481 من: (باب تحريم سماع الغيبة، وأمر من سمع غيبة محرمة بردها..)

 
255 - باب تحريم سماع الغيبة، وأمر من سمع غيبةً محرَّمة بردِّها، والإِنكار عَلَى قائلها فإنْ عجز أَوْ لَمْ يقبل منه فارق ذلك المجلس إن أمكنه
قَالَ الله تَعَالَى: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ [القصص:55]، وقال تَعَالَى: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3]، وقال تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا [الإسراء:36]، وقال تَعَالَى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68].
1/1528- وعنْ أَبي الدَّرْداءِ عنِ النَّبيّ ﷺ قالَ: منْ ردَّ عَنْ عِرْضِ أخيهِ، ردَّ اللَّه عنْ وجْههِ النَّارَ يوْمَ القِيَامَةِ رواه الترمذي وقالَ: حديثٌ حسنٌ.
2/1529- وعنْ عِتْبَانَ بنِ مالِكٍ في حدِيثِهِ الطَّويلِ المشْهورِ الَّذي تقدَّم في بابِ الرَّجاءِ قَالَ: قامَ النبيّ ﷺ يُصلِّي فَقال: أيْنَ مالِكُ بنُ الدُّخْشُمِ؟ فَقَال رَجُلٌ: ذلكَ مُنافِقٌ لا يُحِبُّ اللَّه ولا رسُولَهُ، فَقَال النبي ﷺ: لاَ تقُلْ ذلكَ، ألاَ تَراه قَدْ قَال: لا إلهَ إلاَّ اللهُ يُريدُ بِذَلكَ وجْه اللَّه، وإنَّ اللَّه قدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ منْ قَالَ: لا إلهَ إلاَّ اللَّه يبْتَغِي بِذلكَ وجْهَ اللَّه متفقٌ عَلَيْهِ.
3/1530- وعَنْ كعْبِ بنِ مالكٍ في حدِيثِهِ الطَّويلِ في قصَّةِ توْبَتِهِ وَقَدْ سبقَ في باب التَّوْبةِ. قَالَ: قَالَ النبيُّ ﷺ وهُو جَالِسٌ في القَوْم بِتبُوكَ: ما فَعَلَ كَعْبُ بنُ مَالِكٍ؟ فقالَ رجُلٌ مِنْ بَني سلِمَةَ: يا رسُولَ اللَّه حبسهُ بُرْداهُ، والنَّظَرُ في عِطْفيْهِ. فقَال لَهُ معاذُ بنُ جبلٍ : بِئس مَا قُلْتَ، واللَّهِ يا رسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنا علَيْهِ إلاَّ خيْرًا، فَسكَتَ رسُولُ اللَّه ﷺ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد سبق من الآيات والأحاديث ما يدل على تحريم الغيبة، وأنها من المنكرات ومن الكبائر، وهي من أسباب الشحناء والعداوة والبغضاء والاختلاف، ولهذا حرمها الله لما تجره من الشر لقوله سبحانه: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12] وقال في الحديث الصحيح أنه مر على قوم حين عرج به لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقال: يا جبرائيل: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم فالغيبة من أخبث المعاصي، ومن أخبث الكبائر، فالواجب الحذر منها والواجب الإنكار على من فعلها، فإذا حضرت مجلسًا فيه غيبة فالواجب إنكار ذلك والغيبة ذكرك أخاك بما يكره هذه الغيبة ذكر الإنسان بما يكره من الخصال التي يسر بها.
أما من أظهر المعاصي وجاهر بها فلا غيبة له فيما أظهر من المعاصي، لكن المعاصي التي لا يظهرها بل يعلمها الإنسان، ولكن لا يجوز له أن يغتابه فيها، بل يحرم عليه ذلك، والمشروع له المناصحة والتوجيه والدلالة على الخير والوصية بالخير، هكذا يقول الله جل وعلا: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ [القصص:55] واللغو كل شيء باطل من الغيبة والنميمة وسائر المعاصي، قال في صفة المؤمنين وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3]، وقال سبحانه: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]، وقال جل وعلا: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68] فالإنسان إذا جلس مع قوم يظهرون المنكر وجب الإنكار عليهم، فإن أجابوا وكفوا فالحمد لله وإلا وجب فراقهم وعدم حضور المنكر الذي يتظاهرون به، يقول النبي ﷺ: من رد عن عرض أخيه الغيب رد الله عن وجهه النار يوم القيامة، من ذب عن عرض أخيه من نصر المظلوم يقول ﷺ: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا قيل: يا رسول الله أنصره مظلومًا فكيف أنصره ظالما؟ قال: تحجزه عن الظلم فالإنكار عليه ونصيحته وتوجيهه حتى يدع المعصية هذا نصره.
