33 من حديث (من اقتطع شبرا من الأرض ظلما..)

بَابُ الْغَصْبِ

898- عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

899- وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ خَادِمٍ لَهَا بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَكَسَرَتِ الْقَصْعَةُ، فَضَمَّهَا، وَجَعَلَ فِيهَا الطَّعَامَ، وَقَالَ: كُلُوا، وَدَفَعَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ لِلرَّسُولِ، وَحَبَسَ الْمَكْسُورَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَسَمَّى الضَّارِبَةَ: عَائِشَةَ، وَزَادَ: فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: طَعَامٌ بِطَعَامٍ، وَإِنَاءٌ بِإِنَاءٍ. وَصَحَّحَهُ.

900- وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ، وَلَهُ نَفَقَتُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَيُقَالُ: إِنَّ الْبُخَارِيَّ ضَعَّفَهُ.

901- وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ -مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ- إِنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي أَرْضٍ، غَرَسَ أَحَدُهُمَا فِيهَا نَخْلًا، وَالْأَرْضُ لِلْآخَرِ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْأَرْضِ لِصَاحِبِهَا، وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ، وَقَالَ: لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

902- وَآخِرُهُ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ.

وَاخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ، وَفِي تَعْيِين صَحَابِيِّهِ.

903- وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى: إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

............

الشيخ: هذا الباب في الغصب، والغصب مصدر غصب يغصب غصبًا، وهو العدوان على الناس بأكل أموالهم بغير حقٍّ، يقال: غصب أرضه، وغصب ماله، إذا أخذه بغير حقٍّ، مكابرةً، فإن كان عن طريق الخفاء فهو السَّرقة، وإن كان عن طريق الغشِّ فهو الخيانة، وذلك من المحرمات العظيمة، ومن كبائر الذنوب، فإنَّ الله جلَّ وعلا حرَّم على الناس دماءهم وأموالهم وأعراضهم، فليس للمسلم أن يأخذ مال أخيه إلا بحقٍّ، لا من طريق الخيانة والغش، ولا من طريق المكابرة، ولا من طريق السرقة، ولا بأي طريقٍ إلا بالطرق التي أباحها جلَّ وعلا؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في حديث سعيد هنا: مَن ظلم شبرًا من الأرض طوَّقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين متفق عليه، وجاء معناه من حديث عائشة وغيرها.

وهو حديث يدل على عظم غصب الأرضين، وأن خطره عظيم، وأن فاعله يحمل هذا الذنب وهذه الجريمة من سبع أرضين عقوبةً له، قيل: معناه أنها تكون طوقًا في عنقه. وقيل: معناه يخسف به إلى سبع أرضين. ولا منافاة، فإنه يجعل طوقًا في عنقه يُعذَّب به يوم القيامة، نسأل الله العافية، وهذا نوعٌ من البلاء غير ما يناله من عذاب الله يوم القيامة بالنار، نسأل الله العافية، إلا أن يعفو الله عنه.

والمقصود من هذا الحذر من ظلم الأرض والتَّعدي عليها، وأن ذلك مما ..... هذه العقوبة العظيمة، ويعمّه قوله ﷺ: إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضَكم عليكم حرام، هذا الحديث لو كان في صدر الباب لكان أنسب؛ لأنه عام يعمّ الغصب وغيره، ولسعيد قصة في هذا: فإن امرأةً يقال لها: أروى اتَّهمته بأرضٍ لها، فقال: أنا آخذ أرضها وقد سمعتُ النبي ﷺ يقول: مَن ظلم شبرًا من الأرض .. وذكر الحديث، ثم قال: اللهم إن كانت كاذبةً فأعمِ بصرها، واقتلها في أرضها. فعمي بصرها، وسقطت في حفرةٍ في أرضها فماتت، نسأل الله السلامة والعافية.

والحديث الثاني: حديث عائشة في قصة الطعام، فيه أن امرأةً من أزواج النبي ﷺ بعثت إليه ﷺ بطعامٍ، فرأته عائشة -ذلك الطعام- في رواية أنه من زينب .....، فأخذها ما يأخذ النساء من الغيرة؛ فضربت القصعة فانكسرت، فجمع النبي الطعام وأكل الناس، ثم حبس المكسورة وحبس الرسول، ودعا بقصعةٍ من جنسها من بيت عائشة وردَّها إلى الوديع وقال: طعام بطعامٍ، وإناء بإناءٍ.

هذا يدل على أنَّ المغصوب يُردّ إن كان موجودًا، وإن أمكن ردّ مثله، سوءًا كان: إناءً أو لباسًا أو مكيلًا أو موزونًا أو حيوانًا أو غير ذلك، حيث أمكن، فإن لم يمكن المثل فالقيمة؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: طعام بطعامٍ، وإناء بإناءٍ.

وفي هذا غيرة النساء وشدتها، النساء لهن غيرة شديدة ولو كن فاضلات، ولو كن كريمات، ولو كن عالمات، قد يقع لهن من الغيرة ما يُستغرب ويُستنكر، وهذا شأنٌ جعله الله في جبلتهن، قد لا يملكن أنفسهن عند وجوده، وهذه عائشة مع كونها من فضليات النساء، ومن أفضل النساء، ومن خير النساء، مع هذا يقع لها ما يقع من جنس هذا الأمر، فلا يُستنكر وقوعه ممن دونها بكثيرٍ وبمراتبَ.

والحديث الثالث: حديث رافع بن خديج فيمَن زرع أرضًا بغير إذنٍ، فيه الدلالة على أنَّ الزارع ليس له من الزرع شيء، وله النَّفقة، اختلف العلماءُ في ذلك، وذكره الترمذيُّ عن أحمد وإسحاق، وذكره آخرون عن جمعٍ من أهل العلم، قالوا: بل له زرعه، وعليه أجرة، ولكن الصواب ما دلَّ عليه الحديث.

وهو حديثٌ لا بأس به، حسَّنه الترمذي رحمه الله والبخاري أيضًا، فإنَّ الترمذي لما ساقه ذكر عن محمد البخاري رحمه الله تحسين هذه الرواية، وذكر شاهدًا أيضًا، ذكر البخاري شاهدًا لحديث رافع هذا من طريقٍ آخر عن رافعٍ أيضًا، يعني: مُتابعًا، فإنه رواه الترمذيُّ من طريق قتيبة، رواه الترمذي وأبو داود وغيرهما من طريق شريك بن عبدالله النَّخعي، عن أبي إسحاق السَّبيعي، عن عطاء بن أبي رباح، عن رافع بن خديج، وذكره.

وأما ما قاله المؤلفُ: ويقال: إنَّ البخاري ضعَّفه، فهذا محل نظرٍ؛ فلهذا ذكره بصيغة التَّمريض، كأنه لم يثبت لديه هذا، ويدل على عدم صحة هذا النَّقل أنَّ الترمذي رحمه الله نقل عن البخاري تحسينه، وهو لا بأس به، ولا سيما وقد روى له شاهدًا، روى له البخاري شاهدًا عليه، مُتابعًا آخر عن عطاء، عن رافع.

ثم القواعد الشَّرعية والمعروفة تدل على هذا المعنى، فإنَّ هذا الزرع نبت من أرضهم، وإن كان من مالهم فكذلك، فالماء ماؤهم، والأرض أرضهم، وإن كان من ماءٍ آخر فالأرض أرضهم، وقد نما من أرضهم، فهم أولى به، ويكون له النَّفقة التي أنفقها في تصديقه إن كان من أهل الصَّدقة ولم يدع ما يُخالف، أو بتقدير أهل الخبرة والنظر إذا ادَّعت ما يُخالف ما هو ظاهر.

وهذا في الحقيقة إن رأى أهل الأرض ذلك؛ لأنَّ المسألة لهم، هم أحق بالتخيير، هم أولى بهذا إن رأوا ذلك، وإن رأوا ألا يأخذوا الزرع ويكتفوا بالأجرة فلهم ذلك؛ لأنَّ المصلحة لهم، ولمراعاة حقّهم؛ لأنه مضمون، فإن رأوا أخذ الزرع أخذوه بنفقته، وإن رأوا تركه له وأن يُؤدي أجرة مثله ألزم بذلك على حسب القواعد الشرعية.

ويؤيد هذا المعنى حديث عروة الذي بعده: ليس لعرق ظالم حقّه، هو يُؤيد هذا المعنى، وأنهم أولى بالزرع وله النفقة، إلا إذا اختاروا الأجرةَ فلهم ذلك.

وحديث أبي بكرة الذي بعد يدل على ما تقدم من تحريم الدماء والأموال والأعراض، ومن جملة ذلك الزرع، فليس لأحدٍ أن يضع في أرضٍ، ولا أن يزرع في أرض قومٍ إلا بإذنهم، لا بدَّ من إذنٍ: إما تبرع، أو بالإيجار، أما أن يزرع أو يغرس بغير إذنهم فهذا من باب الظلم، ومن باب الغصب، ولا يجوز.

س: قوله: إناء بإناءٍ، وطعام بطعامٍ الإناء أُبدل بإناءٍ، لكن كيف الطَّعام؟

ج: كأن الواجب لبيان قاعدة أنه إذا أُتلف طعامٌ يجب نظيره، هذا ما فيه الحديث أنه ألزم عائشة بطعامٍ؛ لأنَّ الطعام أُكل في رواية أبي داود، فأضم القصعةَ وأكلوا ......

س: النَّفقة التي للغاصب، يعني مثلًا يُعطى نفقةَ البذر والماء؟

ج: كل ما لحق الزرع هذا، كل ما أُنفق في الزرع هذا.

