23 من حديث (أن رسول الله ﷺ سئل عن صوم يوم عرفة..)

بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَمَا نُهِيَ عَنْ صَوْمِهِ

680- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، قَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ، وَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، قَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، قَالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَبُعِثْتُ فِيهِ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

...........

681- وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

682- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ سَبْعِينَ خَرِيفًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.

683- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.

684- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَصُومَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

685- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ: غَيْرَ رَمَضَانَ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذا الباب ذكر فيه المؤلفُ رحمه الله الأحاديث الدالة على الأيام التي تُصام تطوعًا، وعلى الأيام التي نهي فيها عن الصوم.

فهناك أيام شُرع صيامها، وهناك أيام نُهي عن صيامها كما يأتي: كيوم الجمعة؛ فإنه لا يُصام مفردًا كما يأتي.

الحديث الأول حديث أبي قتادة: والسر في ذلك والحكمة والله أعلم: توطئة لصيام رمضان، وترغيب المسلمين في الصيام؛ لما فيه من المصالح العظيمة، حتى يتعوَّدوه كثيرًا فيسهل عليهم صيام رمضان واغتنام ما فيه من الأجر العظيم، فإن الصوم يحمل على مصالح كثيرةٍ، ويقي شرًّا كثيرًا.

ففيه مصالح جمَّة: في التَّفرغ للعبادة، ومخالفة الهوى والشيطان، وتعويد النَّفس الصبر عن ملاذها وشهواتها، وتعويد النفس أيضًا الصبر على ما يُرضي الله ويُقرب إليه، وتعويدها أيضًا ترك الملاذّ التي تميل إليها النفس، إذا كان ذلك في طاعة الله وفيما يُقرِّب لديه في كل شيءٍ غير الصيام.

فللصوم فوائد جمة؛ فلهذا شرعه الله سبحانه لعباده، وهو مشروع لنا ولمن قبلنا أيضًا، وفيه أيضًا عون على كفِّ النفوس عن المحارم، والصبر على غضِّ البصر، وإحصان الفرج، فالمصالح كثيرة.

وكان بعضُ السلف يُعنى بصيام التطوع، ويُكثر منه كثيرًا، ونبي الله داود عليه الصلاة والسلام يصوم يومًا ويُفطر يومًا، وكان صومه أفضل الصيام كما قاله النبيُّ ﷺ: شطر الدهر.

ومن الأيام التي جاء فيها الفضل: يوم عرفة، ويوم عاشوراء، يقول النبيُّ ﷺ لما سُئل عن صوم يوم عرفة قال: يُكفِّر الله به السنةَ التي قبله، والسنةَ التي بعده، وقال عن صوم عاشوراء: يُكفِّر الله به السنةَ التي قبله، وعن صوم يوم الاثنين قال: ذلك يوم وُلدتُ فيه، وبُعثتُ فيه أو أُنزل عليَّ فيه، يعني: يوم فيه خصلتان: كونه وُلد فيه، وكونه أُنزل عليه فيه، فصار فضلًا خاصًّا ليوم الاثنين من الجهتين: من جهة أنه اليوم الذي وُلد فيه عليه الصلاة والسلام، ومن جهة اليوم الذي أُنزل عليه فيه القرآن، وأوحى الله إليه، وجعله نبيًّا عليه الصلاة والسلام إلى الناس بإنزال: اقْرَأْ [العلق].

ويحتمل أنه اليوم الذي بُعث فيه للناس على الرواية الأخرى، وهو اليوم الذي نزل فيه المدثر؛ فإنَّ المدثر جاءت في البعث وأنه رسول، واقْرَأْ فيها أنه نبي؛ لأنه أمر يختصّ به اقْرَأْ، فهذا يختص بالنبي؛ فبه صار نبيًّا، عند نزول: اقْرَأْ صار نبيًّا، وبنزول المدثر صار رسولًا، رسولًا للناس.

وفي يوم الاثنين فضلٌ آخر أيضًا: وهو أنه مع الخميس يومان تُعرض فيهما الأعمال على الله، كما في الحديث الصحيح قال: فأُحبُّ أن يُعرض عملي وأنا صائم، فكان يصومهما، هذا يدل على فضل هذه الأيام وصيامها، وأنه يُشرع للمسلم أن يصوم هذه الأيام؛ لفضلها، ولصوم النبي لها عليه الصلاة والسلام، وأنها تُكفر ما ذكره النبيُّ ﷺ: يوم عرفة سنتين، وعاشوراء سنة، فهذا فضل عظيم.

وقال جمهورُ أهل العلم: المراد بهذا السيئات الصَّغائر، أما الكبائر فلا تُكفر إلا بالتوبة، كما قال النبيُّ ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: الصَّلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان؛ كفَّارات لما بينهن، وفي لفظٍ: مُكفِّرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر، ما اجتنبت الكبائر، ما لم تغشَ الكبائر، وفي حديث الوضوء قال: ما لم تُصب المقتلة.

هذا يدل على أنَّ تكفير هذه الأيام للسيئات إنما يكون ذلك باجتناب الكبائر، وهذا معنى قوله سبحانه: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، فاشترط في تكفير سيئاتنا أن نجتنب كبائر ما نُهينا عنه، فهو موافقٌ لحديث أبي هريرة وما جاء في معناه.

وبكل حالٍ، فهو يدل على فضل هذه الأيام، وأنها من أسباب المغفرة وتكفير السيئات، سواء قيل: إنها تعمّ، كما هو قول بعض أهل العلم، أو قيل: المراد بذلك السيئات الصَّغائر بشرط اجتناب الكبائر، كما هو الصواب، وكما هو قول الجمهور.

وقد تعلَّق بعضُ الناس بقوله: وُلدتُ فيه أنه يُستحب الاحتفال بالموالد؛ لأنه قال: ولدتُ فيه، فدلَّ على أن مولده له فضل.

وهذا في الحقيقة مُغالطة وغلط كبير؛ فإنَّ النبي ﷺ لم يحتفل بيوم المولد: لا بيوم الاثنين، ولا بغير يوم الاثنين، ولم يحتفل به الصحابة، ولم يحتفل به السلف الصالح، أفيكونوا ضيَّعوا هذا الأمر وتركوا ما هو فاضل ومطلوب تساهلًا، أو عدم مسارعةٍ إلى الخير، أو غشًّا للأمة؟ أو لماذا تركوا هذا الفضل؟

وإنما هذا فضل خاصٌّ ليوم الاثنين فقط يُصام، فهذا يتعلق بالصوم فقط، ولا تعلق له باحتفالٍ، ثم علة الصوم ليست منحصرةً في المولد، بل ذكر فيه النبيُّ علةً أخرى، وهي: أُنزل فيه الوحي، وعلة ثالثة: تُعرض فيه الأعمال على الله.

فهو يُصام لحكمٍ ثلاثٍ: لأنه ولد فيه، ولأنه أُنزل عليه فيه، ولأنه تُعرض فيه الأعمال، فلماذا ..... واحدة فقط، ثم تعد إلى أمرٍ ما شرعه الله من البدع؟

وهذا شأن الباطل ومَن بُلي بالباطل؛ يُبتلى بالتَّحريف واعتساف الطرق التي يسلكها من غير حُجَّةٍ لأجل تأييد ما ذهب إليه بغير حقٍّ.

الحاصل أنَّ الحديث هذا لا تمسك فيه لأصحاب البدع بوجهٍ من الوجوه، وإنما شرع الصوم فقط، كمَن شُرع له الصوم يحتج بشرع الصوم على أنه يُصلي فيه كذا وكذا، أو على أنه يتصدق فيه بكذا وكذا، لا، العبادات ما هي محل القياس، ولا محل إثبات بالآراء، العبادات توقيفية؛ شرع الله فيه الصوم نصومه لهذه الحِكَم: لحكمة كونه وُلد فيه عليه الصلاة والسلام، ولحكمة كونه أُنزل عليه فيه، ولحكمة كونه تُعرض فيه الأعمال مع يوم الخميس، أما الاحتفال بالموالد: لا بالنبي ﷺ، ولا بغير النبي، هذه بدعة منكرة لا أساسَ لها.

ومَن قسَّم البدع إلى أنها أقسام، فقال: فيها الحسن، وفيها الواجب، وفيها المحرم، فهو تقسيم من كيسه، لا دليلَ عليه، النبي قال: كل بدعةٍ ضلالة، فالتقسيم مصادم لهذا العموم العظيم من نبي الله عليه الصلاة والسلام، فكل بدعةٍ ضلالة، وما زعموا أنه بدعة حسنة أو واجبة فليس من البدع، بل هو مما شرعه الله، ولا تعلق له بالبدع، وإذا تنزلنا قلنا: من باب البدع اللغوية، كما قال عمر في التراويح رضي الله عنه ورحمه، بدعة لغوية.

فالحاصل أنَّ البدع التي في الدين كلها ضلالة كما قاله المعصوم عليه الصلاة والسلام: كل بدعةٍ ضلالة، فليس لأحدٍ من الناس -أي أحدٍ- أن يعتذر عن النبي ﷺ ويقول: لا، ما هي كل بدعةٍ ضلالة، بل بعضها حسن! لا يجوز هذا أبدًا، بل يجب التَّسليم لما قاله النبيُّ ﷺ، وأنَّ كل بدعةٍ ضلالة.

والحديث الثاني: حديث أبي أيوب الأنصاري، وهو خالد بن زيد الأنصاري المشهور : أن النبي قال: مَن صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر، هذا يدل على فضل الستِّ من شوال، وأنه يُشرع صيامها، وقد جاء فيها أحاديث تُؤيد ما رواه أبو أيوب، فهي سنة، سواء صامها مجتمعةً أو مُتفرقةً، في أول الشهر، أو في وسطه، أو في آخره، كلها سنة، ولكن إذا بادر إليها من باب الحرص على الخير، من باب الحذر من العوارض؛ كان حسنًا، وإذا أخَّرها لأسبابٍ شرعيةٍ كان حسنًا أيضًا، فالأمر فيها واسع، وهي ستّ فقط، إن صامها في أول الشهر، أو في وسطه، أو في آخره، فقد أصاب السنة، جمعها أو فرَّقها فقد أصاب السنة.

