98 من حديث: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة محتبيًا بيده..)

بَاب مَنِ اتَّكَأَ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ

قَالَ خَبَّابٌ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ مُوَسدٌ بُرْدَةً، قُلْتُ: أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ، فَقَعَدَ".

الشيخ: كذا عندك بدون تاء: متوسد؟

الطالب: العيني: متوسد؟

الشيخ: الرواية المشهورة بالتاء متوسد يعني جعلها وسادة.

6273 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا الجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ.

6274 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، مِثْلَهُ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ: أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ.

الشيخ: وهذا يبيّن عِظم هذه الأمور، وأنها أكبر الكبائر، ولاسيما الشرك؛ فإن الشرك هو أكبر الكبائر على الإطلاق، وهو أكبر ذنب عصي الله به، وهو صرف بعض العبادة لغير الله من الأصنام أو الأحجار أو الكواكب أو الأموات أو غير ذلك من المخلوقات، كأن يدعو غير الله بلفظ الاستغاثة أو بلفظ النداء أو غير ذلك أو يسجد له أو يركع له أو يذبح له أو ينذر له، وما أشبه ذلك من أنواع الشرك التي كانت تعتاده الجاهلية في جاهليتها مع أصنامها وأوثانها، وهكذا يفعلها اليهود والنصارى مع آلهتهم، وهذه كلها من أنواع الشرك الأكبر وهو أعظم الذنوب، كما قال النبي ﷺ لما سئل: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، يعني شريكًا في العبادة، وضده التوحيد وهو أعظم الواجبات، ضد الشرك هو التوحيد، وهو أعظم الواجبات، وأهم الفروض، وهو تخصيص العبادة لله وحده، وإفراده بالعبادة، وهو معنى لا إله إلا الله؛ لأن معناها لا معبود حق إلا الله، كما قال سبحانه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62]  ثم يلي ذلك القتل والعياذ بالله، القتل بغير حق، وهو من أعظم الجرائم، وهكذا عقوق الوالدين كما في الرواية الأخرى قرنه مع الشرك كما في هذا الحديث أيضًا، الشرك هو أعظم الذنوب ثم يليه أنواع من المعاصي: كالعقوق للوالدين، وقتل النفس بغير حق، والزنا، والسحر، وغير هذا مما جاءت النصوص... ثم ذكر الثالثة شهادة الزور، شهادة الزور أيضاً من أكبر الكبائر؛ لأنها يترتب عليها فساد عظيم، سفك الدماء بغير حق، واستحلال الفروج بغير حق، أكل الأموال بغير حق، إلى غير هذا من الجرائم، بسبب شهادة الزور، نعوذ بالله، ولهذا كان متكئًا بين أصحابه ثم انتهض وقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور لعظم شرها انتهض لها، حتى جعل يكررها، حتى قال الصحابة: ليته سكت، يعني إبقاء عليه ورحمة له، لما كثر تردادها وحرص على ذلك؛ لتنفير الناس منها وتحذيرهم من شرها، فصار تكرارها بعد الشرك وبعد العقوق وإن كان الشرك أعظم والعقوق أعظم بالنسبة للوالدين لكن شهادة الزور أعظم من جهة أخرى من جهة فسادها العام، وشرها العام؛ لأن شرها عام، فلهذا كررها ﷺ من هذه الحيثية، من حيثية التحذير منها، وأن شرها يعم كثيرًا من الناس، ولاسيما إذا وقع على.... القضاة وتساهلوا فيها، فإن شرها يكثر ويعظم.

وفيه من الفوائد: أن الاتكاء هو الميل على أحد الجانبين وعدم الاعتدال في الجلسة، يقال له: اتكاء، فإذا اعتدل فليس بمتكي، وفيه الرد على من قال: إن التربع أنه اتكاء وأنه لا يأكل متربعًا لأنه اتكاء، وهذا ضعيف، قاله الخطابي وجماعة، والصواب أن الاتكاء هو الميل على أحد الجانبين هكذا أو هكذا على كرسي أو على مركأ أو على غيره أو على يده؛ لأن الأمعاء ما تكون معتدلة، الأمعاء تكون غير معتدلة فيكون في ذلك شيء من الخطر والشر، وأما المتربع فهو معتدل وليس بمتكي، مثل هذا، هذه يقال لها التربع، فهذا ليس بمتكي، هذا معتدل، ولهذا قال: وكان متكئًا فجلس، فدل على أن المتكي لا يجلس جلسة معتدلة.

س:........

الشيخ: ما فيه نهي، إنما هو يقول: لا آكل متكئًا، أخبر أنه لا يأكل متكئًا، فتركه أفضل.

س: إن أكل متكئًا يأثم؟

الشيخ: لا ما يأثم، لكن تركه أفضل؛ لأن الرسول قال: لا آكل متكئًا، ما قال: لا تأكلوا، قال: لا آكل.. يفيد أن هذا هو الأفضل، وأن السُّنة التأسي به عليه الصلاة والسلام.

بَاب مَنْ أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ لِحَاجَةٍ أَوْ قَصْدٍ

6275 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ الحَارِثِ، حَدَّثَهُ قَالَ: «صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ العَصْرَ، فَأَسْرَعَ ثُمَّ دَخَلَ البَيْتَ».

بَاب السَّرِيرِ

6276 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي وَسْطَ السَّرِيرِ، وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ، تَكُونُ لِي الحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَقُومَ فَأَسْتَقْبِلَهُ، فَأَنْسَلُّ انْسِلاَلًا».

الشيخ: وهذا يدل على جواز النوم على السرير، لا بأس بهذا، إن شاء نام على الأرض، وإن شاء اتخذ سريرًا ينام عليه، ولاسيما في الأراضي التي فيها الرطوبة أو كثيرة الهوام أو ما أشبه ذلك، المقصود أن السرير لا بأس به، إن شاء نام على الأرض مباشرة، وإن شاء وضع سريرًا ونام عليه، كما كان النبي ينام على السرير عليه الصلاة والسلام، وينام مع أهله.

وفيه دلالة على أن المرأة المضطجعة ما تقطع الصلاة، المضطجعة أو الجالسة، ولهذا كانت عائشة تنام على السرير والنبي يصلي وسط السرير يعني يسجد حذاء وسط السرير، وهي مضطجعة، وفي الرواية الأخرى: كان يصلي عند طرف السرير وهي على الأرض، فإذا سجد غمز رجليها، وإذا قام مدتها، هذا كله يدل على أن جلوسها أو اضطجاعها غير قاطع، إنما الذي يقطع المرور هو كونها تمر من جانب إلى جانب وهو يصلي.

س: ولو كان السرير مرتفعًا؟

الشيخ: ولو مرتفع وإلا منبسط، كله واحد.

بَاب مَنْ أُلْقِيَ لَهُ وِسَادَةٌ

6277 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، ح وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو المَلِيحِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِيكَ زَيْدٍ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَحَدَّثَنَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي، فَدَخَلَ عَلَيَّ، فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ وَصَارَتِ الوِسَادَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَقَالَ لِي: أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: خَمْسًا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: سَبْعًا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: تِسْعًا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِحْدَى عَشْرَةَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لاَ صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ، شَطْرَ الدَّهْرِ: صِيَامُ يَوْمٍ، وَإِفْطَارُ يَوْمٍ.