س: .............؟

ج: الأصل أنَّ مَن أحيا أرضًا ميتًا فهي له، لكن إذا رأى ولي الأمر حجز الناس؛ لئلا يظلم بعضُهم بعضًا، ورأى ألا يُحيون إلا بإذنٍ فلا بأس، له النظر، ولي الأمر له النظر .....

س: الاختلاف في حديث عروة في الوصل والإرسال؟

ج: ما تتبعتُه، لكن مهما كان فالواصل مقدم على المرسل، قاعدة؛ لأنَّ الحديث ثابت، وفيه الثقات، فمَن وصل لا يُعارض مَن أرسل، الصواب أنَّ الواصل مُقدَّم.

...........

س: في حديث عروة أمر صاحب النَّخل أن يقلع نخله، وفي الحديث الأول يقول: ليس له من الزرع شيء، وله نفقته؟

ج: الزرع أسهل؛ لأنه مُؤقت الزرع، بخلاف النَّخل، النخل ..... سنوات طويلة، أما الزرع فمدته يسيرة، فإذا بقي لمصلحةٍ ظاهرةٍ فهو للزارع أو لأهل الأرض حسبما يرون، أما النخل لا، ..... له مدة طويلة؛ ولهذا أمر بقلعه.

............

 

بَابُ الشُّفْعَةِ

904- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شِرْكٍ: أَرْضٍ، أَوْ رَبْعٍ، أَوْ حَائِطٍ، لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يَعْرِضَ عَلَى شَرِيكِهِ.

وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ: قَضَى النَّبِيُّ ﷺ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

905- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَلَهُ عِلَّةٌ.

906- وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِيهِ قِصَّةٌ.

907- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ، يُنْتَظَرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

908- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَزَّارُ، وَزَادَ: وَلَا شُفْعَةَ لِغَائِبٍ. وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.

الشيخ: هذا الباب في الشُّفعة، ذكر فيه المؤلفُ خمسة أحاديث.

والشُّفعة هي: ضمّ الشريك، بل طلب الشريك ضمّ شقص شريكه إلى شقصِه، فيكون شفعه بغيره، والشافع الذي ضمَّ نفسه إلى الفرد الوتر فصار شافعًا.

والشَّفاعة: كون الشخص يضمّ صوته إلى صوت أخيه في طلب الشيء، فالشفيع أراد بشفعته أن يضمّ نصيبَ الشريك إلى نصيبه في العقار ونحوه، وهي جائزة، جاءت السنةُ بها؛ لما فيها من المصلحة وإزالة الضَّرر.

فإذا كان شخصان أو أكثر مُشتركين في أرضٍ، أو في بيتٍ، أو في غيرهما، وأراد أحدُهما أن يبيع، فينبغي له أن يعرض على شريكه؛ لأنه أولى به من الأجنبي، حتى يزول عنه الضَّرر، الشَّراكة فيها ضرر في الغالب، فإذا أراد الشَّريك أن يبيع النبيُّ ﷺ قال: لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه، كما في الحديث، والشريك بالخيار: إن شاء نزعه بالثمن، وإن شاء ترك، فهو أحقّ به كما قال النبيُّ ﷺ.

وهذا من محاسن الإسلام، ومن مجيء الإسلام بدفع الضَّرر، فإنَّ الشريعة كاملة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وجاءت بدفع الضرر عن المعطوب بالطرق الشرعية التي أقرَّها الإسلام في المعاملات، وفي الجوار، وفي غير ذلك من شؤون الحياة، كما جاءت الشريعةُ بالدَّعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال في كل شيءٍ، والترهيب من مساوئ الأخلاق وسيئ الأعمال.

فهذا من هذا الباب؛ من باب دفع الضَّرر، وإيصال الخير إلى الشريك؛ ولهذا في حديث جابرٍ قال: قضى رسول الله بالشفعة في كلِّ ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدودُ وصرفت الطرقُ فلا شفعةَ. متَّفق عليه.

هذا الحديث الصحيح دلَّ على ثبوت الشفعة في كلِّ ما كان مشتركًا، وظاهره ولو كان منقولًا، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فيما يقسم كالأراضي فلا شفعةَ، إذا قُسمت الأراضي بين الناس وحُدَّت الحدود وصُرفت الطرق واستقلَّ كل واحدٍ بحقِّه فلا شفعةَ، ..... الجوار إذا اجتمعوا في شركةٍ لا شفعةَ فيه بهذا النص، وإنما الجوار يشفع به إذا كان هناك شركة، بقية شركة كالطريق ونحوه، أما إذا صُرفت الطرق ووقعت الحدود واستقلَّ كل شريكٍ بحقِّه فلا شفعةَ بعد ذلك؛ لأنهم استقروا حينئذٍ وانفرد كل واحدٍ.

وفي رواية مسلم: لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه. قال: الشفعة في كل ربعٍ أو حائطٍ، فليس له أن يبيع حتى يعرض على شريكه، فإن باع ولم يعرض عليه فهو أحقّ به. وفي روايةٍ أخرى: فهو أحق ......

فالمشروع للشريك أن يعرض، بل الواجب عليه أن يعرض ويُخبر ولا يُخفي عليه، بل يقول: يا أخي، أنا أريد بيع هذا الشّقص، وقد سيم مني بكذا وكذا، هل لك رغبة وإلا بعته على غيرك؟ وإن باع ولم يُؤذنه فهو أحقّ به -الشريك يعني- بالثمن الذي وقع به البيعُ، وليس له أن يجحد عليه، وليس له أن يُخفي، وليس له أن يقول: إنها هبة، وهو يكذب، وليس له أن يقول: بثمنٍ كثيرٍ؛ حتى يمنعه من الشراء ..... يقول أنه باعه بعشرة آلاف، وهو ما باعه إلا بخمسة؛ حتى لا يشفع، كل هذا لا يجوز، كل هذه حيل باطلة، ليس له أن يفعل ذلك مع أخيه المسلم، بل عليه أن يُخبر بالحقيقة، ثم الشريك بالخيار: إن شاء أخذ، وإن شاء ترك.

في رواية الطحاوي: الشفعة في كل شيءٍ، وروى معناها الترمذيُّ عن ابن عباسٍ: الشريك شفيع، والشُّفعة في كل شيءٍ، وهذا هو الصواب: الشُّفعة في كل شيءٍ حتى المنقولات.

اختلف العلماءُ في ذلك، والصواب أنَّ الشفعة كما تقع في المنقسمات: كالأراضي والدور، تقع أيضًا فيما لا ينقسم: كالبيت الصغير، والدكان الصغير الذي لا ينقسم، والبعير، والسيارة، هذا هو الصواب؛ لعموم الأدلة؛ ولأنَّ الضرر قد يكون في المنقول أشدّ، قد يكون صاحبُ المنقول ما يرى البيعَ، وحاجته ماسَّة إلى هذا المنقول، وقد يعضد ما جاء في عتق العبد المشترك في مُراعاة حقّ الشريك، فالمقصود أنَّ المنقول فيه ضرر، فإذا كانت ناقة بين زيد وعمرو، أو سيارة بين زيد وعمرو، باع نصفها، فصاحبه أولى بهذا النصف، وأولى بهذا الشقص بالثمن أو بربعها أو بخمسها حقّه حسب حاله.

أما الجار فقد احتجَّ مَن قال بشفعة الجار بالحديث الثاني: جار الدار أحقّ بالدار رواه النَّسائي، وصححه ابن حبان، وله علة، الحديث معلول، ولو صحَّ فهو محمول على الجار الذي له شركة، وإلا فحديث "صُرفت الطرق" يمنع ذلك.

والقاعدة: أنَّ الحديث ولو صحَّ سنده إذا خالف الأحاديث الصَّحيحة التي هي أقوى منه فهو شاذٌّ لا يُعول عليه، من شرط الصحيح: أن يكون سليمًا من الشُّذوذ، ويُفسر هذا المعنى رواية أبي رافع، ورواية جابر الأخرى: الجار أحقّ بشفعة جاره، ينتظر بها وإن كان غائبًا إذا كان طريقُها واحدًا.

فهذا لو صحَّ -حديث أنسٍ- فهو محمولٌ على هذا المعنى، يعني: إذا كان الجار له شركة، أما جار لا شركةَ له، قد استقلَّ بطريقه ومرافقه فلا شفعةَ له بنصِّ حديث جابر السابق، والحديث الآخر عن رافع، الحديثان متَّفقان، وهذا هو الصواب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة.

أما الجار المجرد فالجمهور [على] أنه لا شفعةَ له، خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله، ويدل على المعنى حديث أبي رافعٍ: الجار أحقّ بسقبه، فإنه كان لسعد بن أبي وقاص شريكان في حديث أبي رافع لسعد ..... في بيت سعدٍ، فطلب من المسور بن مخرمة أن يُشير على سعدٍ أن يشتريهما، وقال: لولا أنَّ النبي ﷺ يقول كذا لبعتُهما على غيرك. فاشتراهما سعد.

المقصود قوله: أولى بسقبه يعني: بقُربه .....، فإنَّ البيتين -الحجرتين- في بيت سعد، فصار هو أحقّ بذلك من الأجنبي، اشتركا معه في الطريق الذي يُوصل إلى البيت، كما في حديث جابر الأخير؛ فلهذا رأى أبو رافع أن سعدًا أولى فباعها عليه؛ لأنه في شراكته.