وهنا أمر ينبغي التَّنبيه عليه؛ وهو أنَّ بعض الناس قد يُقدمها على صوم الفريضة، كأن يكون قد أفطر في رمضان من أجل مرضٍ أو سفرٍ فيُقدمها، وهكذا الحائض أو النُّفساء قد تُقدمها على صوم القضاء، هذا غلط، الواجب البداءة بالمفترض، إذا كان عليه صوم فريضةٍ فليُبادر بصوم الفريضة، ثم يصومها إن تمكن من ذلك، هذا هو الموافق للأصول المتبعة والقواعد الشرعية: البداءة بالأهم فالأهم.

والحديث الثالث حديث أبي سعيدٍ: وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري، وهو صحابي، وأبوه صحابي رضي الله عنهما، وهو من أفاضل الصحابة، ومن علمائهم -من علماء الأنصار- عن النبي ﷺ يقول: مَن صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا، هذا يدل على فضل الصوم في السفر، وأنَّ له فضله العظيم.

وقد استشكل بأنَّ الصوم في السفر مفضولٌ، والأصل فيه الإفطار، ولا سيما عند شدة الحرِّ، فكيف يكون هكذا؟

وأجيب عن هذا: أنه محمول على الأوقات التي يكون فيها الصوم مُتيسرًا وممكنًا بلا مشقَّةٍ ولا أذًى ولا تعطيل عن واجبٍ ولا عن جهادٍ، فهذا فيما إذا كان الصومُ مناسبًا في وقتٍ مناسبٍ.

وقال آخرون: أنَّ المراد في سبيل الله يعني: في طاعة الله، ليس المراد في السَّفر، وليس المراد الجهاد، بل المراد في سبيل الله يعني: في طاعة الله، ابتغاء مرضاته، لا رياء، ولا سمعة، بل يصومه ابتغاء مرضات الله، فلا يكون بينه تعارض وبين الأحاديث التي في السفر.

وهذا قول قوي؛ فإنَّ سبيل الله يُطلق على الجهاد، ويُطلق على غير الجهاد من الطاعات، مثل: الصدقة في سبيل الله، والحج في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر في سبيل الله، وهكذا، يعني: في طاعة الله وابتغاء القُربة لديه.

وبكل حالٍ، فهو يدل على فضل الصوم تقربًا إلى الله ، وأن مَن صام يتقرب إلى الله، يُريد وجهه الكريم؛ باعد الله عن وجهه النار سبعين خريفًا، وهذه إشارة إلى إبعاده عن النار، وأنَّ هذا من أسباب دخوله الجنة، الصوم من أسباب دخوله الجنة، ومن أسباب بعده من النار، سواء قلنا: إنَّ في سبيل الله في الجهاد، أو في السفر، أو قلنا المراد به ابتغاء مرضات الله في الحضر -يعني- لا في السفر، فالفضل حاصل، فهو يدل على فضل الصوم، وأنَّ له منزلةً عظيمةً، وله فضل عظيم.

والحديث الرابع حديث عائشة: كان النبي يصوم حتى نقول: لا يُفطر، ويُفطر حتى نقول: لا يصوم.

وهذا المعنى جاء من حديث ابن عباسٍ أيضًا، قال: ما رأيتُه استكمل صيام شهرٍ قط إلا رمضان، وما رأيتُه أكثر صيامًا منه في شعبان.

هذا يدل على أنه يسرد الصوم عليه الصلاة والسلام في بعض الأحيان، ويسرد الإفطار في بعض الأحيان.

قال العلماء: والسر في هذا والله أعلم أنه إذا كثرت المشاغل وتوالت المشاغل أخَّر الصيام واشتغل بالمشاغل: بالجهاد، والنظر في أمور الناس، وحلّ مشاكلهم، والصوم قد يُضعفه عن ذلك، فيُؤخر الصوم، فإذا جاء وقتُ الفراغ وقلة المشاكل سرد الصومَ عليه الصلاة والسلام، فيتعوض بالسرد للصوم عن سرده الإفطار، ويتحرى الأوقات المناسبة للصوم، والأوقات المناسبة للإفطار؛ لقضاء حاجات المسلمين، والنظر في مشاكلهم، وللجهاد، ولغير هذا من المصالح.

وهكذا ينبغي للمسلم أن يتحرى الأوقات المناسبة للصوم؛ حتى لا يُعطله عن أمرٍ مهمٍّ، فيتحرى الأوقات المناسبة للإفطار؛ حتى يشتغل فيها بما يلزم، وبما يحتاجه من النشاط والقوة، فيكون المؤمنُ طبيب نفسه، ملاحظًا لما هو الأولى والأفضل في وقت الصوم ووقت الإفطار.

وكذلك يدل الحديثُ على أنه ﷺ كان لا يسرد الصوم شهرًا كاملًا، بل يصوم ويُفطر، وكان في شعبان يُكثر الصوم، حتى ربما صامه كله إلا قليلًا، أو صامه كله تمهيدًا لرمضان، وتوطئةً لرمضان، وتعظيمًا لرمضان.

وجاء هذا المعنى في غير حديث عائشة أيضًا، فيدل على أنه يُستحب صيام شهر شعبان، والإكثار من صيام شعبان تمهيدًا لرمضان، وتعظيمًا لرمضان، وتوطئةً لرمضان، كما فعله النبيُّ عليه الصلاة والسلام.

وأنه لا يُستحب أن يُواصل الصيام شهرًا كاملًا، ما عدا شعبان ورمضان، بل يصوم ويُفطر حتى يتقوَّى على العبادة، وحتى يأخذ نشاطه للصوم من تمتعه بالإفطار.

وحديث أبي ذرٍّ يدل على فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهرٍ، وأنه يُستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهرٍ، وأن تكون في أيام البيض: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، سُميت: بيضًا؛ لأنَّ ليلها قد ابيضَّ بالقمر، ونهارها ..... بنور الشمس، فهي بيض من أجل هاتين.

هذا هو الأفضل إذا تيسر، وإلا يصوم ثلاثة أيام من أي الشهر: من أوله، أو من أوسطه، أو من آخره، والأحاديث الصَّحيحة المستفيضة عن النبي ﷺ ليس فيها ذكر البيض، بل يصوم متى شاء، كما في حديث عبدالله بن عمرو في "الصحيحين"، وأبي هريرة في "الصحيحين"، وأبي الدَّرداء عند مسلم، فيها الحثُّ على صيام ثلاثة أيام من كل شهرٍ مطلقًا، وليس فيها ذكر البيض، وهي أصحّ بكثيرٍ من حديث أبي ذرٍّ.

فإذا صام ثلاثة أيام من كل شهرٍ في العشر الأولى، أو في العشر الوسط، أو في العشر الأخيرة؛ فقد حصل الأجر، وإذا وافق وتيسر له أيام البيض فذلك أفضل؛ جمعًا بين الأحاديث كلها.

والحديث السادس حديث أبي هريرة: أن النبي ﷺ نهى أن تصوم المرأةُ وزوجها شاهد إلا بإذنه، إلا رمضان، كما زاد أبو داود.

وهذا معلوم: أن رمضان ما فيه إذن لأحدٍ، يجب عليها أن تصوم مطلقًا، وعليه أن يصوم هو أيضًا إلا من علةٍ شرعيةٍ: كالسفر والمرض، فالزيادة التي ذكرها أبو داود معلومة من الشرع، ليس لها أن تصوم تطوعًا إلا بإذنه إذا كان حاضرًا شاهدًا، أما إذا كان غائبًا فإنها تصوم، ما تحتاج إذنًا؛ لأنَّ المقصود من حضوره أن يتمتع بها، والصوم قد يمنعه من ذلك، أو يكسله عن ذلك، فإذا كان حاضرًا فلا بدَّ من استئذانه أن تصوم البيض، أو تصوم يومًا وتُفطر يومًا، أو ما أشبه ذلك، وإذا كان غائبًا فلا حرج عليها أن تصوم ما شاءت من الصيام.

لكن ماذا يُقال فيما إذا كان حاضرًا لكنه هاجر لها، وليس يستمتع بها؟ فهل يُقال: تستأذنه في هذه الحال، أو ما تستأذنه؛ لأنَّ العلة مفقودة؟ المقصود من الاستئذان ليتمتع، وقد يقع من الزوج هجران للزوجة المدة الطويلة، وقد تكون عنده زوجة قد يستغني بها، فلا يقسم لهذه، ولا يلتفت إليها، فهل يُقال أنه في حكم المسافر؛ لزوال العلة، أو يقال: لا، لا بدَّ من إذنه ولو كان لا يستمتع بها؟ ماذا تقولون؟

الطالب: على حسب؛ مَن نظر إلى المعنى قال: لا تستأذنه، ومَن تقيد باللفظ فتستأذنه.

الشيخ: والشرع يُراعي المعنى؟

الطالب: نعم، يُراعي المعنى الشرع.

الشيخ: معروف من الشرع مراعاة المعنى، فالأظهر حينئذٍ أنها لا تستأذنه، ما [فيه] حاجة، هذا هو الأظهر؛ أنَّ المهجورة مثل التي سافر عنها سواء.

س: حديث أبي ذرٍّ ما يدل على زيادة فضل أيام البيض؟

ج: بلى إذا تيسر، لكن لا ينبغي أن يتقيد بها ويترك الصوم، يصوم مهما أمكن، لكن إذا تيسر له أن يصوم أيام البيض فهو أفضل إذا تيسر، الأحاديث الصحيحة ليس فيها ذكر البيض، إنما هذا في حديث أبي ذرٍّ، وهو في خارج "الصحيحين".

س: ..............؟

ج: جاء فيها أحاديث .....: ما من أيامٍ أفضل من هذه الأيام العشر من حديث ابن عباسٍ وغيره، صومها مستحب إذا تيسر.

