434 من: (كتاب العلم)

 
كتابُ العِلم
قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114]، وقال تَعَالَى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ [الزمر:9]، وقال تَعَالَى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11]، وقال تَعَالَى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] .
1/1276- وعَنْ مُعاوِيةَ، ، قَالَ: قَال رسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ يُرِد اللَّه بِهِ خيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ متفقٌ عليه.
2/1377- وعنْ ابنِ مسْعُودٍ، ، قَال: قَال رسُولُ اللَّهِ ﷺ: لاَ حَسَد إلاَّ في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّه مَالًا فَسلَّطهُ عَلى هلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّه الحِكْمَةَ فهُوَ يَقْضِي بِهَا، وَيُعَلِّمُهَا مُتَّفَقٌ عَليهِ.
3/1378- وعَنْ أَبي مُوسى، ، قَالَ: قَالَ النبيُّ ﷺ: مَثَلُ مَا بعثَنِي اللَّه بِهِ مِنَ الهُدى والْعِلْمِ كَمَثَل غَيْثٍ أَصَابَ أرْضًا، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ المَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ، وَالْعُشْب الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أجَادِبُ أمسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللَّه بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وزَرَعُوا، وأَصَاب طَائفَةً مِنْهَا أُخْرى إنَّما هِي قِيعانٌ، لا تمْسِكُ مَاءً، ولا تُنْبِتُ كَلًا، فَذلكَ مثَلُ منْ فَقُهَ في دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّه بِهِ فَعلِمَ وَعلَّمَ، وَمَثَلُ منْ لَمْ يَرْفَعْ بِذلكَ رَأسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذي أُرْسِلْتُ بِهِ متفقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات الكريمات والأحاديث الثلاثة في فضل العلم هي تدل على أنه ينبغي على كل مؤمن وكل مؤمنة أن يهتم بالعلم وأن يطلبه لأن به يعرف الله وبه يعبد وبه تعلم الأحكام التي شرعها لعباده وبه يعلم ما نهى الله عنه، فالعلم هو الطريق إلى أن تعرف ما أنت مخلوق له من عبادة الله وطاعته والعلم، هو العلم بما قاله الله ورسوله في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله الأمين، هذا هو العلم النافع العلم بما دل عليه القرآن والسنة، والواجب على جميع المسلمين العناية بهذا العلم والتفقه فيه ونشره بين الناس، وعلى أهل العلم أن يعنوا بذلك وأن يفقهوا الناس، وعلى كل من لديه علم أن يبذل وسعه في تفقيه الناس من الرجال والنساء والعرب والعجم حتى يبلغ العلم، الرسول ﷺ قال: بلغوا عني ولو آية، وقال الله في كتابه الكريم: هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ [إبراهيم:52]، وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19] فالواجب على أهل العلم أن يبلغوا، والواجب على جميع المكلفين أن يتعلموا وأن يتبصروا ويتفقهوا حتى يعرفوا ما يجب عليهم وما يحرم عليهم، وحتى يعرفوا العبادة التي خلقوا لها بالتفصيل، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، يقول جل وعلا: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114] يأمر نبيه وهو أعلم الناس عليه الصلاة والسلام، يقول له: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114] كل إنسان في حاجة إلى مزيد من العلم، ويقول جل وعلا: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] المعنى لا يستويان فرق بين الجاهل والعالم، فعلى الجاهل أن يتعلم ويتبصر حتى يكون له علم يهتدي به إلى الحق، قال : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11]، وقبلها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11]، فيه أن امتثال الأوامر والاستقامة على طاعة الله ورسوله من أسباب رفع العبد درجات في العلم، وقال جل وعلا: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] يعني الخشية الكاملة إنما يقوم بها العلماء بالله وبدينه وعلى رأسهم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهم رأس العلماء وهم أئمتهم، ثم يليهم من كان بالله أعرف من العلماء، كلما كان العالم أعرف بالله كان أخشى لله وأقوم بحقه وأبعد عن مواضع غضبه، فكلما زاد العلم بالله ودينه زاد الخوف من الله وزادت الخشية والحذر، ولما جاء بعض الصحابة يسأل عن أعمال النبي ﷺ في السر -يسأل أزواجه عن عمله في السر- فكأنهم تقالوا ذلك، فقال بعضهم: أما أنا فأصلي ولا أنام يعني يسهر، وقال الآخر: وأما أنا فأصوم ولا أفطر يعني دائمًا، وقال الآخر: وأما أنا فلا أنام على فراش ينام على الأرض، وقال الآخر: فلا آكل اللحم، وذكروا أشياء، فلما بلغ النبي ﷺ ذلك لما أخبر النبي خبرهم قال عليه الصلاة والسلام: أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني يعني ليس العلم بالتكلف والتشديد وترك ما يسر الله من الرخص، لا، العلم الامتثال: قال الله، قال الرسول، الامتثال بما شرع الله طاعة الله ورسوله، وليس العلم التكلف وتعاطي الحرج والشدة، ولكن يعمل بما أوجب الله وينتهي عما حرم الله، ويقبل رخص الله التي يسر فيها سبحانه على عباده، يسروا ولا تعسروا، ويقول النبي ﷺ: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين من علامات السعادة وأن الله أراد بالعبد خيرًا أن يفقه في الدين ويتعلم ويتبصر هذا من علامات الخير، ومن علامات الشر الإعراض والغفلة والجهل، نسأل الله السلامة.
