142 من حديث: (يَا أُسامةُ! أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ؟)

 
4/393- وعن أُسامةَ بنِ زَيْدٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: بعثَنَا رسولُ اللَّه ﷺ إِلَى الحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَصَبَّحْنا الْقَوْمَ عَلى مِياهِهمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلًا مِنهُمْ، فَلَمَّا غَشيناهُ قَالَ: لا إِلهَ إلَّا اللَّه، فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصارِيُّ، وَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدينَةَ بلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ لِي: يَا أُسامةُ! أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ؟! قلتُ: يَا رسولَ اللَّه إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا، فَقَالَ: أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ؟! فَما زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذلِكَ الْيَوْمِ. متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ: فَقالَ رسولُ اللَّه ﷺ: أَقَالَ: لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟! قلتُ: يَا رسولَ اللَّهِ! إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلاحِ، قَالَ: أَفَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لا؟! فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَومَئذٍ.
5/394- وعن جُنْدبِ بنِ عبداللَّه : أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ بعثَ بَعْثًا مِنَ المُسْلِمِينَ إِلى قَوْمٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، وَأَنَّهُم الْتَقَوْا، فَكَانَ رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ إِذا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إِلى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ، وَأَنَّ رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ قَصَدَ غفلَتَه، وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَلمَّا رَفَعَ السَّيْفَ قَالَ: لا إِله إِلَّا اللَّهُ، فقَتَلَهُ، فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلى رَسُول اللَّه ﷺ فَسَأَلَهُ، وأَخْبَرَهُ، حَتَّى أَخْبَرَهُ خَبَر الرَّجُلِ كَيْفَ صنَعَ، فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: لِمَ قَتَلْتَهُ؟ فَقَالَ: يَا رسولَ اللَّهِ! أَوْجَعَ في المُسْلِمِينَ، وقَتلَ فُلانًا وفُلانًا - وسَمَّى لَهُ نَفرًا - وإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ: لا إِله إِلَّا اللَّهُ، قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: أَقَتَلْتَهُ؟ قَالَ: نَعمْ، قَالَ: فَكيْفَ تَصْنَعُ بلا إِله إِلَّا اللَّهُ إِذا جاءَت يوْمَ القيامَةِ؟! قَال: يَا رسولَ اللَّه! اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: وكَيف تَصْنَعُ بِلا إِله إِلَّا اللَّهُ إِذا جاءَت يَوْمَ القِيامَةِ؟! فَجَعَلَ لا يَزيدُ عَلى أَنْ يَقُولَ: كيفَ تَصْنَعُ بِلا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جاءَتْ يَوْمَ القِيامَةِ؟! رواه مسلم.
6/395- وعن عبدِاللَّه بنِ عتبة بن مسعودٍ قَالَ: سمِعْتُ عُمَر بْنَ الخَطَّابِ يقولُ: إِنَّ نَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بالوَحْي في عَهْدِ رَسُول اللَّه ﷺ، وإِنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِما ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنا خَيْرًا أَمِنَّاهُ، وقرَّبناه، وَلَيْس لنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شيءٌ، اللَّهُ يُحاسِبُهُ فِي سرِيرَتِهِ، ومَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ، وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وإِنْ قَالَ: إِنَّ سَرِيرَتَه حَسنَةٌ رواه البخاري.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله، وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث - حديثان مع أثر عمر - كلها تدل على وجوب الأخذ بالظواهر، وأما السَّرائر فإلى الله ، وتقدمت الأحاديث في هذا الباب، فالواجب على أهل الإيمان أن يتَّقوا الله، وأن يُراقبوا الله، وأن يأخذوا الناس بما ظهر من أعمالهم، أما اتِّهامهم في سرائرهم، وأخذهم بشيءٍ لا يعلمونه؛ فهذا إلى الله .
فالواجب العمل بظاهر الإنسان، وما يدل عليه الشرعُ في حقِّه، أما باطنه، وسريرته؛ فإلى الله ؛ ولهذا تقدَّم قوله ﷺ: أُمِرْتُ أن أُقاتل الناسَ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءَهم وأموالهم إلا بحقِّها، وفي اللفظ الآخر: أُمِرْتُ أن أُقاتل الناسَ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويُقيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءَهم، وأموالهم، إلا بحقِّ الإسلام، وحسابهم على الله، والأحاديث في هذاالمعنى كثيرة.
وهكذا بطرقه لما قتل بعض الرجال الحرقة، والسبب في ذلك أنَّه أوجع في المسلمين، ولحقه هو وبعض الأنصار، فلما غشياه قال: لا إله إلا الله، فكفَّ عنه الأنصاري، وأما أسامة فطعنه برمحه حتى قتله، فلما رُفِعَ أمرُه إلى النبي ﷺ عاتب أسامةَ في ذلك وقال: أقتلتَه بعدما قال: لا إله إلا الله؟! وجعل يُكررها عليه، ثم قال: يا رسول الله! إنما قالها تعوُّذًا لما رأى السلاح، قال: هلا شققتَ عن قلبه حتى ترى ذلك؟! قال أسامة: فما زال يُكرر ذلك عليَّ حتى تمنيتُ أني أسلمتُ يومئذٍ.