أما ما يتعلق بالغائب فله الشُّفعة إذا حضر، إذا لم يعلم فله الشفعة، وهكذا الصغير إذا لم يشفع له وليه، ولم ينظر له وليه، أو لا وليَّ له؛ فله الشفعة على الصحيح إذا بلغ، وعليه قيمة ما أحدثه المشتري؛ لحديث: لا ضرر ولا ضرار، فإذا رغب في الشفعة فيشفع ويشتري ما يقوم عليه ما أحدثه المشتري من غراسٍ وبناءٍ ونحو ذلك.

وأما متى يشفع؟ وهل يُمهل أو ما يُمهل؟

فالصواب أنها على الفور، لكن لا للأحاديث الضَّعيفة المذكورة: الشفعة كحلّ العقال، هذا حديث ضعيف عند أهل العلم، كل ما في هذا الباب كلها أحاديث ضعيفة، غير ثابتةٍ عند أهل العلم، ولكن إنما ثبت في هذا المعنى فهي لإزالة الضَّرر، والمشتري عليه ضرر إذا أخَّر عليه الشَّفيع، فلا يُزال ضرر بضررٍ، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: لا ضررَ ولا ضرار، فحينئذٍ يقال للشفيع: إما أن تُبادر، وإما أن تسقط شفعتك، فإذا شفع يقال له: بادر، سلم المال وخذ الشقص، وإلا فلا. ويُمهله الحاكمُ الإداري أو الحاكم الشرعي -إذا كان هناك حاكم شرعي- فيُمهله المدة المناسبة التي يراها: ثلاثة أيام، أو يومين، أو حسب ما يرى.

والثلاثة له وجه شرعي، قد قدَّر بها النبيُّ ﷺ أحكامًا كثيرةً، فإن أحضر المال، وإلا فلا شفعةَ له؛ جمعًا بين الأدلة؛ ودفعًا للضَّرر عن المشتري؛ وتمكينًا للشَّفيع من تحضير الضمان؛ لأنه قد لا يستطيع إحضاره في اليوم الحاضر أو في اليومين، فإذا أمهله ثلاثًا أو نحوها على حسب اجتهاد القاضي أو مَن يقوم مقام القاضي فلا بأس، المقصود أنه ..... الضرر، هذا هو الصواب، لا بدَّ من مراعاة عدم ضرر المشتري.

س: ما السّغب؟

ج: هذا قول مجمل فسَّرته الأحاديث التي قبله وبعده: حديث جابر في "الصحيحين"، والحديث الأخير فسر بالقرب؛ لأنه القرب الذي فيه اشتراك؛ لأنَّ المجمل على قاعدة القرآن والسنة يُفسره المبين.

س: .............؟

ج: وليس بينهما شركة فلا شفعةَ.

س: ..............؟

ج: نعم، ما في شفعة.

س: ...............؟

ج: إذا كان بينهما طريق مُشترك فلهما الشّفعة فيما بينهم.

س: ...............؟

ج: نعم، الصحيح لهما شفعة إذا كان بينهما طريق واحد مشترك: بين الخمسة، وبين الأربعة، وبين الثلاث.

س: ..............؟

ج: ما راجعتُه، ما راجعتُه، لكن لو صحَّ -لو فرضنا أنه صحَّ- فعلة الشُّذوذ باقية موجودة.

س: ...............؟

ج: الصحيح أنها تسقط الشُّفعة، فإن باع ولم يُؤذنه فهو أحقّ به، معناه: أنه إذا آذنه فلا حقَّ له، هذا الصواب، أما قول بعض الفقهاء: أنه ما حقّ له إلا بعد البيع. هذا ليس بجيدٍ؛ لأنَّ النبي قال: إذا باع ولم يُؤذنه فهو أحقّ به، فمفهومه أنه إذا كان آذنه فليس له حقٌّ.

س: ............؟

ج: ..... التي فيها يومين، ثلاثة، أما مجرد السعر ما يمنع، مجرد غلاء السعر وتغير السعر ظاهره ما يمنع، أما إذا كان الضَّرر في أبنيةٍ أو شبه ذلك: كشقّ نهر، أو حفر بئر، هذا يُقدر له، كل شيءٍ يُقدر له ..... ذاك الوقت وقت الشُّفعة يعني.

س: ..............؟

ج: ما ضاع عليه، استغله واستفاد منه، إنما السعر تغير، وأمواله التي بنى يأخذها، كل شيءٍ يأخذه، كل ما حدث يقدر، هذا على القول بهذا، وهو ظاهر حديث جابر الأخير.

س: .............؟

ج: فيه خلاف، والصواب أنَّ له شفعةً إذا كان وليُّه ما شفع له ولا نظر له، أما إن كان وليُّه نظر له ورأى عدم الشُّفعة له فلا شفعةَ له، وليُّه يقوم مقامه.

س: ............؟

ج: أهل العلم وضَّحوا هذا، الذي يُريده يُطالع كلام أهل العلم.

بَابُ الْقِرَاضِ

909- عَنْ صُهَيْبٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ثَلَاثٌ فِيهِنَّ الْبَرَكَةُ: الْبَيْعُ إِلَى أَجَلٍ، وَالْمُقَارَضَةُ، وَخَلْطُ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ لِلْبَيْتِ، لَا لِلْبَيْعِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.

910- وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ : أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِطُ عَلَى الرَّجُلِ إِذَا أَعْطَاهُ مَالًا مُقَارَضَةً: أَنْ لَا تَجْعَلَ مَالِي فِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ، وَلَا تَحْمِلَهُ فِي بَحْرٍ، وَلَا تَنْزِلَ بِهِ فِي بَطْنِ مَسِيلٍ، فَإِنْ فَعَلْتَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ ضَمِنْتَ مَالِي. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

911- وَقَالَ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأ": عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّهُ عَمِلَ فِي مَالٍ لِعُثْمَانَ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ مَوْقُوفٌ صَحِيحٌ.

الشيخ: هذا الباب في القراض، والقراض هو المضاربة، يقال: قارض قراضًا، وضارب ضرابًا ومضاربةً، يعني: دفع ثمنه إلى مَن يعمل فيه بجزءٍ مشاعٍ من الربح معلوم.

هذه المقارضة، وهي غير القرض، القرض معنى السلف، وهي أن يدفع ماله لغيره على سبيل الإرفاق والإحسان ليستمتع به ثم يرده، هذا القرض، وهذا سنة وقُربة وطاعة، أما المقارضة فهي ..... لينتفعا جميعًا، يتقارضا ينتفعا جميعًا، هذا ينتفع بالربح، وهذا ينتفع بالعمل من الذي قبض المال، ينتفع بعمله ونصيبه من الربح، والعامل ينتفع بقسطه من الربح بهذا العمل، فيتعاونا ويتساعدا على تحصيل ما يُعينهما على حاجتهما.

وهي جائزة بالإجماع، ليس فيها خلاف بين أهل العلم، ويقال لها: المضاربة، المشهور عند الفقهاء: المضاربة، وهي من الحلال الطيب، الكسب الطيب، وكل البيع والتِّجارة من الكسب الطيب، أنواع البيع والشراء كله من الكسب الطيب.

وفي هذا الحديث الذي تقدم لكم في أول البيع: أن النبي سُئل: أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيعٍ مبرورٍ رواه البزار وغيره بإسنادٍ جيدٍ، وتقدم حديث المقداد، وقول النبي ﷺ: ما أكل أحدٌ طعامًا أفضل من أن يأكل من عمل يده، وكان نبي الله داود يأكل من عمل يده رواه البخاري.

والبيع من عمل اليد، والزرع من عمل اليد، والنجارة والحدادة كلها من عمل اليد، فأعمال اليد من أحل الحلال، وأفضل الحلال، والمقارضة من ذلك، فإن صاحب المال استناب المضاربَ العامل ليعمل، فكانا عاملين جميعًا: هذا بماله واستنابت العامل، وهذا بعمل يده وبيعه وشرائه.

ومن شرطها: أن يكون الجزء المشاع معلومًا لهذا أو هذا، فيقول له مثلًا: لك الربع، والباقي لي. لك السدس، والباقي لي. سواء كان للعامل أو للمالك، إذا قال: لك الربع أيها العامل، والباقي للمالك. أو العكس: لك الربع أيها المالك، والباقي للعامل. كله جائز.

أما بدراهم معلومة فلا تجوز عند جميع أهل العلم، لو قال: هذا المال تُضارب به وتعمل على أن تُعطيني كل شهرٍ درهم، أو كل سنةٍ عشرة. لم تجز عند الجميع؛ لأنه قد لا يربح إلا هذا، وقد لا يربح شيئًا فيتضرر، ولكن إذا كان بجزءٍ مشاعٍ معلوم فلا بأس.

والشَّركة أنواع، هذا منها، يعني: المضاربة، وهو القراض.

والحديث الأول: حديث صهيب، وهو ابن سنان الرومي المعروف، الصحابي الجليل ، عن النبي ﷺ أنه قال: ثلاثٌ فيهن البركة: البيع إلى أجلٍ، والمقارضة، وخلط البرِّ بالشعير ليس للبيع.

أخرجه ابن ماجه بإسنادٍ ضعيفٍ، الحديث ضعيف لما في سنده من الجهالة، ولكن المعنى صحيح من جهة المعنى.

