83 من حديث: (خرج النبي صلى الله عليه و سلم يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبل ولا بعد..)

بَاب القَلائِدِ وَالسِّخَابِ لِلنِّسَاءِ

يَعْنِي: قِلادَةً مِنْ طِيبٍ وَسُكٍّ.

5881- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ وَلا بَعْدُ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ المَرْأَةُ تَصَدَّقُ بِخُرْصِهَا وَسِخَابِهَا".

الشيخ: وهذا فيه فوائد، منها: أن الصلاة تكون قبل الخطبة كالعيدين، يُصلي ثم يخطب الناس، هكذا فعله عليه الصلاة والسلام وخلفاؤه رضي الله عنهم وأرضاهم.

ومنها: أن الإمام إذا لم يسمع النساء لبُعدهنَّ فإنه يأتيهنَّ ويعظهنَّ ويُذكِّرهنَّ؛ لأنهن في حاجةٍ كما أنَّ الرجال في حاجةٍ، فهن في حاجةٍ إلى الوعظ والتذكير والبيان؛ ولهذا كان يعظهنَّ بعد الرجال، ويُذكِّرهن ويحثُّهن على الصَّدقة والتوبة والاستغفار، ومن ذلك قوله لهن في خطبته في العيد: تصدقن وأكثرن من الاستغفار؛ فإني رأيتُكنَّ أكثر أهل النار، فقالت له امرأةٌ: يا رسول الله، ولم؟ قال: لأنكنَّ تُكثرن اللَّعن وتكفرن العشير يعني: الزوج لو أحسن إلى إحداكنَّ الدهر ثم رأت منه شيئًا قالت: ما رأيتُ منك خيرًا قط، ونسيت كل إحسانه في السابق؛ لأنه الغالب على طبيعتهنَّ؛ ولهذا وجب على الأئمة والدُّعاة وعلى العلماء أن يخصُّوهن بشيءٍ من التوجيه والإرشاد.

وهكذا قوله ﷺ لما قالت له امرأةٌ: يا رسول الله، ذهب الرجالُ بحديثك، فاجعل لنا من وقتك يومًا تُحدِّثنا فيه؟ فقال: نعم، فواعدهنَّ وأتاهنَّ وذكَّرهن وعلَّمهنَّ، وأجاب عن أسئلتهنَّ، عليه الصلاة والسلام.

فالمقصود أنَّ الواجب أن يُخَصَّ النساء بشيءٍ، وقد يسَّر الله الآن الآلات التي يسمعن فيها كل شيءٍ، هذه من آيات الله : الإذاعة، الأشرطة، ومُكبِّرات الصوت، يسمعن وإن كُن بعيدات.

وفي هذا أيضًا من الفوائد: أن المرأة لها أن تتصدق بدون إذن زوجها أو أبيها أو أخيها؛ ولهذا جعلن يُلقين من القلائد والأخراص وغيرها في ثوب بلال لما أخبرهنَّ بالصدقة، ولم يقل لهن عليه الصلاة والسلام: استأذن أزواجكنَّ، أو استأذن آباءكنَّ، فدلَّ ذلك على أنَّ المرأة الرشيدة تتصدق وتُحسن من مالها وإن لم تستأذن زوجًا أو أبًا أو أخًا أو غير ذلك.

ومن ذلك ما ثبت في "الصحيحين" من قصة ميمونة أنها قالت: يا رسول الله، أشعرت أني أعتقت فلانة؟ جاريةً لها، قال: أما إنَّك لو أعطيتها أخوالك لكان أعظم لأجرك، هذا يدل على أنها أعتقتها ولم تستأذنه، وإنما أخبرته بعد ذلك، فقال لها: لو أعطيتها أخوالك لكان أعظم لأجرك، فدلَّ ذلك على أن صلة الرحم أفضل من العتق، فكونها تُحسن إلى أقاربها بالعبد أو الأمة، أو تبيع العبد أو الأمة ..... على أقاربها المحاويج؛ كان ذلك أفضل.

الحاصل من ذلك أنها لم تستأذنه، فأقرَّها على عتق الأمة ولم يقل لها: لِمَ أعتقتها ولم تُشاوريني! بل أقرَّها، ولكن قال لها: أما إنك لو أحسنتِ بها إلى أخوالك لكان أعظم لأجرك.

ومن هذا يُعرف أنَّ حديث ما رواه عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي ﷺ قال: لا تحل من امرأةٍ عطية إلا بإذن زوجها، أو لا تتصرف في مالها إلا بإذن زوجها هذا حديث شاذٌّ يُخالف الأحاديث الصحيحة، فلا يُعوَّل عليه، وبعض أهل العلم تأوَّله على العطية من مال زوجها، ولكن في بعض الروايات صرَّح من مالها، فإن كان من مال زوجها فالأمر واسع، أما من مالها فلا، الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي ﷺ دالة على أنه ليس عليها استئذان، ولكن إذا فعلته من باب استطابة نفسٍ، ومن باب المجاملة له، هذا حسنٌ، ولكن لا يلزمها ذلك.

بَاب اسْتِعَارَةِ القَلائِدِ

5882- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "هَلَكَتْ قِلادَةٌ لِأَسْمَاءَ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ فِي طَلَبِهَا رِجَالًا، فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ وَلَيْسُوا عَلَى وُضُوءٍ، وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً، فَصَلَّوْا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ".

زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ.

الشيخ: وهذه القصة فيها فوائد عظيمة أيضًا: فإن عائشة استعارت القلادة من أختها أسماء، وأسماء أكبر منها، وهي زوجة الزبير، رضي الله عن الجميع، فهلكت القلادةُ -سقطت من عائشة- في بعض غزوات النبي عليه الصلاة والسلام، فطلبوها، وأناخ النبيُّ ﷺ في ذلك، وأرسل مَن يلتمسها، فلم يجدوها، وحضرت الصلاةُ وليسوا على ماءٍ، ولم يُشرع التيمم، فصلوا بدون وضوءٍ ولا تيممٍ، ثم أنزل الله آيةَ التيمم، فقال أسيد بن حضير لعائشة: "ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، والله ما نزل بك شيئًا تكرهينه إلا جعل الله لك فيه فرجًا وللمسلمين فيه سعة" أو كما قال ، فدلَّ ذلك على جواز العارية، وأنه لا بأس أن تستعير المرأةُ من أختها أو غيرها القلادة أو نحو القلادة من حُليٍّ.

وفيه أيضًا من الفوائد: أن ولي الأمر ينزل بالجيش ويلتمس ما يسقط على الرعية، ولا يحتقر ذلك، هذه قضية صغيرة ومع هذا مكث النبيُّ ﷺ واستقرَّ على موضعٍ ليس فيه ماء يلتمسونها، ولم يقل: هذه لا قيمةَ لها، ولم يُبالِ بها، بل جلس وأمر بـأن يلتمسوها، فدلَّ ذلك على أنه لا ينبغي إضاعة المال، وأنه لا بأس أن يُؤمر الجيش بالجلوس أو بالنزول وقتًا ما لطلب حاجة بعض المسلمين: ضاعت مطيَّته، ضاعت فرسه، سقط له شيء، ينزلون حتى يلتمسون ما ضاع لأخيهم من ناقةٍ أو فرسٍ أو متاعٍ له أهمية؛ حتى لا يضيع حقّه.

وفي هذا أيضًا: تواضعه ﷺ، وحُسن خلقه، ورفقه بالأمة، ومُراعاة حوائجهم عليه الصلاة والسلام.

وفيه من الفوائد أيضًا: أنه لا يعلم الغيب، لا هو، ولا الصحابة جميعًا، فالقلادة موجودة ولم يدروا أين هي، وهي موجودة معهم، ومع هذا لم يدرِ عليه الصلاة والسلام أين القلادة، وأمر الناس أن يلتمسوها ومعه أفضل الناس وخير الناس بعد الأنبياء وهم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم أولياء الله، وسادات أولياء الله، فلم يعرف أين مكانها، ولم يعرفوا أين مكانها، لا النبي ولا الصحابة، فهذا يدل على معنى قول الله سبحانه: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، ولما أقاموا بعير عائشة وجدوها تحت البعير، لما قام البعيرُ من بين أيديهم وجدوها تحت البعير، فلم يعرفوا أنها تحت البعير، ولم يعرف النبيُّ أنها تحت البعير، فلو كان يعلم الغيبَ لدرى عن هذا الشيء القريب الذي تحت يديه، ولو كانوا يعلمون الغيب وهم أولياء الله وأفضل الناس بعد الرسل لعلموا ذلك، فدلَّ ذلك على أن علم الغيب إلى الله، وأن الشيء قد يكون قريبًا ولا يعلمه خيرةُ الناس وأفضل الناس؛ لأنهم لا يعلمون الغيبَ، هذا من أوضح الواضحات، ومن أبين البينات على أنَّ الرسل والأنبياء والأولياء لا يعلمون الغيب، وإنما هو إلى الله، إلا ما أطلعهم عليه وأخبرهم به .

 

بَاب القُرْطِ لِلنِّسَاءِ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَمَرَهُنَّ النَّبِيُّ ﷺ بِالصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُهُنَّ يَهْوِينَ إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ.