ويقول ﷺ: لا حسد يعني لا غبطة إلا في اثنتين هذا حسد غبطة، يعني لا أحد يغبط ويتمنى الإنسان مثله إلا في اثنين؛ إحداهما: رجل أعطاه الله مالا فسلطه على إنفاقه في الحق وتصريفه في الحق والإحسان إلى الناس هذا يغبط بهذا الخير العظيم.
والثاني: رجل آتاه الحكمة -الفقه في الدين- فهو يقضي بها ويعلمها الناس، هذا يغبط أيضا، وفي اللفظ الآخر: رجل أعطاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها، فمن رزقه المال الطيب وأنفقه في وجوه الخير فهو مغبوط، ومن رزقه الله العلم النافع والبصيرة، وهو يعمل بذلك فهو مغبوط.
وفي الحديث الثالث: يقول ﷺ: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث –مطر- أصاب أرضًا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب -يعني أراضي منخفضة- أمسكت الماء -أجادب ما تنبت لكنها أمسك حتى نفع الله به الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ هذه أحوال الناس مع الدين هذه أحوالهم مع العلم الذي جاء به الرسول ﷺ، قسم منهم تفقهوا في الدين وتعلموا وتبصروا ونفعوا الناس وعلموهم وأفتوهم ودرسوهم، وقسم حفظة نقلوا العلم وحفظوه، نقلوا القرآن وحفظوه، حفظوا العلم وبلغوه الناس، ما كان عندهم الفقه الكامل لكن عندهم التبليغ والبيان والحفظ، فالأولون مثل الأرض الطيبة التي قبلت الماء فأنبت الكلأ والعشب الكثير، والثانية مثل الأرض التي أمسكت الماء حتى شرب الناس، سقوا وزرعوا الذين حفظوا القرآن وحفظوا الحديث ونقلوه للناس وعلموه الناس لكن ما عندهم سعة الفقه فيه وتفجير ينابيع ما فيه من العلم وتبصير الناس، وغالب الناس مثل القيعان، غالب الخلق لهم المثل الثالث قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، يعني معرضون غافلون لا عندهم لا علم ولا عمل، أكثر الخلق لا عندهم علم، لا يعلمونه الناس ولا يعملون به معرضون غافلون، فلا علم ولا عمل كالقيعان التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، هذا مثل عظيم ضربه النبي ﷺ للمسلمين المتفقهين في الدين والعاملين به والمعرضين عنه، وفق الله الجميع.

الأسئلة:
س: حد العلم الواجب على الإنسان؟
الشيخ: ما لا يسع جهله، معرفة ما أوجب الله عليه وما حرم عليه لا يسعه جهله.
س: حديث: طلب العلم فريضة على كل مسلم؟
الشيخ: لا بأس به له طرق جيدة.
س: بعض أشرطة الدعاة مؤثرة وكانت سببا في هداية عدد كبير بعد سماعهم الشريط، هل يشترك في الأجر موزع الشريط ومحل التسجيلات كمثل الذين يدخلون بالسهم الواحد الجنة؟
الشيخ: الأقرب والله أعلم أن صاحب الشريط على أجره، والذي يوزعه على الناس له أجره كلهم دعاة خير إذا كان شريطا صالحا مفيدا، فصاحبه على أجر والموزع له مثل الذي ينشر الكتب وينقل المحاضرات إلى الناس يكتبها ويوزعها على الناس شركاء في الأجر.
س: هل الغبطة من غير أن يتمنى زوال النعمة؟
الشيخ: نعم يغبطه على الخير ويحب له الخير ولا يحب زوال النعمة عنه، بل يحب له الخير ويدعوه إلى الخير ويرغبه في الخير، هذا يغبط ويدعى له بالتوفيق ولا يحسد.
.....