209 من حديث: (باب تحريم الكِبْر والإِعجاب)

 
72- باب تحريم الكِبْر والإِعجاب
قَالَ الله تَعَالَى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83]. وقال تعالى: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا [الإسراء:37].
وقال تَعَالَى: وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان:18].
وقال تَعَالَى: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ إِلَى قَوْله تعالى: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ [القصص:76- 81] الآيات.
1/612- وعن عبدِ اللَّهِ بن مسعُودٍ ، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مَنْ كِبرٍ فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُه حَسَنًا، ونعلهُ حَسَنَةً؟ قَالَ: إِنَّ اللَّه جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ: بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ رواه مسلم.
2/613- وعنْ سلمةَ بنِ الأَكْوَع : أَن رجُلًا أَكَل عِنْدَ رسولِ اللَّه ﷺ بشِمالِهِ، فَقَالَ: كُلْ بِيَمِينِكَ قالَ: لا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: لا اسْتَطَعْتَ، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الكِبْرُ. قَالَ: فما رَفَعها إِلى فِيهِ. رواه مسلم.
3/614- وعن حَارثَةَ بنِ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رسُولَ اللَّه ﷺ يقولُ: أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ، جَوَّاظٍ، مُسْتَكْبِرٍ متفقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات الكريمات والأحاديث كلها تدل على تحريم التَّكبر والخيلاء والعُجب، فينبغي للمؤمن أن يحذر أن يعجب بعمله، أو نفسه، أو أن يتكبر على إخوانه، يجب الحذر من ذلك، فإن الإنسان محلُّ الخطر، فينبغي له أن يُحاسب نفسه، وأن يُجاهدها حتى لا يقع في قلبه التَّكبر على إخوانه والعجب بنفسه فيهلك.
ولهذا حذَّر الله من ذلك وقال في قصة لقمان: وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان:18]، وقال في قصة قارون: إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص:76] يعني: فرح الكبر، فرح الخيلاء والتَّكبر.
فالواجب على المؤمن الحذر، وأن يكون على بينةٍ وبصيرةٍ في أمره؛ لأنه ضعيف، ما الذي يدعوه إلى التّكبر والإنسان ضعيف؟! خلقه الله من ضعفٍ، وهو على ضعفٍ، فكيف يتكبر على إخوانه؟! وكيف يستنقصهم؟! وكيف يُعجب بنفسه؟! فالواجب عليه أن يحذر ذلك.
قال رجل: يا رسول الله، الرجل يُحب أن يكون ثوبُه حسنًا، ونعله حسنةً، أفذاك من الكبر؟ قال ﷺ: إنَّ الله جميلٌ يُحبُّ الجمال، الكِبْر: بطر الحق، وغَمْط الناس، ومعنى بطر الحق: ردّ الحق، وغمط الناس: احتقارهم، هذا هو الكبر، ردّ الحق لأنَّه خالف هواه، واحتقار الناس لأنَّهم ما أتوا على شاكلته وهواه، فيحتقرهم.
فالكبر: بطر الحق، وغمط الناس، يعني: احتقار الناس، فينبغي للمؤمن أن يكون بعيدًا عن ذلك، وأن يحذر التّكبر والعجب وجميع ما نهى الله عنه.
كذلك حديث ابن مسعود: يقول ﷺ: لا يدخل الجنةَ مَن كان في قلبه مثقالُ حبَّة خردلٍ من كبر، وهذا وعيدٌ شديدٌ، ويجب الحذر.
فالواجب على المؤمن أن يُجاهد نفسه في التَّواضع وعدم التَّكبر وعدم العُجب؛ لأن العبد على خطرٍ، وقد تغرُّه نفسه، وقد تغرُّه دنياه، وقد تغرُّه وظيفته، فليحذر.
وحديث سلمة: أنَّ رجلًا أكل عند النبي ﷺ بيساره، فقال له النبيُّ ﷺ: كُلْ بيمينك، فقال: لا أستطيع، وهو يكذب، فقال له النبيُّ ﷺ: لا استطعتَ، فما رفعها إلى فيه بعد ذلك، ما منعه إلا الكِبْر.
هذا فيه أنَّ العقوبة عُجِّلت، فشُلَّت يده، يقول: لا أستطيع، وهو يكذب، فقال له النبيُّ ﷺ: لا استطعتَ، فأُجيبت الدعوة، وصار بعد ذلك أشلَّ، لا يستطيع الأكل بيمينه؛ عقوبةً عاجلةً -نسأل الله العافية.