5883- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى يَوْمَ العِيدِ رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهما وَلا بَعْدَهما، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلالٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ المَرْأَةُ تُلْقِي قُرْطَهَا.

بَاب السِّخَابِ لِلصِّبْيَانِ

5884- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ المَدِينَةِ، فَانْصَرَفَ، فَانْصَرَفْتُ، فَقَالَ: أَيْنَ لُكَعُ -ثَلاثًا- ادْعُ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، فَقَامَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَمْشِي وَفِي عُنُقِهِ السِّخَابُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَقَالَ الحَسَنُ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَالْتَزَمَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَعْدَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا قَالَ.

 

الشيخ: تكلَّم على السّخاب؟

الطالب: ........... والسخاب بكسر السين المهملة، وبالخاء المعجمة، وبعد الألف باء موحدة، وقال ابن الأثير: السخاب خيط ينظم فيه خرز، ويلبسه الصبيان والجواري، وقيل: هو قلادة تتّخذ من قرنفل وطيب ومسك ونحو ذلك، وليس فيها من اللؤلؤ والجواهر شيء .......

س: بعض الناس الآن يتَّخذون مصاصات للأطفال من الفضة أو من ذهب؟

ج: ما يصلح هذا، لكن للنساء لا بأس.

بَاب: المُتَشَبِّهُونَ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتُ بِالرِّجَالِ

5885- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ"، تَابَعَهُ عَمْرٌو: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ.

بَاب إِخْرَاجِ المُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنَ البُيُوتِ

5886- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ ﷺ المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالمُتَرَجِّلاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ، قَالَ: فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فُلانًا، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلانة.

الشيخ: والمخنَّثين يعني: المتشبِّهين، المخنث من التَّخنث والتَّكسر واللِّين، يتشبَّه بالمرأة في مشيته، وفي كلامه، وفي حركاته، يقال له: مخنث؛ لتشبُّهه بالنساء، والمترجِّلات من النساء متشبِّهات بالرجال، وهذا يدل على أنه من الكبائر: التَّخنث من الرجل والتَّشبه بالنساء ولو في المشي، ولو في الكلام، أو في الملابس، كله ممنوع، وهكذا المرأة تتشبه بالرجل في كلامها، أو في ملابسها، أو في حركاتها، كلٌّ ممنوع، وإذا وُجِدَ المخنَّثُ في البيوت وجب إخراجه، وهو الذي يتظاهر بأنه أنثى ليس فيه حركة الرجال، وقد يفعل ذلك بعض الناس يُوهم أنه ليس فيه شهوة، فإذا عُرف أنه يظهر منه شيء من ميله إلى النساء وجب إخراجه.

س: حلق اللِّحَى هل يدخل في التَّشبه بالنساء؟

ج: الحلق الكامل يصير تشبُّهًا، المرأة لا لحيةَ لها، الحلق الكامل الذي يُزيل الشعر كله تشبُّه بالنساء، مع أنه تشبّه بالكفار أيضًا، فيه تشبه بالكفار وفيه تشبه بالنساء، إذا استوفى حلقه يُخشى عليه من اللعنة، نسأل الله العافية.

5887- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ عِنْدَهَا وَفِي البَيْتِ مُخَنَّثٌ، فَقَالَ لِعَبْدِاللَّهِ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ: "يَا عَبْدَاللَّهِ، إِنْ فَتَحَ اللَّهُ لَكُمْ غَدًا الطَّائِفَ فَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ"، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لا يَدْخُلَنَّ هَؤُلاءِ عَلَيْكُنَّ.

قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ: "تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ" يَعْنِي: أَرْبَعَ عُكَنِ بَطْنِهَا، فَهِيَ تُقْبِلُ بِهِنَّ.

وَقَوْلُهُ: "وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ" يَعْنِي: أَطْرَافَ هَذِهِ العُكَنِ الأَرْبَعِ؛ لِأَنَّهَا مُحِيطَةٌ بِالْجَنْبَيْنِ حَتَّى لَحِقَتْ.

الشيخ: يعني: أطرافها أربع من جانب، وأربع من جانب، فإذا أدبرت أدبرت بثمانٍ، وإذا أقبلت أقبلت بأربعٍ، يعني: لسِمَنِها وعِظَم بطنها.

وَإِنَّمَا قَالَ: "بِثَمَانٍ"، وَلَمْ يَقُلْ: "بِثَمَانِيَةٍ"، وَوَاحِدُ الأَطْرَافِ وَهُوَ ذَكَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: ثَمَانِيَةَ أَطْرَافٍ.

الشيخ: المقصود بثمانية عكن.

الطالب: تكلَّم على الخاتم في الحديث الأول؟

الشيخ: أيش قال؟

الطالب: قَوْلُهُ: (بَابُ اتِّخَاذِ الْخَاتَمِ) سَقَطَ لَفْظُ "بَاب" مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَمْ يَكُنْ لِبَاسُ الْخَاتَمِ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ، فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الْمُلُوكِ اتَّخَذَ الْخَاتَمَ، وَاتَّخَذَهُ مِنْ ذهبٍ، ثمَّ رَجَعَ عَنهُ؛ لما فيه مِنَ الزِّينَةِ، وَلِمَا يُخْشَى مِنَ الْفِتْنَةِ، وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي بَاطِنَ كَفِّهِ؛ لِيَكُونَ أَبْعَدَ مِنَ التَّزَيُّنِ.

قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: دَعْوَاهُ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْرِفُ الْخَاتَمَ عَجِيبَة، فَإِنَّهُ عَرَبِيٌّ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُهُ. انْتَهَى.

الشيخ: "شيخنا" يعني: العراقي، الحافظ العراقي.

الطالب: وَيَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ لُبْسِهِ عَنِ الْعَرَبِ، وَإِلَّا فَكَوْنُهُ عَرَبِيًّا وَاسْتِعْمَالُهُمْ لَهُ فِي خَتْمِ الْكُتُبِ لَا يَرُدُّ عَلَى عِبَارَةِ الْخَطَّابِيِّ.

وَقَدْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ إِلَّا لِذِي سُلْطَانٍ": ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى كَرَاهَةِ لُبْسِ الْخَاتَمِ إِلَّا لِذِي سُلْطَانٍ، وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَأَبَاحُوهُ، وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا أَلْقَى خَاتَمَهُ أَلْقَى النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ الْخَاتَمَ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ مَنْ لَيْسَ ذَا سُلْطَانٍ.

فَإِنْ قِيلَ: هُوَ مَنْسُوخٌ.

قُلْنَا: الَّذِي نُسِخَ مِنْهُ لُبْسُ خَاتَمِ الذَّهَبِ.

قُلْتُ: أَوْ لُبْسُ خَاتَمِ الْمَنْقُوشِ عَلَيْهِ نَقْشُ خَاتَمِ النَّبِيِّ ﷺ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ.

ثُمَّ أَوْرَدَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَ الْخَوَاتِمَ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ. انْتَهَى.

وَلَمْ يُجِبْ عَنْ حَدِيثِ أَبِي رَيْحَانَةَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لُبْسَهُ لِغَيْرِ ذِي سُلْطَانٍ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ التَّزَيُّنِ، وَاللَّائِقُ بِالرِّجَالِ خِلَافُهُ، وَتَكُونُ الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْجَوَازِ هِيَ الصَّارِفَةُ لِلنَّهْيِ عَنِ التَّحْرِيمِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي بعض طرقه نهيًا عَنِ الزِّينَةِ وَالْخَاتَمِ. الْحَدِيثَ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسُّلْطَانِ: مَنْ لَهُ سَلْطَنَةٌ عَلَى شَيْءٍ مَا يَحْتَاجُ إِلَى الْخَتْمِ عَلَيْهِ، لَا السُّلْطَانَ الْأَكْبَرَ خَاصَّةً، وَالْمُرَادُ بِالْخَاتَمِ: مَا يُخْتَمُ بِهِ، فَيَكُونُ لُبْسُهُ عَبَثًا، وَأَمَّا مَنْ لَبِسَ الْخَاتَمَ الَّذِي لَا يُخْتَمُ بِهِ، وَكَانَ مِنَ الْفِضَّةِ لِلزِّينَةِ؛ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ حَالُ مَنْ لَبِسَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ مِنْ صِفَةِ نَقْشِ خَوَاتِمِ بَعْضِ مَنْ كَانَ يَلْبَسُ الْخَوَاتِمَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِصِفَةِ مَا يُخْتَمُ بِهِ.

وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ حَدِيثِ أَبِي رَيْحَانَةَ فَضَعَّفَهُ وَقَالَ: سَأَلَ صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ: الْبَسِ الْخَاتَمَ، وَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنِّي قَدْ أَفْتَيْتُكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: وهذا من المؤلف -الشارح يعني- ليس بكاملٍ، الواجب عليه أن يعتني بحديث أبي ريحانة، ويتكلم على سنده، ولا يكتفي بهذا الكلام القليل، وقصارى حال أبي ريحانة –قصاراه- إن استقام سنده أن يكون شاذًّا مخالفًا للأحاديث الصحيحة، فإنَّ حديث أنس وحديث عمر في "الصحيحين" كلاهما دالٌّ على أنَّ الصحابة لبسوا الخاتم، وإنما طرحوا الذهبَ لما طرحه النبيُّ ﷺ، ثم لبسوا الفضة كما لبسها، فدلَّ ذلك على جواز الخاتم للجميع.

