32 من حديث (عرضت على النبي ﷺ يوم أحد, وأنا ابن أربع عشرة سنة..)

في النفس، ويدل حديث ابن عمر على أنَّ ابن خمسة عشر سنة فأعلى رجل، يُعتبر في حكم البالغين المكلَّفين؛ ولهذا أجازه النبيُّ ﷺ يوم الخندق، ولم يُجزه يوم أحدٍ لصغر سنِّه.

كتب عمرُ بن عبدالعزيز إلى عمَّاله باعتبار هذا حدًّا فاصلًا بين الرجال والصبيان، فإذا كان ابن أقلّ من خمسة عشر فهو في حكم الصبيان، وإذا بلغ الخامسة عشرة وكملها فهو في حكم المكلَّفين؛ ولهذا قال: ولم يُجزني، ولم يرَ أني بلغتُ.

والبلوغ يحصل بأمورٍ ثلاثةٍ في حقِّ الرجل:

  • إكمال خمس عشرة سنة.
  • وبالإنزال؛ لقوله تعالى: وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النور:59]، فإن قوله: فَلْيَسْتَأْذِنُوا يدل على أنَّ لهم حكم الرجال.
  • وبالإنبات؛ لحديث عطية القرظي المذكور هنا: أنه ﷺ أمر في بني قُريظة أن يُفتش عن مآزرهم، وبنو قريظة معروفة قصتهم؛ هم الذين نقضوا العهدَ، وقد ظاهروا المشركين يوم الأحزاب، فأمكن الله نبيَّه منهم، وحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعدٍ، وحكم سعد بأن تُقتل مُقاتلتهم، وتُسبى ذراريهم، فنزلوا على هذا الحكم، فأمر ﷺ أن تُفتش مآزر الشباب، فمَن أنبت فهو من المقاتلة يُقتل، ومَن كان لم يُنبت فهو في حكم الصبيان لا يُقتل، بل يكون صبيًّا، ففتشوا عنهم، وكان عطية ممن لم يُنبت، وكان من رحمة الله له أن خُلِّي سبيله، وصار من عداد الصحابة، فقد أسلم وصار من عداد الصحابة، فدلَّ ذلك على أنَّ الإنبات -وهو الشعر الخشن حول الفرج؛ الشِّعرة، العانة- حدٌّ فاصل أيضًا بين الرجل وبين الصبي.

فهذه أمور ثلاثة للرجل والمرأة: أما الإنزال فبإجماع أهل العلم، وأما الإنبات والخمسة عشر ففيها خلاف، لكن هذا هو الصواب.

والمرأة تزيد أمرًا رابعًا: وهو الحيض؛ لما جاء في شأنها من ذلك، ومنه حديث عائشة: لا يقبل صلاة حائضٍ إلا بخمارٍ، فالحيض دليل على أنها امرأة، وأنها بلغت مبلغ النساء، فتكون مكلَّفةً في جميع الأحكام كسائر المكلَّفين، وإذا كانت لم تحض ولم تُنبت ولم تُنزل المني ولم تُكمل خمس عشرة سنةً فهي في حكم الجواري الصِّغار.

والحديث الرابع: حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي ﷺ قال: ليس على المرأة عطية في مالها إلا بإذن زوجها، وفي لفظٍ: ليس لها أمرٌ في مالها إذا ملك زوجها عصمتها.

هذا الحديث رواه -كما قال المؤلفُ- أحمد وأهل السنن، والترمذي، وصححه الحاكم.

وقد أشكل هذا الحديث من جهة المعنى: فقد ثبت في الأحاديث الصَّحيحة تصرف النساء في أموالهن، وأن الرسول أقرهن على ذلك ولم يمنعهن من التَّصرف؛ لهذا أشكل، فقال بعضُهم -كما قال الخطابي رحمه الله عن الجمهور- أنَّ هذا محمولٌ على حُسن العشرة، وتطييب النفوس، وأنه ينبغي لها أن تُشاوره.

وقال جماعةٌ آخرون: هذا يُحمل على الثلث، يعني: ليس لها تصرف إلا في ثلثها كالمريض.

وهذان القولان ليس لهما وجه فيما يظهر، والصواب تضعيف الحديث: أنه شاذٌّ مخالفٌ للأحاديث الصَّحيحة، فلا يُعول عليه.

وعمرو بن شعيب رضي الله عنه ورحمه تابعي جليل، لا بأس به، لكن إذا خالف الثِّقات لا يُعول على روايته، فهو إذا انفرد بشيءٍ لا يُخالف الثِّقات فلا بأس، وهو صدوق، وقد اعتمده الأئمةُ: كالحميدي، وأحمد، وابن المديني، وغيرهم، لكن إذا خالف الأئمةَ، خالف الأحاديث الصَّحيحة تكون روايته شاذَّةً، ولعله وهم في الرواية، أو في الصَّحيفة التي وجدها، لم يحفظ الرواية كما ينبغي.

فالحاصل أنَّ روايته حسنة، من باب الحسن، لكن إذا خالف الأثبات، خالف الأصول والقواعد؛ لا يُلتفت إليه، وروايته شاذَّة، وتقدم لكم حكم الشَّاذ، وأنَّ الراوي إذا روى ما يُخالف مَن هو أوثق منه تُعتبر روايته شاذَّة، كما قال المؤلف في "النخبة": ..... فالراجح المحفوظ، والمقابل هو الشاذ.

ويقول الشارحُ رحمه الله: "الشَّاذ: ما يُخالف فيه الراوي الملأ"، ما يُخالف فيه الجماعة.

وقد ثبت عنه ﷺ أنه كان يخطب الناسَ في العيد، ثم يأتي النساء فيُذكرهن ويأمرهن بالصَّدقة فيتصدقن، ولا يقل لهن: استأذن أزواجكن، وكان يأمرهن بالصَّدقة مطلقًا: تصدقن، فإني رأيتُكن أكثر أهل النار، وهذا في "الصحيحين" من طرقٍ كثيرةٍ عن جابرٍ وابن عباسٍ وغيرهما. فلو كان إذنُ الزوج شرطًا لبين لهن في مجمع الناس على رؤوس الأشهاد حين ذكَّرهن بهذا الأمر.

وفي الصحيح عن ميمونةَ رضي الله عنها: أنها أعتقت جاريةً لها، فقالت: يا رسول الله، أشعرتَ أني أعتقتُ فلانة؟ فقال: أما إنَّكِ لو أعطيتها أخوالك لكان أعظم لأجرك، ولم يُنكر عليها عتقها للجارية، والجارية ذات شأنٍ.

فالحاصل والخلاصة: أنَّ القول بهذا الحديث أنه شاذٌّ مخالف للأحاديث الصَّحيحة، ولا يُعول عليه، ولعله اختلط على عمرو، أو على بعض الرواة في تصرفها في مال الزوج، ليس لها أمرٌ في ماله هو إلا بإذنه: في ماله، في بيته. أما مالها لا، إن كانت رشيدةً فلا بأس، تتصرف في مالها كما تشاء بالعطاء والصَّدقة والإحسان والبيع والشِّراء.

هذا هو الصواب الذي عليه جمهورُ أهل العلم، وهو الحق، وهذا الحديثُ كما عرفت أحسن أحواله أن يُقال: إنه شاذٌّ مخالف للأحاديث الصَّحيحة، والقاعدة في الشَّاذ أنه ضعيف لا يُعتبر ولا يُعوَّل عليه.

والحديث الخامس: حديث قبيصة بن مخارق الهلالي في بيان المسألة الجائزة والمحرمة، وهذا حديث عظيم، وأصل كبير في بيان ما يجوز من المسألة وما لا يجوز من شحاذة الناس وسؤال الناس، بيَّن فيه ﷺ أنَّ المسألة تحلّ لأحد ثلاثةٍ.

والمناسبة هنا لأنَّ الباب في أهل الدَّين ومَن عليه دَين، فناسب أن يذكر هنا حتى يُعلم أنَّ المدين له أن يسأل ما يقضي به دَينه؛ لأنه متحمل.

بيَّن النبي ﷺ أنَّ المسألة تحلّ في ثلاث حالات: لا تحل إلا لأحد ثلاثةٍ، أحد الثلاثة: رجل تحمَّل حمالةً يعني: دَيْنًا، وهذا يعمّ الحمالة التي لإصلاح الناس -لإصلاح ذات البين- والحمالة التي لنفسه فيما أباح الله له: من نفقة عياله، وشراء مسكنه، واستئجار مسكنٍ، وما أشبه ذلك من حاجاته، فله أن يسأل، والتَّعفف خيرٌ له وأولى، التَّعفف أولى وأفضل، ومَن سأل للحاجة فلا بأس حتى يُصيب الحمالة، حتى يقضي دَينه ثم يُمسك.

الثاني: إنسان أصابته جائحة، إنسان عنده غنم، ماله غنم، هلكت الغنم في آفةٍ من الآفات، أو إبل، أو حراث، فأُصيب زرعه أو ثمرته، ما عنده إلا هذا الشيء، ما عنده شيء يقوم بحاله، فله أن يسأل حتى يُصيب قوامًا من عيشٍ يعني: سدادًا من عيشٍ؛ لأنَّ قوامًا وسدادًا ما يسدّ الحاجة ويُغنيه عن السُّؤال.

والثالث: إنسان عنده سعة من المال، فقلَّ ماله، وضعفت حاله: إما لخسارةٍ في التجارة، وإما لمرضٍ عطله عن العمل، وإما بأسبابٍ أخرى حتى نفد ماله، فإذا شهد له ثلاثة من ذوي الحِجَى من قومه ممن يُوثق بهم، ذوو العقل والنهى والثقة: أنه أصابته فاقةٌ؛ فيُعطى ما يسدّ حاجته.

فإذا كان معروفًا بالغنى ثم ادَّعى الفقر، إذا شهد شهودٌ ثلاثة أنه أصابته فاقةٌ، وأن الغنى زال، أما مَن لا يُعرف بالغنى فيُقبل قوله، إذا سأل أُعطي، ولا سيما من غير الزكاة، فأما الزكاة فيُبين له أنَّ الزكاة إن كنت من أهلها وليس عندك ما يسدّ حاجتك، مثلما في حديث الجلدين: سألا النبيَّ ﷺ ورآهما جلدين فقال: إن شئتُما أعطيتُكما، ولا حظَّ فيها لغنيٍّ، تقدم لكم في الزكاة.