الأول والثاني: إذا كان البيعُ إلى أجلٍ من جهة المقارضة، فهي معاملة مباركة، وهي عمل المهاجرين ، وهي عمل المسلمين من عهد النبي ﷺ، فهو عمل جيد مبارك، مع الصدق، ومع البيان، كما في الحديث الصحيح: البيعان بالخيار ما لم يتفرَّقا، فإن صدقا وبيَّنا بُورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا مُحقت بركةُ بيعهما، وتقدم حديث: أنا ثالث الشَّريكين ما لم يخن أحدُهما صاحبَه، فإذا خان خرجت من بينهما.

فالشركة مع الصدق والبيان والأمانة مباركة، والبيع مبارك مع الصدق والبيان، وكان المهاجرون مهنتهم التِّجارة، وكان الأنصارُ مهنتهم الزراعة، وكلتاهما عمل طيب، كلا العملين عمل طيب، وكلتا الصنعتين طيبة.

الحاصل أنَّ هذين العملين -التجارة والزراعة- وهكذا سائر أكساب اليد من: نجارةٍ وحدادةٍ وخرازةٍ وكتابةٍ وغير ذلك كله طيب.

أما خلط البرِّ بالشعير ليس للبيع فهذا لا أعلم له أصلًا إلا هذا الحديث الضَّعيف، ولا أعلم ما يدل على شرعية ذلك، فإذا جعل البرّ على حدة، والشعير على حدة، فالأظهر أنه أولى؛ حتى يؤكل من هذا على حدة، ومن هذا على حدة، وإذا خلط فلا بأس، كله من باب المباح، ليس فيه شيء يقتضي تفضيل هذا على هذا، لكن جعل هذا على حدة حتى يُعطى منه، يُطعم منه مَن يستحق ذلك، والشعير على حدةٍ ليُؤخذ منه الحاجة المطلوبة، وإذا خُلطا للحاجة ولمصلحةٍ أخرى فلا بأس، الأمر في هذا واضح، وليس فيه مشاحة، كله مباح.

كذلك أنواع الطعام إذا خلط بعضها ببعضٍ كله لا بأس به؛ لأنَّ المرجع واحد، وإنما هذا يختلف بحسب رغبات الناس وعوائدهم، فالذرة والدخن والشعير والحنطة والأرز وسائر أنواع الحبوب الله جلَّ وعلا مَنَّ بها على عباده؛ رحمةً بهم، وإحسانًا إليهم، فلهم التَّصرف فيها كما يشاءون، وعلى حسب عوائدهم، ليس في هذا مشاحة.

وحديث حكيم بن حزام وحديث العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب كلاهما يدلان على أنَّ المقارضة معاملة معروفة بين الصحابة وجائزة، وكان يستعملها عثمان، كذلك حكيم بن حزام، وهو من التُّجار المعروفين في مكة، فلا بأس بها، وهي عمل المسلمين، لكن بالشرط المتقدم؛ وهو أن تكون على شيءٍ معلومٍ، وأن تكون الشروطُ واضحةً، ليس فيها جهالة، وإذا اشترطا جعلا بينهما شروطًا معلومةً فلا بأس: كأن يشرط عليه المالكُ ألا يُسافر به إلى كذا ولا كذا، مواضع خطرة: لا تُسافر به إلى بلد كذا، أو إلى ناحية كذا، أو مثلما قال حكيم: ألا تنزل به في بطن مسيل، ولا تحمله في بحرٍ، وما أشبه ذلك من الشروط التي يشرطها ويُمليها المالك، إذا كانت لا محذورَ فيها يجب على العامل أن يلتزم بها.

وهكذا ما يتعلق بالجزء المشاع بينهما، أو بالسلعة التي يتَّجر فيها يلتزم، فلو قال له: ليس لك أن تتجر بالحيوان، وإنما التجارة في غير الحيوان، يلتزم، أو قال: ليس لك التجارة في كذا وكذا من الملابس، أو من الأواني، فيلتزم؛ لأنَّ هذا شيء لمصلحة الجميع، والمالك ينظر في مصلحة ماله، وما هو بعيد الخطر، فإذا شرط شيئًا يتعلق بحفظ المال، أو بنوع المال، أو بجنس البلاد، أو جنس الجهات التي يُسافر إليها؛ اعتبر ذلك، والله أعلم.

س: ............؟

ج: يلتزم به، إذا شرط عليه شيئًا يلتزم به، إلا إذا كان مُحرَّمًا لا يلتزم، إذا قال: تبيع الخمر، أو تبيع كذا لا يجوز، أما إذا كان شيئًا مباحًا عليه أن يلتزم بما قال صاحبُ المال ولا يُخالفه؛ لأنه مُؤتمن وعامل بالوكالة، فليس له أن يُخالفه.

س: .............؟

ج: إذا قال: لا تشترِ السلعة الفلانية، لا يشتريها.

س: .............؟

ج: ما أتذكر شيئًا.

س: ...............؟

ج: لا، غلط هذا، الله جلَّ وعلا قال: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، فهذا من العقود يدخل ..... المقارضة والمضاربة عقد داخل في قوله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، والأصل فيها الجواز، الأصل في العقود كلها الجواز، هذا هو الأصل، إلا ما دلَّت الشريعةُ على تحريمه.

س: ..............؟

ج: ما في المداينات حدّ محدود، جزاك الله خيرًا، ما فيها حدّ محدود، الله ما حدَّ فيها حدًّا محدودًا، أباح المداينة، وأباح البيع، ولا فيه حدّ، يختلف الناسُ في الملاءة وعدم الملاءة، والثقة وعدم الثقة، تختلف الآجال، تختلف السلع، وتختلف الأحوال، فقد يكون الأجلُ قليلًا، وقد يكون كثيرًا، قد يكون الربحُ قليلًا، وقد يكون كثيرًا، ما في حدّ محدود، قد يُباع ما يُساوي مئة بألف عند تغير الأحوال، قد يباع بمليون، قد يباع بأكثر وبأقلّ، ما في حدٍّ محدود، إلا أنه ليس للإنسان أن يغشَّ أخاه، وليس له أن يخدع أخاه، مثل: سلعة تُباع في الأسواق بعشرة ريال، وتخدع واحدًا تقول: لا، هذه بمئة، تبيعها بمئة، ولا تُبين له السعر عند الناس، هذا ظلم منك، لا تخدعه، أما السلع [التي] ليس لها حدٌّ محدود: يريد أن يشتري سيارةً تقول: ما أنا بائعها إلا بكذا، أنا سيارتي لي، ما أنا بائعها إلا بكذا، شريتها بعشرة آلاف، ما أنا بائعها إلا .....، تغيرت أحوالها، تغير موديلها، تغيرت الأحوال، صارت لك رغبة في أرضٍ شريتها بمئة ألف، وتغيرت الأحوال والأراضي زادت، تقول: ما أنا بائعها ولا بمئة ألف. تغيرت الأحوال، أو كسدت، ما عادت تساوي مئة ألف، ولا تُساوي خمسين ألفًا، تغيرت الأحوال، الأمور هذه لها أسباب، تغير الأثمان تارةً بالكساد، وتارةً بالغلاء، وتارة بقلة العين المباعة هذه وندرتها بعدما كانت كثيرةً، تارة بكثرة الجلب ترخص، لها أحوال كثيرة، المقصود ما لها حدّ محدود، لكن ليس للمؤمن أن يخدع أخاه، فالشيء المحدود والمعروف ليس له أن يخدع فيه.

بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْإِجَارَةِ

912- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ زَرْعٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: فَسَأَلُوا أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا عَلَى أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا، فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ.

..........

وَلِمُسْلِمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَفَعَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وَأَرْضَهَا عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلَهُ شَطْرُ ثَمَرِهَا.

913- وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ وَأَشْيَاءَ مِنَ الزَّرْعِ، فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَهْلِكُ هَذَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إِلَّا هَذَا، فَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ، فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِيهِ بَيَانٌ لِمَا أُجْمِلَ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ إِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ.

914- وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنِ الْمُزَارَعَةِ، وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا.

الشيخ: هذا الباب في المساقاة والإجارة.

المساقاة مصدر ساق يُساقي مساقاةً، وهو شيء يقع بين الاثنين فأكثر، مثل: آجر، وعامل، وجادل، وقاتل، ونحو ذلك غالبًا، وهو دفع الأرض والشَّجر إلى مَن يقوم عليهما بجزءٍ من الثمر، وتارةً يكون دفع أرضٍ ليغرس فيها شجرًا بجزءٍ من الثمر، أو بجزءٍ من الشجر والثَّمر جميعًا، ويقال لها: المغارسة أيضًا إذا كان فيها شجر.

والمشهور فيها أنها عقد جائز، وذهب الجمهورُ إلى أنها عقد لازم كالإجارة، وهي من العقود الشرعية المباحة التي جاء بها الإسلام؛ لما فيها من المصالح للطرفين، هذا هو الصواب فيها، والحاجة ماسة إلى هذه المعاملة؛ إذ ليس كل أحدٍ عنده أرض يستطيع أن يغرسها، وليس كل أحدٍ عنده شجر يستطيع أن يقوم عليه، فجاءت الشريعة بجواز المساقاة والمغارسة والمناصبة التي هي مغارسة؛ لينتفع هذا وهذا، ينتفع القوي بالعمل على الأرض التي يُراد غرسها، أو الشجر الذي يُراد سقيه؛ ولينتفع صاحبُ الأرض والشجر بوجود مَن يكفيه العمل ويشركه بالثَّمر.