وأما حديث أبي ريحانة: إن سلم سنده فإنه يكون من باب الشَّواذ؛ لأنَّ شرط الحديث الصحيح ألا يُخالف ما هو أوثق، فإن خالف ما هو أوثق فهو شاذٌّ، والعمدة على ما هو أوثق، قال الحافظ رحمه الله في "النخبة": فإن خُولف بأرجح، فالراجح المحفوظ، ومقابله الشاذ. وهكذا قال أئمةُ الحديث: إذا خالف الراوي مَن هو أوثق منه في الحديث أو في السند صار المخالفُ هو المعتمد، وهذا المخالِف يُعتبر شاذًّا، لا يعتبر، من شرط الحديث الصحيح أن يسلم من الشذوذ والعلَّة.

الطالب: تَكْمِلَةٌ: جَزَمَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ أَنَّ اتِّخَاذَ الْخَاتَم كَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ، وَجَزَمَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي السَّادِسَةِ، وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَاخِرِ السَّادِسَةِ وَأَوَائِلِ السَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا اتَّخَذَهُ عِنْدَ إِرَادَتِهِ مُكَاتَبَة الْمُلُوكِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ إِرْسَالُهُ إِلَى الْمُلُوكِ فِي مُدَّةِ الْهُدْنَةِ، وَكَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ، وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي ذِي الْحَجَّةِ، وَوَجَّهَ الرُّسُلَ فِي الْمُحَرَّمِ مِنَ السَّابِعَةِ، وَكَانَ اتِّخَاذُهُ الْخَاتَمَ قَبْلَ إِرْسَالِهِ الرُّسُلَ إِلَى الْمُلُوك، وَالله أعلم.

قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ جَعَلَ فَصَّ الْخَاتَمِ فِي بَطْنِ كَفِّهِ) سَقَطَ لَفْظُ "بَاب" مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ.

قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: قِيلَ لِمَالِكٍ: يُجْعَلُ الْفَصُّ فِي بَاطِنِ الْكَفِّ؟ قَالَ: لَا. قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: لَيْسَ فِي كَوْنِ فَصِّ الْخَاتَمِ فِي بَطْنِ الْكَفِّ وَلَا ظَهْرِهَا.

بَاب قَصِّ الشَّارِبِ

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى بَيَاضِ الجِلْدِ، وَيَأْخُذُ هَذَيْنِ –يَعْنِي: بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ.

5888- حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ نَافِعٍ. ح، قَالَ أَصْحَابُنَا: عَنِ المَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مِنَ الفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ.

5889- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً: الفِطْرَةُ خَمْسٌ، أَوْ خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ: الخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ.

الشيخ: وقد تواترت الأخبارُ في هذا، تواترت الأخبار عن رسول الله ﷺ في قصِّ الشارب، وفي خصال الفطرة: نتف الإبط، وحلق العانة، وتقليم الأظفار، فالمشروع للمؤمنين الأخذ بذلك، وهذا عام للرجال والنساء، ما عدا الشارب فإنه مختصٌّ بالرجال، وإلا السُّنة للجميع: قلم الأظفار، نتف الإبط، حلق العانة، الختان، كل هذا سنة في حقِّ الجميع.

وثبت في "صحيح مسلم" عن أنسٍ قال: "وُقِّت لنا في قصِّ الشارب وقلم الظفر ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك ذلك أكثر من أربعين ليلةً"، وهذا يدل على أنه لا يجوز تأخير ذلك على أربعين ليلة، وأن الواجب أن تُلاحظ في ...... الأربعين.

زاد أحمد والنسائي وجماعة التصريح برفعه: "وقَّت لنا رسولُ الله ﷺ"، وهو معنى "وُقِّت لنا"، فإن الصحابي إذا قال: "وُقِّت لنا" أو "أُمِرْنا" أو "نُهِينا" معناه عند أهل العلم الرفع للنبي عليه الصلاة والسلام.

والحديث الآخر حديث زيد بن أرقم: مَن لم يأخذ من شاربه فليس منا أخرجه النسائي بإسنادٍ جيدٍ.

وقال أبو محمد ابن حزم: "اتَّفق العلماء على أنَّ قصَّ الشارب وإعفاء اللحية فرض"، وهذا الذي قاله كلام متين وجيد، يُؤخذ من إطلاقات كثير من أهل العلم، ويدل على هذا ما رواه الشيخان في "الصحيحين" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ أنه قال: قصُّوا الشَّوارب، وأعفوا اللِّحَى، خالفوا المشركين، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: جزُّوا الشَّوارب، وأرخوا اللِّحَى، خالفوا المجوس، وفي اللفظ الآخر: ووفِّروا اللِّحى، خالفوا المجوس.

فهذا كله يدلنا على أنَّ الواجب على المسلم أن يقصَّ الشارب، وأن يُعفي اللحية ويُوفِّرها، وأن يتباعد عن مشابهة أعداء الله، وعن مشابهة النساء أيضًا، وهذه المصيبة التي بُلي بها الناس اليوم من إطالة الشوارب وحلق اللِّحى دخلت عليهم من أعداء الله، والسفر إلى بلادهم ومُخالطتهم، حتى وقعوا فيما وقعوا فيه، فالواجب على طالب العلم بالأخص أن يحذر ذلك، وأن يكون أسوةً حسنةً في إعفاء اللحية وتوفيرها وإكرامها وإرخائها، وقصّ الشارب وإحفائه؛ حتى يتأسَّى به، حتى يُقتدى به بين إخوانه الطلبة، وبين المسلمين من جيرانه وغيرهم.

وفي اللفظ الآخر: أحفوا، وكان ابنُ عمر يُحفي شاربه، يعني: يجتهد في قصِّه، فأدنى الأحوال الجزّ، والنهاية الإحفاء من غير حلقٍ، هذا هو السنة.

س: ...........؟

ج: هذا من عمله، هذا غلط، هذا من فعله واجتهاده، الصواب إعفاؤها، ولا يُؤخذ منها شيء، ولو ما زاد على القبضة، فاجتهاده مخالف لما ورد، فلا يأخذ ما زاد على القبضة .....، الرسول ﷺ أمر بإعفائها وإرخائها، وأما فعل ابن عمر في الحجِّ فهذا من اجتهاده، والأئمة غلَّطوه في هذا .

بَاب تَقْلِيمِ الأَظْفَارِ

5890- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ حَنْظَلَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مِنَ الفِطْرَةِ: حَلْقُ العَانَةِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ.

5891- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: الفِطْرَةُ خَمْسٌ: الخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الآبَاطِ.

5892- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: خَالِفُوا المُشْرِكِينَ، ووَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ.

الشيخ: كذا عندكم ووفِّروا بواوين وإلا واو واحدة؟

طالب: واوين.

طالب آخر: واو واحدة.

الشيخ: العيني؟

الطالب: نعم.

الشيخ: أيش قال؟ ما تعرَّض لها الشارح؟ الظاهر واو واحدة، تفسير لقوله: خالفوا المشركين.

الطالب: قَوْلُهُ: وَوَفِّرُوا اللِّحَى، أَمَّا قَوْلُهُ: وَفِّرُوا فَهُوَ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ مِنَ التَّوْفِيرِ، وَهُوَ الْإِبْقَاءُ، أَيِ: اتْرُكُوهَا.

الشيخ: والعيني تعرَّض؟ واو واحدة؟

الطالب: نعم.

الشيخ: في المتن والشرح جميعًا.

الطالب: نعم.

الشيخ: هو الأظهر، الأظهر واو واحدة؛ ولهذا ما تعرَّض لها الشارح، لو كان بواوين كان تعرَّض لها؛ لأن واو و خالفوا المشركين تفسيره: وفِّروا، ويحتمل وخالفوا المشركين يعني: أمر عام، ثم ووفِّروا معنى خاصّ، فرد من أفراد المخالفة.

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ.

الشيخ: هذا من اجتهاده رضي الله عنه وأرضاه في الحجِّ، يرى أنَّ هذا من قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحج:29]، ظنَّ أن هذا من التَّفث، وخالفه أهلُ العلم، فإنَّ هذا مخالف للنص الذي رواه هو، ورواه أبو هريرة: أن الرسول قال: أعفوا، وفِّروا، أرخوا، هذا يعمُّ وقت الحج وغير الحجِّ، فلا يتعرض للحية، لا في الحجِّ، ولا في غيره.

بَاب إِعْفَاءِ اللِّحَى

عَفَوْا [الأعراف:95]: كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ.

5893- حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: انْهَكُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى.

بَاب مَا يُذْكَرُ فِي الشَّيْبِ

5894- حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا: أَخَضَبَ النَّبِيُّ ﷺ؟ قَالَ: "لَمْ يَبْلُغِ الشَّيْبَ إِلَّا قَلِيلًا".

