144 من حديث: (مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذهُ النَّارُ إِلى كَعْبَيهِ، ومِنْهُمْ مَنْ تأْخُذهُ إِلى رُكْبَتَيْهِ..)

 
4/399- وعن سمُرةَ بنِ جُنْدبٍ : أَنَّ نبيَّ اللَّه ﷺ قَالَ: مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذهُ النَّارُ إِلى كَعْبَيهِ، ومِنْهُمْ مَنْ تأْخُذهُ إِلى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذهُ إِلى حُجْزتِهِ، ومِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذهُ إِلى تَرْقُوَتِهِ رواه مسلم.
5/400- وعن ابنِ عمر رضي اللَّه عنهما: أنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العالمِينَ حَتَّى يَغِيبَ أَحدُهُمْ في رَشْحِهِ إِلى أَنْصَافِ أُذُنَيهِ متفقٌ عَلَيهِ.
6/401- وعن أَنسٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسولُ اللَّه ﷺ خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، فَقَالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قلِيلًا ولَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، فَغَطَّى أَصْحَابُ رسولِ اللَّهِ ﷺ وجُوهَهمْ وَلهُمْ خَنِينٌ. متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ: بَلَغَ رسولَ اللَّه ﷺ عَنْ أَصْحَابِهِ شَيءٌ؛ فَخَطَبَ فَقَالَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الجنَّةُ والنَّارُ، فَلَمْ أَرَ كَاليَوْمِ في الخَيْر وَالشَّرِّ، ولَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، فَما أتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُول اللَّه ﷺ يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ، غَطَّوا رُؤُسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ.
8/402- وعن أَبي هريرة : أَنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ حَتَّى يَذْهَب عَرَقُهُمْ في الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِراعًا، ويُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ متفقٌ عَلَيهِ.

الشيخ:
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الأربعة كالتي قبلها في الحثِّ على الخوف من الله، والاستقامة على الحقِّ قبل يوم القيامة، قبل الخطر العظيم، والأهوال الشَّديدة؛ فالأمر عظيم، والهول شديد، فينبغي للمؤمن أن يتوقَّى ذلك بطاعة الله، واتِّباع مرضاته، والاستقامة على دينه، فإنَّ هذا الخطر العظيم إنما يكون على مَن فرَّط وأضاع، فالناس يعرقون يوم القيامة عرقًا عظيمًا، حتى يبلغَ آذانهم من شدَّة الهول، ومن شدَّة الخطر، وحتى يذهب العرقُ في الأرض سبعين ذراعًا، فهذا هولٌ عظيمٌ.
وهكذا أخبار العُصاة: منهم مَن تأخذه النارُ إلى كعبه، إلى ركبته، إلى حُجْزته، إلى ترقوته، بحسب معاصيهم التي ماتوا عليها ودخلوا بها النار، أمَّا الكفار فتصلاهم النار من فوقهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، ومن تحتهم -نسأل الله العافية: يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [العنكبوت:55]، فالكفَّار عذابهم -والعياذ بالله- يغشاهم من كل جانبٍ.
فالواجب على العبد الحذر، فأهوال يوم القيامة عظيمة وشديدة، فينبغي للمؤمن أن يجعلها على باله، وأن يحذر التَّساهل فيندم حين لا تنفعه النَّدامة.
ويقول أنسٌ : أنَّ النبي ﷺ خطب الناسَ يومًا، فعظم عليهم الأمر، فقال: عُرِضَتْ عليَّ الجنة والنار، فلم أرَ كاليوم في الخير والشّر، وقال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتُم قليلًا، ولبكيتُم كثيرًا، فشدَّ ذلك على الصَّحابة وأرضاهم، وغطّوا رؤوسَهم ولهم خنينٌ، يعني: بالبكاء.
فالمقصود أن هذا يُفيد الحذر، وأن المؤمن لا يغفل، بل يجب الحذر، وذلك بالاستقامة على طاعة الله، والبعد عن معاصي الله، والوقوف عند حدود الله، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، يعني: يجاهد نفسه في هذه الدار حتى يلقى ربَّه وهو في جهادٍ ونصيحةٍ لله ولعباده، وخوفٍ وحذرٍ، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك:12]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ [البينة:7- 8]، فهذا أمرٌ عظيمٌ، خشية الله تُوجب المسارعة إلى مراضيه، والكفّ عن محارمه، والوقوف عند حدوده، هذه الخشية الحقيقية، والخوف الحقيقي، قال تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ [إبراهيم:14]، فالخوف الحقيقي يحمل أهله على طاعة الله ورسوله، وعلى الاستقامة، والثبات على الحقِّ، والبعد عن أسباب غضب الله جل وعلا.
نسأل الله للجميع الهداية والتَّوفيق.

أسئلة:

س: بالنسبة لمَن يُلجمه العرقُ يوم القيامة: يكون ذلك لعامَّة الناس أم لمَن كانت له معصية؟
ج: ظاهر الحديث العموم، لكن المراد الكفرة وأهل المعاصي، أما المؤمنون فلهم النَّجاة والسعادة في موقف القيامة، وفي القبر، وفي الجنة، لكن الإنسان يحذر أن يُصيبه ما أصاب الناس بسبب موته على بعض المعاصي –نسأل الله العافية.