وفي حديث عتبان بن مالك لما قال رجل في مالك بن الدخشم أنه منافق لا يحب الله ورسوله، أنكر عليه النبي ﷺ قال: أليس يقول لا إله إلا الله يبتغي بذلك بوجه الله، إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله فلا يجوز للإنسان أن يتكلم بعرض أخيه إلا عن بصيرة وعن علم، ولما مر بجنازة على النبي ﷺ وأثنى عليها الحاضرون شرًا قال: وجبت، ومر بأخرى فأثنى عليها الحاضرون خيرًا قال: وجبت قيل يا رسول الله ما وجبت؟ قال: هذه أثنيتم عليها شرًا فوجبت لها النار، والثانية أثنيتم لها خيرًا فوجبت لها الجنة، أنتم شهداء الله في الأرض فلم ينكر على الذين شهدوا عليها بالشر لأن صاحبها قد أظهر المعاصي، فمن أظهر المعاصي فلا غيبة له، ولهذا لم ينكر عليهم شهادتهم عليه بأنه أثنوا عليه شرًا لأنهم شهدوا بما أظهر من المعاصي والشرور.
وهكذا قصة كعب بن مالك يوم تبوك تخلف عن غزوة تبوك مع شخصين آخرين بغير عذر فسأل النبي عن كعب وهو في تبوك نازل أين كعب ،ما فعل كعب؟ فقال بعض الحاضرين: حبسه برداه والنظر في عطفيه، كلمة قبيحة يعني ما همه إلا ثيابه والتزين، فأنكر معاذ: بئس ما قلت، ما نعلم عليه إلا خيرًا يا رسول الله، فسكت النبي عليه الصلاة والسلام، ففي هذا إنكار معاذ على صاحب الغيبة، وأقره النبي عليه الصلاة والسلام، فالمؤمن مرآة أخيه، وهو أيضًا عون لأخيه، المؤمن أخو المؤمن في الحديث الصحيح: المؤمن للمؤمن يشد بعضه بعضًا وشبك بين أصابعه، ويقول ﷺ: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى فالمؤمن أخو المؤمن لا يغتابه ولا ينم عليه ولا يؤذيه ولا يظلمه ولا يحسده، بل يعينه على الخير ويساعده في الخير ويعينه على ترك الشر.
وفق الله الجميع.

الأسئلة:
س: حديث لا غيبة لفاسق؟
الشيخ: ما أعرف لها أصلا، لكن مأخوذ من الأحاديث الصحيحة، لما دخل عليه رجل قال: ائذنوا له بئس أخو العشيرة، وفي لفظ بئس ابن العشيرة فدل على أن من أظهر الشر لا بأس، والحديث الذي تقدم كما سمعتم أنه مر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرا فقال: وجبت فإذا أظهر الشر وبارز بالمعاصي ما له غيبة فيما أظهر، نسأل الله العافية.
س: ممكن الكلام فيه؟
الشيخ: حتى بعد موته إذا دعت الحاجة إلى ذلك لئلا يغتر به.
س: كيف الجمع بين حديث عائشة في البخاري لا تسبوا الأموات وبين ثناء الصحابة على جنازة؟
الشيخ: إذا دعت الحاجة لا بأس، سب الأموات ينهي عنه إلا أن تدعو الحاجة إلى سبه، إلى بيانه، مثل إنسان مبتدع ...، أو له كتب مبتدعة يقال: احذروا كتب فلان، أو له كلمات أو تنشر في الصحف أو غيره، إذا كان لإظهار شره مصلحة فلا بأس.
س: إذا كان شخص مدعو في وليمة وصارت غيبة ولا قدر أن يغيرها، هل يأثم بجلوسه أو لا بد أن يخرج؟
الشيخ: إما ينكر وإلا يخرج.
س: إذا كان مدعو إلى وليمة؟
الشيخ: ولو، المقصود حضوره، قد أجاب الدعوة، الأكل ما هو بلازم.
س: من تلبس بأحوال المنافقين لا بأس بإطلاق النفاق؟
الشيخ: من أظهر خصالهم.
س: حديث من رد عن عرض أخيه معي إسناده.
الشيخ: الظاهر أنه لا بأس به.
