193 من: (باب النهي عن البخل والشح)

 
61- باب النهي عن البخل والشُّحِّ
قَالَ الله تَعَالَى: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ۝ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ۝ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى [الليل:8- 11].
وقال تَعَالَى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن:16].
1/563- وعن جابرٍ : أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قالَ: اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيامَة، واتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُم عَلَى أَن سَفَكُوا دِمَاءَهم، واستحَلُّوا مَحَارِمَهُم رواه مسلم.

62- باب الإيثار والمُواساة
قَالَ الله تَعَالَى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9].
وقال تَعَالَى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [الإنسان:8]، إلى آخر الآيات.
1/564- وعن أبي هُريرة قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إنِّي مَجْهُودٌ، فأَرْسَلَ إِلى بَعضِ نِسائِهِ، فَقَالت: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا عِندِي إِلَّا مَاءٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلى أُخْرَى فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ، حتَّى قُلْنَ كُلُّهنَّ مِثلَ ذَلِكَ: لا وَالذِي بعثَكَ بِالحَقِّ، مَا عِندِي إِلَّا مَاءٌ، فَقَالَ النبيُّ ﷺ: مَنْ يُضِيفُ هَذا اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِن الأَنْصارِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلى رَحْلِهِ، فَقَال لامْرَأَتِهِ: أَكرِمِي ضَيْفَ رسولِ اللَّهِ ﷺ.
وفي روايةٍ: قَالَ لامرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيءٌ؟ فَقَالَتْ: لا، إِلَّا قُوتَ صِبيانِي، قال: عَلِّليهمْ بِشَيءٍ، وإِذا أَرَادُوا العَشَاءَ فَنَوِّميهِم، وإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئي السِّرَاجَ، وأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ، فَقَعَدُوا وأَكَلَ الضَّيفُ، وبَاتا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَح غَدَا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: لَقَد عَجِبَ اللَّهُ مِن صَنِيعِكُمَا بِضَيفِكُمَا اللَّيْلَةَ متفقٌ عليه.
2/565- وعنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: طَعَامُ الاثْنَينِ كَافِي الثَّلاثَةِ، وطَعامُ الثَّلاثَةِ كَافِي الأَربَعَةِ متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي روايةٍ لمسلمٍ: عن جابرٍ ، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: طَعَامُ الوَاحِد يَكفي الاثْنَيْنِ، وطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأربَعَةَ، وطَعَامُ الأَرْبعةِ يَكفي الثَّمَانِيَةَ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات والأحاديث تدل على فضل الجود والكرم والإنفاق، والتَّحذير من الشُّحِّ والبخل.
يقول الله جلَّ وعلا: وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ [محمد:38]، فينبغي للمؤمن أن يحذر الشحَّ، ويقول جلَّ وعلا: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9]، فالنفقة والإحسان والجود والكرم من صفات الأخيار، فينبغي للمؤمن أن تكون همته عاليةً.
يقول ﷺ: اتَّقوا الشُّحَّ؛ فإنه أهلك مَن كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءَهم، واستحلُّوا محارهم، فيُشرع للمؤمن توقِّي البخلَ، والحرص على الجود بما يسَّر الله له، على الفقير والمسكين والسائل والقريب، يرجو ما عند الله عزَّ وجل.
وكذلك الإيثار على نفسه وآل بيته، يقول جلَّ وعلا في حقِّ الأنصار: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9]، ويقول جلَّ وعلا في وصف الأبرار: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ۝ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان:8، 9]، ويقول : لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، ولما سمع أبو طلحة هذه الآية قال: يا رسول الله، إنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله، أرجو برَّها وذخرَها عند الله، فقال له النبيُّ ﷺ: بَخٍ، بَخٍ، ضعها في الأقربين، فقسمها بين أقاربه.