وما سوى ذلك ما سوى هؤلاء الثلاث سحتٌ كما في نفس مسلم، حذفه المؤلفُ، وكان ما ينبغي للمؤلف أن يحذف هذه الزيادة: وما سوى ذلك سحت، يأكله صاحبُه سحتًا، يعني: ما سوى هذه الثلاثة فهو سحتٌ لا يجوز للمؤمن أن يتعاطاه.

تقدم لكم في الزكاة قول النبي ﷺ: لا يزال الرجلُ يسأل الناسَ حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مُزعة لحمٍ متفق على صحَّته من حديث ابن عمر.

وتقدم قوله ﷺ: مَن سأل الناسَ أموالهم تكثُّرًا فإنما يسأل جمرًا، فليستقلّ أو ليستكثر رواه مسلم.

تقدم قوله ﷺ: لأن يأخذ أحدُكم حبلَه فيأتي بحزمةٍ من حطبٍ على ظهره فيبيعها فيكفّ الله بها وجهه خيرٌ له من سؤال الناس، أعطوه أو منعوه.

فينبغي للمؤمن أن يحذر السؤالَ إلا عند الضَّرورة والحاجة الشديدة التي وضَّحها النبيُّ ﷺ في هذا الحديث في الأحوال الثلاثة، والله المستعان.

وكثير من الناس اليوم -والعياذ بالله- لا يُبالي بالمسألة، ولا يتورع منها، قد يكون عنده مال كثير، وراتبه كافٍ، ولكن -والعياذ بالله- بُلي بالشحِّ والحرص، فهذا بلاء عظيم ومصيبة، كثير من الناس يُصابون بالجشع والحرص على المال بكل طريقٍ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، نسأل الله السَّلامة.

س: ..............؟

ج: جاء في حديث جندب: المسألة كدّ يكدّ بها الرجلُ وجهَه، إلا أن يسأل الرجلُ سلطانًا، أو في أمرٍ لا بدَّ منه رواه الترمذي بإسنادٍ جيدٍ.

فإذا كان السلطانُ فلا بأس، وتركه أولى، فحكيم بن حزام كان يسأل النبيَّ ﷺ فيُعطيه، ثم سأله فأعطاه، ثم قال النبيُّ ﷺ: يا حكيم، اليد العليا خيرٌ من اليد السُّفلى، وابدأ بمَن تعول، وخير الصَّدقة ما كان عن ظهر غنًى، ومَن يستعفف يُعفّه الله، ومَن يستغنِ يُغنه الله، فقال حكيم: لا أرزأ أحدًا بعدك يا رسول الله أبدًا. فلم يزل عفيفًا كافًّا عن سؤال الناس حتى مات، حتى العطاء من بيت المال كان لا يقبله بعد ذلك رضي الله عنه وأرضاه.

س: حوادث السيارات إذا كانت العاقلةُ فقيرةً يدخل في هذا؟

ج: يدخل في هذا، إذا ما أدَّى ولي الأمر وكلّف به يدخل في هذا: تحمّل حمالة.

س: ..............؟

ج: إذا أدَّى وليُّ الأمر فهذا حقّه من بيت المال، كما أدَّى النبيُّ ﷺ كما في قصة عبدالله بن سهل وأصحابه، وإن لم يُؤدِّ من بيت المال، ولم تُؤده العاقلة، يُطالب به هو على الصَّحيح.

س: هذا من الحمالة أو من الفاقة؟

ج: لا، من الحمالة.

س: الحديث الأول على المرأة .....؟

ج: لا، هذا عام، الحديث عام.

س: الاستدلال على أنَّ غزوة الخندق وقعت في السنة الرابعة في حديث ابن عمر هذا؟

ج: هذا ليس بوجيهٍ؛ لأنَّ أهل المغازي كلهم ذكروا أنها في السنة الخامسة، لكن معناه أنه لم يُجزه في سنة أربعٍ يوم أحد -يعني- كان والله أعلم في أثنائها، وفي الخندق قد أكمل الخمسة عشر، تمّ أربعة عشر؛ لأنه جبر الكسر.

س: إذا حجر وليُّ الأمر على المفلس وهو لم يعلم .....؟

ج: إذا وجد سلعته يأخذها ..... تتعلق بذمَّته لا بالمال المحجور، تتعلق بالذمة، هذا من الأحكام التي تتعلق بالمفلس، يُمنع التَّصرف في ماله، تصرفاته كلها تكون معلقةً بذمته، لا في مال المحجور، إلا أن يرضى الغُرماء ..... لا بأس.

س: ..............؟

ج: إذا وجد سلعته أخذها مثلما تقدم: مَن وجد ماله عند رجلٍ أفلس فهو أحقُّ به.

س: وإذا لم يجد؟

ج: راحت، تبقى في ذمَّته.

س: ما يُشارك الغُرماء؟

ج: الظاهر ما يُشارك الغرماء؛ لأنهم استحقُّوه؛ وسدًّا لباب التَّلاعب.

س: ..............؟

ج: إيه، يبقى في ذمَّته: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280].

س: ..............؟

ج: الأفضل التَّعفف وعدم السؤال إلا للضَّرورة: ومَن يستعفف يُعفه الله، ومَن يستغنِ يغنه الله.

س: .............؟

ج: قاسوه على المريض، وهو قياس ما له محلّ.

س: ..............؟

ج: ليس بشيءٍ، ولا دليلَ عليه.

س: ..............؟

ج: بالمال، أما إن سأل عن علمٍ، أو عن الأنساب، فهو مطلوب إذا لم يكن فيه تعسف، لم يكن فيه إيذاء.

س: ..............؟

ج: إذا كانت تُوزع ما في شيء، أما إن كان طلب يُعطيه كتابًا من ماله، فهذا من طلب المال.

 

بَابُ الصُّلْحِ

876- عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا وَأَحَلَّ حَرَامًا، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا وَأَحَلَّ حَرَامًا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَاوِيَهُ كَثِيرَ بْنَ عبدالله بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ضَعِيفٌ، وَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَهُ بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ.

877- وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

878- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ.

ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ : مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟! وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

879- وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ أَنْ يَأْخُذَ عَصَا أَخِيهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ. رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا.

 

الشيخ: يقول المؤلفُ رحمه الله تعالى: باب الصلح.

الصلح من أفضل القُربات التي جاء بها الإسلام، ومن أعظم العقود التي يدرأ الله بها شرًّا كثيرًا، ويُميت بها فتنًا كثيرةً، ويُحيي بها خيرًا كثيرًا، وقد جاء في القرآن الكريم في مواضع كثيرةٍ الحثُّ عليه، والأمر به، والثناء على أهله.

فالصلح له شأن عظيم؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1]، وقال في سورة الحجرات: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ۝ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:9- 10].

فذكر في هاتين الآيتين الصلح ثلاث مرات وأمر به، وقال تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128].

المقصود أنَّ الصلح له شأن عظيم؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا يُزيل به محنًا كثيرةً، ويجمع به قلوبًا، وهو جائز بين المسلمين بالنصوص الكثيرة، وحديث عمرو بن عوف المزني فردٌ منها، وفيه الصلح جائز بين المسلمين، إلَّا ما حرَّم حلالًا، أو أحلَّ حرامًا، والمسلمون على شروطهم، إلا شرطًا أحلَّ حرامًا، أو حرَّم حلالًا.

أخرجه الترمذي وصحَّحه، وأنكروا عليه -يعني: أنكروا عليه التَّصحيح- فالترمذي رحمه الله له أشياء في جامعه قد يُصححها ويُحسنها، وليس الأمر كذلك، ولكن لعله اطَّلع على ما لم يطلع عليه غيره ممن ضعَّف، فقد يُعذر بهذا، ولكن الاعتبار بما علم من الأدلة، وبما ظهر من الشواهد والمتابعات التي تشهد لما ذكره من الصحة والحسن، وبعدم ذلك.

فالحاصل أنَّ الحافظ رحمه الله الترمذي صحَّحه، ولعله رأى في ذلك الأصول العظيمة الدالة على الصلح وشرعيته وما فيه من الخير العظيم، وراعى ما ورد في ذلك من حديث أبي هريرة في الصلح، وأحاديث جاءت في الصلح؛ فلهذا صحَّحه بمجموع ما جاء في هذا الباب، وكان الغالب عليه أن يحسن؛ لأنَّ الغالب عليه التَّحسين فيما تعددت طرقه مع الضعف.

وهكذا قال فيما ذكر في ضوابط الحسن: أنه ما رُوي من غير وجهٍ، ولم يكن شاذًّا، ولم يكن فيه متَّهم بالكذب. وهذا ينطبق على ما جاء من عدة طرقٍ: من طريقين فأكثر، من غير شذوذٍ ولا اتِّهامٍ بالكذب، ولكن هنا صحح، فلعله للأسباب المتقدمة؛ وهي أنَّ الصلح له شأن عظيم، وشواهده كثيرة، والقاعدة من القواعد العظيمة؛ فلهذا صحَّحه بناءً على الأسس الكثيرة الشاهدة له في الصحة، وإن كان كثيرٌ ضعيفًا في نفسه.

وقد جاء أيضًا له شاهد في البخاري رحمه الله مُعلَّقًا مجزومًا به: المسلمون على شروطهم، وجزم بهذا رحمه الله تعليقًا جازمًا به عن النبي عليه الصلاة والسلام، مع رواية أبي هريرة التي صحَّحها ابن حبان.

فالحاصل أنَّ هذا المتن متن جيد من حيث المعنى والشواهد والقواعد الشرعية، ولو لم يرد في هذا حديث بالكلية، إذا كانت القواعد الشرعية التي جاء بها الكتاب العزيز والسنة المطهرة دالة على أنَّ هذا الصلح جائز؛ لأنَّ الرسول ﷺ ندب إليه، والكتاب العزيز ندب إليه، فهو جائز بين المسلمين ما لم يحل حرامًا أو يُحرم حلالًا؛ لما فيه من إزالة الشَّحناء والبغضاء والعداوات، وجمع الكلمة، وإزالة ما قد يُخشى منه شرور لا يحصي ضررها وشرَّها وعواقبها إلا الله .

وكم حصل للمسلمين من خيرٍ كثيرٍ في الصلح، ومن ذلك: ما جرى على يد الحسن حين اصطلح مع معاوية على وضع الحرب، وعلى تسليم الأمر لمعاوية، وإنهاء القتال والحرب، فشكره المسلمون على ذلك، وحقن الله به دماء كثيرةً، وأثنى عليه النبيُّ ﷺ في ذلك وقال: إنَّ ابني هذا سيد، ولعلَّ الله يُصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، فأصلح الله بين العراق والشام.