الشيخ: كان عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قد اجتهد في العبادة واستمر في الصوم دائمًا، الليل القيام والنهار الصيام، وكان لا يفطر، واشتكاه أهله، فجاءه النبي ﷺ فدخل عليه، في رواية أنه دعاه؛ لكن لعله وقعت مرات حتى لا يكون اختلاف؛ مرة زاره ومرة دعاه عليه الصلاة والسلام، وفي هذا أنه زاره، ويكون أعظم في العناية والنصيحة، لعله يرجع عن رأيه، فلما دخل عليه النبي ﷺ قدم له وسادة ليجلس عليها فتركها النبي ولم يجلس عليها، وجعلها بينه وبينه، وجلس على الأرض عليه الصلاة والسلام، وهذا فيه تواضعه ﷺ وعدم عنايته بما يعتني به الكبراء والمتكبرون؛ بل كان يتسامح عليه الصلاة والسلام ويتواضع ليتأسى به الأمة وليسيروا على نهجه في عدم التكلف.

وأيضًا فيه من الفوائد: نوع من التأديب لعبدالله، نوع من الهجر لما قدم من الوسادة، كأنه قال: ما لي حاجة في الوسادة، أنا ما جئت إلا لأجل منعك من هذا العمل الذي أنت تعمله، فإن ترك الوسادة يدل على أن في نفسه شيئًا لما لم يقبل كرامته ووسادته، هذا يشعر بأنه غير راض، يعني غير منبسط لعمله، ثم قال له: ألا يكفي كذا؟ ألا يكفيك خمسًا سبعًا تسعًا إحدى عشرة، فقال: يا رسول الله، زدني زدني، حتى قال له: خمسة عشر من كل شهر، خمسة عشر، تصوم يومًا وتفطر يومًا، وهذا صوم داود قال: زدني، قال: ليس فوقه شيء، هذا أفضل الصيام، أفضل الصيام أن تصوم يومًا وتفطر يومًا، فالتزم بهذا عبد الله وصار يومًا ويفطر يومًا، فلما كبرت سنه وشاخ قال: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله ﷺ، لكنه لا يرى أن يترك عملاً فارق عليه النبي ﷺ، فكان بعد ذلك إذا عجز سرد الصوم ثم سرد مثله الفطر، فيصوم ستة جميعًا ثم يفطر ستة جميعًا، أو يصوم عشرة جميعًا ويفطر عشرة جميعًا، حتى يتقوّى بهذا على هذا، حتى توفي رضي الله عنه وأرضاه، وهكذا كله يبين لنا أنه ما ينبغي التكلف، ينبغي القصد في العبادة وعدم التكلف في العبادة، ولاسيما من كان عنده أهله وعليه أضياف وله زوار؛ فإنه قد تضعفه عن حق الضيف وعن حق الأكل فينبغي له أن يعمل ما فيه استطاعة للقيام بالحقوق كلها، ولهذا في اللفظ الآخر عند الشيخين: إن لضيفك عليك حقًا، وإن لنفسك عليك حقًا، وإن لأهلك عليك حقًا؛ فأعط كل ذي حق حقه، وفي اللفظ الآخر: وإن لجسدك عليك حقًا؛ فأعط كل ذي حق حقه، هكذا ينبغي للمؤمن ألا يتكلف، بل يراعي المصالح الكثيرة حتى لا يتعطل عن مصلحة بسبب مصلحة، يراعي المصالح حتى يقوم بما يلزم: من صيام، ومن حق أهل، ومن تعلم علم، ومن تعليم، ومن حق ضيف، ومن زيارة إخوانه، وعيادة المرضى، إلى غير هذا من الحقوق الأخرى، أما يلزم العبادة؛ نوعًا منها يتكلف ثم يعطل الأخرى؛ فليس هذا بمستحب، وليس هذا بمفضل.

س: قوله: "لا صوم فوق صوم داود" خبر؟

الشيخ: خبر معناه النهي، مثل: لا صام من صام الأبد، لا صام ولا أفطر.

س: أصح الأقوال في الفرق بين عبدالله بن عمرو ووالده؟

الشيخ: وإذا عرفت وأيش الفائدة؟ المشهور بينهما إحدى عشرة أو اثنتا عشرة سنة، كان عمرو تزوج وهو صغير، بينه وبين ولده عبدالله إما إحدى عشرة وإلا اثنتا عشرة، هذا ما سمعنا وما بلغنا، لكن الفائدة هذه قليلة.

س:..........

الشيخ: ما في بأس يصوم الاثنين أو الخميس أو يصومهما جميعًا كله خير.

6278 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ - أَنَّهُ قَدِمَ الشَّأْمَ - ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ذَهَبَ عَلْقَمَةُ، إِلَى الشَّأْمِ، فَأَتَى المَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي جَلِيسًا، فَقَعَدَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ؟ قَالَ: "أَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي كَانَ لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ - يَعْنِي حُذَيْفَةَ - أَلَيْسَ فِيكُمْ - أَوْ كَانَ فِيكُمْ - الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ مِنَ الشَّيْطَانِ - يَعْنِي عَمَّارًا - أَوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّوَاكِ وَالوِسَادِ - يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ - كَيْفَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْرَأُ: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل:1] قَالَ: وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى" فَقَالَ: مَا زَالَ هَؤُلاَءِ حَتَّى كَادُوا يُشَكِّكُونِي، وَقَدْ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.

الشيخ: المقصود أن عندهم -الحمد لله- جماعة من العلماء، يعني ما الذي أقدمك إلى الشام وعندك هؤلاء الأخيار: عمار وحذيفة وعبدالله بن مسعود، وكان يقرأ: والذكر والأنثى وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل:1] وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى [الليل:2] وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى [الليل:3] كان عبد الله بن مسعود يقرأ وأبو الدرداء: (والذكر والأنثى)، القراءة المشهورة: وما خلق الذكر والأنثى يعني: ما الذي خلق الذكر والأنثى .

والمقصود من هذا أنه ينبغي للمؤمن أن يلزم أهل العلم، وإذا كان في بلاده ناس من أهل العلم فليلزمهم قبل أن يموتوا، وليحرص على أخذ العلم عنهم، وإذا علمهم في بلاد أخرى يسافر إليهم، ويلزمهم، ويستفيد منهم قبل أن يفوتوا.

بَاب القَائِلَةِ بَعْدَ الجُمُعَةِ

6279 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «كُنَّا نَقِيلُ وَنَتَغَدَّى بَعْدَ الجُمُعَةِ».

الشيخ: وجه ذلك أن الناس مشروع لهم التبكير إلى الجمعة ليستعدوا لسماع الخطبة، والاستفادة من التبكير إلى الجمعة، وما في ذلك من الأجر العظيم، فلهذا كانوا لا يقيلون ولا يتغدون إلا بعد الجمعة، حرصًا على المبادرة والمسارعة إلى التبكير إلى الجمعة، عملاً بحث النبي عليه الصلاة والسلام وترغيبه في التقدم إليها، حيث قال عليه الصلاة والسلام: المهجِّر إلى الجمعة، يعني المبكِّر إليها، في الساعة الأولى كالمهدي بدنة، وفي الساعة الثانية كالمهدي بقرة، وفي الثالثة كالمهدي كبشًا، وفي الرابعة كالمهدي دجاجة، والخامسة كالمهدي بيضة. الحديث، هذا كله يدل على شرعية التبكير والمسارعة اغتنامًا لهذا الخير العظيم، ولما في الجلوس في المسجد واستعدادًا للجمعة من الخير العظيم من صلاة وقراءة وذكر وصلاة على النبي ﷺ، وغير هذا مما يحصل للجالس في المسجد والمستعد لانتظار الجمعة، فلهذا قال سهل : ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة. يعني سهل بن سعد، رحمة الله عليه.