والمقصود أنَّ مَن ظاهره الكفر ثم أسلم يُقْبَل إسلامه، ويُوكل أمره وسريرته إلى الله كما فعل صاحبُ أسامة وغيره.
وهكذا ما قال عمرُ : كان الناسُ يُؤخذون بالوحي على عهد النبي ﷺ، وإن الوحي قد انقطع - أي: بموت النبي ﷺ، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمَن أظهر خيرًا قرَّبناه، وأمِنَّاه، وليس لنا من سريرته شيءٌ، الله الذي يُحاسبه على سريرته، ومَن أظهر شرًّا لم نُقربه، ولم نأمنه، وهذا هو الواجب: مَن أظهر الشرَّ اتُّهم بالشر، وظُنَّ به الشرّ، ولا ينبغي الاعتماد عليه، ولا تقريبه، بل ينبغي زجره، وإبعاده، وتذكيره، ووعظه حتى يستقيم، وإقامة ما يستحق من تعزيرٍ أو حدودٍ، أمَّا مَن أظهر الخير فإنَّه يستحق التكريم، وأن يُؤْمَن، وأن يُوثَق به، وأن يُشَجَّع على ما ظهر منه من الخير.
هذا هو الواجب على المسلمين فيما بينهم، أما اتِّهام الناس في سرائرهم، وإلغاء الحقائق؛ فلا، لكن مَن كان معروفًا بالشرك، وعبادة القبور؛ فما ينفعه قول: "لا إله إلا الله"، إذا كان معروفًا بالشرك، والتَّعلق على الأموات، والاستغاثة بهم، مثل: مُشركي اليوم من عُبَّاد البدوي، وعُبَّاد الحسين، وعُبَّاد الجيلاني، وعُبَّاد غيرهم، وأبي حنيفة في العراق، وفي مصر، وفي الشام، وفي غيرها، وعُبَّاد ابن عربي، هؤلاء ما ينفعهم قول: "لا إله إلا الله"، يجب أن يُستتابوا مع القدرة، فإن تابوا وإلا قُتِلوا، وقولهم: "لا إله إلا الله" وهم يعبدون غير الله ما ينفعهم؛ لأنَّهم قد نقضوها بشركهم، وأعمالهم الخبيثة، مثل المنافقين في عهد النبي ﷺ، يقول أحدهم: "لا إله إلا الله" وهو في الدَّرك الأسفل من النار، ما تنفعهم؛ لأنَّهم خالفوها، وعاندوها، فهكذا عُبَّاد الأوثان، وعُبَّاد الأصنام، وعُبَّاد القبور، هم كفَّار مشركون وإن قالوا: "لا إله إلا الله" كالمنافقين؛ لأنَّهم قالوها باللسان، ونقضوها بالفعال، فلا تنفعهم، ولهذا يقول ﷺ: مَن قال: لا إله إلا الله صدقًا من قلبه، وفي اللفظ الآخر: وكفر بما يُعْبَد من دون الله، وفي اللفظ الآخر: مُسْتَيْقِنًا بها قلبه، أما أن يقولها وهو يعمل الشرك فلا تنفعه - نسأل الله العافية.
والله ولي التوفيق.

الأسئلة:

س: إذا كان الرجلُ عنده معاصٍ ولا يصلي، وقبل وفاته بقليلٍ أعلن الشَّهادة: "لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله"، هل يُحكم عليه بمثل الحكم هنا؟
ج: المعاصي لا يُكفِّرها قول: "لا إله إلا الله"، لا بدّ من التوبة، "لا إله إلا الله" تُكَفِّر الشركَ إذا صدق فيها، أما إذا أتى بالمعاصي فلا بدّ من توبته من المعاصي خاصَّةً، وإذا أتى ما يُوجب الحدَّ يُقام عليه الحدُّ، ولو قال:"لا إله إلا الله"، فالنبي ﷺ أقام الحدودَ على المسلمين وهم يقولون: "لا إله إلا الله".
س: رجل عقَّ عن أولاده بعيرًا، وهم أربع بنات، وولد ذكر، فهل يُعيد مع المشقَّة عليه أو يكفي؟
ج: نرجو أن يكفي إن شاء الله؛ لأنَّ البدنة تُجزئ عن سبعةٍ، لكن السنة أن يعقَّ بالغنم كما بيَّن النبيُّ ﷺ، لكن إذا عقَّ بالبقر، أو الإبل؛ نرجو أن يُجزئه؛ لأنَّ الصحابة ذبحوا البدنةَ عن سبعةٍ، والبقرةَ عن سبعةٍ في الهدايا، وفي الضَّحايا.
س: يعني: تقاس العقيقة أو يُقاس ..؟
ج: الحكم واحد إلا أنَّ الأفضل الغنم؛ لأنَّ الرسول ﷺ أمر بالغنم، مثلما ضحَّى بكبشين، ومع هذا تُجزئ البدنة.
