168 من حديث: (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة..)

 
21/477- وعن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعديِّ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْها شَرْبَةَ مَاءٍ رواه الترمذي، وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
22/478- وعن أَبي هُرَيْرَة قالَ: سمعتُ رسولَ اللَّه ﷺ يقول: أَلا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلعونٌ مَا فِيهَا، إِلَّا ذِكْرَ اللَّه تَعَالَى ومَا وَالَاه، وَعالمًا وَمُتَعلِّمًا رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ.
23/479- وعن عَبْدِاللَّه بنِ مسعودٍ قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: لا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا في الدُّنْيا رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ.

الشيخ:
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث في الحثِّ على الرغبة في الآخرة والإعداد لها، وأنَّ هذه الدنيا لا قيمةَ لها عند الله، فلو كانت تَزِنُ عند الله جناح بعوضةٍ ما سقى منها كافرًا شربةَ ماءٍ.
وتقدم قوله ﷺ: ما الدنيا في الآخرة إلا كما يُدْخِل أحدُكم أصبعه في اليَمِّ –يعني: في البحر– فلينظر بم ترجع؟ يعني: ليس لها قيمة.
فالمؤمن ينبغي له إيثار الآخرة، والإعداد لها، والعمل لها، وأن تكون أعماله كلها لطلب الآخرة: في بيعه وشرائه، وزراعته، وسائر أحواله، كل ذلك يطلب فيه مرضاة الله .
وهكذا حديث: الدنيا ملعونة، ملعونٌ ما فيها، إلَّا ذكر الله وما والاه أي: مذمومة، مذمومٌ ما فيها، إلَّا ذكر الله وما والاه من طاعة الله، واتِّباع رسوله، والاستقامة على دينه، وعالمًا بشرع الله، ومُتعلِّمًا لشرع الله، فهي مذمومةٌ لا خيرَ فيها إلَّا ذكر الله وما والاه، وهم أهل طاعته، والأعمال الصالحة، ومَن استقام عليها من أهل الإيمان والتَّقوى، وعالمًا ومُتعلِّمًا، وإلَّا فهي مذمومة زائلة: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185]، اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا [الحديد:20]، فهي زائلة منتهية، لكن يبقى لك عملك الصالح: تقواك لله، وإيمانك بالله، واجتهادك في طاعة الله، هذا هو الذي يبقى، فينبغي للمؤمن أن يحرص على ذلك، وأن تكون همَّتُه عاليةً.
وحديث: لا تتَّخذوا الضَّيعةَ فترغبوا في الدنيا يعني: المزارع، لكن إذا أراد الإنسانُ بها الخيرَ فالأحاديث الصَّحيحة تدل على أنها مرغوبٌ فيها، يقول ﷺ: ما من مسلمٍ يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه دابَّةٌ أو طيرٌ أو إنسانٌ إلَّا كان له صدقة، إن صحَّ فالمراد به الضَّيعة التي تشغل عن طاعة الله، وأمَّا الضَّيعة التي تُعين على طاعة الله في غرسه وزرعه فينفع الناس وينفع نفسه، فقد اتَّخذها الأنصارُ، واتَّخذها المسلمون.
فاتِّخاذ الضَّيعات والمزارع للانتفاع بها والاستغناء عمَّا في أيدي الناس فيه فضلٌ عظيمٌ، يقول ﷺ: ما من مسلمٍ يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه دابَّةٌ أو طيرٌ أو إنسانٌ إلَّا كان له صدقة، فالضَّيعة التي نُهِيَ عنها -لو صحَّ الحديثُ- يعني: الضَّيعة التي تشغل عن طاعة الله وعن الآخرة.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:
س: ذكر البعض أنَّ الضيعة هي العقار؟
ج: الضيعة: المزارع، والعقارات التي تشغل بالسعي عليها والعمل عليها.
س: بالنسبة لانتظار الصلاة: إذا انصرف الناسُ من الصلاة، وجلس إنسانٌ في المسجد ينتظر الصلاةَ التي بعدها، فهل يجوز له أن يتحدَّث في الدنيا أم لا؟
ج: هو في صلاةٍ ما انتظر الصلاة، وهكذا في بدء الصلاة، ما لم يُؤْذِ أو يُحْدِث.