بَاب القَائِلَةِ فِي المَسْجِدِ

6280 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: مَا كَانَ لِعَلِيٍّ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَبِي تُرَابٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ بِهِ إِذَا دُعِيَ بِهَا، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْتَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي البَيْتِ، فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِإِنْسَانٍ: انْظُرْ أَيْنَ هُوَ فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي المَسْجِدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ فَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ.

الشيخ: وفي هذا كما لا يخفى حُسن خُلقه ﷺ وتواضعه، وعنايته بأهله؛ حتى ذهب إلى علي في المسجد ليوقظه بسبب ما جرى بينه وبين زوجه فاطمة من المغاضبة، فوجده نائمًا في المسجد قد سقط رداؤه عن شقه، علِق به التراب، فجعل يمسح عنه التراب ويقول: قم أبا تراب، قم أبا تراب، هذا واضح في تواضعه العظيم، وحسن خلقه عليه الصلاة والسلام والعناية بالأهل والأقارب، وكان عليٌّ يحب هذا اللقب، وهو لقب باسم الكنية: أبا تراب؛ لهذا التراب الذي أصابه من تراب المسجد.

وفي هذا أن المساجد كانت ذاك الوقت غير مفروشة، فيه تواضع المسلمين، وعدم اكتراثهم بالتراب ونحوه كالرمل ونحوه، وكانوا يصلون على التراب والرمال والحصباء.

س:..........

الشيخ: الوجوب إذا نودي، وأما السنة التبكير.

س: متى الساعة الأولى؟

الشيخ: الله أعلم، بعد صلاة الفجر أو بعد طلوع الشمس محتمل، والأقرب أنه بعد طلوع الشمس؛ لأن اليوم عند العرب ما بين طلوعها وغروبها، الصفرة مضمومة إلى الليل، وإن بكَّر بعد صلاة الفجر فيُرجى له فيه الخير.

بَاب مَنْ زَارَ قَوْمًا فَقَالَ عِنْدَهُمْ

6281 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبِيِّ ﷺ نِطَعًا، فَيَقِيلُ عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطَعِ» قَالَ: «فَإِذَا نَامَ النَّبِيُّ ﷺ أَخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ وَشَعَرِهِ، فَجَمَعَتْهُ فِي قَارُورَةٍ، ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِي سُكٍّ» قَالَ: فَلَمَّا حَضَرَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الوَفَاةُ، أَوْصَى إِلَيَّ أَنْ يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ، قَالَ: فَجُعِلَ فِي حَنُوطِهِ.

الشيخ: والحنوط هو الطِّيب الذي يجعل على الميت، الحنوط يطلق على الأطياب التي تعد للميت يطيَّب بها، يقال لها: حنوط، مثل الحديث الذي رواه الشيخان عن ابن عباس في قصة الذي مات وهو مُحْرِم قال: لا تحنطوه، يعني: لا تمسوه طيبًا، وفي هذا عناية الصحابة به عليه الصلاة والسلام، وحرصهم على الاستفادة منه عليه الصلاة والسلام حتى من عرقه عليه الصلاة والسلام؛ لما جعل الله في عرقه وما مس جسده من البركة والخير، عليه الصلاة والسلام.

س:..........

الشيخ: على بدن الميت، في مغابن الميت، في رأسه ولحيته وآباطه، ويطيب ركبتيه، وجميع بدنه، كذلك الكفن يطيب.

س:..........

الشيخ: خاص به عليه الصلاة والسلام، لا يتبرك بغيره، كانوا يتبركون بعرقه وبصاقه وبما مس جسده عليه الصلاة والسلام، ولهذا لم يفعله الصحابة مع الصديق ولا مع عمر ولا مع عثمان ولا مع علي، ولا مع غيرهم من كبار الصحابة؛ ولأن هذا مع غيره قد يفضي بأهله إلى الشرك والغلو بخلاف معه ﷺ؛ فإنه يبين لهم ويوضح لهم ما يجب عليهم وقد خصه الله............. خاصة عليه الصلاة والسلام.

6282 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا ذَهَبَ إِلَى قُبَاءٍ، يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا البَحْرِ، مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ، أَوْ قَالَ: مِثْلَ المُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ - شَكَّ إِسْحَاقُ - قُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا البَحْرِ، مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ، أَوْ: مِثْلَ المُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ فَرَكِبَتِ البَحْرَ زَمَانَ مُعَاوِيَةَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ البَحْرِ، فَهَلَكَتْ.

الشيخ: اللهم ارض عنها، وهذا يدل على أن الميت في سبيل الله من ضمن الغزاة، ومن ترجى له الشهادة، ولهذا قال: أنت من الأولين، وهي ليس عليها جهاد، ولكنها مع زوجها عبادة، فلما نزلت من البحر قدمت لها دابتها وركبتها صرعت عنها، صارت بها موتها، فكانت من الغزاة في سبيل الله؛ لأنها من الغزاة، وفي عون الغزاة.

بَاب الجُلُوسِ كَيْفَمَا تَيَسَّرَ

6284 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ: اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَالِاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِ الإِنْسَانِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَالمُلاَمَسَةِ وَالمُنَابَذَةِ" تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.

الشيخ: هاتان البيعتان والجلستان قد نهيا عنهما: فالجلستان اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء من جهة السماء، واشتمال الصماء. ...... في ثوب واحد يغطي به بدنه، وهو قطعة من الثياب فإذا لفلف بها ثم تحرك لحاجة قد تبدو عورته؛ لأنها صماء فلها منفذ يصون عورته منه فهي تفضي به إلى ظهور العورة، فينبغي للإنسان أن يلبس لباسًا يعينه على ستر عورته كالقميص والسراويل والأزر ونحو ذلك، أما يتلف بثوب واحد يتجلل به ويتلفلف به فإن هذا قد يفضي عند الحركة أو القيام مع الغفلة إلى ظهور العورة، وأما الاحتباء بثوب وحده كونه..... على أسفل ظهره وعلى ساقيه وهو جالس ناصب ساقيه، هذا الاحتباء عندهم، ينصب ساقيه ويعتمد على إليتيه وهو جالس ويدر الثوب على أسفل ظهره وعلى ساقيه، حتى كأنه...... يعينه على الجلوس، لكن لقلة مبالاة الجاهلية بالعورات تكون العورة مكشوفة من جهة السماء، فالذي يقف عليه أو يمر عليه قد يرى عورته وهو قريب منه، فنهوا عن ذلك حرصًا على ستر العورات.

فإذا كان على عورته شيء كالسراويل أو الإزار؛ فلا بأس بهذه الجلسة الاحتبائية.

والبيعتان: الملامسة والمنابذة، الملامسة يقول: أي ثوب لمسته فهو عليك بكذا، أو أي ثوب لمسه فلان فهو عليه بكذا، والمنابذة: أي ثوب نبذته إليك فهو عليك بكذا، أو أي ثوب نبذه إليك فلان فهو عليك بكذا؛ لأنه يفضي إلى الغرر، فاللمس والنبذ من دون تقليب ومن دون نظر، قد يفضي إلى الغرر فيشتري شيئًا لا يساوي ثمنه، فنهوا عن ذلك حتى ينظر ويتأمل، يقلب الثوب، ويقلب الحاجة حتى يكون على بينة فيعلمها، وحتى يقدم على شرائها وهو على علم؛ لأن الرسول نهى عن الغرر عليه الصلاة والسلام، والمسلم أخو المسلم لا يغره، فإذا باعه على هذا الوجه فقد يفضي إليه ثوبًا ما يساوي ما قاله، أي ثوب لمسته عليك بمائة ريال، قد لا يساوي إلا خمسين أو أقل، وأي ثوب نبذته إليك أو نبذه إليك فلان فهو عليك بكذا، قال: ذاك نعم، هذا غلط، ولو رضي به، غرر عليه يضره، يندم بعد ذلك، فقد ينبذ إليه ما يساوي مائة، ويقول هو عليك بألف، فلا يصلح حتى يقلبه وينظر فيه.

