52 من حديث (إنَّ الوحي قد انقطع، وإنما نأخذ الآن بما ظهر من أعمالكم)

كِتَابُ الْقَضَاءِ

1397- عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ، اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ: رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ. وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَلَمْ يَقْضِ بِهِ، وَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفِ الْحَقَّ، فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ، فَهُوَ فِي النَّارِ. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

1398- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ.

1399- وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَنِعْمَت الْمُرْضِعَةُ، وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

1400- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1401- وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1402- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا تَقَاضَى إِلَيْكَ رَجُلَانِ، فَلَا تَقْضِ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ، فَسَوْفَ تَدْرِي كَيْفَ تَقْضِي، قَالَ عَلِيٌّ: فَمَا زِلْتُ قَاضِيًا بَعْدُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَقَوَّاهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

1403- وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

الشيخ: يقول المؤلفُ الحافظ ابن حجر رحمه الله: كتاب القضاء.

القضاء في اللغة يُطلق على معانٍ عديدةٍ: منها القضاء المعروف، وهو ما قدره الله وقضاه على العباد. ومنها القضاء بمعنى الإبلاغ والإنهاء: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا [الإسراء:4]. ومنها القضاء بمعنى الأمر والوصية: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]. ومنها القضاء بمعنى فصل الخصومات، والصلح بين الناس، وهو المراد هنا، المراد هنا ما يتعلق بالفصل في الخصومات، والصلح بين الناس حتى تحلّ المشاكل.

والقضاء من الأعمال العظيمة التي يحتاجها المسلمون، ولمن دخل فيها بنيةٍ صالحةٍ وبقصدٍ حسنٍ وطلب نفع المسلمين له أجر عظيم، وهو من الجهاد، ومن المواضع التي يرفع الله بها الذكر، ويعظم الأجر، كما قال عمر ، مَن صدق فيها وأحسن النية وصبر واجتهد، وهو مع ذلك أيضًا خطير؛ لأنَّ الإنسان قد لا يبلغ فيه الوسع، وقد لا يبذل ما يجب، قد يتساهل في بعض الأمور فيكون فيه حرجٌ عظيمٌ وخطير كبير.

فالواجب على المؤمن الذي يُبتلى به أن يجتهد في طلب الحقِّ وألا يتساهل، وأن يستعين بالله كثيرًا، ويتعاطى أسباب التوفيق، ويبذل وسعه في طلب الحقِّ بأدلته، لعله ينجو، لعله يسلم؛ ولهذا كان جماعةٌ من أئمة الإسلام امتنعوا من قبول القضاء، خافوا منه: كالشافعي وأبي حنيفة وجماعة، وبعضهم ضُرب عليه كأبي حنيفة فامتنع.

فالمقصود أنَّ القضاء أمره خطير؛ ولهذا ابتعد عنه الكثير ولم يقبلوه، وقبله قومٌ وأعانهم الله عليه، ونفع الله بهم العباد والبلاد.

يقول النبيُّ ﷺ في الحديث الأول: القضاة ثلاثة، قاضيان في النار، وقاضٍ في الجنة: رجل قضى للناس على جهلٍ فهو في النار، ورجل عرف الحقَّ فلم يقضِ به وجار في الحكم فهو في النار، ورجل عرف الحقَّ وقضى به فهو في الجنة، هذا موافق للقاعدة: أن الأكثر على الخطأ، وهم ثلاثة أصناف، القضاة ثلاثة، الأكثر غير ناجٍ، والأقل هو الناجي: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103].

قال المؤلفُ رحمه الله: إنه حديث له طرق، وقد جمعتُ فيه جزءًا. المؤلف جمع فيه جزءًا، وجمع طرقه.