س: وتحدثه في الدنيا جائز؟
ج: تركه أولى، إلا الشيء القليل.
س: هل ورد عن الإمام أحمد في "مسنده" شيءٌ من هذا؟
ج: ما أذكر شيئًا في هذا، يذكر عن بعض السَّلف.
س: حَمَلَ بعضُ الشراح –القرطبي وابن حجر- الحديثَ على ما ذكرتَ؟
ج: نعم، يجب حمله على هذا، إذا سَلِمَ من العِلَّة.
س: لو كان العبدُ يستطيع أن يشتري من المتاع لبيته شيئًا ما وتقلل من ذلك كما روي عن بعض الصحابة أنه فعل ذلك، يعني: يكون المتاع الصالح ينتظره في الآخرة؟
ج: المهم أن يبتعد الإنسان عمَّا يشغله عن الآخرة، أمَّا إذا كان لا يشغله، بل ينفع به الناس: من بيع، أو شراء، أو عقار، أو غير ذلك؛ فهو ينفع الناس، ولما سُئل ﷺ: أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور، وقال ﷺ: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، فإذا كان عمله ينفع -سواء بيع، أو شراء، أو مُزارعة، أو بيع دوابّ، أو بيع متاع آخر، أو غير ذلك- فيفعله ما دامت فيه مصلحةٌ ومنفعةٌ للمسلمين، يرجو به ثوابَ الله، فهو على خيرٍ عظيمٍ، والمؤمن على خيرٍ في أعماله كلها إذا نوى بها وجهَ الله والدار الآخرة.
س: قال: أو عالمًا ومُتعلِّمًا هل المراد: كل عالم ومتعلم؟
ج: يعني: العالم الشرعي، والمتعلم الشرعي، فهو خاصٌّ بالعلوم الشرعية.
س: جماعة صلّوا العشاء على غير اتجاه القبلة خطأً منهم، وعلموا بعدما ضاق وقتُ الصلاة، فهل يُعيدوا؟
ج: إن كان انحرافًا يسيرًا يُعْفَى عنه، وإن كان انحرافًا كبيرًا فعليهم الإعادة.
س: ولو انحرفوا أثناء الصلاة وأصلحوا اتِّجاههم؟
ج: إذا كان يسيرًا وأصلحوه كفى.
س: ما معنى: الدنيا ملعونة؟
ج: أي مذمومة، فاللَّعن هنا الذم.
س: هل يجوز للإنسان أن يشترط إذا مات أن يُدْفَن في بيته؟
ج: لا، لو شرط ذلك فهو شرطٌ باطلٌ، ويُدْفَن في مقابر المسلمين، ولا يُدْفَن في بيته.
س: قالوا: لماذا دُفِنَ أبو بكر وعمر في بيت رسول الله؟
ج: لأنَّهم أصحابه الخواص، فدُفِنَا معه عليه الصلاة والسلام، فصارت حجرتُه مقبرةً للجميع –للثلاثة- مقبرة خاصَّة.
س: لعلَّةٍ لهما؟
ج: لأنَّهما صاحباه الخاصَّان رضي الله عنهما.
س: فيكون خاصًّا بهما؟
ج: اجتهادًا من الصَّحابة.
س: سائلة تسأل: بالنسبة لاستخدام اللولب، مع العلم أنه يقتل البُويضة بعد الإخصاب وليس قبله، فما حكمه؟
ج: هم يفعلونه لأجل منع الحمل، وتركه أولى، فترك اللولب والحبوب أولى، وكونها تحمل إلا من حاجةٍ: إذا كان عند الحامل ضُرَّة أو أطفال كُثُر وتراضت وزوجها على ذلك فلا بأس إن شاء الله.
س: وعند الحاجة هل تستخدم اللَّولب؟
ج: اللولب والحبوب؛ لأنها تمنع الحمل مؤقَّتًا.
س: هل يجوز لعن الدنيا ولعن الشيطان؟
ج: لعن الشيطان أحبّ.
س: ولعن الدنيا: "الله يلعن الدنيا" هل يجوز؟
ج: تركه أولى؛ لأنَّ الرسول ﷺ أخبر عنها أنها مذمومة من جهة الله، وما قال: العنوها أنتم.