165 من حديث: (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛..)

 
11/467- وعن أبي هريرة قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ مسلمٍ. وفي رواية البخاري: إِذا نَظَر أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عليهِ في المالِ وَالخَلْقِ فلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ.
12/468- وعنه ، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: تَعِسَ عبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالقَطيفَةِ وَالخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ رواه البخاري.
13/469- وعنه قَالَ: لقَدْ رَأَيْتُ سبعِين مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ مَا منْهُم رَجُلٌ عَلَيْهِ رداءٌ، إِمَّا إِزَارٌ، وإِمَّا كِسَاءٌ، قَدْ ربطُوا في أَعْنَاقِهِمْ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصفَ السَّاقَيْن، ومنْهَا مَا يَبْلُغُ الكَعْبينِ، فَيَجْمَعُهُ بيدِه كراهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرتُه» رواه البخاري.
14/470- وعنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ، وجنَّةُ الكَافِرِ رواه مسلم.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الأربعة كالتي قبلها في الحثِّ على الرغبة في الآخرة، وعدم الركون إلى الدنيا، والاشتغال بها، وألا يأخذ منها إلا حاجته وما يُعِينه على طاعة الله، كما فعل السلفُ الصالحُ، لا بأس أن يتَّجر، ولا بأس أن يكتسب، ولا بأس أن يعمل، لكن لا يشغله ذلك عن الآخرة.
يقول النبيُّ ﷺ: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجزن، ويقول جلَّ وعلا في كتابه العظيم: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك:15].
فالإنسان يطلب الرزق، ويعمل بالأسباب، لكن يحذر أن تشغله عن طاعة الله، وعمَّا أوجب الله عليه؛ ولهذا يقول ﷺ: انظروا إلى مَن هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقكم؛ فهو أجدر ألا تزدروا نعمةَ الله عليكم، فالإنسان إذا نظر إلى مَن فوقه في المال والجمال ونحو ذلك قد يتحسَّر، وقد يتألم، لكن ينظر إلى مَن دونه من الفقراء الآخرين الذين هم دونه في المال والخلق ونحو ذلك؛ حتى يعرف قدر نعمة الله عليه، هذا في أمور الدنيا والخلق، أما في أمور الآخرة وأمور الطَّاعات فلينظر إلى مَن فوقه؛ ليتأسَّى بمن فوقه، وليقتدي بالأخيار، كما قال تعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الحديد:21]، وقال تعالى: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148]، وقال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133]، وقال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90].
فالإنسان في أمور الدين ينظر إلى مَن فوقه حتى يتأسَّى به، وحتى يعمل كعمله، وفي أمور الدنيا ينظر إلى مَن دونه حتى لا يزدري نعمةَ الله عليه، وحتى لا يقنط، وحتى لا يرى أنه مظلوم، فإنه إذا رأى مَن دونه عرف قدر نعمة الله عليه، فأنت عندك دار تسكنها، والآخر ما عنده دار، فهو يستأجر، وقد تعب من ذلك، وأنت عندك قدرة على الأجرة، والآخر ما عنده قدرة على الأجرة، وأنت عندك بيتٌ كبيرٌ، والآخر عنده بيتٌ صغيرٌ ما يكفيه، ففرقٌ عظيمٌ بينك وبينه.
فانظر إلى مَن دونك حتى تعرف قدر نعمة الله عليك، فأنت عندك أسباب: أنت نجَّار، وحداد، وخراز، والآخر ما عنده سبب.
ويقول ﷺ: تَعِسَ عبد الدينار، تَعِسَ عبد الدرهم، تَعِسَ عبد القطيفة، وفي اللفظ الآخر: الخَمِيصَة، تَعِسَ عبد الخميلة، إن أُعْطِيَ رضي، وإن لم يُعْطَ سَخِطَ، فهو عبدٌ لها، يرضى لها، ويسخط لها، والعبد الحقيقي عبد الله، الذي يرضى لله، ويسخط لله، أمَّا الذي يرضى للدراهم والدنانير ويسخط لها ولا يهمه أمر الآخرة فهذا قد تَعِسَ وسقط، وأمره خطير.