س: .............؟

ج: قد يكون هو الأقرب؛ لأنَّ الجهاد مطلوب فيه التَّقوي على طاعة الله بالإفطار، كما أمرهم بالإفطار لما توجَّهوا إلى مكة، فإذا حُمل على أنَّ المراد في سبيل الله السبيل العام وهو طاعة الله .....، أما إذا حُمل على الجهاد فلا بدَّ من قيد، إذا حُمل على الجهاد كما هو المتبادر عند الإطلاق فلا بدَّ من قيدٍ، وهو ألا يكون يعوقه ويُضعفه عن الجهاد مثلما تقدم في حديث أبي هريرة، وحديث جابر، وحديث ابن عباسٍ.

س: ............؟

ج: هذا قاله بعضُ المتأخرين، جاء في حديث: الحج في سبيل الله، لكن المشهور عند العلماء أنَّ في سبيل الله الجهاد، ولا شكَّ أن سبيل الله يُطلق على هذا، ويُطلق على هذا، لكن في الإطلاق والغالب أنه في الجهاد.

س: ............؟

ج: يعني: من أسباب وقايته في المستقبل، من أسباب أنَّ الله يقيه شرَّ الذنوب، أو من أسباب تكفيرها إذا وقعت.

س: .............؟

ج: صريح الحديث: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم.

س: ............؟

ج: نعم، نعم، ما في شيء، يقول في الحديث: "كان يصوم شهر شعبان"، وفي بعضها: "كان يصومه إلا قليلًا".

س: ............؟

ج: اسم قديم، جاء في بعض روايات الحديث تسميتها بالبيض أيضًا، سمَّاها العلماء بالبيض، الذي أعلم أنه قديم من عهد النبي، وقع في بعض الروايات فيما يغلب على ظني تسميتها بالبيض أيضًا من عهد النبي ﷺ، جاء فيها بعض الأحاديث عن النبي ﷺ.

س: ............؟

ج: لا منافاةَ، جزاك الله خيرًا، إذا صمتَ الأكثر لا محذور، النهي كونه يبدأ بالصوم بعد النصف، هذا الذي ورد فيه النهي كما يأتي إن شاء الله، أما إذا صام قبل النصف واستمر فقد وافق السنة.

س: ............؟

ج: المحرم أفضل بنص الرسول ﷺ: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، لعلَّ رسول الله ﷺ ترك الصيام في عاشوراء لأسبابٍ.

س: ............؟

ج: محتمل، محتمل، ما أعلم فيه شيئًا، ما أعلم فيه نصًّا، لكن قول عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تُؤخر صومها إلى شعبان من أجل النبي ﷺ يُشعر بهذا، وأن المرأة تُلاحظ الأولى، والأفضل لها أن تلاحظ زوجها، فإذا سمح لها صامت، وإلا أجَّلت، أخَّرت، هذا هو الأقرب والله أعلم، لكن كونه يجب عليها محل نظرٍ، أما كونها تُلاحظ هذا مثلما لاحظت عائشة؛ لاحظت زوجها، وتعتني بما هو الأولى به، هذا أولى بها وأفضل، أما كونه يلزمها المبادرة بقضاء رمضان هذا محل نظرٍ؛ لأنه يُشبه النَّفل من جهة أنه موسع، ويُشبه رمضان من جهة أنه فرض، فصار هنا نوع من التعارض، فهل يُقدم هذا أو يُقدم هذا؟ والأقرب عندي والله أعلم تشبيهه بالنفل، القضاء لسعة وقته، فإذا راعت زوجها وأخذت رأيه وإذنه كان أقربَ إلى الخير، وأقرب إلى التَّعاون على البرِّ والتَّقوى.

س: ............؟

ج: له ثوابه إن شاء الله، وعليه القضاء، لا يجزي عن القضاء.

س: ............؟

ج: ترك الأولى والأفضل، أو ترك ما يجب، لكن هل يجب عليه وجوبًا أم لا؟ محل نظرٍ أيضًا، لكن بكل حالٍ الذي ينبغي تقديم الفرض.

س: .............؟

ج: كل شيء، كل شيء البداءة بالأهم.

س: .............؟

ج: يبدأ بالفرض، قد يموت، قد يعرض له عوارض، فالفرض أولى.

س: ............؟

ج: إذا فات النَّفل ما يضرّ فوات النَّفل، يكتب الله له أجره إن شاء الله، إذا فات النَّفل لأسبابٍ شرعيةٍ كتب الله الأجر، فالمؤمن إذا فاتته صلاةُ الجماعة لعذرٍ كتب الله له أجر الجماعة، وإذا فاته الجهاد لعذرٍ فهو مع المجاهدين، وهكذا الرجلُ الذي يحب أن يصوم الستّ، ولكن منعه تقديمه ما أوجب الله عليه؛ لأنه مريض وشُفي في أول شوال، أو مسافر قدم، فإذا قدَّم الفرضَ على النَّفل نرجو له أن يُكتب له الأجران.

س: .............؟

ج: لا، ينبغي أن يُقدم الفرض.

س: .............؟

ج: لا، الفرض مُقدَّم على كل حالٍ، ويُرجى له النَّفل إن شاء الله إذا حيل بينه وبين صيامه.

686- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ النَّحْرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

687- وَعَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

688- وَعَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا: لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

689- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخْتَصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

690- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ، أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذه الأحاديث الخمسة كلها تتعلق بالصيام:

الحديث الأول يدل على تحريم صيام يومي العيدين: يوم النحر، ويوم الفطر، وهذا محل إجماعٍ، وجاء فيهما عدة أحاديث عن النبي ﷺ: من حديث ابن عمر، ومن حديث أبي سعيدٍ وغيرهما، وهما يوما عيدٍ، ويوما أكلٍ وشربٍ، وليسا يوما صيامٍ، فيحرم صيامهما: لا عن فرضٍ، ولا عن نفلٍ.

وهكذا أيام التَّشريق، حديث نبيشة الهذلي، وجاء في معناه أحاديث أخرى تدل على تحريم صيام أيام التَّشريق، وأنها أيام عيدٍ أيضًا، وهي يوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة، فهي أيام أكلٍ وشربٍ، وأيام ذكرٍ وتكبيرٍ، وأيام نحرٍ، وأيام رمي الجمار، وهي أيام عظيمة، شرع الله فيها عبادات، ويحتاج فيها المسلمون إلى الفطر؛ ليقبلوا رخصة الله، ويقبلوا فضله ، ويستعينوا بها على طاعته أيام الحج، وبما يتعلق بالضَّحايا والهدايا، فمن رحمة الله أن شرع فيها الإفطار؛ ليستمتع الناسُ بنعمه سبحانه في مدنهم وقُراهم وبواديهم، وفي أيام حجِّهم ..... الحجاج، لكن يجوز أن تُصام في حالٍ واحدةٍ، وهي في حال مَن لم يجد الهدي -هدي التَّمتع والقران- على الصحيح من أقوال العلماء؛ لحديث عائشة وابن عمر، وهو الحديث الثالث هنا.

وهذا حديث عائشة وابن عمر: لم يُرخَّص في أيام التَّشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدي. وهذا عند أهل العلم في حكم المرفوع، إذا قال الصَّحابي: "أُمرنا بكذا، أو لم يُرخَّص في كذا، أو أُنزل في كذا، أو نُهينا عن كذا"، فهو في حكم الرفع على المختار عند أئمة هذا الشأن.

فالمعنى أنَّ الرسول رخَّص في هذا خاصةً، فمَن لم يجد الهديَ -هدي التمتع والقران- لعجزه المالي كفاه الصيام في هذه الأيام، ثم سبعًا إذا رجع إلى أهله؛ لقوله جلَّ وعلا: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة:196]، فهذا في حقِّ المتمتع فرضٌ عند عجزه عن الهدي، فيصوم ثلاثة أيام في الحج قبل يوم عرفة، وإن صام في أيام التَّشريق فلا بأس.

وقد يحتاج الإنسانُ إلى أيام التَّشريق؛ لأنه قد يكون معه مال يظنّه يكفيه، فإذا جاءت أيام التَّشريق -أيام العيد- عرف أنه لا يكفي، فاحتاج إلى الصوم، وقد يكون عنده مال فيُفقد -يُسرق أو يضيع- وقد يكون يظنّ أنه يجد قرضًا فلا يجد.

فالحاصل أنه قد يحتاج إلى تأخير الصوم؛ فلهذا يسَّر الله للحجاج المتمتعين أن يصوموا هذه الأيام الثلاثة مع السبعة التي عليهم إذا رجعوا إلى أهليهم، وما سوى ذلك فلا يجوز، بل يجب الإفطار في هذه الأيام في حقِّ الحجيج، وفي حقِّ غيرهم، فهي أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله ، وهي على الصحيح أيضًا أيام نحرٍ.

اختلف العلماءُ في النَّحر على أقوالٍ، وأصحها أنها أيام نحرٍ أيضًا، فأيام النَّهي أربعة: يوم العيد، وأيام التَّشريق الثلاثة.

وهي أيام رمي الجمار عند الجميع أيضًا؛ لأنَّ الجمار تُرمى في الحادي عشر والثاني عشر لمن نفر من تعجلٍ، وفي الثالث عشر لمن لم يتعجل، وهي أيام تكبيرٍ وذكرٍ مع رمي الجمار، وفي غير ذلك، وهي على الصحيح يشمل فيها المطلق والمقيد: الذكر أدبار الصلوات، والذكر في بقية الأوقات إلى نهاية اليوم الثالث عشر، عند غروب الشمس في يوم الثالث عشر، فإذا غابت الشمسُ انتهى الذبحُ، وانتهى التَّكبير الخاصُّ، وانتهى المنعُ من الصيام.

والحديث الرابع والخامس: حديثا أبي هريرة في النَّهي عن صوم يوم الجمعة؛ تخصيصه بصومٍ، أو تخصيص ليلة الجمعة بقيامٍ، لما كان يوم الجمعة يومًا عظيمًا، وهو خير يومٍ طلعت فيه الشمس، وهو اليوم الذي تقوم فيه الساعة، وهو اليوم الذي خلق الله فيه آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، لما كان هذا اليوم يومًا عظيمًا فهو مظنة أن يُعظمه الناس بالصيام، وأن يخصُّوا ليلته بالقيام، فنبَّه النبيُّ ﷺ أنه لا يجوز تخصيصه رحمةً بالأمة؛ حتى لا تشقَّ على نفسها في هذا اليوم، فإنه يوم عبادةٍ، ويوم تقدّم للمسجد لصلاة الجمعة، فكان من رحمة الله أن نهى عن تخصيصه بصيامٍ؛ حتى يكون يوم عيدٍ، فيه النشاط، وفيه القوة على العمل الصالح، والتبكير إلى الجمعة، وغير هذا من المصالح.

