201 من: (باب الورع وترك الشبهات)

 
68- باب الورع وترك الشّبهات قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور:15].
وقال تَعَالَى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14].
1/588- وعن النُّعمان بنِ بَشيرٍ رضيَ اللَّه عنهما قال: سمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ، وإِنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهما مُشْتَبِهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَن اتَّقى الشُّبُهاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهاتِ وقَعَ في الحَرامِ، كالرَّاعي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَع فِيهِ، أَلا وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمهُ، أَلا وإِنَّ فِي الجسَدِ مُضْغَةً إِذَا صلَحَت صَلَحَ الجسَدُ كُلُّهُ، وَإِذا فَسَدَتْ فَسدَ الجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلا وَهِيَ القَلْبُ متفقٌ عَلَيْهِ.
2/589- وعن أَنسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَجَدَ تَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ فقالَ: لَوْلا أَنِّي أَخافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُها متفقٌ عَلَيْهِ.
3/590- وعن النَّوَّاسِ بنِ سَمعانَ ، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: البِرُّ حُسْنُ الخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حاكَ فِي نفْسِكَ، وكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ رواه مسلم.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة والآيتان الكريمتان فيما يتعلق بالورع والبُعد عن الشبهات، فالمؤمن ينبغي له أن يحتاط لدينه، وأن يبتعد عن الشّبهات؛ لئلا يقع في الحرام.
يقول جلَّ وعلا في قصة عائشة: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ، فالخوض في أعراض الناس قد يظن البعضُ أنه هيِّنٌ؛ فيغتاب الناس، ويبهتهم، ويقذفهم، وهو عند الله عظيم -نسأل الله العافية.
ويقول : إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ لا تخفى عليه خافية، فجميع أعمال الناس وأقوالهم كلها لا تخفى عليه جلَّ وعلا، فالواجب عليك يا عبدالله أن تحذر ربك، وأن تحذر نقمته وبطشه، كما قال تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28]، وقال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة:235].
وقال في حديث النعمان بن بشير: يقول ﷺ: إنَّ الحلال بَيِّنٌ، والحرام بَيِّنٌ، وبينهما مُشتبهات، يعني: أمور قولية أو فعلية تشتبه على الإنسان، قد يخفى عليه دليلُها وحكمُها، فمَن اتَّقى الشّبهات استبرأ لدينه وعِرْضِه يعني: أخذ بالبراءة لدينه وعرضه، ومَن وقع في الشّبهات وقع في الحرام يعني: جرّه ذلك إلى الوقوع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يُوشِك أن يقع فيه يتساهل شيئًا فشيئًا، هذه سهلة، هذه سهلة، هذه سهلة، ثم يقع في الحرام، كالراعي الذي يرعى إبله أو غنمه أو بقره حول مزارع الناس، يُوشِك أن يغفل أو ينعس أو يُشغل فترتع في زروع الناس وأموالهم، لكن إذا ابتعد عن الحِمَى صار أقرب إلى السلامة، فلو غفل أو نعس أو شُغل ما أمكنها أن ترتع إلا وقد انتبه لها.
ألا وإنَّ لكل ملكٍ حِمى فالملوك قد يحمون أوديةً لخيلهم أو لإبلهم، ألا وإنَّ حمى الله محارمه حمى الله المحارم: المعاصي التي حرَّمها على عباده، فيجب الحذر منها، هذا هو الحمى؛ أن تحذر محارم الله من سائر المعاصي: الزنا، السرقة، الظلم، الغشّ، الخيانة، الرّبا، الغيبة، النَّميمة، العقوق، القطيعة، إلى غير هذا.
ثم يُبين ﷺ أنَّ في الجسد مُضْغَةً: قطعة من اللّحم صغيرة، إذا صلحت صلح الجسدُ كله، وإذا فسدت فسد الجسدُ كله، ألا وهي القلب، هذه القطعة هي القلب، إن عمرها بالتقوى والخشية لله استقام الإنسانُ، وإن عمرها بالغش والخيانة والشرك وحبّ الدنيا والرغبة فيما فيها فسد الجسد.
فينبغي للعبد أن يجتهد في أسباب صلاح قلبه: من خوف الله، وخشية الله، وأكل الحلال، وخلطة الأخيار، والبعد عن خلطة الأشرار، إلى غير هذا من أسباب صلاح القلب.
وقد مرَّ ﷺ على تمرةٍ في الطريق، فقال: لولا أن تكون من الصّدقة لأكلتُها، فهذا فيه ورعه ﷺ، فقد خاف أن تكون من الزكاة المحرَّمة عليه، فإذا كان عند الإنسان مالٌ يخشى أن يكون من حرام فعليه أن يبتعد عنه، ويُعطيه الفقراء والمساكين.
ويقول ﷺ: البِرّ حُسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهتَ أن يطَّلع عليه الناسُ، فكل شيء تخاف أن يطّلع عليه الناس ويقولوا: "أيش هذا؟ فعل فلان كذا .." دعه، واعتبره من الإثم حتى تعرف أنه مباح.
ومن هذا حديث الحسن بن عليٍّ : يقول ﷺ: دَعْ ما يَرِيبُك إلى ما لا يَرِيبُك يعني: دع الشيء الذي تشكّ فيه إلى الشيء الذي لا شكَّ فيه.
والحاصل من هذا أن المؤمن يتحرَّى الخير، ويتحرى المباح، ويتحرى الطيب في قوله وعمله وسيرته، ويتباعد عن المشتبهات، أو محلّ الريب، يرجو ثواب الله وفضله وإحسانه .
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:
س: إذا كان الشخصُ من آل البيت هل يُسمح له أن يسأل أشياء؟
ج: إذا ما تيسر له شيء يسأل، لكن لا يُعطى من الزكاة، بل يُعْطَى من غير الزكاة.
س: إذا كان حُسن الخلق من البِرِّ فسُوء الخلق ماذا يكون؟
ج: من الإثم، من الشر –نسأل الله العافية.
س: إذا كان في المال شُبهة، هل يُوزّعه على الفقراء والمساكين ويُعرِّفهم أنَّ المال فيه شبهة؟
ج: لا، يُعطيهم إيَّاه فقط، ولا يقول لهم شيئًا.
س: وحديث: إنَّ الله طيِّبٌ لا يقبل إلا طيِّبًا؟
ج: ما فيه بأس؛ لأنَّ هذا مصرف المشتبهات.
س: صاحب محلٍّ عنده عاملٌ يُشَغّله، ويقول له: راتبك عبارة عن نسبة من الربح، فإذا ربحت مثلًا 5% أو 10% يكون راتبك نسبةً من هذا الربح، فلو ربح مثلًا ألف ريـال تكون له من الألف مئةُ ريـال؟
ج: إذا كان عنده عامل بجزء مشاع، فيضع عنده السلعة فيبيعها بنصف الربح أو بثلث الربح فلا بأس؛ لأنَّه معروفٌ، ما هو مجهولٌ.
س: هل هناك وقتٌ محددٌ بعد دفن الميت للصلاة عليه في المقبرة أو صلاة الغائب؟
ج: إلى شهر، هذا أكثر ما ورد.