س: النهي؟

الشيخ: للتحريم.

س:..........

الشيخ: المقصود العلم، إذا علم ما في الدكان من الأصناف التي يبيعها عليه، أما إذا كان.. مكبوس ما يرى أوله من آخره ما يصح. أيش قال عليه الشارح؟

الطالب: قَوْله: (بَاب الْجُلُوس كَيفَ مَا تَيَسَّرَ) سَقَطَ لَفْظُ بَابِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ.

حَدِيث أَبِي سَعِيد فِي النَّهْي عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَبَيْعَتَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحه فِي سَتْر الْعَوْرَة مِنْ كِتَاب الصَّلَاة وَفِي كِتَاب الْبُيُوع، قَالَ الْمُهَلَّب: هَذِهِ التَّرْجَمَة قَائِمَة مِنْ دَلِيل الْحَدِيث، وَذَلِكَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ حَالَتَيْنِ فَفُهِمَ مِنْهُ إِبَاحَة غَيْرهمَا مِمَّا تَيَسَّرَ مِنْ الْهَيْئَات وَالْمَلَابِس إِذَا سَتَرَ الْعَوْرَة. قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّ الْمُنَاسَبَة تُؤْخَذ مِنْ جِهَة الْعُدُول عَنْ النَّهْي عَنْ هَيْئَة الْجُلُوس إِلَى النَّهْي عَنْ لِبْسَتَيْنِ يَسْتَلْزِم كُلّ مِنْهُمَا اِنْكِشَاف الْعَوْرَة، فَلَوْ كَانَتْ الْجِلْسَة مَكْرُوهَة لِذَاتِهَا لَمْ يَتَعَرَّض لِذِكْرِ اللُّبْس، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهْي عَنْ جِلْسَة تُفْضِي إِلَى كَشْف الْعَوْرَة وَمَا لَا يُفْضِي إِلَى كَشْف الْعَوْرَة يُبَاح فِي كُلّ صُورَة.

الشيخ: وهذا استنباط دقيق من المؤلف، يعني استنبط من الجلوس كيفما تيسر منه النهي عن لبستين، يعني لما نهى عن لبستين وسكت عن الجلوس؛ دل ذلك على أنه يجلس كيفما تيسر له، يجلس مثلاً متربع، يجلس محتبٍ، يجلس مقعٍ، يجلس على رجل وينصب رجله، يعني كيفما شاء من الجلسات التي تمكنه؛ لأنه إنما نهاه عن الجلستين ولم يتعرض للجلوس؛ فاستنبط المؤلف من هذا أنه يجلس كيفما تيسر له متربعًا أو محتبيًا أو جالسًا على رجله اليسرى ناصبًا اليمنى، أو غير ذلك من الجلسات التي يستطيعها أو تناسبه؛ لأنها ليس فيها حد محدود، رحمه الله، استنباط دقيق.

بَاب مَنْ نَاجَى بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ، وَمَنْ لَمْ يُخْبِرْ بِسِرِّ صَاحِبِهِ، فَإِذَا مَاتَ أَخْبَرَ بِهِ

6285 - حَدَّثَنَا مُوسَى، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا فِرَاسٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ المُؤْمِنِيِنَ، قَالَتْ: إِنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَهُ جَمِيعًا، لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها تَمْشِي، لاَ وَاللَّهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ: مَرْحَبًا بِابْنَتِي ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ، فَقُلْتُ لَهَا أَنَا مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ: خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالسِّرِّ مِنْ بَيْنِنَا، ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَأَلْتُهَا: عَمَّا سَارَّكِ؟ قَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ، قُلْتُ لَهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ لَمَّا أَخْبَرْتِنِي، قَالَتْ: أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ، فَأَخْبَرَتْنِي، قَالَتْ: أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الأَمْرِ الأَوَّلِ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي: أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ العَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أَرَى الأَجَلَ إِلَّا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي، فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، قَالَ: يَا فَاطِمَةُ، أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ.

الشيخ: اللهم ارض عنها، أيش قال الشارح؟

الطالب: قَوْله: (بَاب مَنْ نَاجَى بَيْن يَدَيْ النَّاس وَلَمْ يُخْبِر بِسِرِّ صَاحِبه، فَإِذَا مَاتَ أَخْبَرَ بِهِ)

ذَكَرَ فِيهِ حَدِيث عَائِشَة فِي قِصَّة فَاطِمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا إِذْ بَكَتْ لَمَّا سَارَّهَا النَّبِيّ ﷺ ثُمَّ ضَحِكَتْ لَمَّا سَارَّهَا ثَانِيًا فَسَأَلَتهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: مَا كُنْت لِأُفْشِيَ، وَفِيهِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْ بِذَلِكَ بَعْد مَوْته، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحه فِي الْمَنَاقِب وَفِي الْوَفَاة النَّبَوِيَّة. قَالَ اِبْن بَطَّال: مُسَارَرَة الْوَاحِد مَعَ الْوَاحِد بِحَضْرَةِ الْجَمَاعَة جَائِز؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يُخَاف مِنْ تَرْك الْوَاحِد لَا يُخَاف مِنْ تَرْك الْجَمَاعَة. قُلْت: وَسَيَأْتِي إِيضَاح هَذَا بَعْد بَاب، قَالَ: وَفِيهِ: أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي إِفْشَاء السِّرّ إِذَا كَانَتْ فِيهِ مَضَرَّة عَلَى السِّرّ؛ لِأَنَّ فَاطِمَة لَوْ أَخْبَرَتْهُنَّ لَحَزِنَّ لِذَلِكَ حُزْنًا شَدِيدًا، وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَتْهُنَّ أَنَّهَا سَيِّدَة نِسَاء الْمُؤْمِنِينَ لَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ وَاشْتَدَّ حُزْنهنَّ، فَلَمَّا أَمِنَتْ مِنْ ذَلِكَ بَعْد مَوْتهنَّ أَخْبَرَتْ بِهِ.

الشيخ: ما هو صحيح الكلام هذا، صوابه بعد وفاة النبي ﷺ.

الطالب: في العيني: ولما أمنت فاطمة بعد موت النبي ﷺ أخبرت بذلك.

الشيخ: نعم بعد موته.

 الطالب: قُلْتُ: أَمَّا الشِّقُّ الْأَوَّلُ فَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: فِيهِ جَوَازُ إِفْشَاءِ السِّرِّ إِذَا زَالَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إِفْشَائِهِ مِنَ الْمَضَرَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي السِّرِّ الْكِتْمَانُ وَإِلَّا فَمَا فَائِدَتُهُ.

الشيخ: يكفي، المقصود أن في هذا دلالة على فضلها، ومنقبة لها عظيمة رضي الله عنها، وعلى حب النبي لها عليه الصلاة والسلام كثيرًا، وفيه أنها سيدة نساء المؤمنين، سيدة نساء أهل الجنة، سيدة نساء هذه الأمة، هذا استدل به جمع كثير من أهل العلم على تقديمها على عائشة وعلى خديجة، وقال آخرون: بل عائشة مقدمة على الجميع؛ لقوله ﷺ: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، ولكن حديث فاطمة هذا صريح واضح في تفضيلها رضي الله عنها وأرضاها، وفي هذا أنه لا ينبغي إفشاء السر إذا كان يترتب عليه مضرة ومشقة، حتى إذا زال المحظور فلا بأس بإفشاء السر؛ لأنها لو أخبرتهن أنه أخبرها أن أجله قريب شق عليهن ذلك، ولهذا كتمت حتى توفي عليه الصلاة والسلام، وفي هذا أنه ﷺ أخبرها أن جبرائيل عرض له القرآن مرتين في العام الأخير يعني ختم عليه القرآن مرتين، قرأه عليه مرتين، قال: ولا أرى ذلك إلا لقرب أجلي، الأجل قد قرب فلهذا بكت رضي الله عنها، فلما أخبرها أنها سيدة نساء أهل الجنة، أو قال: سيدة هذه الأمة، ضحكت ثم كتمت ذلك، ولم تخبر به أزواج النبي ﷺ في حياته عليه الصلاة والسلام، ولما توفي زال المحظور فأخبرتهن رضي الله عنها وأرضاها.