والصواب أنها عقد جائز عند الإطلاق، أما عند التَّحديد وضبط المدة فالمسلمون على شروطهم، تكون لازمةً، إذا اتفقا على مدةٍ معلومةٍ صارت لازمةً كالإجارة وسائر العقود؛ لأنَّ الله قال: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، أما إذا كانت مطلقة مثلما قال: نُقركم بها ما شئنا، أو ما أقركم الله، فهي جائزة؛ لأنهم لم يُحددوا المدة، وهذا هو الجمع بين النصوص والقواعد الشرعية.

والرسول ﷺ أقرَّهم -أقرَّ اليهود- بخيبر بغير تحديد مدةٍ، فما أقركم الله ما شئنا، فدلَّ ذلك على أنها بمثل هذا المقام عقد جائز؛ لعدم تحديد المدة، فيستمر المعاقد والمعاقد على ما اتفقا عليه، ومتى أراد أحدُهما الفسخ فله ذلك على وجهٍ لا يضرّ بالآخر؛ لقول النبي ﷺ: لا ضرر ولا ضرار.

والنبي ﷺ في خيبر ساقى اليهود على شجرها وزارعهم على أرضها بالنصف لمصلحة المسلمين؛ لأنَّ المسلمين مشغولون بالجهاد، وليس عندهم الفراغ حتى يقوموا على أرض خيبر وشجرها، واليهود فارغون لهذا، وهم أعلم الناس بهذا؛ فلهذا اقتضت المصلحةُ الشرعية من المسلمين بقاءهم ذلك الوقت وإن كانوا أعداء، ولكن للحاجة، وكان اتفق معهم ﷺ على النصف من الثمر والزرع، وكان يبعث عليهم من يخرص ثمارهم، ويأخذ منها النصف، وليس فيه فيما أعلم شيء من الروايات ذكر الزرع، ولكنه تابع، عدم ذكره يدل على أنه تابع، وأنه يخرص مع الشجر؛ لعدم تخصيصه بشيءٍ.

وفي قوله: "يعتملوها من أموالهم" دلالة على أنهم يبذلون كل شيءٍ يتعلق بالأرض والشجر من أموالهم: البذر، والسواني، والأدوات، كلها من أموال العامل، وهو المساقي، وهو الغارس أيضًا، كله من أموالهم، وإنما صاحب المال، صاحب الشجر، صاحب الأرض يأخذ نصفَ الثمر فقط، أو ربعها على ما اتَّفقا عليه، يجوز بربعه، بثلثه، بخمسه، بنصفه، بأقلّ، بأكثر، بشرط أن يكون معلومًا.

وكان عمر إذا دفع البذر إليهم جعل شرطًا، وإذا كان المالُ من عندهم جعل شرطًا، وهذا يدل على الجواز، وأنه لا بأس أن يكون البذرُ من العامل، ولا بأس أن يكون من صاحب الأرض، على حسب اتِّفاقهم.

هكذا الغرس على الأرض: إذا غارسهم على الأرض جاز أن يُعطيهم الغراس ويقوموا على العمل، وجاز أن يبذلوا الغراس منهم والعمل جميعًا؛ لأنَّ الأصل في العقود الإباحة والتَّوسعة، إلا ما حظره الشرعُ، هذا هو الأصل في العقود: من إجارة، ومن مساقاة، ومن مغارسة، ومن سائر أنواع البيوع والعقود الأخرى، كلها الأصل فيها الجواز والإباحة على ما اتَّفقوا عليه؛ لأنَّ الله قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وقال: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، وهكذا الإيجارات، وهكذا أنواع العقود: كأنواع الشركات، الأصل فيها كلها الجواز، إلا ما حظره الشرعُ؛ لما فيه من الربا، أو الغرر، أو غير هذا مما يقتضي الشرع منه.

وقد استمرت الحال على ذلك في عهد النبي ﷺ وعهد الصديق وسنوات من عهد عمر، ثم أجلاهم عمر رضي الله عنه وأرضاه بسبب أحداثٍ أحدثوها؛ وتنفيذًا لأمر النبي ﷺ بإخراجهم من الجزيرة، فقد ثبت عنه ﷺ أنه أمر بإخراجهم، قال: لئن عشتُ لأخرجنَّ اليهود من هذه الجزيرة حتى لا أدع إلا مسلمًا، وأوصى عند موته بإخراج المشركين من الجزيرة، فنفذ هذا عمر رضي الله عنه وأرضاه في وقته؛ لأنه تفرغ لهذا الشيء، وطالت ولايته، بخلاف الصديق ؛ فإن ولايته كانت قصيرةً، وكان مشغولًا بأهل الردة، حتى أزال الله على يديه الشرَّ الكثير رضي الله عنه وأرضاه.

وفي حديث حنظلة بن قيس، عن رافع بن خديج الدلالة على المزارعات الجائزة، والمزارعات الممنوعة، وحديث رافع هذا مفصل، وقد جاء لرافع روايات كثيرة فيها اختلافٌ واشتباه، لا يفهمها كل أحدٍ، ولكن بضمِّ بعضها إلى بعضٍ كما قال المؤلفُ يكون المفصلُ يُبين المجمل، والخاصّ يُبين العام، وبحمل هذا على هذا تتضح الروايات.

وقد أشكلت روايات رافع على كثيرٍ من الناس، وظنوا أنَّ المزارعة ممنوعة، ولم يفهموا ما جاء في الروايات المفصلة، وقد فصلت هذه الرواية أنَّ ما كان بشيءٍ معلومٍ مضمونٍ فلا بأس به، إذا كان بالورق فلا بأس، وإنما الذي نهى عنه النبيُّ ﷺ ما كان بالجهالة والاشتباه وعدم الضَّبط: كأن يُزارعه على الماذيانات؛ وهي ما ينبت على السَّواقي، أو على أقبال الجداول، ما ينبت في مقدمتها عند وفرة المياه، أو يُزارعه على ما أنبتت هذه فلي، وما أنبتت الأخرى فلك، أو العكس على أراضٍ يُعينها، هذه كلها فيها جهالة، قد تنبت هذه، وقد لا تنبت هذه، وقد يموت هذا، ولا يموت هذا، وقد يسلم هذا، ويهلك هذا، كما بينت الرواية.

وأما الأشياء المبينة المعلومة، أو بجزءٍ مشاعٍ كما جرى للنبي مع أهل خيبر، فهذا لا جهالةَ فيه، ولا إشكالَ فيه، وهو صحيح.

وهكذا رواية أنه ﷺ نهى عن المزارعة، وأمر بالمؤاجرة، فالمراد المزارعة التي فيها جهالة، فيها غرر، أما المزارعة التي ليس فيها جهالة -كما فعل النبيُّ مع أهل خيبر- فهذه مُزارعة شرعية بالنصف، بالربع، بالثلث، هذه لا بأس بها، وليست فيها جهالة، وهي في المعنى مُؤاجرة؛ لأنَّ الإجارة تكون بالمعين: كدراهم معلومة، وآصع معلومة، وقد تكون بالمشاع المعلوم: كالربع، والنصف، هي مُؤاجرة.

فالرسول أمر بالمؤاجرة، ونهى عن المزارعة التي فيها غرر، فيها جهالة، وفيها الدخول على غير بصيرةٍ، كما هي قاعدة الشرع: أنَّ ما كان يتعلق بالغرر وعدم الضبط في حقِّ هذا من هذا أنه ممنوع، أما ما كان معلومًا واضحًا، أو شيئًا مضمونًا في الذمة: كدراهم معلومة، أو آصع معلومة، فليس بجهالةٍ، وليس فيه شيء، وهذا هو الجمع بين الروايات في هذا الباب، وهي كثيرة.

وقد أشكلت على بعض الناس، وخاض فيها بعض الناس خوضًا غير صحيحٍ، والصواب هو ما أشار إليه المؤلفُ هنا، وما ذكره الأئمةُ: كابن القيم رحمه الله وغيره ممن عُني بهذا الشأن.

والإجارة -كما تأتي أحاديثها- هي دفع عينٍ معينةٍ: من بيتٍ أو أرضٍ أو دكانٍ أو دابةٍ أو غير ذلك إلى آخر ينتفع بها مدةً معلومةً بأجرٍ معلومٍ، ثم يُعيدها إلى صاحبها، هذه يُقال لها: إجارة، ويقال: تأجير، فهذه أيضًا من العقود الجائزة شرعًا؛ لما فيها من المنافع الكثيرة للناس؛ ولحاجة الناس إليها.

وقد استأجر شعيبٌ موسى ثمان سنين لرعي الغنم، وجعلها عشرًا تبرُّعًا منه: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطلاق:6]، فالمقصود أنَّ الإجارة فيها منافع ومصالح؛ ولهذا جاءت بها الشريعة الإسلامية، وبيَّن الرسولُ ﷺ أحكامها، ويأتي في هذا ما يدل على ذلك إن شاء الله.

س: ............؟

ج: هذا هو الجمهور على أنها لازمة، ولكن الصواب فيها التفصيل، ذهب أحمد رحمه الله إلى أنها عقد جائز، والصواب فيها التفصيل: إن كانت المدةُ معلومةً وجب الأخذ بقول الجمهور؛ لحديث المسلمون على شروطهم، وإذا كانت مطلقةً فهي جائزة.

س: .............؟

ج: نعم، نعم.

س: ..............؟

ج: الإجارة ما فيها خلاف فيما نعلم، محل إجماعٍ أنها عقد لازم، ما أعلم فيها خلافًا.

