159 باب فضل البكاء من خشية الله تَعَالَى وشوقًا إِليه

 
54 - باب فضل البكاء من خشية الله تَعَالَى وشوقًا إِليه
قَالَ الله تَعَالَى: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [الإسراء:109]، وقال تَعَالَى: أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ۝ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ [النجم:59- 60].
1/446- وعَن ابنِ مَسعودٍ قالَ: قَالَ لي النبيُّ ﷺ: اقْرَأْ عليَّ القُرآنَ، قلتُ: يَا رسُولَ اللَّه! أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! قالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي، فقرَأْتُ عَلَيْهِ سورَةَ النِّساء، حَتَّى جِئْتُ إِلى هذِهِ الآية: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء:41]، قَالَ: حَسْبُكَ الآنَ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْناهُ تَذْرِفانِ. متفقٌ عَلَيْهِ.
2/447- وعن أنسٍ قالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّه ﷺ خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ فقالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا،وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا قَالَ: فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وُجُوهَهُمْ ولهُمْ خَنِينٌ. متفقٌ عَلَيْهِ.
3/448- وعن أبي هريرةَ قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا يَلِجُ النَّارَ رَجْلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّه حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْعِ، وَلا يَجْتَمعُ غُبَارٌ في سَبِيلِ اللَّه، ودُخَانُ جَهَنَّمَ رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله، وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهاتان الآيتان مع الأحاديث المذكورة في جميعها الحثّ على البكاء من خشية الله، وأنَّ المؤمن ينبغي له أن يبكي من خشية الله عند تلاوة القرآن، وعند سماع المواعظ ينبغي أن يُعالج نفسَه حتى يبكي من خشية الله؛ لما في ذلك من التَّأسِّي بالصَّالحين، ولما في ذلك من رجاء المغفرة من الله، ووعده سبحانه بدخول الجنة، والنَّجاة من النار، وأن يكون من السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه، يقول الله في الصالحين: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا، ويقول سبحانه: أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ۝ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ ۝ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ [النجم:59- 61]، فهذا فيه الحثُّ على البكاء من خشية الله، وذلك بالإصغاء، والتَّدبر للمواعظ، فإنَّ الإنسان إذا أصغى للموعظة؛ أو عند القراءة تدبَّر الآيات، وما دلَّت عليه كان هذا من أسباب الخشوع، ومن أسباب البكاء من خشية الله، فينبغي للمؤمن أن يكون هكذا.
وفي الحديث الأول يقول ﷺ لابن مسعود: اقرأ عليَّ القرآنَ، فقال ابنُ مسعودٍ: يا رسول الله، كيف أقرأ عليك وعليك أُنْزِل؟! قال: إني أُحبُّ أن أسمعه من غيري، فتلا عبدُالله أول سورة النساء، فلما بلغ قوله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء:41] تذكَّر هذا الموقف العظيم عليه الصلاة والسلام فبكى، وقال له: حسبك، قال ابنُ مسعودٍ: "فالتفتُّ إليه فإذا عيناه تذرفان"، تذكَّر هذا الموقف العظيم وبكى من خشية الله جلَّ وعلا.
وخطبهم ذات يومٍ عليه الصلاة والسلام، ووعظهم وذكَّرهم، وقال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتُم قليلًا، ولبكيتُم كثيرًا، قال أنس: "فغطَّى أصحابُ رسول الله ﷺ وجوهَهم ولهم خنينٌ" يعني: بكاء من خشية الله جلَّ وعلا.

وفي الحديث الثالث: لا يلج النارَ عينٌ بكت من خشية الله، فهذا فيه الحثّ على البكاء من خشية الله، وفي الحديث الآخر يقول ﷺ: سبعةٌ يُظلهم الله في ظلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظله، ذكر منهم رجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، فهذا فيه الحثُّ على البكاء من خشية الله، والحرص على أسباب ذلك: بالتَّدبر، والتَّعقُّل، وتذكر الآخرة، وتذكر موقف الحساب يوم القيامة، وتذكر الجنة والنار، كل هذه أسباب لخشية الله، والبكاء من خشيته .
رزق الله الجميع التوفيقَ والهداية.

الأسئلة:

س: مَن كان بكاؤه قليلًا أو معدومًا؟
ج: على كل حال، يسأل ربَّه أن يُعينه، ويتعاطى الأسباب بالتَّدبر والتَّعقل، ويسأل الله أن يُعينه على البكاء من خشيته جلَّ وعلا.
س: هل يعني انعدامُ البكاء فسادًا في القلب؟
ج: يُخْشَى على الإنسان من قسوة القلب، لكن على الإنسان أن يتعاطى الأسباب.
س: مَن كان يذهب في رمضان في صلاة التراويح أو القيام لإمامٍ صوته حسن حتى يبكي؟
ج: ما فيه بأس، هذا طيب، هذا من تعاطي أسباب الخشوع.