س:.........

الشيخ: لا بأس، لكن رضي الله عنها أكثر، كبقية الصحابة يكون أوْلى، وإذا قيل عليها السلام أو على علي أو على عثمان أو على الصديق أو على عمر؛ لا بأس، لكن لا يتخذ شعارًا لبعض الناس دون بعض، الأفضل في مثل هذا الترضي عنهم؛ لئلا يخص أحد بذلك فيفضي إلى الغلو، أما إذا كان على وجه في بعض الأحيان من غير استمرار في ذلك ومن غير اتخاذه شعارًا لواحد دون واحد؛ فلا بأس.

س: تخصيص علي دون الصحابة بكلمة: كرم الله وجهه؟

الشيخ: كذلك، الظاهر أنه مما أحدثه الرافضة.

س: الموجود في المتن والشرح: عليها السلام، هل هذا من تصرف المؤلف؟

الشيخ: محتمل أنه من عائشة، ومحتمل أنه ممن دونها.

بَاب الِاسْتِلْقَاءِ

6287 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي المَسْجِدِ مُسْتَلْقِيًا، وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى».

الشيخ: وهذا يدل على جواز ذلك، وأنه لا بأس أن يستلقي الإنسان في المسجد أو في بيته ويضع إحدى رجليه على الأخرى إذا كانت العورة مستورة فلا بأس، ولهذا فعله النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا استلقى ووضع إحدى رجليه على الأخرى لا حرج في ذلك، وما ورد من النهي في حديث آخر فهو محمول على ما إذا كانت العورة قد تنكشف، أما إذا كانت العورة محفوظة فلا حرج في ذلك.

س: من قرأ في المصحف وهو مستلق؟

الشيخ: لا حرج يقرأ قائمًا وقاعدًا إذا ستر العورة، والعورة ما بين السرة والركبة.

س:........

الشيخ: نعم الفخذ من العورة.

بَاب لاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى - إِلَى قَوْلِهِ - وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ [آل عمران:122] وَقَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المجادلة:12]- إِلَى قَوْلِهِ - وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [آل عمران:153].

6288 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، ح وحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا كَانُوا ثَلاَثَةٌ، فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ.

بَاب حِفْظِ السِّرِّ

6289 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: «أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ سِرًّا، فَمَا أَخْبَرْتُ بِهِ أَحَدًا بَعْدَهُ، وَلَقَدْ سَأَلَتْنِي أُمُّ سُلَيْمٍ فَمَا أَخْبَرْتُهَا بِهِ».

الشيخ: في الرواية الأخرى أنها قالت لما قال لها إنه سر رسول الله قالت: لا تخبر بسر رسول الله أحدًا، تقول له أمه رضي الله عنها وأرضاها...... لأن السر أمانة، فالأمانات يجب حفظها وكتمانها وعدم إفشاء الناس لها حيث لا يأذن صاحبها أو يكون في إفشاء السر مضرة.

بَاب إِذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةٍ فَلاَ بَأْسَ بِالْمُسَارَّةِ وَالمُنَاجَاةِ

6290 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ : قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً، فَلاَ يَتَنَاجَى رَجُلاَنِ دُونَ الآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ، أَجْلَ أَنْ ذلك يُحْزِنَهُ.

الشيخ: تكلم عليه الشارح؟

الطالب: قَوْلُهُ: أَجْلَ أَنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ أَيْ مِنْ أَجْلِ، وَكَذَا هُوَ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ بِزِيَادَةِ مِنْ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ نَطَقُوا بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْقَاطِ مِنْ، وَذَكَرَ لِذَلِكَ شَاهِدًا، وَيَجُوزُ كَسْرُ هَمْزَةِ إِنَّ ذَلِكَ، وَالْمَشْهُورُ فَتْحُهَا، قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ يُحْزِنُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ نَجَوَاهُمَا...

الشيخ: العيني كذلك.

الطالب: ذكر الرواية قال: ويروى: من أجل أن يحزنه..

الشيخ: بس.

الطالب: نعم.

الشيخ: يكفي، وهذا من محاسن الشريعة ومن مكارم الأخلاق أنهم إذا كانوا ثلاثة ما يتناجى اثنان سواء كانوا رجال أو نساء، رجلان، عبّر بالرجال والمراد الرجال والنساء جميعًا، الحكم عام، الأحكام عامة في الرجال والنساء، فإذا كان ثلاثة رجال أو ثلاث نساء فلا يتناجى اثنان أو اثنتان دون الثالث أو الثالثة؛ لأن هذا يحزن المتروك، وربما ظن أنهما يتناجيان فيه فيحزنه ذلك، أما إذا كانوا أكثر فلا بأس أو اختلطوا بالناس، إذا اختلطوا بالناس فلا بأس.

وهكذا لو كانوا أربعة فلا يتناجى ثلاثة دون الرابع، أو خمسة فلا يتناجى أربعة دون الخامس، وهكذا؛ لأن هذا يشق عليه ويحزنه، ومن مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال: عدم إحزان الجليس، وعدم إيذاء الجليس.

وهكذا ولو كان الحديث بلغة أجنبية ما يعرفها الثالث فهذا مثل المسارة، إذا تحدثا بلغة لا يعقلها لا يفهمهما الثالث، أو تحدث ثلاثة بلغة لا يعرفها الرابع فهو من جنس المسارة؛ لأن هذا يحزنه ويشق عليه.

6291 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمًا قِسْمَةً، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، قُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ لَآتِيَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي مَلَإٍ فَسَارَرْتُهُ، فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى مُوسَى، أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ.

الشيخ: أيش قال عليه؟ الأخير؟

الطالب: قَوْلُهُ: (بَاب إِذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَا بَأْسَ بِالْمُسَارَّةِ وَالْمُنَاجَاةِ).

أَيْ مَعَ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، وَسَقَطَ بَابٌ لِأَبِي ذَرٍّ، وَعَطْفُ الْمُنَاجَاةِ عَلَى الْمُسَارَّةِ مِنْ عَطْفِ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ، إِذَا كَانَ بِغَيْرِ لَفْظِهِ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا مُغَايَرَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْمُسَارَّةَ وَإِنِ اقْتَضَتِ الْمُفَاعَلَةَ لَكِنَّهَا بِاعْتِبَارِ مَنْ يُلْقِي السِّرَّ وَمَنْ يُلْقَى إِلَيْهِ، وَالْمُنَاجَاةُ تَقْتَضِي وُقُوعَ الْكَلَامِ سِرًّا مِنَ الْجَانِبَيْنِ.

الشيخ: بعده.

الطالب: قَوْله: عَن عبد الله: هُوَ ابن مَسْعُود، قَوْله: فَلَا يَتَنَاجَى.

الشيخ: بعده، يرحم الله موسى. تكلم العيني عليه؟

الطالب: يقول: تقدم.