س: ولو ما حدد المدة؟

ج: إذا ما حدد تبطل، لا بدَّ من تحديد المدة حتى يتم العقد ويلزم، أما إذا ما حدد قد ينضر هذا وينضر هذا، لا بدَّ من مدةٍ محددةٍ حتى يلزم العقدُ وينتفع هذا على بصيرةٍ، وينتفع هذا على بصيرةٍ، فإنَّ للإجارة خطرًا.

س: ............؟

ج: ما أعلم فيه شيئًا واضحًا، لكن المشهور أنه هو النبي عليه الصلاة والسلام، لكن ما أعلم شيئًا واضحًا في هذا، ما أعلم نصًّا الآن في القضية.

س: ..............؟

ج: يعني بالقصص، شعيب قصته بعد قصة لوط، قريب من زمن إبراهيم، وموسى تأخَّر عن هذا بعض الشيء، فهو محتمل، الله أعلم.

915- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ أَجْرَهُ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

916- وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

917- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَالَ اللَّهُ : ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

918- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ حَقًّا كِتَابُ اللَّهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

919- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

وفي الباب عن أبي هريرة عند أبي يعلى والبيهقي، وجابر عند الطبراني، وكلها ضعاف.

920- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُسَمِّ لَهُ أُجْرَتَهُ. رَوَاهُ عَبْدُالرَّزَّاقِ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَنِيفَةَ.

الشيخ: هذه الأحاديث الستة كلها تتعلق بالإجارة، تقدمت الأحاديثُ المتعلقة بالمساقاة، وهي نوع إجارةٍ، وهذه الأحاديث الأخيرة تتعلق بالإجارة، وهي ستة أحاديث:

أولها حديث ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما: أنَّ النبي ﷺ أعطى للذي حجمه أجره، وهي ستة بالنظر لما ساقه المؤلف، وتكون ثمانيةً بالنظر إلى زيادة ما رواه البيهقي من حديث أبي هريرة، ما روى ..... من حديث جابر تكون ثمانيةً في الباب.

المقصود أنَّ هذه الأحاديث كلها تتعلق بالإجارة، وحديث ابن عباسٍ يدل على أنه لا بأس بالحجامة، ولا بأس أن يُعطي المحجومُ الحجَّامَ أجره، فدلَّ ذلك على أنها لا بأس بها، ولا حرج فيها، وأنَّ أجر الحجامة لا بأس به، والحجامة فيها مصالح وفوائد، وهي نوع من العلاج، ونوع من الدواء؛ ولهذا كان النبيُّ يحتجم عليه الصلاة والسلام.

والحديث أخرجه مسلم أيضًا بلفظ: "ولو كان سحتًا لم يُعطه"، وأخرجه الشيخان من حديث أنسٍ أيضًا بدون زيادة: "ولو كان حرامًا لم يُعطه"، وجاء في المعنى عدة أحاديث، وجاء في روايةٍ: "واستعط"، وهو السّعوط، وجاء فيه زيادة: "وكان أحبّ إليه الحجامة": إنَّ خير ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري، ولا تُعذِّبوا أبناءكم بالغمس.

فهذه الروايات تدل على أنَّ الحجامة نوعٌ من العلاج، وأنه لا بأس بها، وأنها من خير ما تداوى به الناس، وهكذا القسط البحري والسعوط، كله من أنواع الدواء والعلاج عند الحاجة إليه على الطريقة التي يعرفها أهلُ الخبرة.

والشاهد من هذا: كونه أعطى الحجَّام أجره، فدلَّ ذلك على أنه لا بأس بالمؤاجرة على الحجامة وأشباهها: كالكي وأنواع العلاج؛ لأنه يحتاج إلى بعض التَّعب، فجاز فيه أخذ الأجر؛ ولأنه عمل مباح أو مُستحبّ، فجاز فيه أخذ الأجر؛ لحاجة الناس إلى ذلك.

والغمس كما جاء في حديث أنسٍ: هو رفع العظم الذي ينزل على الطفل الصغير، كانوا يغمزون اللَّهاة لرفع العظم الذي يُسمونه: .....، فقد يحصل من ذلك بعض الإيذاء للأطفال، فعلاجه بالقسط البحري والسعوط يكفي عن ذلك، وقد جرب كما بيَّنه النبيُّ ﷺ فنفع كثيرًا، قال: إنَّ في القسط سبعة أشفية، وذكر منها علاج العُذرة، وهي سقوط اللَّهاة.

وحديث رافع بن خديج في وصف كسب الحجام بأنه خبيث يدل على أنَّ ترك ذلك أولى، وأن كونه يحجم بدون أجرةٍ ولا يتعاطى شيئًا أولى وأفضل؛ لأنها من الأمور المعتادة بين الناس، فالأولى عدم أخذ الأجر عليه، وأن المؤمن يُساعد أخاه ويُعينه في هذه المهمات الخفيفة: كالكي والحجامة وأشباه ذلك، أمور يسيرة، فالأولى فيها الاحتساب والتَّبرع وعدم أخذ الأجر، فإذا أخذ أجرًا فلا بأس؛ بدليل أنَّ النبي أعطى الحجَّام أجره في الرواية الأخرى، وكلم مواليه في التَّخفيف عن .....، وهو أبو طيبة، فهذا يدل على جوازها، وأنها ليست حرامًا، وإن كان تركها أولى، وإن كانت خبيثةً من جهة نقص الكسب وضعف الكسب، وأنَّ المروءة والأخلاق في الكرام تأبى أن تأخذ في هذا شيئًا.

ومن هذا تسمية البصل والكراث: خبيث، من باب الرداءة، وأنه شيء رديء، شيء فيه إيذاء من جهة رائحته، وليس بحرامٍ، وهكذا كسب الحجَّام ليس بحرامٍ، ولكن فيه نقص، فتركه أولى.

وأما الخبث -كما في الكلب ومهر البغي- فهو حرام؛ لأنَّ الرسول نهى عن ذلك: نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن، وسمَّاه: خبيثًا، فالخبث يتنوع: خبث بمعنى التَّحريم والمنكر، وخبث دون ذلك: كخُبث البصل والكراث وكسب الحجَّام، ولا يُستنكر هذا، فإنَّ النَّهي يكون للتحريم، ويكون للكراهة؛ لترك الأولى، وهذا يدور على الأدلة وما تقتضيه، فمتى جاء النَّهي وجاء إطلاق الخبث فهو للتحريم، ومتى جاءت الأدلةُ الدالة على عدم التَّحريم -كحديث الحجامة والبصل- وجب صرف الخبث إلى الخبث الذي هو ترك الأولى، أو هو النَّقص في الشيء والضَّعف فيه وعدم كماله.

ومعلوم أنَّ الناس في حاجةٍ إلى الحجامة، وليس كل أحدٍ يتبرع، فجاز فيها أخذ الأجر؛ تسهيلًا لأمور الناس، وإعانةً لهم على هذه الحاجة، ومَن تبرع بذلك فهو أفضل وأحسن.

والحديث الثالث: حديث أبي هريرة ، عن النبي ﷺ أنه قال: يقول الله : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يُعطه أجره، رواه مسلم.

هذا يدل على شدة تحريم هذا الأمر، وأنَّ هذه أمور منكرة، والله خصم أهلها يوم القيامة، ومَن كان الله خصمه فهو مغلوب ومخصوم.

أولًا: الغدر في العهود، والغدر من الكبائر، الله يقول: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء:34]، وفي الحديث الصحيح: ولا تغدروا، وفي الحديث الآخر الصحيح: يُرفع لكل غادرٍ لواء يوم القيامة عند استه، يقال: هذه غدرة فلان ابن فلان، نسأل الله العافية.

فالغدر من أقبح الكبائر؛ ولهذا صار الغادر مخصومًا، والله خصمه سبحانه؛ لكبر خطيئته وظلمه.

وهكذا مَن باع حرًّا فأكل ثمنه، يعني: ظلمه، وأخذ مالًا بغير حقٍّ، فصار أيضًا مخصومًا وظالمًا.

والثالث -وهو الشاهد- مَن استأجر الأُجراء ولم يُعطهم أجورهم، فهذا ظالم لهم أيضًا؛ لكونه انتفع بعملهم ولم يُعطهم حقَّهم، فاستوفى حقَّه، ولم يُعطهم حقَّهم، فكان ظالمًا، فهو جدير بأن يكون الله خصمه يوم القيامة؛ لظلمه واعتدائه وعدم إنصافه عمَّاله.

والحديث على تحريم هذه الأشياء: تحريم الغدر، وتحريم بيع الأحرار، وتحريم عدم إعطاء العمَّال أجورهم، وأنَّ هذا مما يجب الحذر منه، وهو لا شكَّ مُستقبح عقلًا وشرعًا، وصاحبه على خطرٍ؛ لظلمه وعدوانه.

والحديث هنا عزاه المؤلفُ لمسلم، وقد راجعتُ مسلمًا فلم أجده فيه، والظاهر أنه وهم من المؤلف، والصواب: رواه البخاري؛ فإنَّ البخاري رواه في الصحيح بهذا اللَّفظ: في البيع، وفي الإجارة.

ويدل على أنَّ المؤلف وهم هنا أنه في التَّلخيص لم يعزه إلى مسلم، وإنما عزاه إلى البخاري، وهكذا المجد في "المنتقى" عزاه للبخاري، وهكذا الزيلعي عزاه للبخاري، فالأقرب أنه هنا وهم، وأنَّ الصواب: رواه البخاري، لا مسلم.

والحديث الرابع: حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ قال: إنَّ أحقَّ ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله رواه البخاري.

