02 - الشيطان يزين للإنسان المعصية ثم يتبرأ منه

فصل

ومن كيده للإنسان: أنه يُورِده المواردَ التي يُخيَّل إليه أن فيها منفعته، ثم يُصْدِرُهُ المصادر التي فيها عطبه، ويتخلىّ عنه، ويُسلِمه، ويقف يشمتُ به، ويضحك منه، فيأمره بالسرقة، والزنا، والقتل، ويدل عليه، ويفضحه.

وتكلَّم الناس في قول عدو الله: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ [الحشر:16].

فقال قتادة، وابن إسحاق: "صدق عدو الله في قوله: إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ [الأنفال:48]، وكذب في قوله: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ [الحشر:16]، والله ما به مخافة الله، ولكن علم أنه لا قوة له، ولا مَنَعَة، فأوردهم، وأسلمهم، وكذلك عادة عدو الله بمن أطاعه".

الشيخ: وهذا المعنى واضح إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6]، هكذا أمل الخبيث يدعوهم إلى الباطل، والشر، ثم يسلمهم إذا أوقعهم في المهالك دل عليهم بعد ذلك، وحرض عليهم حتى تحصل لهم العقوبتان في الدنيا، والآخرة، نسأل الله العافية، فليس بناصح، ولا خائف من الله، ولكنه قد هلك، فأراد أن يهلك الناس معه إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6]، ولو كان يريد بهم خيرًا لثبط عنهم، مادام يريده، لثبط عنهم، وأخفى عليهم ما دام أوقعهم في المهالك لكنه بعدما يوقعهم أيضًا يدل عليهم، ويسبب أخذهم، والإرشاد إلى محلاتهم حتى يأخذوا، ويعاقبوا بما فعلوا.

وقال عطاء: "إني أخاف الله أن يهُلكني فيمن يُهلك".

وهذا خوف هلاك الدنيا، فلا ينفعه.

الشيخ: والأقرب أنه كاذب في ذلك؛ لأنه يعلم أنه ينظر أن الله أنظره، وأعطاه النظرة إلى آخر الدهر، وهو يعلم أنه ليس بميت، وليس بهالك، قد أنظره الله ، وأخبر أنه سوف ينظر إلى يوم يبعثون، ولكن قال هذا كذبًا، وزورًا، ويحتمل أنه خاف -مثل ما قال ابن القيم هنا: أن يؤخذ، ويعاقب في الحال، ونسي الوعد بالنظرة لما رأى النبي والملائكة، ورأى جند الله ؛ خاف أن يصيبه ما يصيب الناس، وذهب عن باله .....

فكلما قوي إيمان العبد زال من قلبه خوف أولياء الشيطان، وكلما ضعف إيمانه قوي خوفه منهم.

الشيخ: وهذا هو الواقع فإنه كلما قوي الإيمان نشط المؤمن في أداء حق الله، والنصح لعباد الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولم يبال بتثبيط الشيطان، وتخويفه، وكلما ضعف الإيمان صار يعظم الناس، ويخشاهم، ويضعف عن دعوته للحق، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر لضعف إيمانه، وضعف قلبه إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران:175] أي يخوفكم أولياءه، يعني يعظمهم في صدوركم حتى لا تأمروهم، ولا تنهوهم، ولا تنصحوهم، نسأل الله السلامة.

وأبرز لهم الشرك في صورة التعظيم، والكفر بصفات الرب تعالى، وعلوّه، وتكلمه بكتبه في قالب التنزيه، وترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

الشيخ: يعني زين لهم الشرك بأنه تعظيم لله، وأنه تعظيم للأنبياء والصالحين، عظم الله بتعظيم الأنبياء والصالحين، وعظم الأنبياء والصالحين بدعوتهم من دون الله، والاستغاثة بهم، فجعل هذا في قالب التعظيم لله، ولأوليائه، وأنبيائه، وهو في الحقيقة تنقص لله، وعدم تعظيم له ، وصرف الأشياء لغير مستحقيها، كما زين لهم تعطيل الصفات، ونفي الأسماء، وتأويلها؛ زينها لهم بأن هذا هو التنزيه، تنزيه الله، وتقديسه كما زين لهم ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بمجاملة الناس، وحسن المعيشة مع الناس، وحسن التصرف مع الناس نسأل الله العافية.

وصاحب عُبّاد العجل حين جرى عليهم ما جرى، وصاحب قريش حين دعوا يوم بدر، وصاحب كل هالك، ومفتون.

الشيخ: يجب على ذي العقل ومن تعز عليه نفسه أن يحذر هذا العدو المبين، وأن يعلم أن كل ما يقع في نفسه من تزيين باطل، ودعوته إلى الفساد، أو ترك حق؛ فهو من هذا العدو المبين، هو من الشيطان، وأن كل ما يقع في قلبه من تزيين الحق، والدعوة إليه، والتشجيع عليه فهو مما يسر الله له على يد الملك الكريم.

فليحذر وساوس الشيطان، ودعواته الباطلة، فإنه عدو مبين يدعو إلى الهلاك في الدنيا، وفي الآخرة.

س: الإدْهان، أو الإدِّهان؟

الشيخ: الإدْهان، أدهن يدهن، وأعلن يعلن، وأكرم يكرم، مصدر رباعي... يقال: إعلام، وإلهام، وإكرام، وإحسان وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9].