س: إذا كانت بين مسلمين وجارهم غير مسلم؟

الشيخ: ولو، ما دام معهما في المجلس وأشد وأشد في الإثم إذا كان ما هو مسلم، أشد وأشد صار الظن أقرب أنهم يتناجون فيه.

الطالب: حَدِيث اِبْن مَسْعُود فِي قِصَّة الَّذِي قَالَ: "هَذِهِ قِسْمَة مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْه اللَّه" وَالْمُرَاد مِنْهُ قَوْل اِبْن مَسْعُود: "فَأَتَيْته وَهُوَ فِي مَلَإٍ فَسَارَرْته" فَإِنَّ فِي ذَلِكَ دَلَالَة عَلَى أَنَّ الْمَنْع يَرْتَفِع إِذَا بَقِيَ جَمَاعَة لَا يَتَأَذَّوْنَ بِالسِّرَارِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ أَصْل الْحُكْم مَا إِذَا أَذِنَ مَنْ يَبْقَى سَوَاء كَانَ وَاحِدًا أَمْ أَكْثَر لِلِاثْنَيْنِ فِي التَّنَاجِي دُونه أَوْ دُونهمْ فَإِنَّ الْمَنْع يَرْتَفِع لِكَوْنِهِ حَقّ مَنْ يَبْقَى، وَأَمَّا إِذَا اِنْتَجَى اِثْنَانِ اِبْتِدَاء وَثَمَّ ثَالِث كَانَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَع كَلَامهمَا لَوْ تَكَلَّمَا جَهْرًا فَأَتَى لِيَسْتَمِع عَلَيْهِمَا فَلَا يَجُوز، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا مَعَهُمَا أَصْلًا.  وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُصَنِّف فِي الْأَدَب الْمُفْرَد مِنْ رِوَايَة سَعِيد الْمَقْبُرِيُّ قَالَ: "مَرَرْت عَلَى اِبْن عُمَر وَمَعَهُ رَجُل يَتَحَدَّث فَقُمْت إِلَيْهِمَا، فَلَطَمَ صَدْرِي وَقَالَ: إِذَا وَجَدْت اِثْنَيْنِ يَتَحَدَّثَانِ فَلَا تَقُمْ مَعَهُمَا حَتَّى تَسْتَأْذِنهُمَا" زَادَ أَحْمَد فِي رِوَايَته مِنْ وَجْه آخَر عَنْ سَعِيد: "وَقَالَ: أَمَا سَمِعْت أَنَّ النَّبِيّ ﷺ قَالَ: إِذَا تَنَاجَى اِثْنَانِ فَلَا يَدْخُل مَعَهُمَا غَيْرهمَا حَتَّى يَسْتَأْذِنهُمَا" قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: لَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُل عَلَى الْمُتَنَاجِيَيْنِ فِي حَال تَنَاجِيهمَا.  قُلْت: وَلَا يَنْبَغِي لِدَاخِلٍ الْقُعُود عِنْدهمَا وَلَوْ تَبَاعَدَ عَنْهُمَا إِلَّا بِإِذْنِهِمَا، لَمَّا اِفْتَتَحَا حَدِيثهمَا سِرًّا وَلَيْسَ عِنْدهمَا أَحَد دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادهمَا أَلَّا يَطَّلِع أَحَد عَلَى كَلَامهمَا.  وَيَتَأَكَّد ذَلِكَ إِذَا كَانَ صَوْت أَحَدهمَا جَهُورِيًّا لَا يَتَأَتَّى لَهُ إِخْفَاء كَلَامه مِمَّنْ حَضَرَهُ، وَقَدْ يَكُون لِبَعْضِ النَّاس قُوَّة فَهْم بِحَيْثُ إِذَا سَمِعَ بَعْض الْكَلَام اِسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى بَاقِيه، فَالْمُحَافَظَة عَلَى تَرْك مَا يُؤْذِي الْمُؤْمِن مَطْلُوبَة وَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْمَرَاتِب.  وَقَدْ أَخْرَجَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ فِي جَامِعه عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد قَالَ: "قَالَ اِبْن عُمَر فِي زَمَن الْفِتْنَة: أَلَا تَرَوْنَ الْقَتْل شَيْئًا وَرَسُول اللَّه ﷺ يَقُول" فَذَكَرَ حَدِيث الْبَاب وَزَادَ فِي آخِره: تَعْظِيمًا لِحُرْمَةِ الْمُسْلِم، وَأَظُنّ هَذِهِ الزِّيَادَة مِنْ كَلَام اِبْن عُمَر اِسْتَنْبَطَهَا مِنْ الْحَدِيث.  فَأُدْرِجَتْ فِي الْخَبَر، وَاَللَّه أَعْلَم. قَالَ النَّوَوِيّ: النَّهْي فِي الْحَدِيث لِلتَّحْرِيمِ إِذَا كَانَ بِغَيْرِ رِضَاهُ.  وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر: إِلَّا بِإِذْنِهِ، أَيْ صَرِيحًا كَانَ أَوْ غَيْر صَرِيح، وَالْإِذْن أَخَصّ مِنْ الرِّضَا؛ لِأَنَّ الرِّضَا قَدْ يُعْلَم بِالْقَرِينَةِ فَيُكْتَفَى بِهَا عَنْ التَّصْرِيح، وَالرِّضَا أَخَصّ مِنْ الْإِذْن مِنْ وَجْه آخَر؛ لِأَنَّ الْإِذْن قَدْ يَقَع مَعَ الْإِكْرَاه وَنَحْوه، وَالرِّضَا لَا يُطَّلَع عَلَى حَقِيقَته، لَكِنْ الْحُكْم لَا يُنَاط إِلَّا بِالْإِذْنِ الدَّالّ عَلَى الرِّضَا.

الشيخ: المقصود من هذا أن المناجاة بين الاثنين إذا كانا في المجلس أو واقفين ما ينبغي الدخول معهما في ذلك إلا بإذنهما؛ لأنهما قد يكرهان ذلك، قد لا يحبان يطلعان على ذلك، فلا ينبغي لمن رآهما يتناجيان أن يجلس عندهما أو يقف معهما إلا بإذنهما، وهذا أمر واضح، لكن لو استأذنهما وأذنا له؛ فلا بأس بذلك، أو استأذناه للتناجي وهو جالس عندهم قالوا: استسمح لنا، لأن لنا حاجة أن نتناجى؛ فلا بأس.

بَاب طُولِ النَّجْوَى

وَقَوْلُهُ: وَإِذْ هُمْ نَجْوَى [الإسراء:47]: مَصْدَرٌ مِنْ نَاجَيْتُ، فَوَصَفَهُمْ بِهَا، وَالمَعْنَى: يَتَنَاجَوْنَ.

6292 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ: «أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، وَرَجُلٌ يُنَاجِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَمَا زَالَ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى».

الشيخ: وهذا يدل على تواضعه العظيم وصبره عليه الصلاة والسلام، ولعل الأمر كان مهمًّا فلهذا صبر عليه، عليه الصلاة والسلام.......

بَاب لاَ تُتْرَكُ النَّارُ فِي البَيْتِ عِنْدَ النَّوْمِ

6293 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لاَ تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ.

6294 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ: احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمُ النَّبِيُّ ﷺ، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ.

6295 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ كَثِيرٍ هُوَ ابْنُ شِنْظِيرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: خَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَأَطْفِئُوا المَصَابِيحَ، فَإِنَّ الفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا جَرَّتِ الفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ البَيْتِ.