5895- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ خِضَابِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: "إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَا يَخْضِبُ، لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتِهِ فِي لِحْيَتِهِ".

الشيخ: يعني أنها شعرات قليلات، البيضاء كانت قليلة، ولكن جاء في بعض الروايات أنه خضبها عليه الصلاة والسلام.

5896- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ موهب قَالَ: أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ -وَقَبَضَ إِسْرَائِيلُ ثَلاثَ أَصَابِعَ مِنْ قُصَّةٍ- فِيهِ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَانَ إِذَا أَصَابَ الإِنْسَانَ عَيْنٌ أَوْ شَيْءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ، فَاطَّلَعْتُ فِي الجُلْجُلِ فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا.

الشيخ: يعني هذا استُدلَّ به على أنه خضبها، ويحتمل أنها مع طول المدة تغيَّرت. أيش قال الشارح عليه؟

الطالب: قَوْلُهُ: "فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا" فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي تَلِيهَا: "مَخْضُوبًا"، وَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ.

الشيخ: ماشي، نعم.

الطالب: ..............

5897- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا سَلَّامٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا شَعَرًا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ ﷺ مَخْضُوبًا. وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا نُصَيْرُ بْنُ الأَشْعَثِ.

الشيخ: أيش قال عليه الشارحُ؟

الطالب: نصير ابن أبي الأشعث.

الشيخ: شيخ قارب أيش قال عليه؟

الطالب: قَوْلُهُ: "وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ" كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَصَرَّحَ غَيْرُهُ بِوَصْلِهِ فَقَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ.

قَوْلُهُ: "نُصَيْرٌ" بِنُونٍ مُصَغَّرٌ، ابن أبي الْأَشْعَث، وَيُقَال: الْأَشْعَث اسْمُهُ، وَلَيْسَ لِنُصَيْرٍ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْموضع.

الشيخ: فقط؟

الطالب: نعم.

الشيخ: ولا تكلم عليه ..... والعيني أيش قال على نصير؟

الطالب: قال في رواية أبي ذرٍّ: "وقال أبو نعيم"، وهو الفضل بن دكين، يروي عن نُصير بضم النون وفتح الصاد المهملة، مصغر نصر ابن أبي الأشعث بالمعجمة، والعين المهملة، والثاء المثلثة،  القرادي بضم القاف، وبالراء، وبالدال المهملة، وليس لنصير في البخاري سوى هذا الموضع.

الشيخ: فقط؟ كلاهما لم يتعرض له.

الطالب: ...........

وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا نُصَيْرُ بْنُ الأَشْعَثِ، عَن ابْنِ مَوْهَبٍ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَرَتْهُ شَعَرَ النَّبِيِّ ﷺ أَحْمَرَ.

بَاب الخِضَابِ

5899- حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ.

الشيخ: .......... سنة مخالفة لهؤلاء الكفرة: اليهود والنصارى، أنهم لا يصبغون، فخالفوهم، لكن تكون المخالفة بغير السواد: بالحناء أو الكتم، بالحناء المجرد، وبالصفرة، لا يترك الشيب أبيض، السنة أن يُغيَّر، خلافًا لليهود والنصارى، ولكن مثلما قال ﷺ: غيِّروا هذا الشيب، واجتنبوا السواد.

س: والسنة؟

ج: الخضاب سنة مؤكدة .......، لكن صرفه عن الوجوب ما ثبت عنه ﷺ أنه رُئِيَا في أوقات كثيرة والشعرات بيض لم تغير، وهكذا ما رُوي عن جماعةٍ من الصحابة أنهم تركوا الشيب، فلا شكَّ أنَّ له مؤنة قد يغفل عنه الإنسان، وقد يتساهل فيه في بعض الأوقات، في المشاغل التي قد تعرض، فالأظهر والأقرب أنه سنة مؤكدة.

س: ............؟

س: الحناء الأسود؟

ج: كل شيء يكون أسود خالصًا لا يصلح؛ لأنه ثبت عن النبي ﷺ من وجوهٍ كثيرةٍ النهي عن تغيير الشيب بالسواد: من حديث جابر، وحديث أنس، وأحاديث أخرى كلها دلَّت على تحريم التغيير بالسواد، ومنها حديث ابن عباس الذي عند النسائي: يكون في آخر الزمان قومٌ يخضبون بالسواد كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي بإسنادٍ جيدٍ عن ابن عباس.

وقد صنَّف بعضُ إخواننا الآن ...... مدرس جمع الأحاديث وغيره في هذا في جزء لا بأس به، عُرض عليَّ، جيد، جمع الأحاديث الواردة في هذا كلها.

س: ............؟

ج: مع هذا صبغها عليه الصلاة والسلام لبيان السُّنة، صبغها الصديق وعمر وعثمان وعلي كلهم .

س: .............؟

بَاب الجَعْدِ

5900- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ البَائِنِ، وَلا بِالقَصِيرِ، وَلَيْسَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ، وَلَيْسَ بِالْآدَمِ، وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ القَطَطِ، وَلا بِالسَّبْطِ، بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ".

الشيخ: قوله "عشر سنين بمكة، وعشر في المدينة" يعني ...... بعدما حمي الوحي، وإلا فهي ثلاثة عشر.

5901- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ يَقُولُ: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ".

قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِي عَنْ مَالِكٍ: "إِنَّ جُمَّتَهُ لَتَضْرِبُ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ".

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، مَا حَدَّثَ بِهِ قَطُّ إِلَّا ضَحِكَ.

قَالَ شُعْبَةُ: شَعَرُهُ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ.

الشيخ: هذا يختلف؛ قبل حجة الوداع كان طويلًا إلى منكبيه، فلما حلق في حجة الوداع توفي وهو قصير؛ لأنه ما عاش بعد حجة الوداع إلا حول ثلاثة أشهر فقط ثم توفي في الثاني عشر من ربيع الأول بعد رجوعه من حجِّ الوداع بشهرين وثمانية وعشرين يومًا، فالشعر في هذا لا يطول كثيرًا.

5902- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أُرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الكَعْبَةِ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا آدَمَ، كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ قَدْ رَجَّلَهَا، فَهِيَ تَقْطُرُ مَاءً، مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ، أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ، يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ، أَعْوَرِ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: المَسِيحُ الدَّجَّالُ.

الشيخ: يعني أريهما رؤيا منام، ورؤيا الأنبياء وحي، فعيسى عليه الصلاة والسلام معروف، فيه كما في الرواية الأخرى: أنه أحمر ليس بآدم، هذا وهم من بعض الرواة، أما المسيح الدجال فهو آدم، يعني: يغلب عليه السواد، وكان جعد الرأس، أعور العين -قبَّحه الله- وهو الذي أخبر النبيُّ أنه يكون في آخر الزمان، وليس زمانه -والله- أعلم بالبعيد، فإن الزمان قد تأخَّر كثيرًا، نسأل الله العافية.

س: ..........؟

5903- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا حِبَّانُ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُهُ مَنْكِبَيْهِ.

الشيخ: وأيش قال الشارحُ على هذا؟ تكلَّم عليه؟ رؤيا المنام.

الطالب: وَغَلِطَ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الدَّجَّالَ يَدْخُلُ الْمَدِينَة أَوْ مَكَّةَ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ النَّبِيِّ ﷺ رَآهُ فِي الْمَنَامِ بِمَكَّةَ أَنَّهُ دَخَلَهَا حَقِيقَةً، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ رَآهُ فِي زَمَانِهِ ﷺ بِمَكَّةَ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَدْخُلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا خَرَجَ فِي آخر الزَّمَان.

وَقد اسْتُدلَّ على ابن صَيَّادٍ أَنَّهُ مَا هُوَ الدَّجَّالُ بِكَوْنِهِ سَكَنَ الْمَدِينَةَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ عُمَرُ وَجَابِرٌ يَحْلِفَانِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الدَّجَّالُ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْفِتَنِ.

الشيخ: المقصود من هذا أنه لا يدخلها حين خروجه المتأخّر، أما كونه يدخلها قبل ذلك لا مانع؛ ولهذا قيل في ابن صياد: إنه هو الدجال، ومع هذا بقي في المدينة وحجَّ، والله أعلم بحاله، أيش قال العيني؟

الطالب: قال: وأُجيب بأنه لا يدخل على سبيل الغلبة وعند ظهور شوكته وزمان خروجه، أو المراد أنه لا يدخلها بعد هذه الرؤيا، مع أنه ليس في الحديث تصريح بأنه رآه في مكة. انتهى.

الشيخ: ما قال على آدم شيئًا؟ كأحسن ما أنت راءٍ من أدمة الرجال، الرواية المشهورة أنه أحمر عليه الصلاة والسلام.

الطالب: يقول: تقدَّم.

الشيخ: فقط؟ نعم.

5904- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: "كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُ رأس النَّبِيِّ ﷺ مَنْكِبَيْهِ".

5905- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ شَعَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: "كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَجِلًا، لَيْسَ بِالسَّبِطِ، وَلا الجَعْدِ، بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ".