ولا تخصّ ليلته بقيامٍ من بين الليالي، بل بدعة، فلا يجوز تخصيصها بقيامٍ، ولا يومها بصيامٍ، إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدنا، كما في حديث .....، فإذا كان في صومٍ فلا بأس: إذا صام الخميس مع الجمعة، أو الجمعة مع السبت زال المحذور، أما صومه وحده فلا.

وفي الصحيح عن جابرٍ رضي الله تعالى عنه: أن النبي نهى عن صوم يوم الجمعة، وهو موافق لما جاء في حديث أبي هريرة، وما جاء في معناه.

وفي هذه الليلة صلاة يُسمونها: صلاة الرغائب، وهي بدعة أحدثها مَن أحدثها على رأس المئة الرابعة، كما قال أهلُ العلم، وخصُّوها بليلة الجمعة، من أول جمعةٍ في رجبٍ، أو جمعة في رجب يخصُّونها بصلاةٍ يُسمونها: صلاة الرغائب، وهي بدعة لا أساسَ لها كما أوضح العلماءُ.

والمقصود من هذا كله بيان أنه لا تخصيص ليومها بالصيام، ولا تخصيص لليلتها بقيامٍ، ويُؤخذ من هذا أنَّ الأيام والليالي على السَّواء، فلا يخصّ منها شيء إلا بدليلٍ.

ومن هذا يُؤخذ أيضًا بدعة الاحتفال بالموالد، وهذا من جملة الأدلة؛ فإنَّ تخصيص يوم الثاني عشر من ربيع الأول، أو ليلة الثاني عشر من ربيع الأول بالاحتفال من البدع المحدثة في الدِّين؛ لأنه يوم لم يرد فيه تخصيص، فوجب النَّهي عن هذا التَّخصيص المنكر والمحدث.

وهكذا ما أحدث الناسُ في أي يومٍ من مأتمٍ، أو اتِّخاذه عيدًا، أو غير ذلك بأي اسمٍ سمَّوه، فإنه يكون بدعةً، فلا تخصيص إلا بدليلٍ؛ ولهذا شرع لنا صيام الاثنين والخميس، لما جاء فيه من الدليل، وشرع صوم يوم عرفة، لما جاء فيه من الدليل، وهكذا صيام ثلاثة أيام من كل شهرٍ، وما جاء في هذا المعنى.

فالعبادات توقيفية، ليس لأحدٍ أن يشرع فيها ما لم يأذن به الله، وقد ذمَّ الله مَن فعل هذا، فقال سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، والله أعلم.

س: ............؟

ج: في أحاديث النَّهي عن صومها بالنصِّ من حديث عمرو بن العاص وغيره، جاء النهي عن صومها تخصيصًا لأنها يوم عيدٍ، وحديث ..... كذلك واحد منها.

س: ............؟

ج: ما يُصام، لا؛ لأنه عامّ، وذاك خاص.

س: .............؟

ج: ما أعرف في هذا شيئًا إلا والله أعلم من شرعية التَّبكير إليها، يعني: كأنه أخذ من شرعية التَّبكير لها والسَّعي لها مبكرًا؛ تفرُّغًا للعبادة في يوم الجمعة قبل الصلاة، لعله من هذا.

س: ............؟

ج: إذا صام قبل عرفة أفضل؛ حتى يكون يوم عرفة مفطرًا، بعض أهل العلم قال: يصوم يوم عرفة .....، ولكن الأولى خلاف ذلك؛ الأولى أن يكون عرفة مفطرًا كما جاءت به السنة، ويصوم قبل ذلك، إذا كان يعرف أنه عاجز يصوم قبل ذلك، أما إذا كان مُترددًا، عنده مال، فلما جاء يوم العيد تيقن أنه ما يحصل به الثَّمن؛ يصوم في أيام التَّشريق، ومَن عجز عن أيام التَّشريق لمرضٍ وعدم قُدرةٍ على الصوم أخَّر الصيام، العشرة كلها إلى بلده.

س: ..............؟

ج: يأثم، ولا عليه شيء، الصحيح ما عليه فدية .....، قال بعضُهم: عليه فدية. وقال بعضهم: يختلف: إن كان معذورًا فلا فديةَ، وإن كان غير معذورٍ فعليه فدية. والصواب أنه لا فديةَ، مثل: لو أخَّر صوم رمضان.

س: ............؟

ج: ما أعلم في هذا شيئًا، ما أحفظ في هذا شيئًا، ينبغي العمل في كل يومٍ، ما في شيء يدل على ترك العمل.

س: .............؟

ج: الحِلَق قبل الصلاة ينهى عنها النبي، نهى عن التَّحلق يوم الجمعة قبل الصلاة؛ لأنه قد يعوق الناس عن التَّبكير إلى الجمعة.

691- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانَ فَلَا تَصُومُوا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَاسْتَنْكَرَهُ أَحْمَدُ.

692- وَعَنِ الصَّمَّاءِ بِنْتِ بُسْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ، إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهَا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّهُ مُضْطَرِبٌ. وَقَدْ أَنْكَرَهُ مَالِكٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ مَنْسُوخٌ.

693- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ أَكْثَرَ مَا يَصُومُ مِنَ الْأَيَّامِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَيَوْمُ الْأَحَدِ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّهُمَا يَوْمَا عِيدٍ لِلْمُشْرِكِينَ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَهُمْ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَهَذَا لَفْظُهُ.

694- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ غَيْرَ التِّرْمِذِيِّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ، وَاسْتَنْكَرَهُ الْعُقَيْلِيُّ.

695- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

696- وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بِلَفْظِ: لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ.

الشيخ: هذه الأحاديث أيضًا تتعلق بالصيام:

الحديث الأول حديث أبي هريرة : أنَّ النبي ﷺ قال: إذا انتصف شعبانُ فلا تصوموا أخرجه الخمسة، وهم: أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، كما تقدم، وهو حديث جيد لا بأس به، واستنكار أحمد هنا لا أعلم له وجهًا قادحًا في الحديث.

المقصود أنه حديث جيد، وهو يدل على كراهة الصوم بعد انتصاف شعبان، وتقدم في حديث أبي هريرة: لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين، إلا رجلًا كان يصوم صومه فليصمه، فهو يُنهى عنه بعد النصف، ويتأكد النَّهي إذا كان قرب نهاية الشهر؛ لئلا يتّخذ ذريعةً إلى الزيادة في رمضان، والله جلَّ وعلا منع من الزيادة، فليس لنا أن نزيد فيما شرعه الله؛ ولهذا نُهينا عن صوم يوم الشك.

فالواجب الأخذ بالنص والتَّقيد به، فلا يُصام بعد النصف ابتداءً، أما إذا صام أكثر الشهر فلا بأس، أو صام الشهر كله فلا بأس، إن صام قبل النصف واستمر فلا بأس، أما أن يبتدئ بعد النصف كما في الحديث المذكور يدل على النَّهي عن ذلك، ويتأكد النَّهي في آخر الشهر؛ صوم يوم الشك، أو ..... الثامن والعشرين، والتاسع والعشرين، والثلاثين، كل ذلك لسدِّ الذَّريعة لزيادة الصوم، كما زاد اليهود والنصارى وظلوا فيما ابتدعوا.

الحديث الثاني: حديث الصّماء بنت بسر، أخت عبدالله بن بسر، في حديثها النَّهي عن صوم يوم السبت، وقد ذكر بعضُ أهل العلم اضطرابه، وأنكره مالك رحمه الله، وقال أبو داود: إنه منسوخ. فإنَّ صوم النبي ﷺ له، أو في قوله ﷺ: لا يصومنَّ أحدُكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يومًا قبله، أو يومًا بعده، بعده يوم السبت.

والحديث جيد الإسناد، ولا بأس به، ولكن الاضطراب الذي قيل فيه ليس بواضحٍ؛ فإنَّ رواية عبدالله بن بسر عن أبيه أو عن أخته الصّماء لا يُوجب اطِّراحه، فإن أسانيده جيدة عن الصّماء، فكون بعض الرواة رواه عن عبدالله بن بسر، أو عن عبدالله، عن أبيه، لا يمنع من صحة إسناده، ومهما دعت الحالُ فإنه ينبغي ترك إفراده؛ عملًا بظاهر النص، أما إذا ضُمَّ إلى غيره: كالجمعة، أو الأحد، فلا كراهةَ، وإنما النَّهي عن إفراده فقط، فإذا ضمَّه إلى الأحد كما فعله النبيُّ ﷺ في الحديث الذي بعد هذا، أو ضمَّه للجمعة؛ فلا كراهةَ في ذلك، هو كيوم الجمعة يُكره صومًا مفردًا، فإن ضمَّه إلى الخميس أو إلى السبت زالت الكراهة.

وحديث أم سلمة يدل على استحباب صوم السبت والأحد جميعًا؛ لأنهما يوما عيد المشركين، فالنبي أحبَّ أن يُخالفهم بالصوم، والأحد عيد النصارى، والسبت عيد اليهود، فكان فيهما أكل وشرب لهم وتعبد، فأحبَّ النبيُّ ﷺ أن يُخالفهم في ذلك، وهو يدل على أنَّ صومهما مشروع ومُستحب؛ خلافًا لليهود، ومناقضةً لهم في اتِّخاذهما يوما عيدٍ.

كذلك حديث أبي هريرة في صوم يوم عرفة يدل على كراهة صوم هذا اليوم، وأنه ينبغي إفطاره، ويدل على ذلك أيضًا إفطار النبي ﷺ يوم حجة الوداع، فإنه أفطر، شكَّ الناسُ في ذلك، فبعثت إليه أمُّ الفضل بلبنٍ وشرب وهو واقف بعرفة عليه الصلاة والسلام، فدلَّ ذلك على أنَّ السنة الإفطار، ويؤيد ذلك هذا الحديث، وهو حديث جيد الإسناد، لا بأس به، واستنكار العقيلي ليس له وجه واضح رحمه الله.