الشيخ: لا خير إلا دلّ عليه، ولا شرّ إلا حذر منه، اللهم صل عليه، وهذا مما يتعين على المؤمن أن يأخذ به ويتأدب به، فإن إغلاق الأبواب مما يعين على حفظ البيوت وحمايتها من اللصوص، وكذلك إكفاء الأواني أو تغطيتها بما يحميها ويقيها مما قد يقع فيها مما يضر أهلها، وهكذا إطفاء النار وعدم تركها، كل هذا مما يحتاجه المؤمن وربما وقع شيء فساءت العاقبة، فينبغي الحيطة والأخذ بما أرشد إليه عليه الصلاة والسلام، ويبتعد بذلك عن أسباب الخطر.

س:........

الشيخ: الظاهر -والله أعلم- أنها غير داخلة في هذا؛ لأن هذه مقصودة لدفء المحل، ما هو مقصود النور، ثم هذه ما هي نار، هذه قوة خاصة داخلية تحصل بها الحاجة التي من أجلها وجدت وهي الدفء أو التبريد ولا يحصل بها خطر في الغالب، بخلاف الأنوار التي لا حاجة إليها؛ تطفأ لأن الناس ينامون وما لهم حاجة في النور.

بَاب إِغْلاَقِ الأَبْوَابِ بِاللَّيْلِ

6296 - حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ أَبِي عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَطْفِئُوا المَصَابِيحَ بِاللَّيْلِ إِذَا رَقَدْتُمْ، وَغَلِّقُوا الأَبْوَابَ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ - قَالَ هَمَّامٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ - وَلَوْ بِعُودٍ يَعْرُضُهُ.

الشيخ: أيش قال على حسان هذا؟

الطالب: أخرجه عن حسان بفتح الحاء المهملة وتشديد السين ابن أبي عباد بفتح العين وتشديد الباء الموحدة واسم أبي عباد حسان أيضا وهو أبو..... البصري سكن مكة، ومات سنة ثلاث عشرة ومائتين، وهو من أفراد البخاري.

الشيخ: طيب. ومن كبار شيوخه أيضاً ما دام مات سنة ثلاث عشرة ومائتين، فهو من الكبار، ما تعرض له الحافظ، شف التقريب: حسان بن أبي عباد.

بَاب الخِتَانِ بَعْدَ الكِبَرِ وَنَتْفِ الإِبْطِ

6297 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الفِطْرَةُ خَمْسٌ: الخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ.

6298 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَاخْتَتَنَ بِالقَدُومِ مُخَفَّفَةً، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا المُغِيرَةُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَقَالَ: بِالقَدُّومِ وَهُوَ مَوْضِعٌ مُشَدَّدٌ.

الشيخ: ولعله عليه الصلاة والسلام إنما أوحي إليه ذلك بعد كبر سنه، ولهذا اختنن وهو ابن ثمانين؛ لأن الشرع لما يأته إلا بذاك الوقت ولم يأمر به إلا ذاك الوقت، فلهذا تأخر، والسنة في شريعتنا التبكير بذلك قبل كبر الغلام؛ لأنه أسهل كلما كان في الصغر فهو أسهل، وكلما كبر الغلام يشتد عليه الختان، ولهذا الأفضل أن يبادر به ويسارع به في الصغر؛ لأنه أسرع برءًا، وهو سنة مؤكدة، وقد ذهب ابن عباس وجماعة إلى وجوبه، وهذه الأمور الخمسة كلها من الفطرة، قال: الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وقلم الظفر، ونتف الآباط، وقد ثبت في الصحيح عن أنس قال: وقّت لنا في قص الشارب وقلم الظفر ونتف الإبط وحلق العانة ألا ندعها أكثر من أربعين ليلة، وهكذا رواه أحمد والنسائي وجماعة، قال: (وقّت لنا رسول الله ﷺ في قص الشارب وقلم الظفر ونتف الإبط وحلق العانة ألا يترك ذلك أكثر من أربعين ليلة) فلا ينبغي للرجل ولا للمرأة تأجيل ذلك فوق الأربعين، بل يتعاهد في الأربعين؛ فأقل قص الشارب وقلم الظفر ونتف الإبط وحلق العانة؛ لأنها إذا زادت صار فيها شيء من الفحش وربما حصل بسببها..... في الآباط، ووسخ في الأظفار، وطول في الشارب، حتى يرتخي على الشراب والطعام، فالمقصود أن هذا كله مما جاء به سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، فينبغي للمؤمن أن يتعاهد ذلك، وظاهر الأوامر الوجوب، أنه يجب تعاهد هذه الأمور في الأربعين، ولهذا قال ابن حزم: اتفق العلماء على أن قص الشارب وإعفاء اللحية أمر مشترط.

الطالب: حسان بن حسان أبو علي ابن أبي عباد البصري، نزيل مكة، صدوق يخطىء، من العاشرة، مات سنة ثلاث عشرة "خ".

الشيخ: بس؟

الطالب: نعم.

س:.........

الشيخ: الفأرة، ربما كانوا من أول يتخذون السرج فيها فتائل على الزيت والدهن، وربما جرت الفتيلة لأجل ريح الدهن والزيت، وربما جرت الفتيلة على المتاع فتشتد النار على الأمتعة، وبكل حال فقد يختل الكهرب أيضاً فإطفاء السرج أمر مشروع.

س: الختان مشروع للجنسين؟

الشيخ: مشروع للجنسين، نعم.

س: الصارف عن الوجوب في الختان؟

الشيخ: المعروف في الختان: ليس بالأمر، إنما هو الإخبار أنه سنة، بخلاف قص الشارب جاءت فيه الأوامر، وجاء في الأخرى: وقّت لنا.

س: من لم يختتن يأثم؟

الشيخ: الجمهور على السنية، وذهب أحمد رحمه الله وابن عباس وجماعة إلى الوجوب.

س: من لم يختتن يأثم؟

الشيخ: من قال بالوجوب يأثم، ومن قال بأنه سنة لا يأثم، والذي ينبغي فعله كما قال ابن عباس.. وقال النبي لبعض الصحابة لما أسلم: ألق عنك شعر الكفر واختتن لكن في سنده ضعف.

س: اختتان النساء؟

الشيخ: يستحب، إذا تيسّر من يحسن ذلك.

س:.........

الشيخ: قد يتعرض لكشف العورة، ولو ما هو واجب، العلاج ما هو بواجب، ومع هذا يجوز كشف العورة للعلاج، ولو ترك الإنسان التطبب والعلاج لا يأثم. وكشف العورة يجوز للمصالح المهمة والحاجات المهمة.

س: دليل اختتان النساء؟

الشيخ: العموم، الفطرة خمس، وجاء في بعض الروايات التصريح بذلك.

س:.........

الشيخ: هذا رواه مسلم في الصحيح: عشرة من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية،..... البراجم، وقص الشارب، وقلم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء يعني الاستنجاء.

س: المرأة تختتن ولو كبرت؟

الشيخ: إذا كان ما يخشى الخطر على الكبير: الرجل والمرأة، أما لو كان يخشى شيئًا؛ يسقط.

س: قوله: وقت لنا.. صحيح؟

الشيخ: نعم،  إذا قال الصحابي وقّت لنا أو أمرنا معناه: النبي ﷺ.

6299 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِالرَّحِيمِ، أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ حِينَ قُبِضَ النَّبِيُّ ﷺ؟ قَالَ: أَنَا يَوْمَئِذٍ مَخْتُونٌ قَالَ: وَكَانُوا لاَ يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ.

6300 - وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «قُبِضَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَنَا خَتِينٌ».