المقصود أنه يدل على خطر القضاء، وأنه يجب على المؤمن المبتلى به أن يحرص على معرفة الحقِّ والحكم به، ولا يُحابي: لا قريبًا، ولا صديقًا، ولا عدوًّا، ولا غير ذلك، بل يجب أن يقضي بالحقِّ ولو على نفسه وأقربائه، يتحرى في ذلك أمر الله، ويتَّقي في ذلك غضبه وعقابه ، فإن فعل نجا وله الأجر العظيم، وإن تساهل صار في حكم القاضيين الآخرين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والحديث الثاني: حديث أبي هريرة أيضًا ، يقول ﷺ: مَن ولي القضاء فقد ذُبح بغير سكِّينٍ يعني: فقد ذُبح ذبحًا يُعذبه؛ لأنَّ الذَّبح بالسِّكين قد يُنجزه ويُريحه، لكن الذَّبح بغير سكينٍ -بالخشبة أو بالعود- قد يُتعبه كثيرًا ويضرّه كثيرًا، فالمعنى أنه يذبح نفسه ذبحًا مُتباطئًا، يزداد فيه البلاء والشرُّ، ويُهلك نفسه هلاكًا مُتأخرًا، غير ناجزٍ يعني، إلا مَن سلم الله، إلا مَن وفق الله، فمَن جاهد وصبر حتى ينفع اللهُ به الناس وحتى يُوفق للحقِّ، وهو مع هذا كله إذا صار خطؤه عن غير عمدٍ، وعن غير قصدٍ، وعن غير تساهلٍ، ولكن بعد الاجتهاد وبعد تحري الحقِّ فإنه لا يضرّه، كما في الحديث الرابع -حديث عمرو بن العاص- وإنما يضره الجهل إذا لم يُعطِ المقام حقَّه، أما إذا أعطى المقام حقَّه وكان أهلًا لذلك؛ لعلمه وفضله، فإنه لا يضره خطؤه، بل هو على أحد حالين: إما مأجور أجرين إن أصاب، وإما مأجور بأجرٍ واحدٍ إن أخطأ، وله أجر اجتهاده إذا كان من أهله -من أهل العلم الذي يُمكنه من طلب الحقِّ.

ولهذا قال العلماء: يجب على القاضي أن يكون عنده إلمام، وعنده علم جيد بالكتاب والسنة وأقوال السلف وإجماعهم وخلافهم، وعنده علم أيضًا باللغة العربية، وعنده علم بالقياس؛ حتى يُلحق الفروع بالأصول، فلا يصلح القضاء إلا أن يكون عنده علمٌ جيد بهذه الأمور؛ حتى يتمكن من إيصال الحقِّ إلى أهله، وليس معناه أنه لا بدَّ أن يكون كاملًا، لا، هذا لا يتيسر، لكن معناه: يكون عنده أصول، وعنده معرفة، عنده أهلية لهذا الشيء في علم كتاب الله وأحكامه: علم السنة، علم أقوال السلف: إجماعهم وخلافهم، إلى غير ذلك مما يُعينه على فهم الحكم.

وفي الحديث الثالث يقول ﷺ: إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامةً يوم القيامة، فنعمت المرضعةُ، وبئست الفاطمةُ.

هذا فيه الحذر، وأنها خطيرة -أي الولاية- ولو كانت غير القضاء؛ ولهذا قال: الإمارة، والقضاء نوع إمارةٍ، فينبغي الحذر، لكن إن رأى المصلحة ورأى الفائدة واحتيج إليه فليصبر وليحتسب، وقد يجب عليه إذا كان المقامُ ليس فيه مَن يصلح للقضاء سواه، فالأظهر أنه يجب عليه أن يُجيب؛ حتى يتمكَّن من إيصال الحقِّ إلى أهله، أما إن كان هناك عدد يصلحون فهم فرض كفايةٍ.

فنعمت المرضعة، وبئست الفاطمة المعنى: أنها تُحمد عند ما يحصل منها من خيرٍ ومصالح وفوائد، مع الصبر عليها، وتحري الحق.

وبئست الفاطمة إذا فقدها قد يتألم وتسوء حاله، إلا مَن عصم الله، إلا مَن رحم الله، فإنه ما دام يرضع منها وما تدر عليه يستفيد منها ويمدحها ويُسر بها، ولكن عند الحيلولة بينه وبينها وعند انقطاع ما يترتب عليها بئست الفاطمة.

ويحتمل أنَّ المراد نعمت المرضعة بالنظر إلى ما يحصل بها من الخير والنَّفع والمصلحة، وبئست الفاطمةُ بالنظر إلى ما يترتب عليها من الشرِّ والخطر، لكن الأول أظهر.