وهكذا الشروط الأصل فيها الصحة والثبات، إلا ما خالف شرعًا: فـالمسلمون على شروطهم كما جاء في الحديث، وكما جاء في التَّعليق الذي علَّقه البخاري رحمه الله: فـالمسلمون على شروطهم إلا شرطًا عُلم من الشرع المطهر أنه أحلَّ حرامًا، أو حرَّم حلالًا فيُمنع، وإلا فالمسلمون على ما اشترطوا عليه في عقودهم وتأجيرهم ومساقاتهم ومُزارعتهم وسائر أحوالهم، هم على ما اشترطوا ما لم يكن هناك شرط دلَّ الشرعُ على تحريمه فيُمنع.

ولهذا في حديث عقبة بن عامر في "الصحيحين" قال النبيُّ ﷺ: إنَّ أحقَّ الشروط أن يُوفى به ما استحللتُم به الفروج، قال عمر : مقاصد الحقوق عند الشروط.

فالشروط يدفع الله بها شرًّا، ويحصل بها خيرًا، فإذا تشارط الناسُ في بيعٍ أو مصالحةٍ أو على هدنة حربٍ أو غير ذلك فهم على شروطهم.

وفي قصة الحديبية ما يشهد لهذا المعنى: أنهم تشارطوا مع النبي ﷺ على شروط ثقيلةٍ، لكن وافق عليها النبيُّ ﷺ من أجل مراعاة المصلحة العظمى، وإن كان فيها شيء من الثِّقل، لكن رضي بها ﷺ لما وراءها من الخير العظيم للمسلمين، ونفذها عليه الصلاة والسلام، ولما أخلَّ بها المشركون حاربهم وغزاهم غزوة الفتح.

والحديث الثاني: حديث أبي هريرة ، عن النبي ﷺ أنه قال: لا يمنع جارٌ جاره أن يغرز خشبَه في جداره، وفي روايةٍ: خشبةً في جداره، ثم يقول أبو هريرة : ما لي أراكم عنها مُعرضين؟! والله لأرمينَّ بها بين أكتافكم.

هذا يُبين أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه وأرضاه أعلن هذا الحديثَ وبيَّنه للناس، وكان قد تأمر في المدينة لمروان ، المقصود أنه بيَّن هذا للناس، فلما رأى بعضَ الناس ليس بمُقتنعٍ، أو ليس براغبٍ أن يسمع هذا قال هذا الكلام: والله لأرمينَّ بها بين أكتافكم. المعنى: لأُعلننَّها ولأُظهرنَّها وإن لم يعمل بها بعضُكم، أو كره بعضُكم العملَ بها لأسبابٍ اقتضت ذلك.

فالنبي ﷺ أوضح ذلك وبيَّنه، ومعلوم ما في ذلك من الاتفاق بين المسلمين، والتعاون بين الجيران، وعدم الحاجة إلى نفقات كثيرة.

والرواية جاءت بالمفرد والجمع: "خشبة" و"خشبه" بالجدار، والخشبة بالإفراد كالخشب بالضمِّ؛ لأنها نكرة في سياق النَّهي فتعمّ القليل والكثير.

فهذا يدل على شرعية التَّسامح بين الجيران في وضع الخشب على الجدر، وأنه لا ينبغي لأحدٍ أن يمنع ذلك، وأن هذا مجرد ارتفاق، والمؤمن أخو المؤمن: يُعينه، ويرفده بالمال، فكيف بخشبةٍ يضعها على جداره؟! فلا مانع من ذلك، ولا يجوز منعه من ذلك، لكن ذكر العلماء أنَّ هذا يُشترط فيه شرط معروف في الأدلة، وهو: أنه لا بدَّ أن يُراعى في ذلك أن الجدار يتحمل، فإذا كان الجدارُ لا يتحمل فهذا عذرٌ للجار أن يمنع فيقول: أنا موافق على فعل أخي هذا الشيء، وموافق على إعانته في هذا الشيء، لكن إذا كان الجدارُ لا يتحمل فلا حرج عليه في المنع؛ لأنه معذور.

فينظر أهلُ الخبرة في الجدار: فإذا رأوه يتحمل أُلزم بذلك، وإذا رأوه لا يتحمل عذر، وهذا لا بدَّ منه، والقواعد الشرعية تقتضي ذلك؛ لقوله ﷺ: لا ضرر ولا ضرار، فالمضارة منهي عنها.

وهذا حين كان الناسُ يحتاج بعضُهم إلى بعضٍ، ويلصق بعضهم ببعضٍ، أما اليوم فقد تغيرت الأحوالُ في كثيرٍ من المدن، في كثيرٍ من البلاد، فهذا الحديثُ يُعمل به عند الحاجة إليه، إذا تجاور الناسُ والتصق بعضهم ببعضٍ وجب التَّمكين كما كان الحالُ سابقًا، وإذا استغنى الناسُ فالحمد لله.

والواجب على المؤمنين في مثل هذه الأمور أن يتسامحوا، وأن يتقاربوا، وأن يبتعدوا عن أسباب الشَّحناء، وأن يرضوا بما حكم الله به ورسوله، وفيه الخير والبركة والعاقبة الحميدة، ولا ينبغي للجار -لا الطالب ولا المطلوب- لا ينبغي له المشاحة، ولا ينبغي له التَّشديد الذي يُفضي إلى شحن القلوب والخلاف، بل ينبغي للطالب ألا يُشدد، وينبغي للمالك ألا يُشدد، فإذا كان المالكُ يشحّ بوضع الخشبة؛ لضعف الجدار، أو خشية أن يقع شيء، أو لأسبابٍ أخرى؛ فينبغي للطالب ألا يُشدد في هذا، ويُقيم جدارًا؛ حتى تبقى القلوبُ على حالها، وحتى لا تقع فتنةٌ، وإذا كان الجدار يتحمل فينبغي لصاحبه ألا يُشدد، وأن يرضى، وأن يسمح ويتقبل، وله الخير في هذا. هذا هو الواجب على المسلمين فيما بينهم؛ لأنهم إخوة.

ومما يُؤيد عدم الضَّرر وأنَّ الواجب مُراعاة الضَّرر قوله ﷺ: لا يحل لامرئٍ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب من نفسه، وفي اللفظ الآخر: لا يحل لامرئٍ مسلمٍ مال امرئٍ إلا عن طيبة من نفسه، وفي اللفظ الآخر الذي رواه الشيخان: إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام الحديث.

فالحاصل أنه لا بدَّ من مُراعاة طيب النفس، هذا هو الأصل الأصيل فيما بين المسلمين: أن أموالهم محترمة إلا بحقٍّ، حتى ولو العصا، ولو الحبل، وما أشبه ذلك مما يحتاجه الناسُ لا يحل أخذه إلا عن طيبة من نفس صاحبه؛ لأنه مال لا يدخل في الأموال التي حرَّمها الله ، إلا ما أعرض عنه الناس، وتركه الناس، وألقاه الناس، فهذا مما يُباح أخذه: كالحبال الملقاة، والعصي الملقاة، والنعال الملقاة، وأشباه ذلك مما يطيب به الناس، ويتركه الناس، فمَن أخذه فلا بأس عليه؛ لأنَّ تركه وطرحه في الأسواق وفي الزبالات معناه أنهم غير راغبين فيه، ولا مُبالين بمَن أخذه.

فالحاصل أنَّ ما يُلقى في الطرقات والبراري وأشباه ذلك من هذه الأشياء الحقيرة لا بأس بأخذها، ولا حرج في أخذها، ولا حاجة لتعريفها؛ لأنها في العادة يُرغب عنها، ويُسمح بها.

أما ما كان في يده ويُريده ولم يُلقه: من عصا، أو من حبل، أو من غير هذا؛ فلا يُؤخذ إلا عن طيب نفسٍ منه، ولا يُجبر على تسليمه ولو كان قليلًا، ما دام متمسكًا به فهو أولى به، وهو ماله، والله المستعان.

س: .............؟

ج: هذا من الصلح، ولو كنت تعلم أنَّ هذا لفلانٍ إذا خفتَ الشرَّ بينهم وأصلحت بينهم فأنت مأجورٌ، لكن بيِّن الصواب تقول: هذا له حقّ، ولكن إذا سمحت وتركت هذا الشيء الذي لك من باب التَّقريب بين القلوب، الإنسان يُصلح بينهم، حتى المال يُعطيه صاحبه، أقول: حتى من ماله يُعطي هذا لهذا؛ لإزالة الشَّحناء والعداوة بينهم ولو بالمال أن يُعطيه إياه.

س: .............؟

ج: ولو الحقّ .....، لكن بين الحقّ، المصالح يُبين الحقّ؛ حتى لا يظنّ ذاك أنه مظلوم، يُبين أنَّ الحقَّ لهذا، ولكن من باب تشبث الآخر ودعواه الشّبهة، فإذا كنت تعلم أن الحق لهذا تُبين أنَّ الحقَّ معه، وأنا أعرف أنَّ هذا ماله، وأنَّ هذه مطيته، وهذه عنزه، وهذه سيارته، ولكن من باب الصلح إذا رأيت يا فلان [أن] تُعطيه كذا وكذا عن هذه الشبهة، أو عن هذه الدَّعوى؛ خوفًا من فتنةٍ بينهما، ما في بأس.

س: ..............؟

ج: ما تتبعتها.

س: ..............؟

ج: لكن ظاهر كلام الحافظ أنها من غير طريق كثيرٍ، من طرقٍ ما تُسمى كثرةً، إذا كان مداره عليه ما تُسمى كثرةً، ظاهر كلام المؤلف أنها طرق أخرى، ما هي بطريق كثير، لكن فيها ضعف.

س: ...............؟

ج: ينجبر نعم، لكن من باب الحسن، القاعدة: أنَّ هذا يكون من باب الحسن لغيره.

س: ................؟

ج: أما حديث عمرو فهو صريح، وأما الحديثان لأنَّ المقام مقام صلح؛ لأنه قد يحصل به مشاقة: من منع وضع الخشب، وفي أخذ عصاه، أو في أشياء، فيُصلح بينهم، فالمقام مقام صلح بين الناس، بين الجيران، وبين الإخوان.