فالواجب على المؤمن أن يكون غضبُه لله، ورغبته فيما عند الله، لا للدرهم والدينار، يطلب الرزق، ويعمل، لكن لا يكون همه الدنيا، كما قال ﷺ: المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضَّعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، ثم قال ﷺ: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجزن، ويقول ﷺ: اليد العليا خيرٌ من اليد السُّفلى، واليد العليا: المعطية المنفقة، والسُّفلى: الآخذة السَّائلة.
كذلك حديث: الدنيا سجن المؤمن، وجنةُ الكافر، فالدنيا بالنسبة للمؤمن سجن، فهو يريد الآخرة، يريد الجنة، يريد الخلاص من هذه الدنيا وتعبها وشقائها، ولكن الكافر ليس عنده إيمانٌ بالآخرة؛ فهو يتمتَّع بالدنيا وشهواتها ولا يُبالي.
فاحرص يا عبدالله على أن تغتنم العمل الصالح في الدنيا، والإعداد للآخرة، والتزود لها، كما قال تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197].
كذلك أهل الصُّفَّة كانوا فقراء المهاجرين، بعضهم ما عنده إلا الإزار، ما يستطيع الرِّداء، اذكر حالهم، وأنت عندك أكثر مما عندهم، فاحمد ربَّك على نعمة الله، ولا تقنط، ولا تيأس، فأهل الصفة كانوا فقراء، يُحْسِن إليهم الناسُ، وأنت لديك الكسوة والمسكن، وعندك كذا وكذا، وعندك خيرٌ كثيرٌ، فاحمد الله على نعمه، واشكره، وسارع إلى الخيرات، واستعن بنِعَم الله على طاعة الله.
فالواضح أنها سجن له حتى ينتقل منها إلى الجنة، فهو مسجونٌ عن الجنة حتى يموت وينتقل إليها، والمؤمن حين يكون في طاعة الله يجد حلاوة الإيمان: ذاق طعمَ الإيمان مَن رَضِيَ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ رسولًا، ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوةَ الإيمان، فالمؤمن يجد حلاوة الإيمان، ولكن مع هذا فإنَّ الدنيا سجنه، فهو يريد الآخرة، يريد الجنة.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:
س: أيّهما أفضل: طلب التَّقلل من الدنيا أم التَّزود من الأموال؟
ج: إذا كان يريد العملَ بطاعة الله ونفع المسلمين فعليه أن يعمل بالأسباب، إذا لم تشغله عن الآخرة، فيعمل وينفع الناس، مثلما فعل الصَّحابةُ: أبو بكر الصديق، وعمر، وعبدالرحمن بن عوف، وغيرهم، فقد أنفقوا في سبيل الله، وأحسنوا، ولم تشغلهم الدنيا عن الآخرة.
س: امرأة تُعاني من كثرة النَّمل في البيت؟
ج: إذا آذى لا بأس بإتلافه، لكن بغير النار، أمَّا إذا لم يُؤْذِ فلا يُتَعَرَّض له، فالرسول نهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصُّرَد، لكن إذا آذى يُقْتَل.
س: ...............؟
ج: ذلك لقِلَّة الكسوة وكونها قصيرةً، فإذا سجدوا قد تبدو العورة؛ لأنَّها قصيرة إلى نصف الساق أو أرفع، فإذا سجد قد تبدو عورته وتُرَى.
س: تركيب قلب الكافر في جسد المؤمن، يعني: عملية في المستشفى؟
ج: هذا محل خلافٍ، ولا مانع من تركيبه، فإن عمل بطاعة الله وأخلص له فقد انتقل من قلب كافرٍ إلى قلب مؤمنٍ، مثلما تُنْقَل أصبعه أو يده أو ضِرْسه.
س: هذا خاصٌّ بالكافر؟
ج: نعم، إذا احتاج المؤمنُ إلى عضوٍ من الكافر.
س: كيف يصير الإيمانُ في هذه الحالة؟
ج: الإيمان محله القلب، خشية الله ومحبة الله والإخلاص لله ينتقل من الحالة السيئة إلى الحالة الطَّيبة.
س: رجلٌ دخل المسجدَ والإمام راكع، فهل الأفضل له أن يتم الصفَّ الأول وإن كان بعيدًا عنه أم يدخل مع الإمام في الصف القريب؟
ج: لا، يُكَمِّل الصفَّ الأول فالأول، ولو فاتته الركعة.