5906- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ ضَخْمَ اليَدَيْنِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَكَانَ شَعَرُ النَّبِيِّ ﷺ رَجِلًا، لا جَعْدَ، وَلا سَبِطَ".

5907- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ ضَخْمَ اليَدَيْنِ وَالقَدَمَيْنِ، حَسَنَ الوَجْهِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَكَانَ بَسِطَ الكَفَّيْنِ" ...............

بَاب: قِبَالانِ فِي نَعْلٍ، وَمَنْ رَأَى قِبَالًا وَاحِدًا وَاسِعًا

الشيخ: "قبالان" ضبطه؟

الطالب: الْقِبَالُ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ، وَآخِرُهُ لَامٌ، هُوَ الزِّمَامُ، وَهُوَ السَّيْرُ الَّذِي يُعْقَدُ فِيهِ الشِّسْعُ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ إِصْبَعَيِ الرجل.

5857- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ : أَنَّ نَعْلَ النَّبِيِّ ﷺ كَانَ لَهَا قِبَالانِ.

5858- حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ قَالَ: أخرجَ إِلَيْنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ بِنَعْلَيْنِ لَهُمَا قِبَالانِ، فَقَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: هَذِهِ نَعْلُ النَّبِيِّ ﷺ.

بَاب القُبَّةِ الحَمْرَاءِ مِنْ أَدَمٍ

5859- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلالًا أَخَذَ وَضُوءَ النَّبِيِّ ﷺ، وَالنَّاسُ يَبْتَدِرُونَ الوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ".

الشيخ: وهذا في حجة الوداع لما ضرب خيامه في الأبطح عليه الصلاة والسلام، والأدم: الجلد.

5860- حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. ح، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: "أَرْسَلَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى الْأَنْصَارِ وَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ".

الشيخ: وفي هذا تعاطي الأسباب، وأن الرسل عليهم الصلاة والسلام وهم أكمل الناس توكلًا، وأكمل الناس إيمانًا، يتعاطون الأسباب: يأكلون ويشربون ويستظلون في قبَّةٍ تحت الخيام وتحت الشجر، وهذه من أسباب السلامة من ضربة الشمس، ومن أسباب السلامة من التأثر بالمطر والأهوية ونحو ذلك.

فتعاطي الأسباب أمر ملزوم وأمر مفروض على الأمة، وهي قسمان: أسباب جعلها الله من أسباب دخول الجنة والنَّجاة من النار، وأسباب حسية تتعلق بالمعاش في هذه الدار، وكلاهما مشروع، ففيها الواجب، وفيها المستحب، وفيها المباح، فهي أقسام؛ الفرض معروف: كالصلوات والحج ونحو ذلك، والنوافل معروفة، وهي من أسباب الجنة، وهي مُستحبَّة، وهناك أسباب حسية واجبة: كالأكل والشرب ونحو ذلك، والنكاح لطلب الولد ونحو ذلك، وهناك أسباب مباحة: كالتجارة والأخذ والعطاء والأعمال التي يتزود بها ......

فالمقصود أنَّ الله جلَّ وعلا فطر العباد على تعاطي الأسباب، وأوجب عليهم تعاطي الأسباب، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، والذين يكرهون الأسباب من المتصوفة وبعض المتزهدة قد خالفوا الشرع، وخالفوا العقل، وخالفوا ما فطر الله عليه العباد.

بَاب الجُلُوسِ عَلَى الحَصِيرِ وَنَحْوِهِ

5861- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَحْتَجِرُ حَصِيرًا بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَيُصَلُّونَ بِصَلاتِهِ حَتَّى كَثُرُوا، فَأَقْبَلَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ.

س: .............؟

ج: كسائر الصفات؛ صفة تليق بالله، قد يكون من ثمراتها قطع الثواب كما قال السلف ...... أن الله يُحب نشاطهم في الأعمال حتى يملُّوا، فإذا ملُّوا ينبغي لهم أن يستريحوا حتى لا يملُّوا العبادة، يكلفون ما يُطيقون، فالملل الذي نُسب إليه غير الملل الذي يُنسب إلينا، مللنا نقص، والملل الذي نُسب إليه سبحانه ملل ليس فيه نقص، كالمكر والخداع والكيد، كلها تليق بالله، ليس فيها نقص، تليق بالله وتُناسبه على وجهٍ لا يُشابه فيه خلقه .

بَاب الجُلُوسِ عَلَى الحَصِيرِ وَنَحْوِهِ

5861- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَحْتَجِرُ حَصِيرًا بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَيُصَلُّونَ بِصَلاتِهِ حَتَّى كَثُرُوا، فَأَقْبَلَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذا الحديث وما جاء في معناه يدل على فوائد:

منها تواضع النبي ﷺ، وأنه ما كان يتكلَّف عليه الصلاة والسلام، كان يجلس على الحصير، والحصير هو المعروف المتَّخذ من خوص النخل، يقال له: حصير، كانوا يستعملونه في ذاك الوقت، وفي عهدنا قبل مدةٍ قريبةٍ كان يُستعمل، المقصود أنَّ هذه الحصر تُتَّخذ من جريد النخل، وهي تدل على التواضع وعدم التَّكلف.

وفيه أنه ﷺ فعل هذا أيامًا في المسجد، فلما سمع الناس بذلك ثابوا إلى المسجد وتجمعوا يُصلون معه في الليل عليه الصلاة والسلام، وجاء في الرواية الأخرى من حديث عائشة عند البخاري في غير هذا الموضع: أنه فعل هذا ثلاث مرات، فلم يخرج إليهم في الرابعة، وبيَّن لهم عليه الصلاة والسلام أنه خاف عليهم أن تُفرض عليهم صلاة الليل، فترك، وأمرهم أن يُصلوا في بيوتهم، وأخبرهم أن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة.

فدلَّ ذلك على أن تهجد الإنسان في بيته وصلاته في بيته أوْلى من صلاته في المسجد؛ لأنَّ هذا أقرب إلى الإخلاص، وأرفق به، إلا ما شرعه الله من العبادة في المساجد من العبادات النافلة: كالتراويح، وقيام الليل في رمضان، هذا مُستثنى؛ لأنه بيَّنه عليه الصلاة والسلام في أحاديث أخرى، وبيَّن أنه إنما منعهم منها في الليل في رمضان خوف أن تُفرض عليهم، وبموته ﷺ أمن الفرض، وانقطع الوحي، واستقرَّت الشريعةُ، فلهذا فعل الصحابةُ ذلك في مسجده ﷺ، وصلوا صلاة التراويح وقيام رمضان في المسجد؛ لأن الذي خافه ﷺ قد أمن بانقطاع الوحي وبموته عليه الصلاة والسلام، فكانوا يُصلونها في رمضان في المسجد، يصلونها في أول الليل، وفي العشر الأخيرة في جميع الليل، رضي الله عنهم وأرضاهم، واستقرَّت السنةُ على ذلك.

وفيه من الفوائد: أن أحبَّ العمل إلى الله ما دام عليه صاحبه وإن قلَّ؛ ركعة من الليل في كل ليلةٍ أفضل من كونه ليله يُوتر وليلة ما يُوتر، ثلاث من الليل في كل ليلةٍ أفضل من خمس وسبع تارةً وتارةً، فأفضل العمل ما دام عليه صاحبه وإن قلَّ.

فينبغي للمؤمن أن تكون له أعماله دائمة مع ربِّه لا تنقطع، فهي من العبادات التي يتطوع بها، ولا سيما صلاة الليل.

وفي قوله ﷺ: إنَّ الله لا يملّ حتى تملوا دلالة على أنه سبحانه يُوصف بمثل هذا على الوجه اللائق به جلَّ وعلا، فهو ملل يليق به، لا يُشابه ملل المخلوقين، ملل المخلوقين عن تعبٍ وضعفٍ، وأما ملله سبحانه فليس عن ذلك، ولكنه لحكمةٍ بالغةٍ في قطع الثواب وغير ذلك مما تقتضيه حكمته سبحانه وتعالى، وهو ملل يليق بالله، لا يُشابه فيه خلقه، كالمكر والخديعة والكيد: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ [الأنفال:30]، إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ۝ وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق:15- 16]، يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ  [النساء:142]، صفة تليق بالله، ليس من جنس صفة المخلوقين، خداع يليق به، مكر يليق به، كيد يليق به، لا يُشابه صفة المخلوقين ، قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، هذا من جوامع الكلم، عامَّة في كل شيءٍ.

بَاب المُزَرَّرِ بِالذَّهَبِ

5862- وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: أَنَّ أَبَاهُ مَخْرَمَةَ قَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ، إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدِمَتْ عَلَيْهِ أَقْبِيَةٌ فَهُوَ يَقْسِمُهَا، فَاذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ، فَذَهَبْنَا فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ ﷺ فِي مَنْزِلِهِ، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، ادْعُ لِيَ النَّبِيَّ ﷺ، فَأَعْظَمْتُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَدْعُو لَكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ؟! فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنَّهُ لَيْسَ بِجَبَّارٍ، فَدَعَوْتُهُ، فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ قبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرٌ بِالذَّهَبِ، فَقَالَ: يَا مَخْرَمَةُ، هَذَا خَبَأْنَاهُ لَكَ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ.