فالحاصل أنَّ هذه الإمارات والولايات قد يفرح بها وقد يُسر بها الإنسان، ولكنه يندم بعد ذلك؛ ولهذا فيما روى مسلم في الصحيح عن أبي ذرٍّ لما قال: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: إنك ضعيف، وإنها أمانة يعني: الولاية، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا مَن أخذها بحقِّها، وأدَّى الذي عليه فيها، فمتى يكون هذا: متى يأخذها بحقِّها، ويُؤدي الذي عليه، الأمر عظيم، ولا شكَّ أن السلامة منها عظيمة ومطلوبة، إلا مَن علم من نفسه القوة عليها، ورأى الحاجةَ إليه في ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الحديث الرابع: حديث عمرو بن العاص السَّهمي، صحابي جليل مشهور، أحد الدهاة والعلماء والأفذاذ المعروفون، المقصود أنَّ هذا الرجل من دُهاة العرب، ومن كبار الصحابة، ومن خيارهم، كان له شأنه في الجاهلية، وكان له شأنه في الإسلام .

يقول ، عن النبي ﷺ أنه قال: إذا حكم الحاكمُ فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر، هذه بشارة للقُضاة، هكذا رواه مسلم عن جابرٍ بنحوه، نحو حديث عمرو، هذه بشارة للمُسلمين وللقُضاة على وجهٍ أخصّ: أنَّ القاضي إذا حكم مُجتهدًا مُتحرِّيًا للحقِّ فأصاب فله أجران، وإذا حكم مُجتهدًا مُتحريًا الحقَّ فأخطأ فله أجر عن اجتهاده وتعبه وصبره، ويفوته أجر الصواب، وليس مُعرَّضًا للوعيد في هذا، إنما الوعيد لمن قضى للناس على جهلٍ، من غير معرفةٍ، أو قضى للناس بالجور والهوى، نسأل الله السَّلامة.

والحديث الخامس حديث أبي بكرة: لا يقضينَّ الحاكم بين اثنين وهو غضبان.

هذا فيه الدلالة على أنه لا يجوز للمسلم أن يقضي بين الناس في حالٍ تُزعجه، في حالٍ تحول بينه وبين استيفاء ما يجب عند القضاء، مثل: حالة الغضب -الغضب الشديد- ومثل: النوم، كونه ينعس، والملل الشَّديد الذي يُتعبه حتى لا يتمكن من كلام الخصمين، ومن النظر في قضيتهما، أو الحزن الشديد، أو نحو هذا مما يشغله، لا بدَّ أن يكون عند القضاء فيه راحة، ومجلسه مريح، ونفسه طيبة؛ حتى لا يغلط ولا يضرّ الخصمين.

ومعلوم أنَّ الغضبان قد ذهب بعضُ عقله، فلا يتمكن من استيفاء الحكم كما ينبغي، فإذا جاء الغضبُ فليترك الحكم حتى يهدأ، ومثل الغضب قاس عليه العلماءُ ما يُشبهه من إضعاف العقل وإضعاف البصيرة والفكر؛ حتى لا يتمكن من استيفاء ما ينبغي استيفاؤه من الكلام: من سؤال المدَّعي والمدَّعى عليه، والنظر في كلامهما، وفي حُجَّتهما، فالقلق ..... من أجل حزنٍ، أو من أجل شيءٍ آخر، أو نوم شديدٍ يشغله، أو حرٍّ شديدٍ يشغله، أو بردٍ شديدٍ يشغله، أو نحو هذا مما يقع للقاضي، فإنه يتوقف عن الحكم حتى يعتدل الوقتُ ويستقيم الأمرُ؛ حتى لا يضرَّ أحدًا.

والحديث السادس: حديث عليٍّ ، وهو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الشُّجعان والفرسان والدُّهاة رضي الله عنه وأرضاه، يقول: أن النبيَّ ﷺ قال له: إذا تقاضى إليك اثنانِ فلا تقضِ للأول حتى تسمع كلام الآخر.

وعلي هذا هلك فيه طائفتان: طائفة جفت في حقِّه وسبَّته، وطائفة غلت فيه: كالرافضة، وعبدته من دون الله.