الشيخ: وفي... الروايات في الصحيحين أنه كان في حجة الوداع كان قد ناهز الاحتلام، وكانت العرب في جاهليتها تؤجل الختان إلى أن يرتفع الصبي، ولكن بالتجارب وبسؤال أهل الطب والمعرفة يقولون: إن ختانه كلما كان أصغر فهو أسهل وأسرع برءًا وأقل مؤنة.

6300 - وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «قُبِضَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَنَا خَتِينٌ».

بَاب كُلُّ لَهْوٍ بَاطِلٌ إِذَا شَغَلَهُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [لقمان:6].

6301 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللَّاتِ وَالعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ.

الشيخ: وجه ذلك أن الدعوة إلى الحلف باللات والعزى ونحو ذلك نوع من الشرك، وقول لا إله إلا الله توحيد وإخلاص، والشرك يكفّر بالتوحيد والإخلاص، ولهذا قال: من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله، يعني ليجدد إسلامه، ويجدد دينه، ويجدد توحيده؛ لأن هذه الكلمة كلمة جاهلية، الحلف باللات والعزى لتعظيم هذين الصنمين، فمن قال ذلك فقد أتى بأمر الجاهلية، فليجدد ما نطق به لسانه من مشاعر الشرك ومظاهر الشرك، فيجدد هذا بالتوحيد لله، وقول لا إله إلا الله، أي: لا معبود حق إلا الله، وتقدم ما روى عمر في مسند أحمد رحمه الله بإسناد جيد عن النبي ﷺ أنه قال: من حلف بشيء دون الله فقد أشرك... قول ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه قال: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك وقول ﷺ: من حلف بالأمانة فليس منا هذا كله يبيّن لنا قبح الحلف بغير الله، وأنه من منكرات الجاهلية، ومن الشرك الذي حرمه الله؛ لكنه يكون تارة أصغر، وتارة أكبر كما تقدم.

س: قوله: بذمتك؟

الشيخ: إن أراد الحلف بالباء، إن أراد الحلف بالذمة: ما يجوز، أما العادة المعروفة عن الناس يقول: في ذمتك؛ يعني أعطني الحقيقة لا تكذب.

س:.........

الشيخ: نعم، القمار الميسر يعني ما يجوز، ولهذا يشرع له التصدق بدل هذا العمل السيئ الذي هو أكل الحرام، تعال أقامرك يعني: تعال نعمل القمار، نلعب القمار.

س: ضابط القمار؟

الشيخ: المخاطرة بالمال، هذا القمار.

بَاب مَا جَاءَ فِي البِنَاءِ

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ إِذَا تَطَاوَلَ رِعَاءُ البَهْمِ فِي البُنْيَانِ.

6302 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «رَأَيْتُنِي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بَنَيْتُ بِيَدِي بَيْتًا يُكِنُّنِي مِنَ المَطَرِ، وَيُظِلُّنِي مِنَ الشَّمْسِ، مَا أَعَانَنِي عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ».

الشيخ: أيش قال عليه الشارح؟

الطالب: قَوْله (رَأَيْتُنِي): بِضَمِّ الْمُثَنَّاة كَأَنَّهُ اِسْتَحْضَرَ الْحَالَة الْمَذْكُورَة فَصَارَ لِشِدَّةِ عِلْمه بِهَا كَأَنَّهُ يَرَى نَفْسه يَفْعَل مَا ذَكَرَ. قَوْله (مَعَ النَّبِيّ ﷺ): أَيْ فِي زَمَن النَّبِيّ ﷺ. قَوْله (يُكِنُّنِي): بِضَمِّ أَوَّله وَكَسْر الْكَاف وَتَشْدِيد النُّون مِنْ أَكَنَّ إِذَا وَقَى، وَجَاءَ بِفَتْحِ أَوَّله مِنْ كَنَّ، وَقَالَ أَبُو زَيْد الْأَنْصَارِيّ: كَنَنْته وَأَكْنَنْته بِمَعْنًى، أَيْ سَتَرْته وَأَسْرَرْته، وَقَالَ الْكِسَائِيّ كَنَنْته صُنْته وَأَكْنَنْته أَسْرَرْته. قَوْله: (مَا أَعَانَنِي عَلَيْهِ أَحَد مِنْ خَلْق اللَّه): هُوَ تَأْكِيد لِقَوْلِهِ: "بَنَيْت بِيَدِي" وَإِشَارَة إِلَى خِفَّة مُؤْنَته . وَوَقَعَ فِي رِوَايَة يَحْيَى بْن عَبْدالْحَمِيد الْحِمَّانِيّ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَة وَتَشْدِيد الْمِيم عَنْ إِسْحَاق بْن سَعِيد السَّعِيدِيّ بِهَذَا السَّنَد عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبِي نُعَيْم فِي الْمُسْتَخْرَجَيْنِ: "بَيْتًا مِنْ شَعْر"، وَاعْتَرَضَ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَلَى الْبُخَارِيّ بِهَذِهِ الزِّيَادَة فَقَالَ: أَدْخَلَ هَذَا الْحَدِيث فِي الْبِنَاء بِالطِّينِ وَالْمَدَر وَالْخَبَر إِنَّمَا هُوَ فِي بَيْت الشَّعْر، وَأُجِيبَ بِأَنَّ رَاوِي الزِّيَادَة ضَعِيف عِنْدهمْ، وَعَلَى تَقْدِير ثُبُوتهَا فَلَيْسَ فِي التَّرْجَمَة تَقْيِيد بِالطِّينِ وَالْمَدَر.

الشيخ: ثم يدل على ضعفها قوله: يكنني من المطر ومن الشمس، فإن الظاهر أنه ليس من الشعر، البيت العادي البنيان المعروف في المدينة، وكان شابًا حين موت النبي ﷺ، كان عمره نحو إحدى وعشرين سنة، فإنه بلغ خمسة عشر يوم أحد، وأجازه النبي ﷺ في قتال أحد، فيكون حين مات النبي ﷺ نحو اثنين وعشرين سنة تقريبًا.

س: قوله مع النبي في زمن النبي؟

الشيخ: نعم يعني بنى البيت وهو في آخر حياة النبي ﷺ.

س:........

الشيخ: لا ما هو على كل حال، من المكروهات يعني؛ لأن الصحابة بنوا ورفعوا البنيان، إذا كان للحاجة ما في شيء، لكن هذا يخبر النبي ﷺ عن العرب، وأنهم بعدما كانوا في رعاء الشاة وفي بيوت الشعر تطاولوا في البينان، هذا من علامات الإقبال على الدنيا، وأمور الساعة، الرسول ما نهى عن هذا، إنما أخبر عنه.

س: الارتفاع الزائد..؟

الشيخ: محل نظر، الشيء الذي ما له حاجة ما ينبغي.

6303 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ، وَلاَ غَرَسْتُ نَخْلَةً، مُنْذُ قُبِضَ النَّبِيُّ ﷺ».

الشيخ: يعني لجهده ورغبته في الآخرة، وحرصه على الاستعداد للآخرة رضي الله عنه وأرضاه، كان بناؤه في حياة النبي ﷺ.

 قَالَ سُفْيَانُ: فَذَكَرْتُهُ لِبَعْضِ أَهْلِهِ، قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ بَنَى بيتًا، قَالَ سُفْيَانُ: قُلْتُ: فَلَعَلَّهُ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ.

الشيخ: نعم إن صح ما قاله، نعم.

س:........

الشيخ: يعني هذا الذي قال هذا الشخص الذي من أهل بيته أنه قال: والله لقد بنى، يعني بنى بعد مقالته هذه، يعني بعدما أخبر بمقالته، هذه لو صح ما قاله هذا القائل.

س: ابن عمر تأثر بقول النبي: كن في الدنيا كأنك غريب؟

الشيخ: نعم لعله.

..........