المقصود أنه جيد، وأقلّ أحواله الكراهة، والأصل في النَّهي التحريم، فلا ينبغي أن يُصام يوم عرفة للحجاج، أما غير الحجاج فالسنة أن يصوموا كما تقدم من حديث أبي قتادة، وهو يوم فاضل يُكفِّر الله بصومه السنةَ التي قبله، والتي بعده، ويُستحب صومه لغير الحجيج، ويُنهى عن صومه الحجيج؛ لهذا الحديث الصحيح، ولفعل النبي ﷺ، فإنه وقف مفطرًا عليه الصلاة والسلام.

وبناءً على هذا يُشرع لمن أحبَّ أن يصوم الثلاث قبل عرفة؛ لعجزه عن الهدي، أن يصومها قبل عرفة، حتى يكون يوم عرفة مفطرًا، فيجمع بين السنتين: يُفطر في عرفة، ويصومها قبل عرفة، هذا هو الذي ينبغي، وهذا هو الأفضل والأولى.

وقال بعضُ أهل الفقه: إنه يُستحب أن يكون آخر أيام عرفة، ولا أعلم لهذا وجهًا، بل هذا مصادم للسنة، فالأولى أن تكون قبل عرفة الثلاثة أيام في الحج، ولا يلزم أن يُحرم، ولو كان غير محرمٍ؛ فإنَّ النبي ﷺ ما أمرهم أن يُحرموا، فالمراد في الحجِّ، يعني: في زمن الحج، ليس المراد في زمن التلبس بالحج، لا، المراد في زمن الحج، فإنَّ شوال وذا القعدة وذا الحجة كلها شهور حجّ، فإذا صامها قبل عرفة فقد صامها في الحج.

س: ............؟

ج: نعم، إذا أدَّى العمرة فقد حصل السبب، ولو في ذي القعدة.

وحديث ابن عمر: أن النبي ﷺ قال: لا صام مَن صام الأبد رواه البخاري أيضًا، وهو من حديث عبدالله بن عمرو، لا من حديث عبدالله بن عمر، فهنا وهم، لعله من بعض النُّساخ، والصواب من حديث عبدالله بن عمرو؛ لأنَّ النبي ﷺ بلغه أنه كان يصوم الدهر، فأنكر عليه ﷺ، وأمره أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهرٍ، فلما أصرَّ على ذلك قال: صم يومًا، وأفطر يومًا، فذاك صيام داود، وقال: لا صام مَن صام الأبد، لا صامَ مَن صام الأبد، فليُراجع، لا أذكر إلا من رواية عبدالله بن عمرو بن العاص.

وقوله: لا صام مَن صام الأبد يدل على كراهة صوم الدهر، وهذا أقل ما يُقال فيه.

وفي اللفظ الآخر: لا صام، ولا أفطر.

قال ابن العربي المالكي: إن كان نهيًا فيا ويح مَن نهاه النبيُّ ﷺ وخالف نهيه! وإن كان خبرًا فأي وجهٍ لمن أخبر عن عدم صومه، وأنَّ صومه لا وجهَ له؟ أو بهذا المعنى.

فالمقصود سواء قلنا: خبر، أو قلنا: إنه نهي، فهو يدل على أنه لا ينبغي للمسلم الذي يريد أن يتقرب إلى الله أن يصوم الأبد، فصومه ليس بشيءٍ، ولا يُعتبر صومًا في الحقيقة، وليس له ثواب الصَّائمين، فإن كان معناه النَّهي: لا تصوموا الأبد، فالأصل في النَّهي التحريم، فلا ينبغي؛ ولهذا لما قال عبدالله بن عمرو: يا رسول الله، إني أُطيق أفضلَ من ذلك. أُطيق أفضل من صوم يومٍ وفطر يومٍ -صيام داود- قال: لا أفضلَ من ذلك.

س: .............؟

ج: هذا هو الأصل، لكن المشهور عند العلماء الكراهة، والأصل في النهي التحريم، هذا هو الأصل، فينبغي للمؤمن أن يتحرى مثل هذه الأشياء.

س: .............؟

ج: لا بأس به، نعم جيد.

س: .............؟

ج: الحديث فيه مثلما سمعت بعض الكلام، لكن يُقال: الأولى ترك ذلك، ينبغي ترك ذلك، حتى ولو قلنا أنَّ في سنده ضعفًا واضطرابًا، فالتَّحرز أولى، فيحتاط لدينه، وظاهر أسانيده جيدة.

س: .............؟

ج: كذلك لا يبدأ به، أما إذا بدأ قبل النِّصف لا بأس أن يستمر.

س: إذا استكمل الشهر أو الشَّهرين؟

ج: ما في بأس.

س: ما في كراهة؟

ج: لا حرج؛ لأنَّ في بعض الروايات: كان يصومه كله -شعبان- يعني: كان يصومه إلا قليلًا، بل كان يصومه كله.

س: .............؟

ج: نعم مَن صام السنة كاملةً، مَن زاد على صوم يومٍ وفطر يومٍ فهو منهيٌّ عنه، صوم الأبد يعني: صوم السنة كلها، لا يُفطر.

س: .............؟

ج: جاء عن ابن الزبير، أذكره عن ابن الزبير، ولا تتبعتُ حاله، إذا صحَّ الحديثُ ما يحتاج تتبعًا لأحدٍ، الحديث قصارى أن يُقال: أنَّ مَن خالفه أنه ما بلغه، أو تأوَّله، يكفي الحديث.

س: ..............؟

ج: خلاف الأفضل، معناه: يصوم الثلثين، الأولى الاقتصار على يوم، جاء في الرواية عن عبدالله بن عمرو في آخر حياته: أنه كان يتمنى أنه قَبِل الرخصة واكتفى بثلاثة أيامٍ، لما شقَّ عليه الأمرُ في آخر حياته كان يصوم أيامًا متتابعةً يسردها، ثم يُفطر مثلها؛ ليتقوَّى بهذا على هذا.

س: ..............؟

ج: يُخشى عليه، يُخشى عليه.

بَابُ الِاعْتِكَافِ وَقِيَامِ رَمَضَانَ

697- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

698- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ -أَي: الْعَشْرُ الْأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانَ- شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

699- وَعَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

700- وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

701- وَعَنْهَا قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيُدْخِلُ عَلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

702- وَعَنْهَا قَالَتْ: السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا، وَلَا يَشْهَدَ جِنَازَةً، وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً، وَلَا يُبَاشِرَهَا، وَلَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ، إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، وَلَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ، وَلَا اعْتِكَافَ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلَا بَأْسَ بِرِجَالِهِ، إِلَّا أَنَّ الرَّاجِحَ وَقْفُ آخِرِهِ.

703- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ أَيْضًا.

الشيخ: هذه الأحاديث السبعة في الاعتكاف وقيام رمضان.

أما الاعتكاف: فهو لزوم الشيء والبقاء عليه، ومنه عكوف أهل الأصنام على أصنامهم، ولبثهم عندها، وبقاؤهم عندها للتَّحنث والعبادة، عكف في المكان: إذا أقام به، والمراد بالاعتكاف هنا اللّبث والإقامة في المساجد تقرُّبًا إلى الله ، يُسمَّى: اعتكافًا، وقد فعله النبيُّ ﷺ، وفعله أصحابه، فكان معروفًا في الجاهلية، حتى قال عمر: يا رسول الله، إني نذرتُ أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام؟ فقال: أوفِ بنذرك، فهو سنة وقُربة وطاعة، ثبت عن رسول الله ﷺ، وعن أصحابه.

فيُسن الاعتكاف في المساجد، وأفضل ما يكون في رمضان، وأفضل ذلك العشر الأخيرة منه، والمقصود منه التَّفرغ للعبادة، والخلوة بالله لذكره وطاعته وخوفه ورجائه والأُنس بذكره ، والتَّفرغ من العلائق التي تعوق عن ذلك المتعلقة بالمخلوقين.

وقيام رمضان هذا الشقّ الثاني من الترجمة؛ لبيان فضل قيام رمضان، وأنَّ الله شرعه لنا لما فيه من الخير العظيم للمسلمين، فقيام رمضان من القُربات، قد قال النبيُّ ﷺ: مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه، وجاء في هذا الباب عدة أحاديث كلها تدل على فضل قيام رمضان، وأنه سنة وقربة، وقد فعله النبيُّ ﷺ بنفسه عدة ليالي، ثم ترك ذلك خشية أن تُفرض صلاة الليل على الناس، فلما قُبض عليه الصلاة والسلام أقام ذلك عمر في خلافته، وجمع الناس على إمامٍ واحدٍ؛ لأنَّ الخوف قد أمن بموته عليه الصلاة والسلام.

الحديث الأول حديث أبي هريرة : أن النبي ﷺ قال: مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه.

فهذا الحديث وما جاء في معناه يدل على شرعية قيام رمضان من الفرد والجماعة، عام، وفعله ﷺ له جماعةً يدل على فضل الجماعة، وإقراره للناس جماعةً؛ كان يُفعل في عهده ﷺ، يُصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل بالاثنين والثلاثة، والآخر يُصلي بالجماعة، كانوا يُصلون في مسجده ﷺ أوزاعًا، ثم صلَّى بهم جماعةً عدة ليالي عليه الصلاة والسلام، ثم صلَّى بهم عمر بعد ذلك؛ لما أمر عمرُ بجمعهم على ذلك في خلافته، على أُبي رضي الله عنه وأرضاه.

فقيام رمضان سنة مُؤكدة، وباقية إلى يوم القيامة؛ لفعله ﷺ، وحثه، وترغيبه في ذلك، وجاء في بعض الروايات والنَّسائي، وما تأخَّر، وهذا كله يدل على فضل قيام رمضان، وأنه ينبغي للمؤمنين أن يقوموا رمضان جماعةً وفُرادى حسبما تيسير، وأنَّ هذا الفضل إنما يصلح لمن فعل ذلك إيمانًا واحتسابًا؛ عن إيمانٍ بالله وما شرع، وعن احتساب الأجر عنده، أما مَن فعل ذلك رياءً، لا لقصد القُربة إلى الله، هذا لا ينفعه، بل يضره؛ لأنَّ الرياء شرك، نسأل الله السَّلامة.