وجاء النبيَّ ﷺ سائلٌ مجهودٌ ومحتاجٌ، فسأل بيوته ﷺ، فكانت كل واحدةٍ تقول: ما عندي إلا ماء، فلا شيء عندهم يطعمونه، لا تمر، ولا لحم، ولا غيره، فكانت بيوت النبي ﷺ تمر عليها بعض الليالي وليس عندهم إلا ماء، ما عندهم تمر، ولا لبن، ولا لحم، ولا خبز، فهذا يُفيد أنه ينبغي للمؤمن ألا يشقَّ عليه الأمر إذا أصابه جهدٌ، فقد أصاب الأخيارَ قبله، فليحرص على الكسب الحلال، وعلى النَّفقة في سبيل الله، ولو أصابه جهدٌ في بعض الليالي.
وفي الحديث الثاني أنه جاءه فقيرٌ فقال لبعض أصحابه: مَن يُضيفه؟ فذهب به بعضُ الأنصار إلى زوجته، فقال: عندكِ شيء؟ قالت: طعام الصّبية، قال: نوميهم واصنعي الطعامَ للضيف، وإذا حضر الطعام أطفئ السِّراج؛ حتى نُريه أنا نأكل معه، حتى لا يستحي ويترك بعضَ الأكل، فأكل الضيف، وباتا طاويين، فلمَّا أصبح وأتى النبيَّ ﷺ قال: إنَّ الله قد عجب لكما من ضيفكما وما صنعتما بضيفكما.
فالمقصود أن المؤمن يُؤثر على نفسه الضيفَ والفقيرَ والمحتاجَ؛ لأن إيثاره على نفسه ليلةً أو ليلتين ما يضرّه بالنسبة إلى جوده وكرمه في حقِّ بعض المضطرين والمحاويج، و خير الصدقة ما كان عن ظهر غِنًى، والشيء العارض لا بأس به، فإذا حرم أهله أو صِبيته بعض الليالي أو بعض الأيام من أجل إنسانٍ مجهودٍ فلا حرج في ذلك.
كذلك يقول ﷺ: طعام الاثنين يكفي الثلاثة، وفي اللفظ الآخر: يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثّمانية يعني: لا تبخلوا، فإذا كان الطعام مُعَدًّا لأربعةٍ وجاءكم ضيوفٌ -ولو ثمانية- فلا يُخالف ولا يضرّ، يُنزل الله فيه البركة، فطعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية، وهذا معناه أن طعام الثمانية يكفي الستة عشر، يعني: إذا جاءك ضيوفٌ فلا تبخل وتقول: هذا ما أُعِدّ إلا لأربعةٍ، ولكن إذا جاء الضيوف قرّب لهم الطعام، ولو كانوا خمسين أو ستين، سيُنزل اللهُ البركةَ، فيشتركون.

الأسئلة:
س: هل يحصل هذا بالتَّسمية؟
ج: التّسمية من أسباب البركة.
س: قولكم فيما سبق: البخل فيما يجب عليه مُحرَّم، وإذا لم يكن واجبًا عليه فهو مكروهٌ، فما معنى هذا؟
ج: كونه يبخل عمَّن يجب عليه هذا ما يجوز له، فكونه يبخل عمَّن تحته من أولاده وزوجته، ولا يُعطيهم كفايتهم؛ هذا ما يجوز، فيجب عليه أن يُنفق عليهم كفايتهم، أمَّا كونه يُنفق على الناس الآخرين فهذا مستحبٌّ، ولا يلزمه إلا الزكاة، فهي واجبة.
س: ومعنى: مكروه؟
ج: إذا بخل وكانت عنده سعة والناس محاويج فهو مكروه.
س: هل البخل ثمرة من ثمرات الشُّحِّ؟
ج: الشح أشدّ، فالشح معناه: البخل بالموجود، والحرص على المفقود، فالشحيح حريصٌ على طلب الزيادة، وبخيلٌ بما عنده.
