593 من حديث: (إن أدنى مقعد أحدكم من الجنة أن يقول له: تمن فيتمني ويتمني..)

 
14/1893- وعَنْ أَبي هُريْرَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ أَدْنَى مقْعَدِ أَحدِكُمْ مِنَ الْجنَّةِ أَنْ يقولَ لَهُ: تَمنَّ فَيَتَمنَّي ويتَمنَّي. فَيَقُولُ لَهُ: هلْ تَمنَّيْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعمْ فَيقُولُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ ما تَمنَّيْتَ ومِثْلَهُ معهُ رَواهُ مُسْلِمٌ.
15/1894- وعنْ أَبِي سعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رسُول اللَّه ﷺ قَال: إِنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ يقُولُ لأهْل الْجنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجنَّة، فَيقُولُونَ: لَبَّيْكَ ربَّنَا وسعْديْكَ، والْخيرُ في يديْك، فَيقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَيِ يَا رَبَّنَا وقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لمْ تُعْطِ أَحدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيقُولُ: أَلاَ أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلَكَ؟ فَيقُولُونَ: وأَيُّ شَيْءِ أَفْضلُ مِنْ ذلِكَ؟ فيقُولُ: أُحِلُّ عليْكُمْ رضْوانِي، فَلا أَسْخَطُ عليْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا متفق عليه.
16/1895- وعنْ جرِيرِ بْنِ عبْدِاللَّهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمرِ لَيْلَةَ الْبدْرِ، وقَال: إِنَّكُمْ ستَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيانًا كما تَرَوْنَ هَذَا الْقَمرَ، لاَ تُضامُونَ في رُؤْيتِهِ مُتَّفَقٌ علَيْهِ.
17/1896- وعنْ صُهَيْب أَنَّ رسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِذَا دَخَل أَهْلَ الْجنَّةِ الجنَّةَ يقُولُ اللَّه تَباركَ وتَعالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيقُولُونَ: أَلَمْ تُبيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ فَيكْشِفُ الْحِجابَ، فَما أُعْطُوا شَيْئًا أَحبَّ إِلَيهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ رواهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ الله تَعالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ۝ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس:9، 10].
الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدانا لَهَذَا، وَمَا كُنَّا لنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَّه، اللَّهُمَّ صلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحمَّدٍ، كَمَا صلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيم وعلَى آلِ إِبْراهِيمَ. وبارِكْ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحمَّدٍ، كَمَا باركْتَ علَى إِبْرَاهِيمَ وعلَى آل إِبْراهِيمَ، إِنَّكَ حمِيدٌ مجِيدٌ.

الشيخ:
هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بما يعطي الله أهل الجنة من النعيم وتقدم آيات وأحاديث في ذلك، وأنه سبحانه يعطيهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وقد بين في القرآن الكريم أنواعًا من النعيم في مواضع كثيرة من كتابه الكريم أعده الله للمتقين والمؤمنين إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر:45]، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17]، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ۝ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ۝ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ ۝ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ۝ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ [الدخان:51-55] وغير ذلك، منها قوله سبحانه: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17].
وفي هذه الأحاديث يقول ﷺ للرجل في الجنة تمنى، فيتمنى ما يريد من أنواع النعيم، فيقول الله له لك ذلك ومثله معه، ويقول جل وعلا لأهل الجنة يسلم عليهم ويقول: أرضيتم يا أهل الجنة؟ فيقولون: كيف لا نرضى وقد أدخلتنا الجنة وأعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك، قال: أفلا أيزيدكم؟ قالوا: وأي شيء ربنا؟ قال: أزيدكم ما هو أفضل من ذلك أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا هذا من فضله جل وعلا وجوده ، كذلك يسلم عليهم ويقول لهم: يا أهل الجنة: هل رضيتم؟ فيقولون: يا ربنا ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة، ألم تنجنا من النار، قال: بلى، ولكن أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدًا، وفي اللفظ الآخر: فيكشف لهم الحجاب حتى يرون وجهه الكريم، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى وجهه سبحانه وتعالى، وفي الحديث الآخر أنه ﷺ كان جالسًا مع أصحابه ليلة البدر ليلة أربعة عشر عند تمام القمر فقال: إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته يعني رؤية ظاهرة لا يحصل لأحد ضيم، بل كل أحد يراه في محله فضلًا منه وإحسانًا جل وعلا، وهكذا أهل الجنة يرونه جل وعلا كلما شاء سبحانه وتعالى على مواعيد يضربها لهم جل وعلا، وأعلاهم منزلة من يرى وجه ربه بكرة وعشيًا، يعني في منزلة البكرة والعشيى في أيام الدنيا كل هذا من فضله جل وعلا، ومن هذا قوله جلا وعلا: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ  [يونس:26] الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجهه ، المقصود أنه جل وعلا يمنحهم من النعم والخير الكثير ما لا بخطر ببال، ومن ذلك إحلاله رضوانه عليهم فلا يسخط عليهم أبدًا، ومن ذلك كشف الحجاب عن وجهه الكريم حتى يرون وجهه الكريم، وذلك أحب إليهم من كل شيء وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22، 23] وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ يعني من البهاء والحسن والنضارة والجمال، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ تنظر إلى وجهه الكريم، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] للذين أحسنوا في الدنيا الحسنى وهي الجنة، والزيادة وهي النظر إلى وجه الله جل وعلا: وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [يونس:26] فجدير بالمؤمن وجدير بكل عاقل وكل مكلف أن يعمل لهذه الدار، وأن يجتهد في طاعة الله ورسوله، وأن يحرص على كل ما يقربه من الله ويباعده من غضبه في جميع الأوقات، في ليله ونهاره في سفره وإقامته في صحته ومرضه، في جميع الأحوال يجتهد في طاعة الله ويبتعد عن مساخط الله، ويسأل ربه التوفيق والإعانة، يرجو فضله ويخشى عذابه ، ومن سارع إلى مراضيه وطمع فيما عنده وخافه ورجاه وفقه وهداه كما قال عن عباده الصالحين: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90] هذه سمات المتقين، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

الأسئلة:
س: هل الرؤيا تختص لبعض في أهل الجنة لأكثر من بعض؟
الشيخ: كل أهل الجنة يرونه لكن يتفاوتون فيها، بعضهم أعلى وأكثر.
س: عدد المرات؟
الشيخ: أقول بعضهم أكثر على حسب تقواهم وإيمانهم ومنازلهم في الجنة، منهم من يراه بكرة وعشيًا بمنزلة البكرة والعشي.
س: بالنسبة ليوم الجمعة؟
الشيخ: يسمونه يوم المزيد، هذا يوم يزور ربهم فيه جل وعلا على منابر وعلى مجالسهم، متفاوتة ومع هذا كل أحد يرى أنه قد أعطي ما لم يعط الآخر، ما أحد يرى فضل ولا نقص ولا حزن، كلهم في نعيم، وكلهم في مجالسهم وفي زيارتهم لا يرون أن هناك شيئًا من النقص عليهم أو الضيم لهم، كل راض بما هو فيه، مرتاح بالنعيم الذي هو فيه، يرى أنه قد أعطي ما لم يعط غيره. لأنها دار نعيم وليست دار حزن ولا دار مفاخرة ولا دار هضم، بل هي دار نعيم دائم.
س: من يتكلف في تأويل الرؤيا هل يكفر؟
الشيخ: من أنكرها كفر، من أنكر الرؤيا كفر لأنه مكذب لله.
س: وإذا تأولها؟
الشيخ: المقصود إن كان التأويل معناه إنكارها كفر.