وفي حديث عائشة رضي الله عنها -أحاديث العشرة الأخيرة- إذا دخل العشر -يعني: الأخيرة من رمضان- شدَّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله.

يدل على شرعية العناية بالعشر الأخيرة، وأنه يُستحب أن تخصَّ بمزيد عنايةٍ؛ ولهذا في رواية مسلم تقول عائشة رضي الله عنها: كان النبيُّ ﷺ يجتهد في العشر الأخيرة من رمضان ما لا يجتهد في غيرها.

هذا يدل على أنه يخصَّها بمزيد عنايةٍ: بصلاته وقراءته وغير هذا من وجوه الخير؛ ولهذا قالت: كان النبيُّ إذا دخل في العشر شدَّ مئزره. وهذا كناية عن التَّشمير والجدّ في العبادة، ويدخل في ذلك اعتزاله النساء؛ لأنَّه يعتكف، والاعتكاف يمنع من مباشرة النساء؛ لقوله سبحانه: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187].

وأحيا ليله بالعبادة: بالصلاة والقراءة، هذا يدل على إحياء الليل، وهو مخصص لقولها رضي الله عنها: "ما أعلم قام ليلةً حتى الصباح" رواه مسلم، يعني: فيما عدا العشر الأخيرة من رمضان، كان يُحييها بالعبادة عليه الصلاة والسلام.

وأيقظ أهله يعني: للعبادة بالتَّهجد في هذا الليل، وكان يُوقظ أهله عند الوتر في سائر السنة عليه الصلاة والسلام، ولكن في ليالي العشر يُوقظهن حتى يُشاركن في هذا الخير العظيم.

فدلَّ ذلك على شرعية إحياء ليالي العشر بالعبادة، وقيامهن، وأنه ينبغي تخصيصهن بمزيد عنايةٍ؛ تأسيًا برسول الله ﷺ، وحرصًا على أن يختم شهره بالخير العظيم؛ لأنَّ الأعمال بالخواتيم؛ ولأنَّ هذا الشهر سيد الشُّهور وأفضلها، وعشره الأخيرة هي أفضله، فينبغي أن تخصَّ بمزيد عنايةٍ، كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام، لكن إذا نام بعض الليل ليتقوَّى على قيام الليل فهو كمَن قام الليل كله، فالمؤمن يتحرى في ذلك ما يُعينه على طاعة الله، وإذا كان قيام الليل كله يشقّ عليه فالأفضل له أن يستعين بشيءٍ من النوم؛ حتى يُكمل قيامه بنشاطٍ وقوةٍ، والناس في هذا يختلفون: منهم مَن يكون عنده قوة ولا يحتاج إلى النوم، ومنهم مَن يحتاج إلى ذلك، والنوم لقصد العبادة عبادة.

والحديث الثالث حديث عائشة رضي الله عنها في الاعتكاف: أن النبي كان يعتكف العشر الأخيرة من رمضان في حياته، ثم اعتكف أزواجُه من بعده.

هذا يدل على سنة الاعتكاف، وأنه شيء لازمه ﷺ وحافظ عليه، وكان يلتمس ليلة القدر في العشر الأول، ثم الوسطى، ثم قيل له: إنها في العشر الأخيرة. فكان يعتكف العشر الأخيرة من رمضان، واستقرَّ أمر ليلة القدر في العشر الأخيرة من رمضان، كما قاله جمهور أهل العلم، ودلَّت عليه الأحاديث الصَّحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهي ليلة باقية، وهي في العشر الأخيرة من رمضان، وهي خير من ألف شهر، كما دلَّ عليه كتابُ الله.

فسنَّ للمسلمين الاعتكاف كما فعله الرسولُ ﷺ، وفعله أزواجُه، وتحري هذه الليلة أمر مطلوب؛ لما فيها من الخير العظيم، والتَّفرغ للعبادة فيها في العشر الأخيرة أيضًا له وجهه، وله فضله، وكلٌّ له نصيبه: المعتكف وغير المعتكف، لكن مَن تفرَّغ لها للعبادة والعمل الصَّالح كان له الحظُّ الأكبر والأوفر على حسب اجتهاده وإخلاصه وصدقه في عمله.

وفي حديث عائشة هذا دلالة على أنه لا بأس باعتكاف النساء، وأن الاعتكاف مشروع للجميع: للرجال والنساء جميعًا، ولا يخصّ الرجال، لكن مع مراعاة التَّستر والبُعد عن فتنة الرجال، يكون لهن خيمة، يكون لهن بيت من شعر، يكون لهن شيءٌ يسترهن، حجر في المسجد.

المقصود أنَّ الاعتكاف سنة للجميع: للرجال والنساء، كما دلَّ عليه الحديث الصحيح، لكن يُراعى في حقِّ النساء ما يمنع الفتنة فيهن من التَّستر والبُعد عن التأثير على الناس بشيءٍ من أسباب الفتنة.

ومما يجب العناية به: أن يكون عن إخلاصٍ، لا عن رياءٍ، بل يكون هذا العملُ صدر عن إخلاصٍ لله، ورغبة فيما عنده .

والحديث الرابع: حديث عائشة أيضًا في دخول المعتكف بعد صلاة الفجر، وأن السنة دخول المعتكف بعد صلاة الفجر، قالت: كان يدخل مُعتكفه إذا صلَّى الفجر عليه الصلاة والسلام. هذا هو الأفضل: إذا اعتكف العشر الأخيرة من رمضان يدخل المعتكف صباح واحد وعشرين كفعله عليه الصلاة والسلام، وهكذا إذا اعتكف في ليالي أخرى يبدأ الاعتكاف بعد صلاة الفجر؛ تأسيًا به عليه الصلاة والسلام.

والاعتكاف سنة، فلو دخل يريد الاعتكاف، ثم أراد الانفصال، فلا حرج، لا يلزم دخول الاعتكاف، إنما يلزم الحجّ والعمرة فقط؛ لأنَّ الله قال: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، وأما ما سوى ذلك من العبادات النافلة فلا تلزم بالشروع فيها على الصحيح، ومن ذلك الاعتكاف.

والحديث الخامس حديث عائشة أيضًا: أن المعتكف لا يعود مريضًا، وهكذا حديث ابن عباسٍ: السنة للمُعتكف ألا يعود -من حديث عائشة- ألا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازةً، ولا يمسّ امرأةً ولا يُباشرها، ولا يخرج لحاجةٍ، إلا لما لا بدَّ منه.

هذا دليل على أنَّ المعتكف يلزم مكانه، ويعتني بالجلوس حتى يتفرغ للعبادة: فلا يعود المرضى، ولا يشهد الجنائز في غير المسجد الذي هو فيه، بل يُؤجل هذا إلى خروجه من المعتكف، ولا يمسّ امرأةً، يعني: بشهوةٍ، ولا يُباشرها، أما التَّحدث معها فلا بأس؛ كان نساؤه يزرنه في المعتكف ويتحدثن معه عليه الصلاة والسلام، فلا بأس، ولا يخرج لحاجةٍ، الحاجات العادية التي ليست ضروريةً؛ ولهذا قال: إلا لأمرٍ لا بدَّ له منه، مثل: البول والغائط والأكل إذا لم يتيسر له مجيئه، كل هذا حاجات لا بدَّ منها، أما ما كان منه بدٌّ فلا يخرج: كزيارة الأقارب والأصحاب، واتباع الجنائز إلى المقابر، والصلاة عليها في مسجدٍ آخر، وما أشبه ذلك، السنة أن يبقى في مُعتكفه للتَّعبد.

س: النوم؟

ج: السنة أن يبقى كما فعل النبيُّ ﷺ، وينام فيه، هذه السنة، أما ما تعلق بالشرط فمحل نظرٍ، لكن من حيث الجملة الاعتكاف يتجزأ: إذا نوى أن يعتكف نهارًا فلا بأس، هذا نافلة، إذا نوى أن قصده بالاعتكاف نهارًا فقط، ثم يخرج بعد صلاة المغرب، فهو على نيته: الأعمال بالنيات.

قولها: "ولا اعتكافَ إلا بصومٍ" هذا اجتهاد منها؛ لأنَّ الراجح وقفه؛ لأنه من كلامها.

"ولا اعتكافَ إلا في مسجدٍ جامعٍ" هذا صحيح عند الجمهور، يعتكف في المساجد التي فيها صلاة؛ حتى لا يضطر إلى الخروج كل ساعةٍ، فيكون اعتكافه في المسجد الذي تُقام فيه الصلاة، وليس بشرطٍ الجمعة، بل الصَّلوات الخمس تكفي، فإذا جاء وقت الجمعة يخرج؛ لأنه في واجبٍ فيخرج للجمعة، ولا شكَّ في هذا، بل يلزمه أن الجمعة أمر لازم، وإذا كان اعتكافه في مسجدٍ جامعٍ تُقام فيه الجمعة كان أكمل؛ حتى لا يحتاج إلى خروجٍ طويلٍ.

أما الصوم: فاختلف فيه العلماء، قالت عائشة رضي الله عنها: "لا اعتكافَ إلا بصومٍ"، وقول ابن عباس: "ليس عليه صوم إلا أن يفرضه على نفسه"، والله يقول جلَّ وعلا: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، فإذا تنازع الناس -الصحابة أو غيرهم- فالمرد إلى الكتاب والسنة، وليس في الكتاب والسنة ما يدل على اشتراط الصوم، وقد نذر عمر رضي الله عنه وأرضاه اعتكاف ليلةٍ، فأقرَّه النبيُّ ﷺ، ولم يقل: لا بدَّ من صومٍ.

فالمقصود أنَّ الصوم ليس بشرطٍ، لكن إذا كان مع الصوم يكون أفضل، كما فعله النبيُّ ﷺ في رمضان، وإن اعتكف بغير صومٍ فلا حرج ولا بأس، هذا هو الصواب؛ لقول ابن عباسٍ ، ولغير ذلك من أقوال أهل العلم؛ ولأنه الأصل، الأصل عدم الشَّرطية إلا بدليلٍ، والله أعلم.