وهذا يُفيد الحذر من عقوبات الذنوب، والحذر من التساهل، والحذر من الكذب.
رزق الله الجميع التّوفيق والهِداية.

الأسئلة:
س: الربا ثلاثة وسبعون بابًا، أيسرها أن ينكح أُمَّه، وإنَّ أربا الربا عِرْض الرجل المسلم هل هذا الحديث صحيح؟
ج: محلُّ نظرٍ، ما أعرف حال سنده، ولكنه من كلِّ الوجوه يُفيد الحذر من الاستطالة في عِرْض المسلم دون حقٍّ، فالغيبة نصَّ عليها الربُّ جلَّ وعلا: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12] فيجب على المؤمن الحذر مما نصَّ الله على تحريمه، وهكذا ما نصَّ عليه الرسولُ ﷺ.
س: عند احتمال صحته: كيف يكون الربا أعظم من نكاح الرجل لأمِّه؟
ج: المقصود: التَّحذير من الربا، وأن الرجل يجب عليه أن يحذر الربا غاية الحذر، وهكذا الاستطالة في عِرْض أخيه المسلم.
س: كيف يكون عِرْضُ الرجل المسلم أكبر من نكاح الأمِّ؟
ج: لو صحَّ فالمقصود: التحذير من هذا البلاء العظيم الذي قد يترتب عليه فسادٌ كبيرٌ.
س: هل يُستفاد من حديث سلمة بن الأكوع: جواز الدعاء على المسلم إذا خالف أمر الله وأمر ورسوله ﷺ؟
ج: يظهر من الحديث الجواز إذا عرف أنه متكبّر، لكن العفو أفضل، فالعفو والدّعاء لأخيك بالهداية أفضل كما في النصوص الأخرى.
س: المحسود رأى الحاسد في المنام ثلاث مرات، فأرسل إليه أحدَ الأشخاص من أجل أن يأتي بالوضوء، فرفض، فأخذ هذا المحسود حذاءه يوم الجمعة، وغسله، واغتسل بهذا الماء، فما الحكم؟
ج: الحذاء ما يُغسل، تكون فيها أوساخ.
س: وإذا رفض ماذا يفعل؟
ج: وأيش يُدريه أنه هو العائن؟
س: يقول أنه رآه في المنام أكثر من ثلاث مرات؟
ج: ولو رآه في النوم مئة مرة ما يلزم أنه هو.
س: تأجير المحلات على العُمَّال؟
ج: يبيع فيه ويشتري أو يسكنه؟
س: لا، للبيع والشراء، للتجارة.
ج: لا بأس، والأجرة ما هي؟
س: الاتفاق أن يكون بينهم راتبٌ، لكن هو يُسقط الراتب.
ج: المقصود أن يترك في الدّكان وكيلًا يبيع ويشتري عنه بالوكالة، لا بأس.
س: العامل يُعطي الكفيلَ كل شهر ألفي ريـال، والبضاعة من العامل، والبيع والشراء كله من العامل؟
ج: هذه أجرة عن المحل، والعامل هو الذي يبيع ويشتري.
س: والبضاعة من العامل؟!
ج: ما فيها شيء، هذه تُسمَّى: أجرة المحل.
س: لكن العامل أتى من بلاده بناءً على عقدٍ بينه وبين الكفيل، على أن يُعطيه راتبًا؟!
ج: إذا تسامحوا لا بأس، فإذا تنازل العاملُ وصار في محلِّ تجارةٍ بأجرةٍ يُسلِّمها لكفيله، وهو الذي يعمل في المحلِّ أو يسكن في المحلِّ لا بأس.
س: وإذا كان العاملُ يدفع الإيجارَ ويدفع أيضًا مئتي ريـالٍ للكفيل؟
ج: لا، ما يجوز أخذ شيءٍ على الكفالة، لكن يستأجر المحلَّ الذي فيه البيع والشّراء أو السكن، لا بأس.
س: لكن النظام يمنع العاملَ أن يتَّجر بنفسه؟
ج: إذا كانت الدولةُ تمنع لا يعصي الدولة، ويُراجع الدوائر في هذا؛ لأنَّ هذه أمور تتعلق بمصلحة المسلمين، وعليه السمع والطاعة، ويمشي على التَّعاليم.