س: رجلٌ عليه دَيْنٌ فهل له أن يُسافر إلى الخارج لتعلم اللغة الأجنبية من أجل الدَّعوة إلى الله، أويُقال: هذا بالمنع أولى من منع مَن عليه دَيْنٌ من الحج؟
ج: إذا كان هذا السفرُ يضُرُّ الدَّائنين فلا يُسافر، يبدأ بالدَّين، أمَّا إذا لم يكن يضُرُّ الدَّائنين: ما عنده عمل، ولا وجد عملًا، ولعله يتعلَّم هذا الشيء حتى يُوظَّف، ويُوفي دَيْنَه، وينفع المسلمين، أمَّا إذا كان عنده عمل ويستطيع قضاء الدَّيْن، ويسدّ ما عليه؛ فلا يُسافر.
س: لكن منع مَن عليه دَيْنٌ من الحج هل لأجل الخوف ..؟
ج: يُمْنَع من الحج إذا كان سفرُه يضُرُّ الدَّائنين، أما إذا لم يكن يضُرُّ الدَّائنين - كأن يُسافر مع أُناسٍ والنفقة على غيره - فلا يُمنع؛ لأنَّ حجَّه لا يضُرُّهم.
س: ما صحَّة حديث: أنَّ عائشة رضي الله عنها أذَّنَتْ وأقامت الصلاة؟
ج: ما أعرف له أصلًا، فالنساء ليس عليهنَّ أذانٌ ولا إقامةٌ.
س: الشاة الصَّمعاء هل تُجزئ في العقيقة؟
ج: نعم، في العقيقة، وفي الضَّحيَّة جميعًا.
س: أقول: مثل أهل مكة مثلًا: السفر قريب للحج، ولو عليه دَيْنٌ لا يحج؟
ج: لا، يبدأ بالدَّين، فالواجب عليه أن يبدأ بالدين، إلا إذا كان أهلُ الدَّين معروفين وسامحوه، أو يحجُّ على حساب غيره، ما يضُرُّهم، وليسوا مُنفقين شيئًا؛ فلا بأس.
س: السفر من مكة إلى عرفة قريب يعني: الحج ما يُكَلِّف شيئًا؟
ج: المقصود: إذا كان سفرُه لا يضُرُّ الدَّائنين فلا بأس.
س: إذا كان قريبًا؟
ج: قريبًا أو بعيدًا، إذا لم يكن يضرُّهم فلا بأس.
س: يعني: ليست العِلَّة في السفر: أنه يُخْشَى عليه؟
ج: العِلَّة في الضَّرر، فعليه أن يُعْطِي النفقةَ التي يُنفقها في الحجِّ للدَّائنين.
س: يعني: ليست العِلَّةُ في السفر؟
ج: لا، ليست العلةُ في السفر، العلة أنَّهم أولى بنفقة الحج.
س: رجلٌ اعتاد صيامَ الاثنين والخميس، فإذا دُعِيَ يوم الاثنين يعني: وعده شخصٌ وقال له: يوم الاثنين - إن شاء الله - تتغدَّى عندي، فهل الأفضل أن يقول له: أنا اعتدتُ الصيامَ ..؟
ج: لا، يُجيب الدعوةَ ولا يأكل، يُجيب الدعوةَ، ويعتذر عن الطعام، وإن أفطر فلا بأس، فالنبي ﷺ قال: إذا دُعِيَ أحدُكم فليُجِبْ: فإن كان صائمًا فليدعو، وإن كان مُفْطِرًا فليطعم، إن كان صائمًا يدعو لهم ويقول: سامحوني أنا صائم، وجزاكم الله خيرًا، فيذهب إليهم، ويدعو لهم، وإن أفطر فلا بأس.
س: مُخَيَّرٌ بين الاثنين؟
ج: نعم مُخَيَّرٌ، وإن كان جبرُهم بالفطر أفضل.
س: يعني: يكون أميرَ نفسه؟
ج: نعم، لكن يُجيبهم، ويذهب إليهم، ثم يعتذر، أو يُفْطِر، ويأكل معهم.
س: هل الأفضل أن يعتذر لهم؟
ج: إذا كان يجبرهم بذلك، ويرى أنَّ المصلحة في إفطاره جبرًا لخواطرهم أفطر، وإن لم يكن يضرُّهم، ولا يهمُّهم؛ أفطر أو ما أفطر فيعتذر، يقول: سامحوني أنا صائم، وجئتُ وأجبتُ الدَّعوة، وسامحوني في أن أرجع.
س: قد يُرْزَق الرجلُ أربعةَ أولادٍ فهل يعقُّ بشاةٍ واحدةٍ أم لا بد أن يُعَدِّد؟
ج: السنة شاتان عن كلِّ واحدٍ، لكن لو عجز وعقَّ بواحدةٍ فالباقي يلحق إن شاء الله، يعقّ بواحدةٍ إذا استطاعها، ثم الثانية إن استطاعها، أو ما هو لازم فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].