س: .............؟

ج: تكفي، إذا كان فيه حجرة تكفي، إذا كانت داخلةً في المسجد ومن جملة المسجد.

س: حديث ترجيل الشعر؟

ج: كذلك حديث ترجيل الشعر يدل على أنه لا بأس بترجيل الإنسان شعره في المسجد وهو معتكف، كونه يُرجل شعره، أو يُصلح بعض شأنه في المسجد لا بأس؛ لحاجاته التي يحتاج إليها في المسجد، لا بأس، ولا بأس بإدخال رأسه على زوجته، إذا كان البابُ في المسجد، فأدخله على عائشة فرجَّلته، ولا بأس أن تكون حائضًا أيضًا عند الترجيل: عند فتل رأسه، أو غسله، أو ترجيله، لا حرج في ذلك؛ لأنَّ حيضها ليس في يدها، حيضها في فرجها، وليس في يدها، قد أمرها ﷺ في حديثٍ آخر أن تُناوله خمرةً من المسجد، فقالت: يا رسول الله، إني حائض؟! فقال: إن حيضتك ليست في يدك، ثم دخلت وأتت بالخمرة، فدلَّ على جواز مرور الحائض في المسجد، وعلى جواز استعمالها الحاجات الأخرى من غسلٍ وغير هذا، وأنَّ هذا لا يضرُّ ولا يُؤثر على زوجها: إذا فتلت رأسه، أو غسلته، أو رجَّلته، أو ما أشبه ذلك.

س: .............؟

ج: هذا نصّ ..... يعني: ما قال له: لا بدَّ أن تصوم. وإن كان يحتمل أن يقال أنَّ هذا في الجاهلية .....، لكن قد سأل عن هذا في الإسلام، أقول: سأل عمر عن هذا في الإسلام، ولم يُشر النبيُّ ﷺ أن الاعتكاف لا يكون إلا بصومٍ، فلما سكت عن هذا دلَّ على أنه جائز بالليل والنَّهار.

س: ..............؟

ج: ما أدري، والله ما انتبهتُ له.

س: ............؟

ج: إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك: ما عنده مَن يطبخ له، ولا أحد يأتي له بالطعام، هذا من الحاجات، يخرج إلى الطعام، ويشتري من الطعام ما يأكله، سواء أكل من خارجٍ، أو أتى به إلى المسجد وأكل في المسجد، ما ينبغي فيه التشديد؛ لأنها نافلة، الحمد لله.

س: ............؟

ج: على ما تعارفوا عليه، عقود الجاهلية مقرة على ما هم عليه، وقد تلقوا شيئًا عن شريعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، كانوا على بقيةٍ من ملة إبراهيم، والنبي أقرَّهم على أنكحتهم ولم يفسخها لما دخلوا في الإسلام، ولم يُجددها، فدلَّ على أنَّ المشركين يُقرون على أنكحتهم التي اعتادوها.

س: .............؟

ج: المعروف عند العلماء أنَّ العشر من رمضان أفضل من جهة الليل، وعشر ذي الحجة أفضل من جهة النَّهار.

س: .............؟

ج: ولو، القسم ما يدل على أنها أفضل.

704- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

705- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِهَا عَلَى أَرْبَعِينَ قَوْلًا، أَوْرَدْتُهَا فِي "فَتْحِ الْبَارِي".

706- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ غَيْرَ أَبِي دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ.

707- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: ............

قال رحمه الله تعالى: عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن رجالًا من الصحابة أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال لهم النبيُّ ﷺ: أرى رُؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمَن كان مُتحريها فليتحرها في السبع الأواخر.

هذا يدل على أنَّ السبع الأواخر من آكد الليالي العشر الأخيرة من رمضان، وأنها آكد من الثلاث الأول، ولكن لا يمنع أنها قد تقع في ليلة إحدى وعشرين، وفي ليلة ثلاث وعشرين عند تمام الشهر، والسبع بعض أهل العلم جعل أولها الرابع والعشرين؛ بناءً على تمام الشهر، وبعضهم قال: أولها التاسع والعشرون؛ بناءً على نقص الشهر. ولا منافاةَ، فالأصل في هذا تمام الشهر؛ ولهذا إذا كان يوم الشك وجب تكميل شعبان، وتكميل رمضان، فتكون السبع أولها الرابع والعشرين، وهي أحرى الليالي ليالي السبع، ومنها خمس وعشرون في الأوتار، ومنها سبع وعشرون في الأوتار، وتسع وعشرون في الأوتار، فيكون .....

وتقدم أنَّ الراجح في ليلة القدر أنها تتنقل، هذا هو الصواب فيها، وأنها لا تتعين في ليلةٍ معينةٍ، والنصوص تجتمع في هذا، فقد ثبت ما يدل على أنها وجدت في ثلاثٍ وعشرين، وثبت ما يدل على أنها وجدت في إحدى وعشرين، كما في حديث أبي سعيدٍ، فدلَّ ذلك على أنها تتنقل.

وأما حديث معاوية فهو يدل على أنها في ليلة سبعٍ وعشرين أرجى من غيرها، وليس المراد أنها لا تكون في غيرها أبدًا ..... حسب اجتهاده فيما ظهر له من الآيات، كما قال أُبي بن كعب وجماعة، ولكن لا يلزم من قولهما بطلان القول الآخر، فهذا اجتهادهما، وأنها في ليلة سبعٍ وعشرين، قال أُبي بالعلامة التي قالها النبيُّ ﷺ؛ وهي أنَّ الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاعَ لها، مستوية لا شعاعَ لها.

وحديث معاوية هذا الراجح وقفه على معاوية؛ لأنه من اجتهاده رضي الله عنه وأرضاه، فيكون حينئذٍ لا منافاةَ بين هذا الأثر وبين غيره من الآثار والأحاديث إذا قلنا بالتَّعدد، وأنها تتنقل في ليالي العشر، فهي لا تخرج من العشر، ولكنها في الأوتار آكد، وقد تكون في الأشفاع أيضًا؛ ولهذا في الحديث الصحيح: التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، وفي اللفظ الآخر: في الوتر من العشر الأواخر من رمضان، وفي بعضها: في تاسعةٍ تبقى، سابعةٍ تبقى، في خامسةٍ تبقى، فدلَّ ذلك على أنها مُتنقلة، وأنها تارةً تكون في هذه الليلة، وتارةً في غيرها من السنوات المتعددة.

والمؤلف ذكر اختلافَ الناس فيها، وأملى في هذا نحوًا من أربعين قولًا: هل هي في رمضان أو في غيره؟

وعلى القول أنها في رمضان: فهل في أوله، أو في وسطه، أو في آخره؟

ثم إذا قلنا: العشر الأخيرة كما هو الصواب، كما دلَّت عليه الأحاديث الصحيحة: أنها في العشر الأخيرة من رمضان، وهو قول الجمهور، ففي أي ليلةٍ؟

إلى اختلافات أخرى ذكرها هناك رحمه الله، والصواب في هذه المسألة أنها في العشر الأخيرة من رمضان، وأنها باقية إلى يوم القيامة، وأنها في الأوتار آكد، وأنها تتنقل، هذا هو أحسن ما قيل في هذه الليلة:

أولًا: هي في رمضان بلا شكٍّ.

ثانيًا: هي في العشر الأخيرة بلا شكٍّ، كما هو قول الجمهور من أهل العلم، وكما جاءت به الأحاديث الصَّحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

ثالثًا: هي في الأوتار آكد.

رابعًا: قد توجد في غير الأوتار، وهي متنقلة، هذا هو الجمع بين الأخبار ..... في العشر الأخيرة، لكنها متنقلة؛ قد تكون في سنواتٍ في ليلة سبع وعشرين، وقد تكون في سنواتٍ في تسعٍ وعشرين، وقد تكون في ثلاثٍ وعشرين، وقد تكون في إحدى وعشرين، فمَن اجتهد في العشر وعني بالعشر كلها فإنها لا تفوته ..... ولا بدَّ؛ ولهذا شرع الله لنا إحياء هذه الليالي والاجتهاد فيها؛ حتى لا تفوتنا هذه الليلة المباركة التي جعلها الله خيرًا من ألف شهرٍ.

فمَن وفق للاجتهاد في هذه العشر والعناية بها فهو على نصيبه من هذه الليلة العظيمة، حتى ولو كان معذورًا عن العمل: لمرضٍ، أو سفرٍ، أو حيضٍ، أو نفاسٍ، فإنه على نصيبه من هذه الليلة العظيمة: في دعائه، واستغفاره، وأذكاره، وصدقاته، وغير ذلك، كلٌّ له نصيبه من هذه الليلة، والناس فيها متفاوتون فيما يحصل لهم من الأجر على حسب إخلاصهم وصدقهم واجتهادهم ورغبتهم في الخير.

الحديث الأخير: حديث أبي سعيدٍ في شدِّ الرحال، يدل على أنَّ المساجد الثلاثة هي.

كذلك حديث عائشة في الدُّعاء بليلة القدر، يُدعى فيها بالدعاء المشهور: اللهم إنَّك عفو تُحب العفو فاعفُ عني، هذا دعاء عظيم جامع، سألت عائشةُ رضي الله عنها النبيَّ ﷺ: إذا وافقتْ ليلة القدر ما تقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تُحب العفو فاعفُ عني.

هذا يدل على شرعية الدعاء فيها، وأنها من أهم الدعاء، ومن أجمع الدعاء: اللهم إنك عفو تُحب العفو فاعفُ عني، ففي هذا إظهار الانكسار والذل بين يدي الله، وأنَّ العبد محلُّ الانكسار، ومحل الذنوب، ومحل التقصير، فلا يسأل إلا العفو مهما كان اجتهاده وعمله الصالح.