س: بعض أهل البادية لهم أسئلة: أولها: يقولون: إنَّ بعضنا يكتب من ............ والسكر آيات في ورقة، ثم يضعها في إناء فيه ماء، ثم يشربها، فما حكم هذا؟
ج: الأحسن أن يكون من شيء آخر غير .........، إما من الزعفران أو غيره من الأشياء التي لا تضر، لا بأس، فالزعفران إذا كُتِبَ في ورقة أو صحن وشُرب لا بأس –آيات من القرآن.
س: والسؤال الآخر يقول: وجدتُ شاةً صغيرةً ........... وفي السنة الأولى لم أعرفها، ثم بعد ذلك ..........، فما الذي يجب عليَّ؟
ج: يُعَرِّفها.
س: في السنة الثانية؟
ج: نعم.
س: والسؤال الثالث يقول: حصل بيني وبين قريبٍ لي شغار، وطبعًا العقد باطل، والآن طلَّق أحدُنا، ويريد الآخر الاستمرار على زوجته؟
ج: يُجدد العقد بدون شرط الشّغار، مع التوبة مما مضى.
س: إذا ماتت الشاة وهي عندي؟
ج: إذن فلا حاجةَ إلى أن يُعرِّفها.
س: ألا يغرم ثمنها؟
ج: لا، طالما أنه ما تعدَّى عليها لا يغرمها.
س: أحدهم يقول: إذا ألزمني والدي وقال: لا تدخل بيتي إذا ............ الفلانية بنت فلان الفلانية؟
ج: إن كانت ما تُناسبه فلا تلزمه طاعته: إنما الطاعة في المعروف، فلا تلزمه طاعته إلا في المعروف، إن كانت مناسبةً فينبغي له طاعة والده، وإن لم تكن مناسبة؛ لعدم جمالها، أو لسوء دينها؛ فلا تلزمه طاعة والده، فالنكاح ليس سهلًا، وأمره عظيم.
س: .............. والدي سيطردني من البيت ...............؟
ج: إذا تزوجها من أجل والده جزاه الله خيرًا.
س: يعني: يصبر؟
ج: نعم يصبر، لعل الله يجمع بينهما: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19]، فقد يتزوجها وهو كاره ثم يجمع الله بينهما.
س: كيف يكون الجمع بين حديث الدرس السابق؛ وهو قول الرسول ﷺ: وعبد لم يرزقه الله مالًا ولا علمًا فهو يقول: لو أنَّ لي مالًا لعملتُ فيه بعمل فلان، فهو بنيته، ووزرهما سواء، وقوله ﷺ: إنَّ الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثَتْ به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلَّم؟
ج: حديث الوساوس ما يضرّ، وليس عليه عمل، أما هذا فهو عازمٌ صادقٌ: لو كان له مثل فلان، فقد علم، وليس الأمر وسوسةً، عزمٌ وصدقٌ.
س: يعني: النَّوايا في الخير تُكتب؟
ج: نوايا الخير تُكتب له إذا كان صادقًا.
س: السّدر المقروء عليه هل يُدْخَل به الحمام؟
ج: ما فيه بأس، السّدر وغيره.
س: 370 من الغنم كم فيها من الزكاة؟
ج: فيها ثلاث شياهٍ حتى تُكْمِل أربعمئة، فإذا كمّلت أربعمئة تصير أربع شياهٍ، ففي كل مئةٍ شاة، وأول نصابها أربعون.
س: يُضِيف أم يُضَيِّف، بالتَّشديد أم بغير تشديد؟
ج: يُقال: يُضِيف ويُضَيِّف، لا بأس.
س: وغُذِّي بالحرام أم غُذِي بالحرام؟
ج: نسخة، بالتَّشديد والتَّخفيف، لا حرج.
س: وأيّهما أصح؟
ج: الأمر واسع.
س: إذا سافر ثلاثةٌ إلى مكة ولم ................، كانوا في مثل البُرُد، فهل تلزمهم الصلاة في المسجد؟
ج: يصلون أربعًا مع الناس لو مكثوا خمسة أيام فأكثر، أما إذا كانت أربعة أيام فيجوز لهم القصر.
س: هي خمسة أيام؟
ج: إذن يُصلون مع الناس أربعًا.