديثًا صحيحًا يُحدد، إنما كلَّما كان أقرب فهو أولى بالإحسان.