س: ...............؟

ج: هذا يحتاج إلى نظرٍ، الأصل لا يتعرض لهم، إذا اصطلحا لا يتعرض لهما حتى تكون هناك أسباب أخرى، كون هناك -يعني- ما يُخشى منه من فتنةٍ، وأنهما تراضيا على الصلح على دخنٍ، هذا له التَّدخل؛ لأنَّ الصلح قد يكون على دخنٍ، ما هو على أساسٍ متينٍ، قد يكونا اصطلحا خوفًا من شيءٍ، فإذا رأى الصلح ليس على أساسٍ متينٍ، ورأى أنه يمنع هذا الشيء حتى لا تقع كارثةٌ فله التَّدخل.

س: ..............؟

ج: وضع الخشب لا مانعَ منه ولو كان كافرًا أو عاصيًا، لكن يُنكر عليه المنكر، إذا وجد المنكر ..... يُنكر عليه.

س: ..............؟

ج: هذا أولى وأولى، أقول: هذا أسهل في الأسفار، إذا تقاربت المنازل فاحتاجوا إلى بعضهم، أو في مثل منى، أو عرفات، أو ما أشبه ذلك عند الحاجة من باب أولى؛ لأنه ..... أقلّ ضررًا من الخشب من باب أولى.

س: ...............؟

ج: ما في شكّ للتحريم، هذا الأصل.

س: ...............؟

ج: نعم، إذا كان الجدارُ يحتمل على قول أهل الخبرة.

بَابُ الْحَوَالَةِ وَالضَّمَانِ

880- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعُ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: فَلْيَحْتَلْ.

881- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنَّا، فَغَسَّلْنَاهُ، وَحَنَّطْنَاهُ، وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ؟ فَخَطَا خُطًى، ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قُلْنَا: دِينَارَانِ، فَانْصَرَفَ، فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ، فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: الدِّينَارَانِ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُحِقَّ الْغَرِيمُ وَبَرِئَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.

882- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ: هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ مِنْ قَضَاءٍ؟ فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى عَلَيْهِ، وَإِلَّا قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَالَ: أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً.

883- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.

الشيخ: هذا الباب في الحوالة والضَّمان.

الحوالة: نقل من دينٍ من ذمَّةٍ إلى ذمةٍ، سُميت حوالة لما فيها من التَّحويل: أن يُحول هذا الدَّين من ذمة فلانٍ إلى ذمة فلانٍ.

وذكر العلماء رحمة الله عليهم أنَّ من شرطها: اتِّفاق الدَّينين جنسًا ونوعًا وقدرًا وحلولًا وتأجيلًا، ولا يضرّ الزائد، فلا يُحوَّل ذهبٌ على فضةٍ، ولا فضة على ذهبٍ، ولا تمر على شعيرٍ، ونحو ذلك؛ لاختلاف الجنس، وإنما يُحول على جنسه: ذهب على ذهب، فضة على فضةٍ، وما أشبه ذلك، ولا بدَّ أن يكون أيضًا مُتَّحدًا في المقدار، فلا يكون ربًا.

حلولًا وتأجيلًا، إلا إذا سمح مَن عليه التَّأجيل بالتَّنجيز فلا بأس، إذا سمح فلا بأس أن يُعجل المؤجل، والأصل في هذا هذا الحديث: وإذا أُتبع أحدُكم على مليٍّ فليتبع، هذا هو أصل الحوالة والضمان: كونه يلتزم ما في ذمة الغير، ضمن على فلان يعني: التزم به لمستحقِّه.

والكفالة: هي أن يكفل بدنًا أو عينًا، يكفل إحضارها بدنًا، أو أحضر عينًا، فيقال: كفله إذا التزم بإحضاره، أو بإحضار العين المعينة: كبعيرٍ، أو سيارةٍ، أو ما أشبه ذلك.

والأصل في هذا الباب قوله جلَّ وعلا: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف:72]، والله ساق هذا وأقرَّه سبحانه، فدلَّ على جوازه في شرعنا لعدم ما يُنكره؛ ولقوله جلَّ وعلا في سورة المائدة: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وهذا عقد، والأصل في العقود المضي والجواز، إلا ما منعه الشرعُ، فالضمان عقد، والحوالة عقد، والكفالة عقد، والأصل في العقود الجواز، ولم يرد ما يمنع ذلك، بل ورد ما يدل على جواز ذلك؛ ولما فيه من التَّعاون بين المسلمين وحلّ المشاكل، فإنها قد تعرض مشاكل بين الناس فتحلّ بالحوالة وبالضمان وبالكفالة، ويستريح الناس من تمسك بعضهم ببعضٍ، وإيذاء بعضهم لبعضٍ.

الحديث الأول: حديث أبي هريرة ، عن النبي ﷺ أنه قال: مطل الغني ظلم، مطله: تأخيره وعدم وفائه، يقال: مطله يمطله، إذا أخَّره حقَّه ولم يُبادر بالوفاء، وهو عيب وذمّ، إلا من عذرٍ شرعيٍّ.

في الحديث الآخر: لَيُّ الواجد يحلّ عرضه وعقوبته، الواجد: الغني، يحلّ عرضه شكواه وعقوبته تأديبه وحبسه مما يقتضي تسليمه الحقّ.

فالمطل عيب في المليِّ وظلم منه لأخيه أو للمعصوم، فلا يجوز: اتَّقوا الظلمَ، فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة.

وإذا أُتبع أُحيل، وهذا في الرواية الأخرى: فليحتل ..... يعني: ينتقل بحقِّه إليه: فليتبع.

في هذا فائدة: وهي أنه لا بدَّ أن يكون مليءٍ، أما إذا كان غير مليءٍ فلا يلزمه؛ لما فيه من المضرة عليه.

والمليء: هو الذي يستطيع بذل المال من غير مطلٍ، فإذا كان فقيرًا أو ماطلًا فليس بمليءٍ، فإذا كان لزيد على عمرو شيء معين من النُّقود مثلًا، وجاءه وعليه لشخصٍ آخر مثل ذلك أو أكثر من ذلك، فأحاله بمقدار ما على عمرو له؛ لزم المحال أن يحتال إذا كان المحالُ عليه مليئًا يستطيع بذل المال من غير مماطلةٍ؛ لما فيه من التَّنفيس والتَّيسير وحلّ المشكل بين الشَّخصين.

ولو رضي من غير المليء فلا بأس، لو قال: أنا راضٍ بها، ولو كان غير مليءٍ فالحقّ له، لا بأس، إذا كان رشيدًا لا بأس.

والحديث الثاني: حديث جابر في قصة الذي مات منهم وكفَّنوه وغسَّلوه وحنَّطوه.

حنَّطوه يعني: طيَّبوه، الحنوط: الطيب.

وقدّم للصلاة عليه بين يدي النبي ﷺ، فخطا خطًى، يعني: تقدم بعض الشيء ليُصلي، ثم سألهم عن حاله: هل عليه دَيْنٌ؟ فلما قالوا: عليه دَيْنٌ، أمسك، وقال: صلوا على صاحبكم.

هذا يدل على عظم خطر الدَّين، وأن الدَّين شأنه خطير، وأنه ينبغي للمؤمن أن يتخلص منه، ولا سيما عند وجود أسباب الموت: كالمرض، أو التقدم إلى الجهاد، أو تقديمه إلى القصاص، أو سجنه في أمرٍ يُوجب قتله، ينبغي له أن يُبادر إلى قضاء دَينه بكل وسيلةٍ؛ حتى لا يموت وهو عليه دَين.

وتقدم في الجنائز: نفس المؤمن مُعلَّقة بدَينه حتى يُقضى عنه.

وفي هذا ترك النبي ﷺ الصلاة عليه؛ تنبيهًا للناس، لبيان عظم الخطر، وحثًّا لهم على الوفاء والمسارعة في قضاء الدُّيون؛ لأنَّ في قضاء الدُّيون إبراء الذمم، وإنجازًا في إعطاء الحقِّ لمستحقِّه، وحسن التَّعامل.

فقال أبو قتادة: الدِّيناران عليَّ يا رسول الله. فقال: حقّ الغريم يحتمل كما قال الشارحُ أنه مصدر ..... المصدرية، يعني: أحق، حقّ الغريم، أو نحو هذه العبارة، أو المفعول ..... منصوب: التزمت حقّ الغريم، بدل المصدر: التزمت أو أثبتّ حقّ الغريم، وما أشبه ذلك.

ويحتمل أنه فعل ماضٍ: حقّ الغريم يعني: استحقّ الغريم، حق، يحق، يعني: استحقّ هذا الشيء، وثبت له وأكد بقوله: وبرئ منه الميت يعني: انتقل المالُ إليك، فقال: نعم، فصلَّى عليه.

هذا فيه أنه إذا تحمَّل الدَّين بعضُ الحاضرين صلَّى عليه الإمامُ، وهذا كان قبل اتِّساع الأمور، فلما وسَّع الله الأمور كان النبيُّ ﷺ يُصلي على الناس بدون سؤالٍ عليه الصلاة والسلام، ومتى ثبت عنده أنهم عليهم ديون قضاها من بيت المال عليه الصلاة والسلام، ولم يُحوجهم إلى أن يضمونها، وهذا من تيسير الله .

ويظهر من الحديث الآتي نسخ هذا الأمر، وأنَّ الله لما وسَّع الأمور نسخ هذا الأمر، وصار بيتُ المال أو صار النبي ﷺ يُؤدي عنه ويقول: أنا أولى بكل مؤمنٍ من نفسه كما قال الله جلَّ وعلا: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب:6].

فكان ﷺ يُؤدي عنهم الحقوق التي عليهم إذا ماتوا ولم يكن عندهم وفاء، كما في الرواية الآتية، وهذا من رحمته عليه الصلاة والسلام، وعظيم لطفه بالأمة، وإحسانه وعنايته بهم عليه الصلاة والسلام، فجعل هذا شرعًا عظيمًا فيه خير للمسلمين.

واستنبط منه بعضُ أهل العلم -كابن بطال وغيره- أنَّ ولي الأمر يُؤدي عن المسلمين المدينين ما استدانوه من الحقوق التي يحتاجونها؛ لأنَّ المسلمين يشتركون في بيت المال، وهذا واحد منهم، فإن مات وعليه ديون شُرع لولي الأمر أو وجب على ولي الأمر أن يُؤدي عنه إذا أمكن ذلك، كما أدَّى النبيُّ ﷺ حيث قال: أنا أولى بكل مؤمنٍ من نفسه، ثم قال: مَن مات وعليه دَينٌ فهو عليَّ، ومَن مات وله مالٌ فهو لورثته، وفي اللفظ الآخر: ولم يترك وفاءً.