واعتدل فيه أهلُ السنة والجماعة: فعرفوا له قدره، وترضوا عنه، وعرفوا أنه من خيرة الصحابة، وأنه أفضل بعد الثلاثة: بعد الصديق، وبعد عمر، وعثمان، وأنَّ الواجب عدم الغلو فيه، وعدم النّصب، فلا هذا، ولا هذا، يجب أن يُعطى حقَّه من العدالة، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وهو رابع الخلفاء الراشدين، وهو أحد السَّابقين الأولين رضي الله عنهم وأرضاهم، فالغلو فيه والعداوة له كلاهما منكر، وكلاهما من عمل مَن ظلم نفسه، نسأل الله العافية.

يقول النبيُّ ﷺ: إذا تقاضى إليك اثنان يعني: خصمان فلا تقضِ للأول حتى تسمع كلام الآخر، فسوف تدري كيف تقضي، والقاعدة: إذا جاء الأول يكون الآخر هو الأول والآخر حتى تسمع كلام الثاني، المعنى: أنك إذا استوفيت الكلام منهما صار أقرب إلى أن تُصيب الحقَّ، فلا تُبادر بالحكم عندما تسمع كلام الأول، لا ولو كان ظاهرًا حتى تسمع كلام الآخر وما عنده من الجواب.

قال: "فما زلتُ قاضيًا بعد" يعني: لما عرفت القاعدة، فكان من أذكى الناس وأعلمهم وأفضلهم وأفقههم رضي الله عنه وأرضاه.

وهذا يدل على وجوب تثبت القاضي وعدم العجلة، وأنه لا يجوز له أن يعجل، ليس بمجرد سماعه للخصم الأول، بل لا بدَّ أن ينتظر حتى يستوفي كلام الشَّخصين أو الطائفتين أو الفرقتين، حتى يستوفي حججهما وكلامهما، ونظر بعد ذلك وحكم والله أعلم.

س: الآخر بمعنى الثاني؟

ج: هنا، لكن ما دام ذكر الأول فالقاعدة أنه إذا ذكر الأول يكون الثاني بالكسر: الآخِر.

س: ...............؟

ج: لعله على القاعدة هنا، يمكن أن يقال: إنه بمعنى الثاني، ولا حاجة إلى الكسر، لكن على القاعدة عند ذكر الأول يُكسَر ما بعده: الآخِر، وهو المتأخر يعني.

س: الولايات العامَّة تشمل إدارات المدارس ورؤساء الأقسام؟

ج: هو الظاهر أنها داخلة، لكن اصطلحوا في تسميتها إدارة، وإلا مدير المدرسة، أمير على الموظفين والطلبة.

س: قول عليٍّ: فما زلتُ قاضيًا؟

ج: بعد، نعم.

س: يعني أنه كان يجلس للقضاء؟

ج: هو تولى القضاء لما بعثه النبيُّ إلى اليمن، ولما تولى الخلافة قضى للناس، ولا أتذكر شيئًا آخر، لكن كأنَّ المراد والله أعلم أنَّ "ما زلتُ" يعني: عالما بالقضاء، وليس المباشرة، كأن المقام يقتضي يعني: عالما بالقضاء، يعني: صالحا للقضاء، فاهمًا له.

1404- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1405- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: كَيْفَ تُقَدَّسُ أُمَّةٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْ شَدِيدِهِمْ لِضَعِيفِهِمْ؟ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ.

1406- وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ.

1407- وَآخَرُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَه.

1408- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: يُدْعَى بِالْقَاضِي الْعَادِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَلْقَى مِنْ شِدَّةِ الْحِسَابِ مَا يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي عُمُرِهِ. رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ.

وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَلَفْظُهُ: فِي تَمْرَةٍ.

1409- وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُم امْرَأَةً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

1410- وَعَنْ أَبِي مَرْيَمَ الْأَزْدِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاحْتَجَبَ عَنْ حَاجَتِهِمْ وَفَقِيرِهِم، احْتَجَبَ اللَّهُ دُونَ حَاجَتِهِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ.

1411- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

1412- وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو عِنْدَ الْأَرْبَعَةِ إِلَّا النَّسَائِيَّ.