الشيخ: وفي هذا حُسن خُلُقه وتواضعه عليه الصلاة والسلام، فإنه خرج إليه، دقَّ عليه الباب مسور فخرج النبيُّ ﷺ إليه وكلَّمه بهذا الكلام، وكان المسور قد استعظم أن يدعو النبيَّ لأبيه مخرمة، فقال له أبوه: "ادعُه" يعني: دقَّ الباب، "فإنه ليس بجبَّارٍ" عليه الصلاة السلام، فدقَّ الباب وخرج النبيُّ ﷺ وقد سمع صوت مخرمة، ومخرمة كانت فيه حدَّة، فخرج عليه الصلاة والسلام وعليه قباء من ديباج مُزرر بالذهب، فقال: يا مخرمة، هذا خبأناه لك قبل أن يتكلم مخرمة بشيءٍ؛ ليسترضيه ويأخذ منه ما قد يقع في نفسه من شيءٍ أنه نسيه أو كذا.

وهذا من حُسن خُلُقه ﷺ، ومن تأليفه للقلوب، وحرصه على قطع ألسنة الناس من القالة التي قد تضرُّهم وتضرُّ الإسلام، وكان هذا قبل أن يحرم الديباج والذهب على الرجال، ثم أنزل الله تحريم ذلك؛ فحرم الذهبُ على الرجال وأُبيح للنساء، وكانت هذه القصة قبل ذلك.

بَاب خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ

5863- حَدَّثَنَا آدَمُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: "نَهَانَا النَّبِيُّ ﷺ عَنْ سَبْعٍ: نَهَانَا عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ -أَوْ قَالَ: حَلْقَةِ الذَّهَبِ- وَعَنِ الحَرِيرِ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالمِيثَرَةِ الحَمْرَاءِ، وَالقَسِّيِّ، وَآنِيَةِ الفِضَّةِ، وَأَمَرَنَا بِسَبْعٍ: بِعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَرَدِّ السَّلامِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِبْرَارِ المُقْسِمِ، وَنَصْرِ المَظْلُومِ".

الشيخ: وهذا حديث جليل عظيم من جوامع الكلم، وهي سبع، وسبع من أشياء كثيرة: من أوامر كثيرة، ومن نواهٍ كثيرة، نواهي الشرع كثيرة، وأوامره كثيرة، لكن هذه الأربعة عشر من جملة ذلك؛ ولهذا قال -البراء بن عازب من صغار الصحابة، وأبوه صحابي كبير- يقول البراء أن النبي نهى عن سبع: عن خاتم الذهب، ولبس الحرير، والإستبرق، والديباج، والميثرة الحمراء؛ لأنها تتّخذ من حريرٍ، أو لأنها من زيِّ العجم الخاص، فلهذا نهى عنها عليه الصلاة والسلام، ونهى عن القسي، وهي ثياب يكون فيها خطوط مضلعة من الذهب، وقيل: إن فيها ...... أشبه من الذهب، من الحرير مضلعة بالحرير، أو فيها ...... من الحرير، فلهذا نهى عنها عليه الصلاة والسلام.

وخاتم الذهب جاءت فيه أحاديث غير هذا تدل على تحريمه على الرجال: ومن ذلك ما رواه مسلم في "الصحيح" عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبي ﷺ رأى في يد رجلٍ خاتم من ذهبٍ، فنزعه من يده وطرحه في الأرض وقال: يعمد أحدُكم إلى جمرةٍ من النار فيضعها في يده فلما ذهب النبيُّ ﷺ قيل للرجل: "خذ خاتمك"، قال: "لا آخذه وقد طرحه النبيُّ عليه الصلاة والسلام"، فدلَّ ذلك على تحريم خواتيم الذهب على الرجال.

وكان النبي لبسها ذات يومٍ ثم طرحها، وطرح الناس خواتيمهم من الذهب، وقال: لا ألبسه أبدًا، ثم اتَّخذ مكانه خاتمًا من فضةٍ عليه الصلاة والسلام، فكان هذا من خصائص النساء.

وكذلك الأواني من الذهب والفضَّة نهى عنها عليه الصلاة والسلام، وهي محرَّمة على الجميع، الأواني من الذهب والفضَّة محرَّمة على الجميع؛ لما فيها من السرف والخيلاء وكسر قلوب الفقراء والتَّشبه بأعداء الله؛ فلهذا قال في حديث حذيفة : لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا –يعني: للكفرة- ولكم في الآخرة، وقال في حديث أم سلمة: الذي يشرب في آنية الذهب والفضَّة إنما يُجرجر في بطنه نار جهنم خرَّجه مسلم في "الصحيح"، وهذا يعمُّ الأواني كلها: الأباريق، والقلال، والأواني التي يُغرف بها: الملاعق، أكواب الشاي، أكواب القهوة، وما أشبه ذلك، كلها تُسمَّى: أوانٍ، كلها تُمنع، والملاعق من جملة الأواني يُشرب بها.

ومن ذلك: أمر بسبعٍ، وهي من مكارم الأخلاق: أمر بعيادة المرضى، ولا شكَّ أن العيادة لها شأن عظيم في نفس المريض، وفي التأثير عليه ونشاطه وقوته وتأثره بمجيء إخوانه ومحبَّته لذلك، وربما يحتاج إليهم في أمورٍ ما يستطيعها وهو مريض: كإحضار طبيب، أو إحضار دواء، أو شراء حاجةٍ لبيته، أو قرض من أخيه لحاجة بيته، أو ما أشبه ذلك، فعيادة المرضى فيها مصالح كثيرة.

وهكذا اتِّباع الجنائز فيه جبرٌ لأهل الميت، ومُواساة لهم، وتعزية لهم، وفيه تذكر للموت، وتذكر للآخرة، ووسيلة إلى الإعداد للآخرة.

هكذا تشميت العاطس إذا حمد الله، ونصر المظلوم، وإبرار القسم، وإجابة الدعوة، وإفشاء السلام، كل هذه السبع من مصالح المسلمين، ومن مكارم الأخلاق.

س: ...........؟

ج: كلها يمنع عن استعمالها، وعن وقوعها في البيت؛ لأن اتخاذها وسيلة إلى استعمالها، والشريعة جاءت بسدِّ الذرائع.

س: ...........؟

ج: ومعنى قوله: "إبرار القسم"، وفي الرواية الأخرى: "إبرار المقسم" يعني: أن المؤمن مأمور بإبرار قسم أخيه، إذا قال: "والله لتنزلنَّ وتشرب القهوة، تنزل عندنا قليلًا، تأكل غداء، تأكل عشاء" تبرّ قسم أخيك إذا حلف عليك، إذا استطاع، أما إذا شقَّ عليه ذلك فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، لكن إذا استطاع مشروع له أن يبرَّ قسم أخيه، قد تعرض حاجةٌ لأخيه فيقول: "والله لتدخلنَّ، والله لتشربنَّ، والله تأكلنَّ هذا الشيء، والله لتنزل إلى كذا وكذا، والله لتقفنَّ حتى أكلمك" فتبرَّ قسمه؛ لأنه قد تكون له حاجة تفوت وأنت لا تدري.

س: .............؟

ج: وفيه نظر، والمشهور عند أهل العلم أنه سنة مؤكدة، وقد يقال بالوجوب؛ لأنه أمر من النبي ﷺ ......

5864- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .

الشيخ: هذا من أطول أسانيد البخاري، سبعة، وقد يقع أطول من ذلك.

عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ.

وَقَالَ عَمْرٌو: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعَ النَّضْرَ، سَمِعَ بَشِيرًا، مِثْلَهُ.

5865- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ، فَاتَّخَذَهُ النَّاسُ، فَرَمَى بِهِ وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ أَوْ فِضَّةٍ.

الشيخ: الورِق هو الفضة، "أو" شكّ من الراوي: هل قال: ورق، أو قال: فضة؟ وهما واحد.

بَاب خَاتَمِ الفِضَّةِ

5866- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ، وَنَقَشَ فِيهِ: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ"، فَاتَّخَذَ النَّاسُ مِثْلَهُ، فَلَمَّا رَآهُمْ قَدِ اتَّخَذُوهَا رَمَى بِهِ وَقَالَ: لا أَلْبَسُهُ أَبَدًا، ثُمَّ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ الفِضَّةِ.

قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَلَبِسَ الخَاتَمَ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، حَتَّى وَقَعَ مِنْ عُثْمَانَ فِي بِئْرِ أَرِيسَ.

الشيخ: يعني: استقرَّت السُّنةُ على خاتم الفضة، وأنه لبسه الصحابةُ بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، أما الذهب فنزعه وطرحه ونسخ جوازه.

س: ............؟

ج: شكٌّ من الراوي، والصواب: من ذهبٍ، هذا المحفوظ، اتَّخذه من ذهبٍ، ثم طرحه، واتَّخذ خاتمًا من فضَّةٍ.