فهذا يدل على أنه إذا مات وليس عنده ما يُوفى منه، فإنَّ ولي الأمر يُوفي عنه؛ حتى لا تضيع أموال المسلمين، ولا تضيع حقوقهم، ولا تضيع الثقة بينهم، وهذا فيما يظهر هو الأصح، هذا الحديث أصل، الحديث الثالث -حديث أبي هريرة- أصل في هذا الباب، وليس هناك ما يدل على خلافه.

وقد ودى النبيُّ ﷺ عبدالله بن سهل لما اشتجر اليهود والأنصار واختلفوا ولم يتيسر ما يُثبت أن اليهود قتلوا عبدالله، وداه عنده وانتهى المشكل.

وفي هذا أيضًا من الفوائد: أن الضمان جائز، وأنه نافذ، وهو الشاهد في الباب، فإن أبا قتادة ضمن، وأمضى النبي ضمانته.

ذكر الشارحُ عن رواية البخاري عن سلمة بن الأكوع: أنَّ الدنانير كانت ثلاثة، يحتمل أنها اثنان وبعض الثالث، وبعضهم حذف الكسر، وبعضهم جمع الكسر.

والشاهد أنَّ النبي أمضى الضَّمان، فدلَّ على جواز الضمان.

وفي الحديث الرابع: حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبدالله بن عمرو، حديث عبدالله بن عمرو: لا كفالة في حدٍّ، وهو كما قال الشارحُ: ضعيف، كما قال البيهقي رحمه الله: ضعيف، وهو حديث لا يثبت عند أهل العلم، ولكن يكفي في هذا ما تقدم من الأصول، وهي أن الكفالة عقد، فتدخل في عموم قوله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]؛ ولأنَّ العقود الأصل فيها الإباحة، المعاملات بين الناس في بيعهم وشرائهم وإيجاراتهم وغير ذلك الأصل فيها الإباحة ما لم يوجد فيها ما يُحرمه الشرع: من ربا، أو غرر، أو جهالة واضحة، وإلا فالأصل في العقود الثبوت؛ ولهذا الصواب عند أهل العلم جواز الكفالة، خلافًا لمذهب ابن حزم.

فالمقصود أنَّ الصواب جواز الكفالة في الأعيان، ولا بأس في ذلك، إلا في القصاص والحدود فلا؛ لأنَّ الكفيل لا حقَّ عليه أن يُقتل، ولا حقَّ أن يُقام عليه الحدُّ، فلا يجوز فيها الكفالات، بل يمسك مَن عليه الحقّ حتى يُقتص منه، وحتى يُقام عليه الحقّ، إذا سمح مَن له القصاص وهم مرشدون وأطلقوه فلا بأس.

المقصود أنَّ الكفالة في غير الحدود والقصاص لا مانع منها من حيث الأصل، وهو القول الصواب، واختلف العلماءُ: هل يبرأ الكفيلُ بموت المكفول أو لا يبرأ؟ على قولين: منهم مَن قال: يبرأ، ومنهم مَن قال: لا يبرأ.

ذهب جماعةٌ من أهل العلم إلى أنه لا يبرأ، اختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله: لا يبرأ، بل إذا مات يلزم الكفيل أداء الحقّ الذي عليه إذا كان المكفولُ الدَّين.

وهذا والله أعلم محلّ تفصيلٍ فيما يظهر، فإنَّ كان الكفيلُ كفل وأطلق فالقول وجيه، أما إذا قال: لا، أنا ما أكفل إلا إحضاره فقط، أما الدُّيون ما أكفل الدُّيون، إذا صرح بهذا فلا شيءَ عليه، إن كان ميتًا برئ منه، وإذا حضر يحضره، أما إذا كان أطلق أو قال: أنا كفيل به وبما عليه، فهو يكون كفالةً فيها ضمان.

فالحاصل أنَّ هذا يختلف بحسب حال الكفالة وقضائه للحال بين الكفيل والمكفول له، حيث ظهر من الكفالة ما يقتضي براءته من الدَّين، فهو برئ إذا مات المكفول، وإن ظهر من الكفالة ما يقتضي أن المقصود ضمانه للمال، حفظ المال، لا يضيع، فهو كفالة في ضمنها الضمان، فيلزمه ما عليه إذا مات أو عجز عن إحضاره، نعم، والله أعلم.

س: الفرق بين الكفالة والضمان؟

ج: قد يجتمعان، إذا قال: أنا كفيل به وبدَينه الذي عليه، فهو كفيل ضامن، أو دلَّت القرائن على ذلك.

س: الكفالة الأصل فيها إحضار الشَّخص؟

ج: نعم، هذا هو الأصل فيها.

س: في غير الحدود؟

ج: نعم؛ ولهذا قال مَن قال: إنها تسقط بالموت -موت المكفول- لأنَّ إحضاره ما عاد يمكن، ليس في قدرة الكفيل، وليس باختياره، ولا فائدة من إحضاره أيضًا بعد الموت.

س: والذي يظهر؟

ج: والله الذي يظهر هي محلّ نظرٍ، القول بأنه يلزمه ما عليه على اختيار الشيخ تقي الدين محل نظرٍ، ومَن قاله بقوله، وأظنه مذهب ..... رحمه الله وجماعة، فيه نظر، ينبغي التفصيل فيه: إن وجد من القرائن ما يدل على أنه يتحمل الدَّين وإلا ما يلزمه إلا العين كما قال الجمهور، وهذا قول الأكثر: يلزمه إحضار العين، فإذا تلفت العين ما باليد حيلة.

س: ما هو مُخيَّر؟

ج: هذا في الضمان، الكلام في الكفالة، الكفالة غير الضمان، الضمان: ضمان الدُّيون التي على الناس، والكفالة: إحضار العين.

س: ..............؟

ج: الضمان غير الضمان، شيء ثانٍ، صاحب الحقِّ يُطالب هذا أو هذا، هو مُخيَّر.

س: ..............؟

ج: يُطالب بإحضاره، أو تسليم ما عليه.

س: فيها نصّ خاصّ الكفالة؟

ج: ما أخبر فيها نصّ ظاهر فيما يظهر لي: أنه جاء في بعض الروايات ما يدل عليها، ولكنه ما يحضرني الآن، لما أحضر النبيُّ ﷺ الأنصار وتواثقوا فيما بينهم وأصلح بينهم على أنَّ كل واحدٍ يكفل الآخر ويُؤدي ما عليه فيما ذكره ابن إسحاق، وذكره جماعة فيما حصل بين الأنصار لما استقر في المدينة عليه الصلاة والسلام وجمعهم وتواثقوا على أنَّ كل واحدٍ .... عن الآخر، ويُؤدي ما عليه، يعني: حصل بينهم ما هو شبه كفالةٍ وضمانٍ، لكني لا يحضرني لفظه الآن، ذكره ابن إسحاق، وذكره ابن هشام في "السيرة"، وأيضًا ذكره غيرهم، وأظن فيه شيء في الصحيح في البخاري في مقدم المدينة، يُراجع شيء في هذا، يتعلق بهذا.

س: الذي استنبط أنَّ ولي الأمر يقضي الدُّيون، مَن استنبطه من العلماء؟

ج: ابن بطال وجماعة، حكاه عن الجمهور، ذكره الشارح، نعم.

س: إذا كفل عليه وهو مليء ثم قدر عليه أنه افتقر يتحمل الكفيل؟

ج: الكفالة مثلما تقدم فيها تفصيل: إن كفله بما عليه من الدَّين صار ضمينًا كفالًا، وإذا كفله العين فقط فعليه إحضاره فقط، ما يلزمه المال، ما يلزمه المال.

بَابُ الشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ

884- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَالَ اللَّهُ: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

885- وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّهُ كَانَ شَرِيكَ النَّبِيِّ ﷺ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، فَجَاءَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأَخِي وَشَرِيكِي. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَه.

886- وَعَنْ عبدالله بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: اشْتَرَكْتُ أَنَا وَعَمَّارٌ وَسَعْدٌ فِيمَا نُصِيبُ يَوْمَ بَدْرٍ ... الْحَدِيثَ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ.

887- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عبدالله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: إِذَا أَتَيْتَ وَكِيلِي بِخَيْبَرَ فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ.

888- وَعَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ مَعَهُ بِدِينَارٍ يَشْتَرِي لَهُ أُضْحِيَّةً ... الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.

889- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ ... الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

890- وَعَنْ جَابِرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَذْبَحَ الْبَاقِيَ ... الْحَدِيثَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

891- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْعَسِيفِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ... الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

بَابُ الْإِقْرَارِ

فِيهِ الَّذِي قَبْلَهُ وَمَا أَشْبَهَهُ.

892- عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قُلِ الْحَقَّ وَلَوْ كَانَ مُرًّا. صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.

الشيخ: هذه الأحاديث التسعة كلها تتعلق بالوكالة والشركة والإقرار، أراد المؤلفُ بهذا رحمه الله بيان الأصول الدالة على جواز الشركة، وجواز الوكالة، وجواز الإقرار، وهذه كلها -الثلاث كلها- جائزة بحمد الله بالإجماع، كلها ثبتت فيها الأدلة، الوكالة جاء فيها الإجماع، والشركة في الجملة ..... تفاصيلها وتقاسيمها بالإجماع، والإقرار بالإجماع ثابت، وتثبت به الحقوق: حقوق بني آدم، وحقوق الله جلَّ وعلا، والأدلة في هذا واضحة وظاهرة، وإجماع أهل العلم قائم على ذلك.

فمن ذلك: حديث أبي هريرة الأول، يقول الله جلَّ وعلا: أنا ثالث الشَّريكين ما لم يخن أحدُهما صاحبَه، فإذا خان خرجتُ من بينهما.

هذا يدل على أن الشريكين مع الأمانة والاستقامة فالله معهما بتوفيقه وتأييده وإعانته، هذا من المعية الخاصة، مثل قوله جلَّ وعلا: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، هذا من باب المعية الخاصة، وهي عند أهل السنة تقتضي التوفيق والنصر والتأييد والإعانة والبركة، وهو سبحانه فوق العرش، ليس معهم بذاته مختلطًا بهم، بل هو فوق العرش جلَّ وعلا، علمه في كل مكانٍ ، فهو يراهم، ويرى مكانهم، وهو مع أهل طاعته بتوفيقه وتأييده وإعانته .