هذا طرفٌ من حديث علاج اللَّديغ: أنَّ النبي ﷺ أخبر الذين عالجوا اللَّديغ على قطيعٍ من الغنم لما سألوه قال: أصبتم، أو قال: لا بأس، وقال: إنَّ أحقَّ ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله.

ويدل على جواز العلاج بالقرآن، وأنَّ المعالج بالقرآن لا حرجَ أن يأخذ أجرًا.

وقوله: إنَّ أحقَّ ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله ظاهره العموم، ولكن عند العلماء يتعلق بالعلاج والتَّعليم، لا بمجرد التلاوة، قد حكى غيرُ واحدٍ إجماعَ أهل العلم على أنه لا يجوز أخذ الأجرة على مجرد التلاوة .....، إنما هذا فيما يتعلق بنفع الناس من جهة التعليم، أو من جهة العلاج، أو القراءة والنَّفث، كما فعل الصحابةُ باللَّديغ الذي مروا عليه، فقد فعل أهلُ اللديغ كلَّ شيءٍ، وكان سيد القوم، ففعلوا كل شيءٍ ولا ينفعه، فأتوا على جماعةٍ من الصحابة فقالوا: هل فيكم من راقٍ؟ قالوا: نعم، ولكنَّكم لم تُضيفونا، فلا نرقيه إلا بجعلٍ. فاتَّفقوا معهم على جعلٍ من الغنم -قطيعٍ من الغنم- فرقاه أحدُ الصحابة قال: فجعل يتفل عليه، رقاه بفاتحة الكتاب حتى عافاه الله وقام كأنه نشط من عقالٍ وسلم مما أصابه، فأعطاهم أجرهم.

ولما فيه من الرقية من التَّعب على المرضى، ومعلوم ما يحصل للراقي من بعض التَّعب: قد يكون المريضُ مما تنفر النفوس من قُربه ومن الدُّنو منه؛ لشدة مرضه، أو لشدة قبح رائحته، أو لأسبابٍ أخرى.

فالحاصل أنَّ هذا العلاج للمريض لا بأس بأخذ الأجرة عليه، سواء كان من القرآن، أو بأدوية أخرى يُعالجه بها مما أباح الله، فلا بأس بجعل في علاج المرضى بالقرآن أو بغير القرآن مما أباحه الله ، فدلَّ ذلك على أنَّ الأجرة جائزة؛ ولهذا ذكرها المؤلفُ في الباب، وأنه لا بأس أن يُؤخذ الأجر في علاج المرضى بالقرآن، كما يُؤخذ الأجر بعلاجهم بالأدوية الأخرى من المروخ وغيره من أنواع العلاج.

والحديث الخامس والسادس فيما يتعلق بتعجيل الأجور وعدم تأخيرها، وتسميتها وعدم جهلها، وإن كان فيها ضعف، لكن الأصول تدل على أنه لا بدَّ من تعيين الأجرة، كونه يُسمي له أجرته، وإن كان في سنده ضعف، لكن المعنى معلوم، وهي كالبيع، إذا كان يجب العلم بالثمن فهكذا الأجرة؛ لأنه عقد لا يجوز فيه الغرر ولا المخاطرة، فوجب أن تُعين الأجرة حتى يعلمها صاحبُ الحقِّ، وحتى يعلمها مَن عليه الحقّ، فلا يُفضي إلى النزاع والخصام، ووجب أيضًا إعطاء الحقوق بعد أداء العامل عمله؛ ولهذا قال: أعطوا الأجيرَ أجره قبل أن يجفَّ عرقه، وإن كان في سنده ضعف، ولكن المعنى صحيح، وهو المبادرة والمسارعة إلى إعطائه أجره من حين يفرغ من عمله.

وتقدم حديث أبي هريرة: مَن استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يُعطه أجره فإنه يدل على قبح هذا العمل، وأن الواجب أن يُعطيه أجره إذا استوفى منه، إلا إذا كان بينهما اتِّفاق على تأجيل الأجر، أو يسمح صاحبه بالتأخير لعلةٍ، فلا بأس، كما في قصة الثلاث، ذكر فيهم أنَّ أحد الأُجراء أخَّر أجره.

فالحاصل أنه يجب البدار بتسليم الأجر، وأن يكون معلومًا كالثمن، إلا أن يسمح الأجير بالتأخير إلى وقتٍ ما، أو يتَّفقا على أنَّ الأجر مُؤجل أو مُقسط، فهما على ما اتَّفقا عليه: كالبيع إذا تراضوا على شيءٍ مضى.

س: ...............؟

ج: يكفي، إذا علم عرفًا كفى كما قال العلماءُ: الشرط العُرفي كالنُّطقي، مثل: أجرة السائق في سيارات التاكسي، ومثل: أجرة الحمامات المعروفة، وكذلك ..... السفن وأشباهه، المقصود إذا كان شيئًا معروفًا فالشرط العُرفي كالنُّطقي.

س: ..............؟

ج: يقتضي ذلك، لولا الأدلة الأخرى كان الحكمُ حكمهما، لولا الأدلة الأخرى كان حكمُ كسب الحجَّام حكمَ مهر البغي وحلوان الكاهن، لكن لما جاءت الأدلة الأخرى تدل على الجواز دلَّ على أنَّ قرنه بها للتنفير، أو كان أولًا ثم نُسخ هذا الحكم، يحتمل الأمرين:

أحدهما: أنه كان أولًا مُحرَّمًا ثم يسَّر الله فيه وسامح وعفا.

ويحتمل أمر ثانٍ: وهو أنه قرن معهما للتنفير، لا للمُساواة في الحكم، بل للتَّنفير منه.

س: ..............؟

ج: لا بأس، أولًا: إطلاق الرقية يعمّ، وثانيًا: أنَّ هذا ورد في "سنن أبي داود" في كتاب "الطب": أن النبي ﷺ رقى ثابت بن قيس بن شماس في ماءٍ، ثم جعل عليه شيئًا من ترابٍ وصبَّه عليه.

س: ..............؟

ج: نعم، ثم يشربه أو يصبّه عليه من باب التَّداوي.

س: ..............؟

ج: هو شيء يُسمَّى: القسط، تعرفه النساء، القسط البحري يحكونه ويحطّ فيه ماء ويسعط الطفل ويرتفع العظم.

س: ..............؟

ج: يُسمَّى: قدسي، نعم، من الأحاديث القدسية الصَّحيحة المرفوعة إلى الله جلَّ وعلا، التقديس: التنزيه، نعم.

س: ..............؟

ج: من كلام الله جلَّ وعلا الثابت من طريق السنة، فهي أحاديث تُنسب إلى السنة، وتُنسب إلى الله؛ لأنها رُفعت إليه ، فهي من أحاديث النبي ﷺ التي يرويها عن ربِّه، مثل حديث أبي ذرٍّ: يقول الله جلَّ وعلا: إني حرمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا، فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضالٌّ إلا مَن هديته، فاستهدوني أهدكم .. إلى آخره، وهي أحاديث كثيرة قد صنَّف فيها بعضُ الناس مُصنَّفًا.

س: .............؟

ج: شيء من التراب على الماء، لعله مثل حديث: بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا يُشفى سقيمنا بإذن ربنا، على شيءٍ يسيرٍ يعني.

بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ

921- عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ عَمَّرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. قَالَ عُرْوَةُ: وَقَضَى بِهِ عُمَرُ فِي خِلَافَتِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

922- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَقَالَ: رُوِيَ مُرْسَلًا. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَاخْتُلِفَ فِي صَحَابِيِّهِ، فَقِيلَ: جَابِرٌ، وَقِيلَ: عَائِشَةُ، وَقِيلَ: عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ.

923- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

924- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ.

925- وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ، وَهُوَ فِي "الْمُوَطَّأ" مُرْسَلٌ.

926- وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَارُودِ.

927- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.

الشيخ: هذا الباب في إحياء الموات.

الموات: الأرض التي ليس لأحدٍ فيها حقٌّ ولا اختصاصٌ، يقال لها: موات، ضد الحيّ، الحيّ: هو المعمور بالزراعة ونحوها، والموات: الذي لا حقَّ لأحدٍ فيه، ولا اختصاصًا لأحدٍ فيه، بل هي مُنفكة عن الاختصاصات، وعن ملك المعصومين، وإحياؤها: عمارتها، والشارع أخبر أنَّ هذه الأراضي الميتة مَن أحياها وعمرها فهو أولى بها من غيره وأحقّ به؛ تشجيعًا على العمارة في الأرض وطلب الرزق وترك البطالة.

ولهذا في الحديث الأول يقول ﷺ: مَن عمَّر أرضًا ليست لأحدٍ فهو أحقُّ بها، قال عروة: قضى به عمر في خلافته. خرجه البخاري في "الصحيح".

هذا يدل على أنَّ مَن عمَّر أرضًا ببناءٍ أو زراعةٍ أو ما أشبه ذلك مما يُعدّ تعميرًا فهو أولى بها من غيره، وأحقّ بها، وليس في التعمير والإحياء نصٌّ واضحٌ في الكيفية، وإنما يرجع إلى العُرف، وكل بلدٍ له عُرفه، كل جهةٍ لها عرفها، فالإحياء في كل بلدٍ ما يعدّونه إحياءً، وما تعارفوا على أنه إحياء، فمَن فعل ما يُعدّ إحياءً في عُرف البلد أو القبيلة فهو إحياء، فإن الشارع أطلق ولم يُقيد بمعينٍ، قال: "مَن عمَّر"، "مَن أحيا"، فما صدق عليه الوصفُ صار إحياءً يملك به الأرض.