وكان رواه مسلم في "الصحيح" أنه ربما لبسه في اليمين، وربما لبسه في اليسار عليه الصلاة والسلام، فيدل هذا على أنَّ الأفضل أن يكون فصُّه من الداخل، ويُشبه هذا الساعة؛ فإنها من جنس هذا، لا بأس أن تكون في اليمين، ولا بأس أن تكون في اليسار؛ لأنها لحاجةٍ مثل الخاتم.

س: ............؟

ج: الله أعلم ....... قد يكون -والله أعلم- من باب الظن، قد يكون جعله من داخل؛ لأنَّ اسم الله فيه من خارج: محمد رسول الله، فيخشى أن يلطمه شيء، أو يضربه شيء، أو يقع عليه شيء من خارج فيُؤثر عليه، فهو محتمل؛ لأنه من داخل أصون وأبعد عن خطر صدمته في جدار، أو في كذا، أو شيء، محتمل هذا، والله أعلم.

العيني ما تكلَّم؟

عندنا قاعدة، ولا يخفى على الجميع أنَّ الحكم معلومة، أن جميع الشرائع كلها حكمة يعلمها الله عزَّ وجلَّ، قد يُطلعنا عليها، وقد لا يُطلعنا عليها: إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام:83]، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:11]، فما أطلعنا عليه فهذا من مزيد العلم، نور على نور، وما لم يُطلعنا عليه فنحن مسلمون مُنقادون، عبيد مأمورون، نفعل ما أمرنا، ونترك ما نُهينا عنه وإن لم نعلم الحكمة، وإن لم يقال لنا: الحكمة كذا، والحكمة كذا؛ لأننا مؤمنون بالجملة بأن كل شيءٍ عن حكمةٍ، ولا يكون شيئًا عبثًا ولا سُدًى، بل كله عن حكمةٍ: في صلاتنا وصيامنا وسائر الشرائع كلها عن حكمٍ، فمن ظهرت له حكمة وعلة فهذا من مزيد فضل الله عليه، وهو نور على نورٍ، ومزيد علم، ومَن لم يظهر له شيء فعليه التسليم والانقياد لأوامر الله مطلقًا وإن لم يعرف الحكمة.

بَابٌ

5867- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَنَبَذَهُ، فَقَالَ: لا أَلْبَسُهُ أَبَدًا، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ.

5868- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : أَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا وَاحِدًا، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اصْطَنَعُوا الخَوَاتِيمَ مِنْ وَرِقٍ فلَبِسُوهَا، فَطَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَاتَمَهُ، فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ.

تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَزِيَادٌ، وَشُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ ابْنُ مُسَافِرٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَرَى خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ.

الشيخ: وهذا مما وهم فيه الزهري رحمه الله، على جلالته وعلى إتقانه العظيم وحفظه الكبير غلط في هذا، والصواب أنه خاتم من ذهبٍ، ثم نبذه عليه الصلاة والسلام، وليس من ورقٍ، هذا حكم عليه الحفَّاظُ بأنه فيه وهم، وليس الأمر كما قال.

بَاب فَصِّ الخَاتَمِ

5869- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ: هَلِ اتَّخَذَ النَّبِيُّ ﷺ خَاتَمًا؟ قَالَ: أَخَّرَ لَيْلَةً صَلاةَ العِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ، قَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَنَامُوا، وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا.

الشيخ: لم تزالوا؟ والعيني؟ المشهور في الرواية .....، ومعنى لن تزالوا مستقيم، يعني: مدة وجودكم في الصلاة والانتظار، لكن "لن" أنسب للمقام، تكلَّم عليها الشارح: لم ولن؟ العيني تكلَّم؟

.............

الشيخ: نعم.

5870- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدًا يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَكَانَ فَصُّهُ مِنْهُ.

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

الشيخ: كان له خاتمان من فضَّة: أحدهما فصه منه من فضَّة، مكتوب عليه: محمد رسول الله، والثاني فصه من العقيق، ليس من الفضة، يلبس هذا تارةً، وهذا تارةً، عليه الصلاة والسلام، وكأنه -والله أعلم- للحيطة؛ لأنه قد يتلف هذا أو يغيب عنه فيختم بالثاني، عليه الصلاة والسلام.

س: ...........؟

ج: الأقرب -والله أعلم- أنه سُنة لولاة الأمور، وأما عامَّة الناس فقصاراه أن يكون مباحًا، لكن لولاة الأمور سُنة؛ تأسيًا بالنبي ﷺ، والآن يختمون به في الوثائق والأوامر، قد جاء في رواية أبي داود من حديث أبي ريحانة: النَّهي عن اتِّخاذه إلا لذي سلطانٍ، وفي صحَّته نظر، لكنه محمول على هذا المعنى لو صحَّ.

بَاب خَاتَمِ الحَدِيدِ

5871- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلًا يَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَتْ: جِئْتُ أَهَبُ نَفْسِي، فَقَامَتْ طَوِيلًا، فَنَظَرَ وَصَوَّبَ، فَلَمَّا طَالَ مُقَامُهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، قَالَ: عِنْدَكَ شَيْءٌ تُصْدِقُهَا؟ قَالَ: لا، قَالَ: انْظُرْ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنْ وَجَدْتُ شَيْئًا، قَالَ: اذْهَبْ فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، قَالَ: لا وَاللَّهِ وَلا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَعَلَيْهِ إِزَارٌ مَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ، فَقَالَ: أُصْدِقُهَا إِزَارِي، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِزَارُكَ إِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فَجَلَسَ، فَرَآهُ النَّبِيُّ ﷺ مُوَلِّيًا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَقَالَ: مَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟ قَالَ: سُورَة كَذَا وَكَذَا، لِسُوَرٍ عَدَّدَهَا، قَالَ: قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ.

الشيخ: وهذا فيه فوائد:

منها ما أصاب أهل المدينة من الشدة والحاجة في عهده ﷺ، ولا سيما قبل فتح مكة؛ لشدة المؤونة، وقلة المال، وصعوبة العيش هناك، وما تجمع في المدينة من الناس الكثيرين، مع قلَّة المال، وقلة الأسباب، وصبروا رضي الله عنهم وأرضاهم، وجاهدوا في سبيل الله، وصبروا على الخشونة في العيش وقلَّته حتى فتح الله ويسَّر.

هذا الرجل ما وجد شيئًا يصدق المرأة به، حتى ولو خاتمًا من حديد، وفي سكوت الصحابة وعدم قيام أحدٍ منهم يُعطيه شيئًا حكمة؛ والله أعلم أنهم أرادوا بهذا أن ينظروا ماذا يتم في أمره حتى يستفيدوا في مثل هذه الأمور؟ فالله جلَّ وعلا جعلهم يسكتون ولا يقومون إليه حتى تمَّت المسألةُ وظهر فيه من أحكام الله ما ينفع العباد، فقد جلس وقال: ما عندي شيء، وذهب ولم يجد شيئًا، قال: ما عندي إلا إزاري، قال له: فما تصنع بإزارك؟ إن لبستَه أنت ما بقي عليها منه شيء، وإن لبسَتْه هي ما بقي عليك منه شيء يبقى عاريًا، فلهذا سكت عليه الصلاة والسلام، فلما رآه مُوليًا دعاه وسأله عمَّا معه من القرآن، ثم زوَّجه بما معه من القرآن، يُعلِّمها إياه، وفي الرواية الأخرى: فعلَّمها من القرآن.

فدلَّ ذلك على فوائد: منها جواز خطبة المرأة التي لا وليَّ لها من الإمام، الإمام يُزوِّجها، وهكذا نوابه من القضاة ونحوهم.

ومنها: أن الذي لا يجد شيئًا لا مانع أن يتزوج بالقرآن، يُعلِّمها السورة أو السورتين، أو جزءًا أو جزأين، أو آيات معينة، وهكذا العلم؛ يُعلِّمها الحديثَ، يُعلِّمها الصنعة، لا بأس، تقوم مقام المال.

وفيه من الفوائد: جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الذي تُحبه في الله، تقول: أنا أرغب في الزواج منك، لا بأس، وهو مُخيَّر: إن شاء قبلها، وإن شاء اعتذر إليها.

وفيه من الفوائد: جواز خاتم الحديد، وأنه لا حرج فيه؛ لأن الرسول قال: التمس ولو خاتمًا من حديد، وأما ما جاء في الحديث أن النبي رأى رجلًا عليه خاتمًا من حديدٍ فقال: ما لي أرى عليك حلية أهل النار؟! ...... فهو وإن صحَّحه بعضُهم، لكنه ليس بصحيحٍ، بل هو شاذٌّ مخالفٌ للأحاديث الصحيحة، فشرط الحديث الصحيح أن يكون غير شاذٍّ، وهذا شاذٌّ مخالفٌ لهذا الحديث الصحيح الذي في "الصحيحين"، ومخالف في المعنى لقوله جلَّ وعلا: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [الحديد:25]، فإن منافع الناس في الحديد الخاتم من جنس ذلك، والسكين من الحديد، والسيف من الحديد، والدروع من الحديد، والقدور من الحديد، ومنافع الناس لا تُحصى من الحديد، فلا كراهة في ذلك، وفي النحاس وهكذا، النبي ﷺ توضَّأ من تورٍ من نحاس أصفر، ولم يكره ذلك عليه الصلاة والسلام، فعُلم بهذا أنَّ هذا الحديث الذي فيه خاتم من حديدٍ والنَّهي عنه كله لا أصلَ له، بل هو شاذ مخالف للأصول وللأحاديث الصَّحيحة.