وهذا يدل على أنَّ الشريكين ما داما على النصح والاستقامة وأداء الأمانة فهما بخيرٍ، والله معهما بالتأييد والتوفيق، وإذا خانا أو خان أحدُهما نُزعت البركةُ، وفارقهما ربُّهما فيما يحبو به مَن أدَّى الأمانة من توفيقٍ وهدايةٍ.

خرجتُ من بينهما يعني: خرجت المعية الخاصَّة التي يحبو بها ويتفضل بها على أهل الأمانة، وليس هذا من باب التأويل، بل من باب البيان للمعنى والحقيقة؛ لأن يتوهم مَن لا بصيرةَ له من المعتزلة والجهمية وأشباههم ممن سار على سيرهم في كثيرٍ من الأشياء كالأشعرية وغيرهم: أنه خلاف الحقّ.

فالمعية معيتان: معية خاصَّة تقتضي لطفه بمَن هو معه سبحانه وتأييده وتوفيقه، ومعية عامَّة تقتضي الإحاطة والعلم والقُدرة والرؤية وغير ذلك، وهذا من هذا الباب.

والحديث الثاني: حديث السائب بن يزيد المخزومي، فيه مدح النبي ﷺ، وقوله: مرحبًا بأخي وشريكي، فيه أن الشركة كانت معروفةً في الجاهلية، وأقرها الإسلام، فالجاهليون كانت لهم شركات في البيع والشراء، وفي أشياء أخرى من الأموال والعقارات، فأقرها الإسلامُ، وبقيت في الإسلام، وفي هذا الثناء على الشريك الطيب، وأنه يُرحَّب به ويُحيا.

قال في بعض الروايات زيادة: كان لا يُماري، ولا يُداري، بل كان ناصحًا جيدًا في شركته، سمحًا جوادًا كريمًا، ليس عنده من المماراة والجدل ما يُؤذي شريكه، وليس يُداري في الحقِّ، بل يأخذ الحقَّ بتمامه، ولا يظلم شريكه شيئًا.

قال ابن عبد البر: إنه كان من المعمرين، وكان من مسلمة الفتح.

والحديث الثالث: حديث ابن مسعودٍ في قصة اشتراكه مع عمار ومع سعد بن أبي وقاص كذلك، هذا يدل على الشركة -شركة الأبدان- واختلف العلماءُ فيها على قولين: منهم مَن أجازها، ومنهم مَن منعها، والصواب جوازها لأمرين: لهذا الحديث وما جاء في معناه، ولأنَّ الأصل جواز الشركة، هذا هو الأصل، والأصل جواز العقود، الله قال: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، هذا هو الأصل، فلا يمنع من الشركة شيء إلا بدليلٍ، الذي يدل على أنَّ الشركة فيها ربا فيها غرر تمنع، وإلا فالأصل جواز الشركة.

فإذا اشترك اثنان أو ثلاثة بأبدانهما: يحتطبان، أو يحشّان، أو يعملان عملًا والربح بينهما فلا بأس؛ لأنَّ هذا أصل أصيل في الشريعة، وهذا من هذا الباب، اشتراك ابن مسعودٍ وعمار وسعد من هذا الباب.

وحديث جابر يدل على الوكالة، وأنه لا بأس بالوكالة، وهو محل إجماعٍ: كونه ﷺ أخذ منه خمسة عشر وسقًا، هذا يدل على أنه وهبه ذلك من باب الإحسان إليه، فجابر ذو عيالٍ، وليس من ذوي الأموال والتِّجارات، فالرسول لما بعثه إلى خيبر أراد أن يستفيد من هذا المال؛ لحاجته إلى ذلك، وفيه إحسان النبي ﷺ إلى أصحابه، وتفقده أحوالهم، ويُحسن إليهم، ويُواسي هذا، ويُواسي هذا، ويُحسن إلى هذا حسبما أعطاه الله.

وفي هذا أنَّ ولي الأمر يتفقد الرعية، ويُواسي أهل الحاجة، ويُحسن إليهم، ويُعطي هذا حسبما تقتضيه الأحوال.

وفي رواية زيادة: إذا طلب منك آية فضع يدك على ترقوته. هذا يدل على أنه يجوز العمل بالأمارات والدلائل التي تدل على صدق الوكيل، أو صدق الرسول إذا بُعث في شيءٍ، وأن يكون بينه وبين وكيله، أو بين أميره، أو بين خازن ماله علامات، يقول له: إذا جاءك مني أحد بعلامة كذا وكذا فأعطه مطلوبه وصدقه، أو كذا، لا بأس؛ لأنَّ هذه أمور قد يحتاج إليها الناس، وقد لا يتيسر كتابة كل شيءٍ، وقد لا يتيسر الكتابة أيضًا في وقتٍ ليس فيه كتابة، وليس عند الباعث مَن يكتب، فإذا أعطى الوكيل علامةً يعمل بها فلا حرج في ذلك التَّصرف.

والحديث الخامس: حديث عروة البارقي، وتقدم في البيع أنَّ النبي ﷺ أعطاه دينارًا يشتري شاةً، فاشترى به شاتين، ثم باع إحداهما بدينارٍ، وأتى النبيَّ ﷺ بشاةٍ ودينارٍ، ردَّ عليه ديناره، وجاءه بالشاة، فدعا له النبيُّ بالبركة في بيعه، قال: فكان لو اشترى الترابَ لربح فيه بسبب أمانته وصدقه رضي الله عنه وأرضاه، تقدم هذا في البيع، والمقصود هنا الوكالة.

حديث ثابت رواه أهلُ السنن، ورواه البخاري رحمه الله، وفي إسناده مبهم، لكن العمدة على رواية أهل السنن، وأما البخاري فذكره في أثناء القصة، والمقصود من رواية البخاري له ذكر فيه الخيل وأنواع الخيل، وأن الخيل ثلاثة، وأن الخيل على ثلاثة أنواع: لرجل ستر، ولرجل وزر، ولرجل أجر، كما تقدم، جاء في أثناء هذه الرواية بإسنادٍ فيهم مبهم أنه وكل .....، وله شاهد أيضًا من حديث حكيم بن حزام في قصة عروة.

فالحاصل أنه لا بأس بالوكالة في شراء الأضحية، أو شراء حاجة للأهل، أو شراء أي مالٍ لا بأس بالوكالة في ذلك، والوكيل عليه النَّصيحة وأداء الأمانة والحذر من الخيانة.

وفي هذا أنَّ عروة تصرف فأجازه النبيُّ ﷺ، فالوكيل يتصرف تصرفًا ينفع الموكل لا بأس إذا أمضاه الموكل، فالرسول أمضاه؛ لأنه اشترى شاتين، ثم باع إحداهما، باع واشترى باجتهاده، فأمضاه النبيُّ ﷺ، وفي هذا بيان أنه ليس هناك حدٌّ محدود للربح، فقد اشترى شاةً بدينارٍ، ثم باع إحداهما بدينارٍ، اشترى شاتين بدينارٍ، ثم باع إحداهما بدينارٍ، فدلَّ ذلك على أنَّ هذه الأمور ليس فيها حدٌّ محدود؛ قد يشتري الإنسانُ الناقةَ بكذا، ويبيعها بأكثر، ويشتري السيارة بكذا، ويبيعها بأكثر، تغير الأسواق، وتغير رغبات الناس، والإنسان حرٌّ في ماله ما لم يكن هناك أمرٌ يخدع به الناس، إذا كان هناك شيء يخدع به الناس مثل: أن تكون الأسعارُ مضبوطةً مقررةً في بعض الأنواع، فيُخفي على الناس ذلك، ويبيع عليهم بأكثر، فلا يجوز؛ لأنه ظلم لهم، إلا إذا بيَّن قال: الناس يبيعون بكذا، لكن هذه السلعة أنا ما أبيعها إلا بكذا، تريد [أن] تشتري مني أو تريد [أن] تشتري من الناس؟ الناس يبيعون بكذا وكذا؛ حتى لا يخدعوا، هذا الأصل.

والحديث السادس: حديث جابرٍ أيضًا في توكيل عليٍّ بالبُدن، فإنه وكَّل عليًّا في ذبح بقية الهدي الذي أهداه النبيُّ ﷺ، فإنه أهدى مئةً يوم حجة الوداع، ونحر منها ثلاثًا وستين بيده عليه الصلاة والسلام، ثم وكل عليًّا فنحر البقية: سبعًا وثلاثين.

هذا يدل على جواز التوكيل في ذبح الهدايا، ذبح الضحايا، وأنه لا بأس أن يُوكل الثقة مَن ينوب عنه، يوكل الثقة مَن ينوب عنه في نحر هداياه، وفي ذبح ضحاياه، لا بأس بذلك.

كذلك بعث عمر على الصَّدقة فيه التوكيل على الصَّدقات أيضًا، وأنه لا بأس أن يبعث مَن ينوب عنه في قبض الصَّدقات، ويخرص على الناس نخيلهم، كما بعث النبيُّ مَن يخرص على أهل خيبر نخيلهم، فلا بأس في توكيل الخراصين ومَن ينوب عن ولي الأمر في قبول الصَّدقات، كل هذا لا بأس به.

كذلك توكيل مَن يثبت الحدود ويقوم مقام ولي الأمر: كالقضاة ونحوهم ممن يصلح لهذا الأمر، حتى يسأل: مَن رُمي بالفاحشة؟ مَن رُمي بالسرقة؟ فإذا أقرَّ أمضى عليه الحدّ، وأقام عليه الحدّ: كالقاضي، وكالأمير، وكغيرهما ممن يصلح لهذا الأمر.

كذلك حديث أبي ذرٍّ: قل الحقَّ وإن كان مُرًّا فيه الإقرار، وفي حديث أبي هريرة في قصة العسيف الإقرار أيضًا، وهكذا في أحاديث أخرى كثيرة لا تُحصى العمل بالإقرار، وأنَّ الإقرار أمر مُعتبر على الإنسان: في نفسه، في الأموال، في الحدود، في القصاص، في السرقة، في كل شيءٍ، فالإقرار مُعتبر، إذا كان المقرُّ عاقلًا مُكلَّفًا فإقراره مُعتبر في الحدِّ وفي غير الحدِّ، ويُؤخذ به، ولا حاجة إلى شهودٍ، متى أقرَّ أُخذ بإقراره، وقد فعل هذا النبيُّ عليه الصلاة والسلام فيما لا يُحصى من الوقائع، نعم.

