220 من حديث: (كنت أمشي مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية..)

 
3/645- وعن أَنسٍ قَالَ: "كُنتُ أَمْشِي مَعَ رسول اللَّه ﷺ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانيٌّ غلِيظُ الحَاشِيةِ، فأَدْركَهُ أَعْرَابيٌّ، فَجَبَذهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَديدَةً، فَنظرتُ إِلَى صَفْحَةِ عاتِقِ النَّبيِّ ﷺ وقَد أَثَّرَتْ بِها حَاشِيةُ الرِّداءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِن مالِ اللَّهِ الَّذِي عِندَكَ، فالتَفَتَ إِلَيْه، فضَحِكَ، ثُمَّ أَمر لَهُ بعَطَاءٍ" متفقٌ عليه.
4/646- وعن ابن مسعودٍ قَالَ: كأَنِّي أَنظُرُ إِلَى رسولِ اللَّه ﷺ يَحْكِي نَبِيًّا مِن الأَنْبياءِ صلوَاتُ اللَّهِ وَسلامُه عَلَيهم ضَرَبَهُ قَومُهُ فَأَدْمَوهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجهِهِ ويقول: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَومي فَإِنَّهُم لا يَعْلَمُونَ متفقٌ عليه.
5/647- وعن أبي هريرة : أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قَالَ: لَيس الشَّديدُ بِالصُّرعَةِ، إِنَّما الشَّديدُ الَّذِي يَملِكُ نفسَهُ عِندَ الغضبِ متفقٌ عليه.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة تدل على فضل الحلم والصَّفح والعفو، ولا سيما من أُولي الفضل ومن العلماء والدُّعاة إلى الله؛ لأنَّ هذا من أسباب هداية البشر: الصفح، والعفو، والإعراض عن الجاهلين، والحلم من أسباب توفيق الله للعبد، ومن أسباب رضا الله عنه، ومن أسباب هداية الآخرين على يديه، كما قال الله جلَّ وعلا: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، وقال جلَّ وعلا في كتابه العظيم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران:159].
وفي هذا أنه كان يمشي عليه الصلاة والسلام، فجاء أعرابيٌّ فجبذ رداءه جبذةً شديدةً، حتى أثَّر في عنقه، وقال: يا محمد، مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه النبيُّ ﷺ وضحك وأمر له بعطاءٍ وصفح عنه، ولم يُؤاخذه؛ لجهله.
وكان لشخصٍ عليه دَيْنٌ فأغلظ عليه، فهَمَّ بعضُ الصحابة به، فقال ﷺ: دعوه؛ فإنَّ لصاحب الحقِّ مقالًا، ثم قال الرجلُ: إنما فعلتُ هذا لأختبر حلمَك، فإنَّ الأنبياء لا يزيدهم الجهلُ عليهم إلا حلمًا، فأراد بهذا أن يعرف خُلُقَه ﷺ لما أغلظ في طلب الحق.
فهذا فيه الحثّ على الحلم والصبر وعدم العجلة في العقوبة؛ تأسِّيًا بالنبي عليه الصلاة والسلام.
ويقول النبيُّ ﷺ: ليس الشديدُ بالصُّرعة، إنما الشديدُ الذي يملك نفسه عند الغضب.
كذلك كان بين أصحابه ذات يومٍ يحكي لهم خبرَ نبيٍّ من الأنبياء ضربه قومُه فأدموه، فهو يمسح الدمَ عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنَّهم لا يعلمون، هذه أخلاق الأنبياء: الصبر والحلم، يرجون بذلك الهدايةَ لقومهم، يضربونه حتى أدموه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنَّهم لا يعلمون، يعني: حملهم الجهلُ على الضرب والأذى، فطلب لهم الهداية والمغفرة.
فهذا يُفيد أنه ينبغي لطالب العلم والدُّعاة إلى الله التأسِّي بالأنبياء في الحلم عند الدَّعوة، والصبر، وعدم الغلظة، وعدم الانتقام، تقول عائشةُ رضي الله عنها كما تقدّم: "ما كان ينتقم لنفسه عليه الصلاة والسلام، بل كان يعفو ويصفح، إلا إن انتُهِكَتْ محارمُ الله؛ فإنه ينتقم لله"، والله يقول: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، ويقول جلَّ وعلا: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، ومن صفات المتقين: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران:134].
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:
س: العفو من باب النَّدب أم من باب الوجوب؟
ج: لا، من باب النَّدب، وإلا فللإنسان أن يطلب حقَّه وينتقم إذا رأى المصلحة في ذلك.
س: رجلٌ يعمل خارج مدينة الرياض، ويُسافر يوميًّا مسافة ثمانين كيلو، ويُصلي هو وجماعة من زملائه في العمل هناك الظهر والعصر جماعةً؟
ج: مسافرون في البلد التي يُسافرون إليها.
س: لكنه يعود إلى الرياض قبل صلاة العصر؟
ج: نعم لا بأس، فالمسافر إذا جمع ثم قدم البلدَ قبل وقت الثانية لا حرج عليه، وهكذا لو جمع في المغرب ثم قدم في وقت صلاة العشاء لا حرج.
س: لكن ثمانين هي الحدّ الأدنى؟
ج: نعم.
س: المسافر إذا سافر في يومه ورجع أله القصر؟
ج: نعم إذا كانت مسافةُ السفر ثمانين كيلو فأكثر.
س: يريد أداء الزكاة في بلدٍ خارج الرياض، ولا بد لإيصال الزكاة هذه من مالٍ يُدفع أجرةً للتَّحويل، فيقول: هل يجوز لي أن أجعل من الزكاة هذا المال الذي هو قيمة التَّحويل أم لا؟
ج: لا، الأموال التي أعطاها المحوِّل ليست من الزكاة، فهذه أجرة، والزكاة غيرها.
س: تُدفَع كاملةً؟
ج: نعم.
س: إلقاء المُحاضرات والنَّدوات في سيرة النبي ﷺ في يوم مولده أو الإسراء والمعراج يُعتبر من المُحدثات؟
ج: لا، إذا كان عن علمٍ وبصيرةٍ لا بأس.
س: يتوافق مع اليوم الذي وُلِدَ فيه؟
ج: لا بأس، إذا سجَّل أخبار الإسراء والمعراج للفائدة فلا شيء في ذلك، إذا كان من أهل العلم ولا يضع الخُرافات.