س: .............؟

ج:  يجوز .......، لكن خاتم الفضة أفضل منه.

بَاب نَقْشِ الخَاتَمِ

5872- حَدَّثَنَا عَبْدُالأَعْلَى: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى رَهْطٍ أَوْ أُنَاسٍ مِنَ الأَعَاجِمِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا عَلَيْهِ خَاتَمٌ. فَاتَّخَذَ النَّبِيُّ ﷺ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، نَقْشُهُ: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ"، فَكَأَنِّي بِوَبِيصِ -أَوْ بِبَصِيصِ- الخَاتَمِ فِي إِصْبَعِ النَّبِيِّ ﷺ، أَوْ فِي كَفِّهِ.

5873- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، وَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُثْمَانَ، حَتَّى وَقَعَ بَعْدُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ، نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ".

بَاب الخَاتَمِ فِي الخِنْصَرِ

5874- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُالوَارِثِ: حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَنَعَ النَّبِيُّ ﷺ خَاتَمًا، قَالَ: إِنَّا اتَّخَذْنَا خَاتَمًا، وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشًا، فَلا يَنْقُش عَلَيْهِ أَحَدٌ، قَالَ: فَإِنِّي لَأَرَى بَرِيقَهُ فِي خِنْصَرِهِ.

الشيخ: انظر كلامه على الأخير؟

الطالب: قَوْلُهُ: (بَابُ الْخَاتَمِ فِي الْخِنْصَرِ) أَيْ: دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَصَابِعِ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بُرْدَةَ ابْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: "نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ أَلْبَسَ خَاتَمِي فِي هَذِهِ، وَفِي هَذِهِ" يَعْنِي: السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى، وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَيِّ الْخِنْصَرَيْنِ الْيُمْنَى أَوِ الْيُسْرَى كَانَ يَلْبَسُ الْخَاتَمَ فِيهِ بَعْدَ بَابٍ.

قَوْلُهُ: فَلَا يَنْقُشْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ: يَنْقُشَنَّ بِالنُّونِ الْمُؤَكِّدَةِ، وَإِنَّمَا نَهَى أَنْ يَنْقُشَ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْمَهُ وَصِفَتَهُ، وَإِنَّمَا صَنَعَ فِيهِ ذَلِكَ لِيَخْتِمَ بِهِ، فَيَكُون عَلَامَةً تَخْتَصُّ بِهِ، وَتَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ، فَلَوْ جَازَ أَنْ ينقش أحدٌ نَظِير نقشه لفات الْمَقْصُود.

الطالب: ............

الشيخ: أيش قال عليه؟

الطالب: ...............

الشيخ: هذا هو الأصل، التأسِّي هو الأصل، لكن تؤثر عليه رواية أبي ريحانة: أن النبي ﷺ قال. وسنده فيما أعلم لا بأس به في الجملة، يمكن الجمع بينهما بأن يكون النَّهي للكراهة، أو إذا كان يخشى من التباس أو كذا من نقشه ...... للسلطان أو لأسبابٍ أخرى، يحتاج إلى تأمُّلٍ.

س: ...........؟

ج: ...... فلما طرح طرحوا ولبسوا خاتم الفضة ...... هذا بعد النبي لبسه الصديق، يعني: خاتم النبي خاصة، الذي لبسه الصديق وعمر وعثمان خاتمه الخاص، وأما جنس الخواتيم لبسها الصحابةُ كلهم على ظاهر حديث ابن عمر.

..............

بَاب اتِّخَاذِ الخَاتَمِ لِيُخْتَمَ بِهِ الشَّيْءُ

أَوْ لِيُكْتَبَ بِهِ إِلَى أَهْلِ الكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ

5875- حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَنْ يَقْرَؤوا كِتَابَكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ".

بَاب مَنْ جَعَلَ فَصَّ الخَاتَمِ فِي بَطْنِ كَفِّهِ

5876- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، وَجَعَلَ فَصَّهُ فِي بَطْنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ، فَاصْطَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَقِيَ المِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ اصْطَنَعْتُهُ، وَإِنِّي لا أَلْبَسُهُ، فَنَبَذَهُ، فَنَبَذَ النَّاسُ. قَالَ جُوَيْرِيَةُ: وَلا أَحْسِبُهُ إِلَّا قَالَ: فِي يَدِهِ اليُمْنَى.

الشيخ: تقدَّم أنه ﷺ اتَّخذ خاتمًا من ذهبٍ، واتَّخذ الناسُ خواتيم من ذهبٍ، ثم نبذ ذلك وقال: لا ألبسه أبدًا، واستقرَّ بذلك نسخ استعمال الذهب للرجال، وقال: إنه لا يجوز، وأن ذلك من خصائص النساء؛ ولهذا اصطنع بعد ذلك خاتمًا من فضةٍ ولبسه، فكان يختم به كُتُبَه إلى الرؤساء والملوك عليه الصلاة والسلام.

بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: لا يَنْقُش عَلَى نَقْشِ خَاتَمِهِ

5877- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَالَ: إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، وَنَقَشْتُ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَلا يَنْقُشَنَّ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ.

بَاب: هَلْ يُجْعَلُ نَقْشُ الخَاتَمِ ثَلاثَةَ أَسْطُرٍ

5878- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا اسْتُخْلِفَ كَتَبَ لَهُ، وَكَانَ نَقْشُ الخَاتَمِ ثَلاثَةَ أَسْطُرٍ: مُحَمَّدٌ سَطْرٌ، وَرَسُولُ سَطْرٌ، وَاللَّه سَطْرٌ.

5879- قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ: وَزَادَنِي أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ ﷺ فِي يَدِهِ، وَفِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَفِي يَدِ عُمَرَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرِيسَ"، قَالَ: "فَأَخْرَجَ الخَاتَمَ، فَجَعَلَ يَعْبَثُ بِهِ فَسَقَطَ"، قَالَ: "فَاخْتَلَفْنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مَعَ عُثْمَانَ، فَنَزَحَ البِئْرَ فَلَمْ نجِدْهُ".

بَاب الخَاتَمِ لِلنِّسَاءِ

وَكَانَ عَلَى عَائِشَةَ خَوَاتِيمُ ذَهَبٍ.

5880- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُوسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ".

قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ: وَزَادَ ابْنُ وَهْبٍ، عَن ابْنِ جُرَيْجٍ: "فَأَتَى النِّسَاءَ وأمرهنَّ بالصَّدقة، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الفَتَخَ وَالخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلالٍ".

بَاب القَلائِدِ وَالسِّخَابِ لِلنِّسَاءِ

يَعْنِي: قِلادَةً مِنْ طِيبٍ وَسُكٍّ.

5881- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ عِيدٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ وَلا بَعْدُ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ المَرْأَةُ تَصَدَّقُ بِخُرْصِهَا وَسِخَابِهَا".

الشيخ: وهذا فيه فوائد:

منها أن الصلاة تكون قبل الخطبة في العيدين، يُصلي ثم يخطب الناس، هكذا فعله عليه الصلاة والسلام وخلفاؤه رضي الله عنهم وأرضاهم.

ومنها أنَّ الإمام إذا لم يسمع النساء لبعدهنَّ فإنه يأتيهنَّ ويعظهنَّ ويُذكِّرهنَّ؛ لأنهن في حاجةٍ كما أن الرجال في حاجةٍ، فهن في حاجةٍ إلى الوعظ والتَّذكير والبيان؛ ولهذا كان يعظهنَّ بعد الرجال ويُذكِّرهن ويحثُّهن على الصَّدقة والتوبة والاستغفار، ومن ذلك قوله لهنَّ في خطبته في العيد: تصدقن وأكثرن من الاستغفار؛ فإني رأيتُكن أكثر أهل النار، فقالت له امرأةٌ: يا رسول الله، ولم؟ قال: لأنكنَّ تُكثرن اللعنَ، وتكفرن العشير –يعني: الزوج- لو أحسن إلى إحداكنَّ الدهر ثم رأت منه شيئًا قالت: ما رأيتُ منك خيرًا قط، ونسيت كل إحسانه في السابق؛ لأنه الغالب على طبيعتهنَّ؛ ولهذا وجب على الأئمة والدُّعاة وعلى العلماء أن يخصُّوهن بشيءٍ من التوجيه والإرشاد.

وهكذا قوله ﷺ لما قالت له امرأةٌ: يا رسول الله، ذهب الرجالُ بحديثك، فاجعل لنا من وقتك يومًا تُحدِّثنا فيه؟ فقال: نعم، فوعدهنَّ وأتاهنَّ وذكَّرهن وعلَّمهن، وأجاب عن أسئلتهنَّ عليه الصلاة والسلام.

فالمقصود أنَّ الواجب أن يخصَّ النساء بشيءٍ، وقد يسَّر الله الآن الآلات التي يسمعن فيها كل شيءٍ، هذه من آيات الله عز وجل: الإذاعة، الأشرطة.