س: إذا أقرَّ مُكْرَهًا؟

ج: إذا أقرَّ مُكْرَهًا لا يُعتبر، إذا أُكره بالضرب أو بالتَّهديد ممن يظنّ فعله بذلك لا يعتبر، لا بدَّ أن يكون الإقرارُ سليمًا، ليس فيه إكراه إلا إذا دلَّت القرائنُ على صدقه لما أقرَّ، مثلما فعل النبيُّ في عم حُيي حين جحد المال، أمر الزبير أن يمسّه بعذابٍ فيقرّ، إذا كان تهمةً قائمةً ودلائل وقرائن تدل على أنه عنده الشيء عند هذا الرجل فلا بأس أن يمسّ بعذابٍ في حقوق بني آدم، لا في الحدود، في حقوق بني آدم: إذا اتُّهم أنه سرق مال فلانٍ، قتل فلانًا، فلا باس أن يُسجن، ولا بأس أن يُعذَّب على حسب حال التُّهمة بالعذاب الذي يُناسبه حتى يعترف بالحقِّ الذي اتُّهم به بقرائن ودلائل تدل على تهمته بذلك.

فالنبي ﷺ مسَّ عم حُيي بالعذاب حتى أقرَّ، قال: رأيتُ شيئًا يدخل هذه الخربة، فلعله جعل المال فيها. فلما ذهبوا إليها وجدوا المالَ فيها.

وكذلك ثبت من حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدِّه ..... التّهمة، هذا يدل على أنه إذا كانت تهمةً واضحةً بالقرائن فلا بأس بالعقاب؛ لأنه لو أهمل الناس ضاعت الحقوقُ، فإذا قامت القرائنُ الدالة على صحة التُّهمة وأبى وجحد يُعاقَب على حسب اجتهاد القاضي وولي الأمر الذي يستنيبه في هذا الشيء بالعذاب المناسب، كل له قدرة، وعلى حسب المجحود، نعم.

س: ..............؟

ج: الصحيح عند العلماء أنه ما يُعدّ عرفًا غبنًا، هذا يختلف بحسب أحوال الأسواق والتُّجار وما يعدونه غبنًا في العُرف أو أهل الفنّ، يرد إذا كان صاحبه مُسترسلًا يخدع، أما إذا كان ما يُعدّ غبنًا عند أهل المعرفة في الأسواق على حسب البلدان واختلاف الناس في هذا، هذا يختلف، فإذا قال أهلُ المعرفة: أنَّ هذا في العادة أنه يُغتفر ولا يُبالى به، مثل: الواحد في العشرة، وبعض الأحيان أكثر من هذا، إذا كثرت الأموالُ وارتفع السعرُ صارت الأموالُ كثيرةً، فيُغتفر بالكثير ما لا يُغتفر بالقليل.

س: قوله: أنا ثالث الشريكين هذا مُلحق بالمعية؟

ج: المعية الخاصَّة نعم، ما هو معناه: الاختلاط، هو بمعنى المعية.

س: بالنسبة ..... الحديثة ما تُعتبر قرائن كالبصمات؟

ج: إذا جربت الشيء الذي يدل على صحة التُّهمة ما في شيء، هذا ما هو محدودًا بشيءٍ، كل ما يدل على صحة التُّهمة يُؤخذ به الإنسان.

بَابُ الْعَارِيَةِ

893- عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

894- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَاسْتَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ. وأخرجه جماعةٌ من الحفَّاظ، وهو شامل للعارية.

895- وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا أَتَتْكَ رُسُلِي فَأَعْطِهِمْ ثَلَاثِينَ دِرْعًا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ أَوْ عَارِيَةٌ مُؤَدَّاةٌ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَةٌ مُؤَدَّاةٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

896- وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَعَارَ مِنْهُ دُرُوعًا يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَالَ: أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

897- وَأَخْرَجَ لَهُ شَاهِدًا ضَعِيفًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

الشيخ: هذا الباب في العارية، العارية من الأمور التي تقع بين المسلمين وغيرهم، يرتفق بها، ومما يتعاون به الناس من الجيران وغيرهم، وهي سنة وقُربة وطاعة لمن فعلها ابتغاء وجه الله جلَّ وعلا؛ لما فيها من التعاون، وقد قال في قوله جلَّ وعلا: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7] قال بعضُ أهل العلم: إنها العارية؛ لأنَّ العارية ينتفع بها الجيران والأقارب، فبذلها للجار والغريب أمر مستحق ومشروع.

وقد قال بعضُ أهل العلم: إنها تجب عند الحاجة؛ لأنَّ الله قال جلَّ وعلا: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ذمًّا لهم، وعيبًا لهم، فدلَّ ذلك على ذمِّ مَن قصَّر في هذا الباب، ولم يُساعد في حاجة إخوانه، ويقال: عارية، بالتشديد، وعارية، بالتخفيف، تُخفف وتُشدد .....؛ لينتفع بها ويردّها، يقال لها: عارية ..... من سلاحٍ أو ثيابٍ أو غير ذلك؛ لينتفع بها المعطى، ثم يُعيدها إلى صاحبها، فيقال لها: عارية.

أما إذا دفع إليه ليحفظه، هذا هو الأمانة والوديعة، أو وثيقة بدَين، هذا يقال له: الرهن، أما إذا كان يدفعه إليه لينتفع به هو المدفوع إليه، ثم يُعيدها: كالدلو والفأس والقدر والثوب والسلاح والميزان وأشباه ذلك مما يحتاجه الجيران، هذا يقال له: عاريَّة، وعاريَة.

وهي مُستحبَّة ومشروعة، وقد تجب عند الحاجة: إذا اضطر إليها الجار وأنت مُوسر بها قد تُوجب، وبوجوبها قول قوي لظاهر الآية الكريمة؛ لأنَّ الله قال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ۝ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:4- 7]، فهو ذمٌّ لهم وعيبٌ.

وقيل في الماعون: إنه الزكاة.

والأشهر الأول: أنه ما يحتاجه الناس من الحوائج: من فأس وقدر ونحو ذلك مما يحتاجه الجيران.

واختلف العلماءُ فيها: هل هي كالوديعة لا تُضمن إلا بالتَّعدي، أو هي مضمونة دائمًا مطلقًا، أو لا تُضمن إلا بالضَّمان؟

على أقوالٍ، والأرجح أنها كالوديعة لا تُضمن إلا بالشرط، فهي أمانة، وديعة يُؤتمن عليها صاحبها، لكن إذا شرط المعين الضَّمان لزم الضمان؛ لحديث صفوان بن أمية الآتي، وحديث يعلى بن أمية الآتي، فهي وديعة لا تُضمن، لو هلكت عند المستعير لا تُضمن إلا إذا كان صاحبُها قد اشترط الضَّمان، قال: شرط أنك تضمنها إن تلفت. فلا بأس، الشرط صحيح، وإلا فالأصل أنها وديعة، هذا هو الأصل؛ لأنَّ العبد مؤتمن عليها، ومسموح له الانتفاع بها، فلا يضمنها إلا بالشرط، إلا إذا تعدَّى أو فرَّط فيضمن، لا مانع كالوديعة؛ لو تعدَّى عليها المودعُ أو فرَّط فيها ضمن؛ لأنَّ الواجب حفظها، فهكذا العارية من باب أولى، إذا تعدَّى بأن أحرقها أو فرَّط فيها: تركها في محلِّ الخطر ولم يحفظها ضمن.

والحديث الأول: حديث سمرة بن جندب ، عن النبي ﷺ أنه قال: على اليد ما أخذت حتى تُؤديه هذا يعمّ الأمانة والوديعة، ويعمّ العارية، ويعمّ الرهن، ويعمّ الديون، ويعمّ كلَّ ما أخذه الإنسانُ أن عليه أن يُؤديه، لكنه مجمل، مطلق.

فعلى كل مَن أخذ مالًا لأخيه عليه أن يرده إليه إذا كان ليس على سبيل الهبة، وليس على سبيل البيع، وإنما أخذه على سبيلٍ آخر: كالوديعة، والرهن، والعارية، فهذا عليه أن يرده.

أما مَن أخذه هبةً فليس عليه ردّه؛ لأنه أخذه تملكًا، غير داخلٍ في هذا، يعني: على اليد ما أخذت لقصد الرد والإعادة، فهذا هو المراد هنا: حتى تُؤديه إلى صاحبه.

فعلى هذا يجب على المستعير وعلى المودع وعلى المرتهن ردّ ما أخذ إلى صاحبه عند زوال المانع، عند قضاء الحاجة من العارية عند طلب المودع وديعته، عند طلب الراهن رهنه إذا أوفى الحقّ.

والحديث الثاني: حديث أبي هريرة ، عن النبي ﷺ أنه قال: أدِّ الأمانةَ إلى مَن ائتمنك، ولا تخن مَن خانك الحديث هذا يدل على وجوب أداء الأمانة كما تقدم، وأن على المؤتمن والمودع أن يرد الأمانة إذا طلبها صاحبُها؛ لأنها عنده على سبيل الحفظ والإحسان إلى صاحبها، فإذا طلبها وجب ردّها إليه؛ لأنها ماله، وليس له أن يعوقه، وليس له أن يُؤذيه، وليس له أن يفرط فيها أو يتعدى عليها، فالمسلمون شيء واحد، والله يقول سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، هذا عامّ، ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27]، ويقول : وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8].

فعلى المستأمن المودع أن يرد الأمانة سليمةً محفوظةً، لا يتعدى فيها، ولا يُفرط فيها، ولا يفعل فيها ما يُؤذي صاحبها، ولا يعوقه عنها، ولا يردده، ولا يماطل به، بل عليه أن يتَّقي الله في ذلك ويُعطيه حقَّه.

ولا تخن مَن خانك فإذا خانك في شيءٍ فلا تخنه أنت في شيءٍ يبوء بإثمه وتسلم أنت من الإثم، وهذا يدل على أنَّ الشَّخص الذي وقعت منه الخيانة لا يُعاقب بخيانةٍ أخرى، ولكن للمخون أن يُطالب بحقِّه من هذا الذي خانه بالطرق الشَّرعية، أما أن يخونه بخيانةٍ تُغضب الله عليه ويلحقه عارها فليس له ذلك، بل يجب عليه أن يحذر الخيانة وإن خانه الآخر.