1413- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّ الْخَصْمَيْنِ يَقْعُدَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْحَاكِمِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

الشيخ: هذه الأحاديث بقية أحاديث القضاء، القضاء مثلما تقدم أمره خطير، وجوانب الخطر فيه متعددة: تارةً بالتَّقصير في طلب أدلة الحكم، وتارةً بالميل إلى أحد المتخاصمين، وتارةً بأنواعٍ أخرى من التَّقصير.

حديث أم سلمة رضي الله عنها: يقول ﷺ: إنكم تختصمون إليَّ، ولعلَّ أحدكم أن يكون ألحن بحجَّته من بعضٍ، فأقضي على نحوٍ مما أسمع، فمَن قطعت له من حقِّ أخيه شيئًا فإنما أقطع له قطعةً من النار متفق عليه. وفي روايةٍ زيادة: فليحملها أو ليذرها.

هذا إذا كان الرسولُ ﷺ يقول هذا الكلام وهو أعلم الناس وأتقاهم لله، وينزل عليه الوحي من السماء، فكيف بغيره؟

المقصود أنَّ الخصوم قد يغتر بهم القاضي بسبب بلاغة بعضهم، وحُسن أسلوبه، وقوة كلامه، وربما التبس الأمر بأسباب ذلك، وربما حكم له، لكن يجب عليه أن يعلم أنه متى عرف أنَّ الحكم في غير حقِّه، وأنه ظالم، فإنَّ الحكم لا ينفعه ولو كان الحاكمُ رسول الله ﷺ، فهذا الحكم الذي لم يُصادف الصوابَ في نفس الأمر لا يحلّ له ما حرَّم الله عليه من حقِّ أخيه، فلا يظنّ أنَّ بلاغته أو وجود الشُّهود في صفِّه -شهود الزور- أو ما أشبه ذلك من أسباب التَّلبيس؛ لا يظنّ أنَّ هذا يُنجيه من ظلمه لأخيه، ويُخلصه من عقاب الله الذي وعد به الظالمين، فهذا يُفيد الحذر من أخذ المال بغير حقٍّ بشهود الزور، أو بالبلاغة والفصاحة وعيّ الخصم الثاني وعدم قُوته في الدِّفاع، فليتَّقِ الله، وليُنصف من نفسه، وليُعطِ الحقَّ الذي عليه، ولا يكن همُّه وقصده أن يغلب ولو بالباطل، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.

وفي الحديث الثاني -حديث جابرٍ- يقول ﷺ: كيف تُقدَّس أمة لا يُؤخذ من شديدهم لضعيفهم خرَّجه ابن حبان، وذكره البزارُ من حديث بُريدة، وابن ماجه من حديث عائشة.

هذا يدل على أنَّ الواجب أن يأخذ من الشديد للضَّعيف، بعض الناس ما يستطيع أن يأخذ حُجَّته ويُقدمها، ولا يستطيع أن يُخاصم كما ينبغي، بل يُغْلَب، فالواجب على الأمة -يعني: على أعيانها وعلمائها وأمرائها وقُضاتها- أن يُنصفوا الضَّعيف، وألا يدعوا الشَّديد يغلبه، حسبما ظهر لهما من حالهما.

المقصود: لا بدَّ من العناية بالضُّعفاء وإعطائهم حقوقهم، ولا يُتركوا فريسةً للأقوياء والأشداء، ومَن كانت صفته هذا؛ مَن كانت صفته التَّساهل في حقِّ الضُّعفاء، فإنه لا يُقدَّس، أي: لا يُزَكَّى، ولا يستحقّ من الله ما يستحقّه المنصفون العادلون المقسطون من التوفيق والرحمة والإحسان ورفع المنزلة، بل أمة يُظلم ضعيفُها لا تُقدس.

ويدخل في المعنى والله أعلم يعني: لا تُرحم، ولا تُوفَّق، فإنَّ التقديس: التزكية ورفع الشأن، فإذا كانت لا تُبالي فهي جديرة بأنها تُهان وتُذلّ ويُسلط عليها الأعداء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الحديث الخامس حديث عائشة: أن النبي عليه السلام قال: يُؤتى بالقاضي العادل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقضِ بين اثنين في عمره يعني: ولا مرة واحدة.