الطالب: قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: حدثنا إسماعيل عن ليث عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ قال: من رد عن عرض أخيه المسلم كان حقًا على الله جل وعلا أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة وفي سنده ليث بن أبي سليم خرج له الأربعة ومسلم مقرونًا، وقال الإمام أحمد في رواية المروذي في العلل: ليس هو بذاك، وقال فيه مرة أخرى: مضطرب الحديث، ولكن حدث عنه الناس، وضعفه يحيى والنسائي وقال ابن معين: لا بأس به، وشهر بن حوشب الأشعري مولى أسماء بنت يزيد بن السكن خرج له الأربعة ومسلم مقرونًا، قال الإمام أحمد: روى عن أسماء بنت يزيد بن السكن أحاديث حسان، وقال في رواية حرب الكرماني: ما أحسن حديثه ووثقه، وقال في رواية حنبل: ليس به بأس، وروى ابن أبي خيثمة ومعاوية بن صالح عن ابن معين قال: ثقة، وقال أبو حاتم: ليس هو بدون أبي الزبير ولا يحتج به، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال النسائي وابن عدي: ليس بقوي، وخرّجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى من طريق آخر قال: حدثنا علي بن إسحاق قال أخبرنا عبدالله يعني ابن المبارك قال أخبرنا أبو بكر النهشلي عن مرزوق أبي بكير التيمي عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ قال: من رد عن عرض أخيه رد الله عنه وجهه النار يوم القيامة ومن هذا الطريق أيضًا خرّجه الترمذي كما في سننه، وأبو بكر النهشلي هو الكوفي ابن عبدالله بن أبي القطاف، وقيل ابن قطاف، وقيل اسمه عبدالله بن قطاف، وقيل ابن معاوية، قال أبو داود: ثقة كوفي، وقال عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه: ثقة، ووثقه ابن معين والعجلي وابن مهدي، وقال أبو حاتم: شيخ صالح يكتب حديثه، ومرزوق أبو بكير التيمي الكوفي اختلف في اسمه فذكره الذهبي رحمه الله تعالى في ميزان الاعتدال فقال: مرزوق وأبو بكر عن أم الدرداء ما روى عنه سوى أبي بكر النهشلي، أما في التهذيب فشك ابن حجر فقال: مرزوق أبو بكر التيمي عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ قال: من رد عن عرض أخيه الحديث، وعنه أبو بكر النهشلي خرج له الترمذي ثم قال بعد ذلك: أظنه الذي بعده، ثم ذكر تمييز مرزوق أبو بكير التيمي الكوفي مؤذن لتيم روى عن سعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وعنه ليث بن أبي سليم وإسرائيل وعمر بن محمد بن زيد العمري والثوري وشريك ذكره ابن حبان في الثقات، وقال أصله من الكوفة وسكن الري، وفي التقريب قال مرزوق: أبو بكر التيمي مقبول من السادسة، خرج له الترمذي، وقال مرزوق أبو بكير بالتصغير التيمي الكوفي المؤذن سكن الري من السادسة أيضا تمييز.
 وقال المنذري رحمه الله على هذا الحديث: رواه الإمام أحمد بسند حسن، وأبو الشيخ الأصبهاني في التوبيخ ولفظه: من ذب عن أخيه رد الله عنه عذاب النار يوم القيامة، وتلا رسول الله ﷺ:  وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]. وتكلم على ذلك الدارقطني كما في كتابه العلل في السؤال الواحد والتسعون بعد الألف، وسئل عن حديث أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله ﷺ: من رد عن عرض أخيه كان حتمًا على الله أن يرد عنه نار جهنم، ثم قال: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا [غافر:51]. يرويه ليث بن أبي سليم، واختلف عنه، ورواه أبو بكر بن عياش وجرير بن عبدالحميد ومعتمر بن سليمان وموسى بن أعين واختلف عنه فيه، واختلف عن ليث عن شهر عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ، ووقفه عبدالسلام بن عبدالحميد عن موسى بن أعين فقال علي بن معبد عن موسى بن أعين عن ليث عن عمرو بن مرة عن شهر عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ وليس بمحفوظ، والصواب: قول من قال عن ليث عن شهر انتهى قوله.
الشيخ: على كل حال الحديث حسن جيد، وكل سند يعضد آخر.
س: ما الراجح في مرزوق أبو بكر هل هما اثنان؟
الشيخ: الله أعلم.
س: هل يجب كتابة الدين؟
الشيخ: الله أمر بذلك، وجاء في الحديث ما يؤيد ذلك، فينبغي كتابة الدين لأن كل واحد قد ينسى.