158 باب الجمع بين الخوف والرجاء

 
53 - باب الجمع بين الخوف والرجاء
اعْلَمْ أنَّ المختار للعبد في حال صِحَّتِهِ أنْ يَكُونَ خَائفًا رَاجِيًا، وَيَكُونَ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ سَواءً, وفي حَالِ المَرَضِ يُمَحِّضُ الرَّجاءُ، وقواعِدُ الشَّرْع مِنْ نصُوصِ الكِتَابِ، والسُّنَّةِ وغَيْرِ ذَلِكَ مُتظاهِرَةٌ عَلَى ذلك.
قَالَ الله تَعَالَى: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99]، وقال تَعَالَى: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87]، وقال تَعَالَى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]، وقال تَعَالَى: إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأعراف:167]، وقال تَعَالَى: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ۝ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13، 14]، وقال تَعَالَى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ۝ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ۝ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ۝ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ [القارعة:6- 9].
والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ، فَيَجْتَمعُ الخَوفُ والرجاءُ في آيَتَيْنِ مُقْتَرِنَتَيْنِ، أَو آيات، أَو آية.
1/443- وعن أَبي هريرة : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الكافِرُ مَا عِند اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنطَ مِنْ جنَّتِهِ أَحَدٌ رواه مسلم.
2/444-وعن أَبي سَعيدٍ الخدرِيِّ : أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: إِذَا وُضِعَتِ الجنَازَةُ واحْتَمَلَهَا النَّاسُ - أَو: الرِّجالُ - عَلى أَعْنَاقِهم، فَإِنْ كانَتْ صالِحَةً قالَتْ: قَدِّمُوني، قَدِّمُوني، وَإنْ كانَتْ غَير صالحةٍ قالَتْ: يَا وَيْلَهَا! أَيْنَ تَذْهَبُونَ بها؟ يَسْمَعُ صَوتَها كُلُّ شيءٍ إلَّا الإِنْسَانُ، وَلَوْ سَمِعَهُ لَصَعِقَ رواه البخاري.
3/445-وعن ابن مسعودٍ قالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: الجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِه، وَالنَّارُ مِثْلُ ذلِكَ رواه البُخاري.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله، وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات والأحاديث كلها تدل على أنَّه يجب على المؤمن أن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء، يخاف شرَّ ذنوبه، ويرجو رحمةَ ربه، هكذا المؤمن قال تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، وقال جلَّ وعلا: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا رغبًا: رجاء، ورهبًا: خوفًا، وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]، وقال تعالى: لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53]، وقال: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [يوسف:87]، وقال: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14]، وقال جلَّ وعلا: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99].
فالواجب على المؤمن أن يكون أبدًا بين الخوف والرجاء، يخاف الله بسبب الذنوب، ويرجو رحمته جلَّ وعلا، لا ييأس، ولا يقنط، ولا يأمن، فخوفه من الذنوب يدعوه إلى التوبة إلى الله، والحذر منها، ومن مجالسة أهلها، ورجاء رحمة ربه يُوجب حُسن ظنه بالله، واستقامته على طاعة الله، والحذر من كلِّ ما يُغضبه جلَّ وعلا، هكذا كان الرسلُ عليهم الصلاة والسلام، وهكذا كان أتباعهم بإحسانٍ، ولكن في حال المرض يُغَلِّب جانبَ الرجاء وحُسن الظن بالله.
جاء عنه ﷺ أنه دخل على رجلٍ فقال: ما تشكو؟ قال: إني أرجو رحمةَ ربي، وأخاف ذنبي، فقال ﷺ: ما اجتمعا في قلب مؤمنٍ إلا دخل الجنة.
فالمقصود أنَّ الخوف يحمله على ترك المعاصي، والحذر منها، والرجاء يحمله على حُسن الظن بالله، والجدّ في طاعة الله، والعمل بما يُرضيه ، ولهذا يقول ﷺ: لو يعلم المؤمنُ ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحدٌ، ولو يعلم الكافِرُ ما عند الله من الرحمة ما يَئِسَ من رحمته أحدٌ، فهو سبحانه غفور رحيم، شديد العقاب، قال تعالى: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ [غافر:3]، إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأعراف:167] ، فكن حذرًا من عقابه، راجيًا رحمته جلَّ وعلا.
وقال ﷺ: الجنة أقرب إلى أحدِكم من عُنُق راحلته، والنار مثل ذلك بينهما هذا وهذا: أن يموت على الإيمان فيدخل الجنة، وأن يموت على الكفر فيدخل النار - نسأل الله السلامة.
فينبغي للمؤمن أن يحذر شرَّ ذنوبه وسيئاته، وأن يحرص على الطاعة التي تُقرِّبه من الله جلَّ وعلا.
وإذا حُملت الجنازة على أعناق الرجال إن كانت صالحةً قالت: قدِّموني، قدِّموني؛ لأنها تُبَشَّر بالجنة، وإن كانت غير ذلك قالت: يا ويلها! أين تذهبون بها؟ يسمعها كلُّ شيءٍ إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسانُ لصعق، فالمؤمن عند الموت يُبَشَّر بالجنة، والكافر عند الموت يُبَشَّر بالنار.
فالواجب على المؤمن أن يعدَّ العُدَّة، وأن يحذر نقمةَ الله وغضبه، ويحذر شرَّ الذنوب، ولكن لا ييأس، يكون مع الخوف رجاءٌ ومحبَّةٌ، وحُسنُ ظنٍّ بالله .
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.

الأسئلة:

س: ..................
ج: نعم.
س: ..................
ج: في الحديث: مَن أحبَّ لقاءَ الله أحبَّ الله لقاءَه، ومَن كره لقاءَ الله كره اللهُ لقاءَه، فسَّرها النبيُّ ﷺ بأنَّ المؤمنَ إذا احتضر حضرته الملائكةُ، وبشَّرته بالجنة؛ فيُحبّ لقاء الله، ويُحبّ الله لقاءَه، والكافر إذا احتضر بشَّرته الملائكةُ بالنار؛ فيكره لقاءَ الله، ويكره الله لقاءَه - نسأل الله العافية.
س: فعل موسى مع مَلَك الموت؟
ج: هذه قصة صحيحة: ضرب ملكَ الموت حتى فقأ عينَه.
س: ما المقصود من فعله مع حديث: مَن أحبَّ لقاء الله أحبَّ اللهُ لقاءَه؟
ج: كل الناس يكرهون الموت، فهذا من كراهة الموت، ما هو من جهة الله، فجنس الموت مكروهٌ، ما هو محبوب.
س: هل يجوز للرجل أن يأخذ من مُصَلَّى العمل مصحفًا يستفيد منه في مكتب العمل؟
ج: لا يا أخي، ما دام أنَّ المصحف وُضِعَ للمُصلِّي فلا يأخذ منه شيئًا، فعنده السوق يمكن أن يشتري منه.
س: إذا بدَّل المصحفَ كأن يكون لديه مصحفٌ بشكلٍ مُعيَّنٍ فيُريد أن يُبَدِّله؟
ج: ما يُبَدِّله إلا إذا كان يضع الأحسن، فإن كان يضع الأحسن فلا يُخالِف، وإلا فليس له أن يُبَدِّل.