فاللائق بالمؤمن والجدير به أن يُظهر انكساره لله، وأنه محل ذنوبٍ، ومحل تقصيرٍ مهما كان عمله واجتهاده، فإن نِعَم الله عليه لا تُحصى؛ ولأنه محل التقصير مهما أمكن، فهو محل الذنوب والتقصير، فينبغي له أن يسأل العفو في هذا المقام العظيم: اللهم إنك عفو تُحب العفو فاعفُ عني، وهكذا الرسل وأتباعهم مع قيامهم بما أمر الله، ومع نشاطهم في الخير، ومع صدقهم في العمل، يلجؤون إلى طلب الله العفو.

وأما حديث شدِّ الرحال: فهو دليل على أنه لا تُشدّ الرحال إلا للمساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى. وقد جاء بلفظ الخبر: لا تُشدّ، وهو بمعنى النَّهي، وجاء في صريح: لا تشدُّوا، رواه مسلم في "الصحيح" بلفظ النَّهي: لا تشدُّوا الرحال .. إلى آخره.

فالنهي الصَّريح مطابق للخبر الذي معناه النَّهي، فقوله: لا تُشدّ الرحال مطابق لقوله: لا تشدُّوا، فإنَّ الخبر يأتي بمعنى النَّهي كما هنا، فيجب على أهل الإيمان أن يحذروا ما حذَّرهم الله منه، وأن يتركوا شدَّ الرحال: لا لمسجدٍ رابعٍ، ولا للقبر، ولا لصنمٍ، ولا لغير ذلك، بل يجب أن يتقيَّدوا بما قاله الله ورسوله، وبما شرعه الله .

شدُّ الرحال إنما يكون في هذه الثلاثة لقصد القربة، أما شدّ الرحال للتِّجارة وزيارة الإخوان فهذا غير داخلٍ في هذا الباب، إنما المقصود شدّ الرحال لبقعةٍ من البقاع؛ لطلب البركة فيها، والفضل فيها، والخير فيها، هذا هو المقصود، فالمساجد بقاع مفضلة تضاعف فيها العبادات، تُشدّ لها الرحال لفضلها؛ ولما فيها من المضاعفة، والصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاةٍ، وفي المسجد النبوي خير من ألف صلاةٍ مما سواه، والمسجد الأقصى جاء في بعض الروايات بخمسمئة صلاةٍ، بالنصف.

هذه ..... العظيمة في مساجد الأنبياء: مسجد إبراهيم الكعبة، ومسجد النبي ﷺ وهو في المدينة -مسجد المدينة- ثم المسجد الثالث: مسجد الأنبياء في القدس، في إيلياء، وأما ما سواها فلا تُشدّ لها الرحال، لا تُشدّ للقبور: لا لقبر النبي ﷺ، ولا لغيره، وإنما تُشدّ الرحال لهذه الثلاثة فقط؛ لقصد القُربة والطاعة والعبادة فيها، كما يُفعل في المساجد الأخرى، فليس المراد أنها تُشدّ الرحال للبدع فيها، لا، بل للعبادات التي شرع الله: من صلاةٍ وقراءةٍ وطوافٍ بالكعبة ونحو ذلك، فيفعل فيها ما يفعل في المساجد الأخرى من الطَّاعات والقُربات، ما عدا المسجد الحرام الذي فيه عبادة لا تكون في غيره، وهي الطَّواف؛ فإنَّ الطواف لا يكون بغير الكعبة، والسَّعي لا يكون بغير الحرم، وما عدا هاتين العبادتين يُوجد في كل مكانٍ، لكن هذه العبادة الطواف، وهذه العبادة السعي محلهما مكة، ومحل الطواف الكعبة فقط، ومحل السَّعي بين الصفا والمروة، ليس هناك محل يُسعى فيه أو يُطاف به غير الكعبة، وإما بين الصفا والمروة، فمَن طاف بالقبور أتى جريمةً عظيمةً، ومُنكرًا عظيمًا، وبدعةً شنيعةً، وإن كان قصد بالطواف التَّقرب لصاحب القبر صار كفرًا أكبر: كدعائه، والاستغاثة به.

وقد تنازع الناسُ في شدِّ الرحال لقصد القبر، لا لقصد المسجد، بل لقصد السلام على رسول الله ﷺ: فقال قومٌ: إنه لا حرجَ فيه ولا بأس. وقال قوم: إنه ممنوع؛ لأنه داخلٌ في النَّهي. وهذا القول هو الصواب؛ لأنَّ الرسول ﷺ قال: لا تُشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، ولم يستثنِ قبره، فمَن شدَّ رحله إلى القبر وحده قاصدًا القبر فقد خالف السنة، أما إذا شدَّ الرحل للمسجد ومَن نيته السلام عليه هذا لا بأس به .....، وإنما الخلافُ إذا جرد النيةَ للقبر فقط، ولا يقصد مسجدًا ولا غيره، وهذا قلَّ أن يوجد في مسلمٍ، إنما قصد المسلم إذا شدَّ الرحال هذه المساجد يُصلي في المسجد، ويتعبد في المسجد، ويُسلم على النبي ﷺ، اللهم إلا جاهل لا يعرف إلا القبور، من عبَّاد القبور، فإنَّ بعض الحجاج لا يقصد بحجِّه إلا أن يزور القبر؛ لجهله وعدم بصيرته، وهذا لا يُلتفت إليه، ولا يُعول عليه؛ لأنه صدر عن جهلٍ، أما المسلم البصير فإنه إذا شدَّ الرحلَ للمسجد النبوي ..... يُسلم على النبي ﷺ، وعلى صاحبيه، وعلى أهل البقيع، وعلى الشُّهداء؛ تبعًا لهذه الزيارة العظيمة.

س: ..............؟

ج: مثلما جزم به معاوية وأُبي بن كعب ما يُستنكر؛ لأنها في الأغلب تكون في هذا، هو الأغلب، وهو قول الجمهور: أنها أرجى اللَّيالي.

س: ............؟

ج: هذا إذا ثبت أنَّ الرافع ثقة، لا بدَّ من عنايةٍ بالطرق، إذا ثبت أن الرافع ثقة لا جرح فيه فهو على القاعدة، لا بدَّ من عنايةٍ بالطرق التي جاءت عن معاوية.

س: ............؟

ج: إذا شدَّ الرحل ما يجوز، عليه كفَّارة يمين، ولا يروح.

س: ............؟

ج: يكفي؛ لأنه أفضل منه، مثلما جاء في الحديث: إني نذرتُ أن أُصلي في المسجد الأقصى، قال: صلِّ هاهنا؛ لأنه أفضل، فإذا نذر أن يُصلي في المسجد الأقصى أو مسجد النبي ﷺ كفى أن يُصلي في المسجد الحرام؛ لأنه أفضل الثلاثة.

س: .............؟

ج: إلا في الثلاثة خاصَّة.

س: .............؟

ج: لأنها أفضل المساجد التي يعتكف فيها، فلو شدَّ الرحال ليعتكف في المسجد الحرام لا بأس، أو شدَّ الرحال للمسجد النبوي أو المسجد الأقصى ليعتكف، هذا المقصود.

س: لفظ الحديث لا يُشير إلى معنى الاعتكاف أو معنى القيام؟

ج: لكن معروف الاعتكاف في المساجد ..... بإجماع المسلمين محله المساجد.

س: ............؟

ج: سنة، زارهم وزار البقيع.

س: .............؟

ج: ما هي بعيدة، أطراف المدينة على الأقدام، طيب، يزورها على الأقدام.

س: .............؟

ج: إذا منع المساجد وهي أفضل البقاع، فالقبور من باب أولى، إذا منع في المساجد وهي أفضل البقاع، فمنع ذلك في غير المساجد من باب أولى؛ ولهذا لما شدَّ الرحل أبو هريرة للطور وقابله أبو بصرة الغفاري قال: لو شهدتُك لم تُسافر، النبي عليه الصلاة والسلام ..... إلا إلى ثلاثة مساجد، فجعل شدَّ الرحال للطور؛ لأنَّ الله كلَّم موسى هناك، جعله أبو بصرة داخلًا في الحديث.

س: .............؟

ج: السياحة لا نعلم فيها بأس، السياحة في الأرض إذا كانت ما فيها بلاد الكفار ما نعلم فيها شيئًا إذا تحفَّظ من محارم الله، أما مدائن صالح فلا ينبغي شدّ الرحال إليها، أقل أحواله الكراهة؛ لأنه إذا شدَّ الرحال إليها يدخلونها غير باكين، وغير خاشعين، وغير خائفين، يدخلونها للعب والنُّزهة والأكل والشرب، والنبي قال: لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذَّبين إلا أن تكونوا باكين؛ لئلا يُصيبكم ما أصابهم، وكان إذا مرَّ بها قنَّع رأسه وأسرع؛ لئلا يُصيبه ما أصابهم، فلا ينبغي زيارتها للفسحة أو للتَّمتع فيها والجلوس فيها، فإن مرَّ بها وعجل لا بأس.

س: ............؟

ج: هذا أقلّ أحواله الكراهة؛ لأنَّ النبي قال: لا تدخلوها، والنهي أصله التَّحريم.

س: .............؟

ج: الزيارات للاعتبار، ما هو للتَّقرب، للاعتبار، زيارة بعض البقاع لما فيها من عشبٍ، وما فيها من آثار نقوشٍ أو كذا، الأصل في هذا الإباحة، لكن شيء نهى عنه رسول الله ﷺ مثل: مدائن صالح لا، الرسول نهى عن الدخول عليهم إلا أن نكون باكين، فلا ينبغي الدخول عليهم إلا بالخشوع والبكاء، أو ينبغي إن دعت الحاجةُ الحذر، المرور بحذر.

س: .............؟

ج: من باب المباحة إذا كانت آثار نقوش، مثل: كتابات ..... الأصل فيها الإباحة، أما آثار الشرك وآثار البدع فلا .....، ويجب القضاء عليها.

س: .............؟

ج: هذه ينبغي إتلافها، الواجب إتلافها، النبي أمر بكسر الأصنام وإتلافها.

س: .............؟

ج: ينبه عليها إن شاء الله.

س: .............؟

ج: هذه يُنبه عليها حتى يتلف، ما ينبغي بقاؤه أبدًا؛ لأنه قد يأتي زمان يُعبد من دون الله، نعوذ بالله.