وهذا كله فيما لا حقَّ لأحدٍ فيه، أما ما سبق إليه أحدٌ وأحياه فلا حقَّ للثاني فيه، أو كان مما يتصل بالعامر، والعامر لهم فيه حاجة: كالطرقات، ومسيل المياه، ومراعي أهل القرية، وأشباه ذلك مما يضرهم، فهذا لا يحيا، وعلى ولي الأمر أن يُلاحظ هذه الأمور، وأن يضع للناس ما يمنع من تعدِّي بعضهم على بعضٍ، فإنَّ الناس قد يضرّ بعضُهم بعضًا فيما حول العامر، وفيما يقرب من العامر، ويتنافسون فيه، فلا بدَّ من وضع حدٍّ يمكن مَن أراد الإحياء على وجهٍ لا يضرّ بالآخرين.

وحديث سعيد بن زيد وما جاء في معناه صحيح، وله شواهد، قد جاء من حديث جابر وأبي هريرة وغيرهما، ولكن مجموعها يُوافق ما روت عائشةُ عن النبي ﷺ، تقدم حديث سعيد بن زيدٍ.

وقد يكون الإحياءُ بالعمارة منزلًا، قد يكون بإقامة حائطٍ، كما في حديث سمرة بن جندب الآتي، الإحياء بإقامة حائطٍ يحفظ الأرض ويصونها، وقد يكون ذلك بإزالة ما فيها مما يمنع حرثها: من حجارةٍ، ومن أشجارٍ تمنع من زراعتها، وشبه ذلك، إذا نقَّاها ونظَّفها وأعدَّها للزراعة فقد يُعدّ إحياءً عند جمعٍ من أهل العلم، وقد يكون بحفر البئر فيها كما يأتي من حديث عبدالله بن مغفل، وقد يكون بغير ذلك مما يتعارف عليه الناس في بلادهم وقُراهم ومنازلهم في البادية، وكل ما يُعدّ إحياءً في عُرف أهل القرية والبلد فهو إحياء، وإذا نقص عن هذا صار تخصصه، وصار صاحبه أولى به من غيره حتى يُحييه، فما نقص ولم يكمل من الإحياء صار صاحبُه أحقَّ، وصار نوع اختصاصٍ به، تحدد الحجارة أو بترابٍ يُحيط على الأرض، أو ما أشبه ذلك مما يدل على أنَّ له رغبةً فيها، فهو أولى بها من غيره، بدأ في الإحياء، شرع في الإحياء فهو أولى من غيره.

والحديث الثالث والرابع في الدلالة على أنه لا حمى إلا لله ولرسوله، ولا ضرر ولا ضرار، معنى: "لا حمى إلا لله ولرسوله" أي: ليس لأحدٍ أن يحمي عن المسلمين، فالحمى لله ولرسوله، وليس للناس حمى، وولي الأمر يقوم مقام الرسول في ذلك، فله أن يحمي على الراجح ما يرى فيه مصلحةً للمسلمين؛ لأنه خلفه في أمر المسلمين والنَّظر في شؤونهم ومصالحهم، فله أن يحمي ما شاء من الأرض لإبل المسلمين ودوابهم التي تحتاج لأهل الجهاد، أو لإبل الصدقة وأموال الصدقة والزكاة، وإذا رأى المصلحة في عدمها ترك ذلك.

وهذا بشرط ألا يضرّ الناس، فإذا كان الحمى يضرّ الناس لم يحمِ، واشترك مع الناس، لكن إذا أمكن أن يحمي شيئًا لا يضرّ الناس لإبل الصَّدقة، لغنم الصدقة، لبقر الصدقة، لخيل الجهاد، ولإبل الجهاد، فلا بأس، هذا له، وقد حمى عمرُ في وقته، وأمر الخادم الذي يقوم على الحمى ألا يمنع صاحبَ الصريمة والغنيمة، يعني: ما يمنع الفقراء إذا جاءوا إليه أن يشتركوا في الحمى، ويمنع الأغنياء والكبار لا يشتركون؛ لأنهم لا ضرر عليهم، يستطيعون أن يُنفقوا، وأن يعلفوا، إلى غير ذلك.

قال: "وإياك ونعم ابن عوف وابن عفان" الحديث مشهور عن عمر رضي الله عنه وأرضاه.

المقصود أنَّ الحمى جائز عند الحاجة إليه على نظر ولي الأمر، لا للناس، أما الناس فلا؛ شُركاء في ثلاثٍ: في الماء والكلأ والنار، كما يأتي في الحديث الأخير، وشرط ذلك في حقِّ الإمام: ألا يضرّ الناس، فإن كان الوقتُ وقت جدبٍ وقحطٍ وقلةٍ في العلف؛ فالناس سواء، لا يحجب عليهم شيئًا، ولا يحمِ عليهم شيئًا، بل تشترك إبل المسلمين مع عامَّة المسلمين؛ دفعًا للضَّرر؛ ولهذا قال ﷺ: لا ضرر ولا ضرار الحديث، وإن كان في سنده إرسال، ولكن له من طرقٍ كثيرةٍ عن عدةٍ من الصحابة يشدّ بعضُها بعضًا.

ثم قواعد الشرع تدل على ذلك؛ لأنَّ الشرع جاء بنفي الضَّرر بأدلةٍ كثيرةٍ: فلا ضرر ولا ضرار، قيل: إنه للتأكيد. وقيل: المعنى لا ضرر ابتداءً، ولا ضرار مقابلةً، بحيث لا يكون على وجه القصاص ضرار، لا يكون على وجه القصاص، أما المضارة التي على وجه القصاص وبشروط القصاص فهي لا بأس بها، الله شرع القصاصَ، لكن لا ضرار على وجهٍ لا يكون قصاصًا، بل زائدًا على القصاص، أو بغير وجه القصاص، أما القصاص الذي هو المماثلة في العقوبة فلا بأس بها: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179].

لكن المقصود من الإضرار إذا قلنا: إنه معنى آخر غير معنى الضرر، فالمعنى أنه لا مضارة، لا يبتدئ، ولا يُقابل على وجهٍ لا يكون من باب القصاص، بل من باب العدوان والزيادة على القصاص أو المقاصة بغير المثل: كأن يقطع يده فيقطع رجله، لا، ليس له حقٌّ إلا في اليد، وهكذا فقأ عينه، فليس له حقٌّ إلا في العين، فلا يتعدى عليه في جهةٍ أخرى.

المقصود أنَّ الرسول ﷺ منعنا من المضارة مقابلةً، ومن الضَّرر ابتداءً، فليس للمسلمين أن يضرَّ بعضُهم بعضًا: لا ابتداءً، ولا مقابلةً، إلا بالقصاص بشرطه فقط، وبهذا تستقيم أحوال المجتمع، ويصلح المجتمع، ويأمن بعضهم من بعضٍ، أما إذا لم يمنع الناس من المضارة فإنَّ ذلك يُفسد المجتمع، ويُسبب تعدي القوي على الضَّعيف، وعدم إنصاف الضعيف، والشريعة جاءت بوجوب إنصاف الضعيف، وردع الظالم، ونصر المظلوم؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: لا ضرر ولا ضرار.

فوجب على ولاة الأمور، وعلى الأمراء، وعلى القضاة، وعلى الأعيان وشيوخ القبائل وغيرهم، على كل مَن له قوة وقُدرة أن يمنع الضَّرر، وأن يمنع الظلم، وأن ينصف المظلوم حتى يُعطى حقَّه، والله أعلم.

وحديث سمرة بن جندب كما تقدم يدل على أنَّ الإحاطة ..... من نوع الإحياء.

س: ..............؟

ج: فيها خلاف: ذهب جمعٌ من أهل العلم إلى أنه اختصاص، وذهب آخرون إلى أنه ملكه، وأنَّ إعطاء ولاة الأمور تمليك، وأنه من جنس الإحياء، قال فيه جماعة من أهل العلم: والمقدم عند الأكثر أنه تخصص حتى يُحييه، ولكن القول بأنه تملك قوي.

س: ..............؟

ج: نعم، يحدّ له شيئًا، أُعطي وثيقةً.

س: ..............؟

ج: هذا هو الأقرب، هذا هو الأظهر، إذا قلنا أنه يملكها.

س: ..............؟

ج: هذا إلى ولي الأمر: يُعاقبه ويدفع ضرره.

س: ..............؟

ج: عند الحاجة، وإلا ما هو بشرطٍ، جمهور أهل العلم على أنه ليس بشرطٍ، الإحياء يتم ولو بغير إذنه، لكن له التَّدخل لمنع الشرِّ.

س: ...............؟

ج: لأنهم رأوا الناسَ ما عندهم إيمان إلا مَن عصم الله، ولا مروءة، يتعدى بعضُهم على بعضٍ، ويظلم بعضُهم بعضًا؛ فلهذا دخلوا فيها في مصالح المسلمين.

س: ..............؟

ج: لا، ما ينبغي، لا، يكون للمسلمين فقط، يكون إبله وغنمه.

س: ..............؟

ج: هذا إلى ولي الأمر: إذا رأى العقوبةَ له أن يُعاقب، إذا رأى العقوبةَ في أناسٍ لا يُبالون ولا يرتدعون له أن يُعاقب بما يرى، مع تحري الحقِّ، ومع تحري الإنصاف وعدم الظلم، على ولي الأمر أن يتحرى العقوبات التي يُجريها ويأمر بها، عليه أن يتحرى، والناس قد لا يردعهم إلا العقوبات، إذا أمنوا أساءوا.