فإذا مثلًا والعياذ بالله: زنا ببنته أو أخته، ليس له أن يزني ببنته أو أخته، وإذا بهته بشيءٍ ورماه بشيءٍ وهو بريء منه، فليس له أن يرميه به وهو بريء منه ويبهته ويخونه، لكن إذا خانه في المال بأن أخذ من ماله شيئًا بغير علمه: كأن أخفى بعض الأمانة ولم يردها إليه كاملةً، وادَّعى أنه ليس له إلا هذا، وأنَّ هذه هي الأمانة، أو قدر على شيءٍ من ماله فأخذه على وجه الخيانة، فماذا يفعل مَن فُعل به ذلك؟ هل يتعدَّى على ماله من طريق الخيانة حتى يأخذ حقَّه؟

هذه مسألة خلاف، ويقال لها: مسألة الظفر؛ كون الإنسان المخون المظلوم يظفر بشيءٍ من مال الخائن، من مال الظالم، فماذا يفعل؟ على أقوال:

أحدها: أنه ليس له أن يأخذ شيئًا من ماله، بل إن كانت عنده بينة طالب بالحقِّ، وطالب هذا الرجل أن يُعطيه حقَّه، فإن لم يتيسر ذلك فله يمينه على الطريقة المتبعة في الدعاوى والخصومات، وليس له سوى ذلك.

والقول الثاني: أنه له أن يأخذ من ماله مقابل ما خانه به مطلقًا إذا قدر على ذلك، إذا ظفر بشيءٍ له أن يأخذ من ماله بقدر ما أخذ منه قصاصًا مطلقًا، قالوا: وهذا يُحمل على الكراهة: لا تخن مَن خانك لا على التَّحريم إذا كان له حقّ، وهذا فيه نظر؛ لأنَّ ظاهر الحديث المنع والتَّحريم.

والقول الآخر: أنه يفصل في الموضوع تفصيلًا: فإن كان السببُ ظاهرًا جاز له أن يأخذ مقابل حقِّه، إذا كان السببُ ظاهرًا بحيث لا يُنسب إلى الخيانة إذا أخذ حقَّه، ولا يُتَّهم بالشرِّ، ولا يُدنس عرضه؛ لأنَّ السبب ظاهر، فله أن يأخذ، وله أمثلة، مثل: العبد إذا خانه سيده ولم يُعطه نفقته وظلمه، ومثل: الأولاد والزوجة إذا لم يُعطهم الزوج أو أبوهم حقَّهم في ماله، في نفقته، فلهم أن يأخذوا حقَّهم من ماله ولو لم يعلم، ولا تُسمَّى: خيانة في الحقيقة، ولا تدخل في الحديث؛ لأنها حقٌّ لهم، فليست بخيانةٍ، وإنما أخذوا حقَّهم بالمعروف.

فالعبد [له] على سيده نفقته، فإذا أخذ من ماله ما يكفيه في أكله وشربه ولباسه فلا حرج عليه في ذلك، ولا يُلام، ولو عثر عليه وعلم ذلك منه ما ضرَّه ذلك؛ لأنَّ سبب الحقِّ ظاهر: كل سيدٍ عليه أن يُنفق على عبده، كذلك الزوجة وأولادها الصِّغار على والدهم أن يُنفق عليهم، فإذا قصر فهي غير ملومةٍ إذا أخذت من ماله ما يكفيها ويكفي أولادها، والسبب ظاهر.

وفي هذا الباب قصة هند بنت عتبة مع زوجها أبي سفيان؛ فإنها اشتكت إلى النبي ﷺ أنَّ أبا سفيان رجل شحيح، وأنه ما يُعطيها كفايتها، فأذن لها النبيُّ أن تأخذ من ماله ما يكفيها ويكفي بَنيها بالمعروف. رواه الشيخان من حديث عائشة، وهذا سبب الحق ظاهر.

ومن ذلك الضيف إذا لم يُعط حقَّه، فله أن يأخذ من مال مَن نزل بهم قدر القرى، كما جاء في حديث عقبة في الصحيح؛ لأنَّ السبب حقٌّ ظاهر.

ومن ذلك المغصوب إذا غصبه على رؤوس الأشهاد، يعني عليه بينة، قد عرف الناس أنه غصبه، فله أن يأخذ من ماله ما قدر عليه من غير زيادةٍ في مقابل ما أخذ منه، إذا كان الغصبُ معروفًا، ظاهرًا بين الناس، عليه بينة، بحيث لو خاصم أو ادَّعى عليه -إذا الحق ظاهر- لا يُنسب إلى الخيانة، ولا يُنسب إلى السَّرقة، ولا يُنسب إلى التَّعدي، فهذا وأشباهه جائز، وهذا هو الصواب كما رجح ابنُ القيم وشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة.

وضابطه أن يكون سببُ الحقِّ ظاهرًا بينًا: كالعبد، والنَّفقة للزوجة والأولاد والضيف، والمغصوب الذي عليه بينة، ونحو ذلك.

وشذَّ ابنُ حزمٍ فأتى بقولٍ آخر فقال: إنه يجب عليه وجوبًا أن يأخذ من ماله، وأنه متى ترك ذلك أثم، إلا أن يُسامح أخاه عمَّا أخذه منه، وإلا فيجب عليه أن يأخذ؛ حتى يُبرئ أخاه من معرة الظلم.

وهذا القول ليس بشيءٍ عند أهل العلم.

والحديث الثالث حديث يعلى بن أمية: أن النبي ﷺ استعار منه دروعًا، فقال يعلى: يا رسول الله، أعارية مضمونة أو عارية مُؤداة؟ قال: بل عارية مُؤداة.

هذا يدل على أنَّ العارية قسمان: تُضمن ولا تُضمن، وهذا هو الصواب كما تقدم، فالمؤداة هي التي كالوديعة لا تُضمن، والمضمونة هي التي يُشترط ضمانها، لو تلفت ضمنها مطلقًا، وهذا هو الأرجح من هذه الأقوال كما تقدم: أنها تُضمن بالضمان، تُضمن بتضمين صاحبها للمُستعير، ولا تُضمن بغير ذلك؛ لكون الرسول فرَّق بينهما وقال ليعلى: أنها مُؤداة، ولم يقل: مضمونة.

وقال حديث صفوان الآتي -الرابع- مضمونة، فدلَّ ذلك على أنها تُضمن بالضمان، ولا تُضمن بغيره.

ويعلى كان مسلمًا فقال له النبيُّ هذا الكلام، وصفوان كان كافرًا ذاك الوقت، فقال له النبيُّ: مضمونة؛ تأليفًا له، وليستعين بهذا على أنه يُعطيه دروعًا؛ لأنه محتاج إليها في الغزو يوم حنين، فقال له النبيُّ: مضمونة حتى يطمئن صفوان، وحتى يُؤدي؛ لأنه يعرف أنَّ محمدًا ﷺ أمين، وهم كانوا يُسمونه: الأمين عليه الصلاة والسلام، حتى قبل أن يُوحى إليه، فلمَّا قال: أغصب يا محمد؟! يعني: أهو غصب، أو غصب هذا، المقصود أنَّ هنا في موضع خبر لمبتدأ محذوف: أهو غضب، أو الأخذ غصب، ويجوز النَّصب من حيث المعنى: أتغصبها غصبًا؟ ولكن ذكر المؤلف يقتضي الرفع: أغصب؛ لأنه ساقه مساق الرفع.

فالمقصود أنه هنا مرفوع على خبر لمبتدأ محذوف، ويجوز من حيث المعنى: أغصبًا، أتأخذها غصبًا، أتغصبها غصبًا؟ فقال النبيُّ ﷺ: بل عارية مضمونة، أخبره النبيُّ ﷺ أنها مضمونة، وأنه لا بدَّ أن يردّها إليه، فذلك على جواز ضمان العارية، وأنه لا بأس بذلك، إذا اتَّفقا على ضمانها فلا حرجَ؛ لقصة صفوان، ولحديث يعلى المتقدم، وهذا هو أحسن الأقوال الثلاثة وأرجحها، والله أعلم.

س: العارية في كل شيءٍ؟

ج: الأظهر فيها أنها عامَّة في كل شيءٍ، في كل شيءٍ يحتاجه الناس، استثنوا الحيوانَ من بني آدم خاصةً، وبعضهم أجاز حتى الحيوان، حتى بني آدم، كونه يُعيره عبده، أو يُعيره جاريته، ولا مانع من ذلك، حتى بني آدم.

س: على القول بالوجوب؟

ج: نعم.

س: إذا طلب شيئًا ثمينًا يُخشى عليه مثلًا أن ينقص؟

ج: الأصل في هذا هو الاستحباب فقط، أما الوجوب عند عدم خشية الهلاك مثلًا، هذا هو محل الوجوب: لو كان مثلًا استعار منه، مثلًا: طلب منه فأسًا أو شبهه ليكتسب بها ما يقوته، وهو مضطر إلى هذا الشيء، أو استعار سكينًا ليذبح بها حيوانًا يضطر إلى ذبحه، أو ما أشبه ذلك، يعني: الحاجات التي يضطر إليها الإنسانُ، تصورها قد يقع كثيرًا، فإذا احتاج إليه في شيءٍ لا يضرّ المعير، والمستعير في أشدّ الحاجة إليه، أو في الضَّرورة إليه، فالقول بالوجوب قول قوي، مثلما يجب عليه إطعامه عند الضَّرورة، أليس يجب عليه أن يُنقذه إذا كان مُضطرًّا أو على ..... موت وعنده طعام، عنده فضلة، يجب عليه أن يُنقذه.

س: مسألة الظفر: القول بالمنع، الشبهة لئلا يتّهم يعني؟

ج: لئلا يتّهم؛ لئلا يُنسب إلى الخيانة؛ لئلا يظنّ به الناس أنه سرق، خان الأمانة.

س: هذا القول مُطلق، سواء السبب ظاهر أو غير ظاهرٍ؟

ج: هذا هو نعم، لكن التَّفصيل أولى.

س: إنسان حطّ عندك أمانة، وحطيتها في صندوقٍ، وجاء سارق وقصَّ الصندوق؟

ج: هذا ما يُسمَّى: مفرطًا، ما عليه ضمان، إذا ما فرَّط ما عليه ضمان، أو حطّها في جيبه وجاءه من ..... الجيب على غفلةٍ وأخذها، فهو ما يُسمَّى: مُفرِّطًا.