221 من: (باب احتمال الأذى)

 
76- باب احتمال الأذى
قال الله تَعَالَى: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134].
وقال تَعَالَى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [الشورى:43].
وفي الباب الأحاديث السَّابقة في الباب قبله.
1/648- وعن أبي هريرةَ : أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُول اللَّه، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهم وَيَقْطَعوني، وَأُحْسِنُ إِليهِم ويُسِيئُونَ إليَّ، وأَحْلُمُ عَنهم ويجهلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: لَئِن كُنتَ كَمَا قُلتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفّهم المَلَّ، وَلا يزَالُ معكَ مِنَ اللَّه تَعَالَى ظَهِيرٌ عَلَيهم مَا دُمْتَ عَلى ذَلِكَ رواه مسلم.

77- باب الغضب إِذَا انتُهِكَتْ حُرمات الشَّرع والانتصار لدين الله تعالى
قَالَ الله تَعَالَى: وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الحج:30].
وقال تَعَالَى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].
وفي الباب حديثُ عائشة السَّابق في باب العفو.
1/649- وعن أَبي مسعودٍ عُقبة بن عمرو البدريِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبيِّ ﷺ فَقَالَ: إنِّي لأتَأَخَّر عَن صَلاةِ الصُّبْحِ مِن أَجْلِ فلانٍ؛ مِما يُطِيل بِنَا! فمَا رَأيْتُ النَّبيَّ ﷺ غَضِبَ في موعِظَةٍ قَطُّ أَشدَّ ممَّا غَضِبَ يَومئذٍ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاس، إنَّ مِنكم مُنَفِّرين، فأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَليُوجِز، فإنَّ مِنْ ورائِهِ الكَبيرَ والصَّغيرَ وَذَا الحَاجَةِ متفقٌ عَلَيهِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث مع الآيات فيها الحثّ على تحمّل الأذى، والصبر في ذات الله، وأن المؤمن يكون صفوحًا حليمًا عندما تحدث له بعضُ الأشياء، فيتحمّل ويرجو ما عند الله، كما قال تعالى في أهل الإيمان: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى:37]، وقال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ، وقال في وصف المتقين: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران:134].
وكان عليه الصلاة والسلام يسمح ويعفو، إلا إن انتُهِكَتْ محارمُ الله؛ فإنه يغضب لله .
فالمؤمن يكون صبورًا على ما قد ينال منه، ويكظم الغيظ، ويرجو ما عند الله من المثوبة، أما عند انتهاك محارم الله وعند وجود المعاصي فالواجب الغضب لله، والإنكار على مَن أظهر المعصية؛ ولهذا كان ﷺ إذا انتُهكت محارمُ الله يغضب لله، ويُنكر على مَن أتى المعصية وأظهر المنكر.
ولما بلغه أن بعض الناس يُطيل الصلاة ويشقّ على الناس غضب، وقال: يا أيها الناس، إنَّ منكم مُنفِّرين، يعني: منفرين من صلاة الجماعة، فأيُّكم أمَّ الناسَ فليُوجِز؛ فإنَّ فيهم الصغيرَ والكبير والضَّعيفَ وذا الحاجة.
فالسنة للمؤمن أنه يجب أن يغضب لله، وينتقم لله فيما تجب فيه الحدود، وفيما يظهر من المنكرات، كما قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]، أمَّا ما كان في حقِّ نفسه فالأفضل له التَّسامح وكظم الغيظ والعفو: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى:43]، أمَّا ما كان لله فالواجب الانتقام لله، والغضب لله، وإنكار المنكر؛ حتى يلتزم الناسُ بالشرع.
والإمام إنما يكون مُقتصدًا إذا اتَّبع السنة: فيتحرَّى سنة الرسول ﷺ في الصلاة، ويتحرَّى ما كان يفعله في صلاته، وفي قراءته، وفي ركوعه وسجوده؛ حتى لا يشقَّ على الناس، فيتحرى القصد في هذا كله: في قيامه، وفي ركوعه وسجوده؛ حتى لا يشقَّ على الكبير والضَّعيف وذي الحاجة.
رزق الله الجميع التَّوفيق والهداية.

الأسئلة:
س: كيف يكون الجمعُ بين أن يرى منكرًا فينتقم لله ، وأن يُنْكِر بالحكمة واللّين والموعظة الحسنة؟
ج: يُنكر بالحكمة، وهذا من الغضب لله: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، لا يسكت، أما إذا كان في حقِّ نفسه فلا بأس أن يُسامح ويسكت.
س: الوالدان عند الإنكار عليهما: ألا يرد أبدًا التَّعنيف؟
ج: لا، باللُّطف، فالله قال في حقِّ الكافِرَيْنِ: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15]، وقال في حقِّهما: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا [الإسراء:23].
س: ما معنى قوله: تُسفّهم المَلَّ؟
ج: التّراب، وفي الحديث: أنه كانت له قرابةٌ يصلهم ويقطعونه، ويحلم عليهم ويجهلون عليه، ويُحسن إليهم ويُسيئون إليه، فقال له رسولُ الله ﷺ: إن كنتَ كما قلتَ فكأنما تُسفّهم المَلَّ يعني: الرماد الحامي، ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دمتَ على ذلك، ومن هذا الحديث الآخر: يقول ﷺ: ليس الواصلُ بالمُكافئ، ولكن الواصلَ الذي إذا قُطِعت رحمُه وصلها، هذا الواصل الكامل، الذي لا يُقابلهم بالقطيعة، بل إذا قطعوا وصلهم وأحسن إليهم، ولم يُكافئهم على قطيعتهم بالقطيعة.
س: مَن أكثر عليه قرابته بما يُؤذيه وهو لا يتحمّل، هل له أن يبتعد عنهم؟
ج: عليه أن يتحمّل ويصبر، ويصلهم بالإحسان، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، ولا يكون مثلهم.
س: إذا كانت للرجل قرابةٌ يُجاهرون بالمعاصي؟
ج: يُنكر عليهم وينصحهم؛ لعلَّ الله يهديهم بأسبابه، فإذا لم ينفع فيهم استحقُّوا الهجر.
س: الوالدان لا ترد فيهما المقاطعة والهجر في النهاية؟
ج: لا، ينصحهم ولا يهجرهم، ينصحهم بالكلام الطّيب.