وفي رواية البيهقي: في تمرةٍ، وحديث التَّمر معروف، يعني أنه يتمنى أنه ما ولي القضاء بالكلية، ولا حكم بشيءٍ، وهذا على كل حالٍ، مهما كان من حاله، فهو وعيد وتحذير وترهيب من القضاء، مع قطع النَّظر عن حال الإسناد؛ فإنه يُفيد الحذر، وسكوت المؤلف عليه وابن حبان والبيهقي -السُّكوت- يدل على أنَّ إسناده صالح ومناسب؛ ولهذا سكتوا.

المقصود أنه يُفيد الحذر، وإن كان الحاكمُ بحمد الله إذا اجتهد له أجران إذا أصاب، وأجر إذا أخطأ، لكن هذه شدة الحساب، لها تعلق بحقوق الناس وأموال الناس، وكيف تصرف فيها؟ وكيف فعل كذا؟ وكيف فعل كذا؟ هذا يُشعر بأنَّ هناك أمرًا كبيرًا وعظيمًا فيما يتعلق بحسابه وسؤاله عمَّا فعل، وعمَّا تساهل فيه، وعمَّا فرَّط فيه.

وهذا يُفيد الحذر، وأن الواجب على القاضي أن يحذر غاية الحذر التَّساهل في هذا القضاء، وأن يُنصف الناس ولو لم يعجل، ولو تأخَّرت القضية، لا بدَّ [أن] يُنصف ويتأمل، لا يعجل في الأمور، العجلة معها النَّدامة، فليتأمل حتى يطمئن إلى أن القضاء في محلِّه، وأنه وفق للصواب فيه، قد تلتبس الأمور على القاضي وهي واضحة ..... الخصوم ..... وإيذاء بعضهم فتلتبس عليه الأمور، ويود أن يخلص منهم، وربما تساهل.

فالواجب عدم العجلة، وألا يُبالي بحرصهم، وأن يزجرهم عمَّا لا ينبغي، وأن يأمرهم بالأدب المناسب؛ حتى لا يُزعجوه، ولا يُؤذوه، ومَن تساهل مع الخصوم آذوه وأتعبوه وأساءوا الأدب، لكن لا بدَّ من قوةٍ، [يكون] قويًّا من غير ..... من غير ضعفٍ، لا بدَّ من قوةٍ تردع الخصوم من سوء الأدب، فإنَّ سوء الأدب قد يشغل قلبه ويُؤذيه، فربما أخطأ بسبب ذلك.

هكذا حديث أبي بكرة الثَّقفي، يقول النبيُّ ﷺ: لن يُفلح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأةً رواه البخاري.

كان ذلك بسبب: لما ولَّى الفرسُ ابنةَ كسرى، وبلغ النبيَّ خبرُهم قال: لن يُفلح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأةً، المقصود أنه لا يجوز تولية النساء أمور المسلمين؛ لضعف المرأة، وتأثرها كثيرًا بغيرها، فالواجب ألا تولى أمور المسلمين العامَّة: كالإمارات والقضاء وأشباه ذلك، أما ما يتعلق بأمورٍ دون ذلك: كولاية اليتامى -أولادها اليتامى- كولاية وقفٍ، وصية، ولاية مدرسة للنِّساء، وأشباه ذلك لا حرج؛ لأنَّ هذه أمور يُمكنها أن تقوم بها؛ ولهذا وكل عمرُ حفصةَ رضي الله عنها في وصيته لسدادها وفضلها.

والمقصود أنَّ المقصود من هذا النَّهي عن الولايات العامَّة التي قد يُخشى منها على المسلمين، أما الولايات الخاصَّة: على وقف فلان، أو وصية فلان: أبيها أو أخيها، أو ولاية الأيتام –أيتامها- أو ما أشبه ذلك، أو عمادة المدرسة النِّسائية، أو إدارة أمرٍ يتعلق بالنساء، كل هذه الأمور لا بأس بها، وليست داخلةً في الحديث؛ لأنَّ المراد العموم، أمرهم يعني: أمر الرعية.

والحديث السابع حديث أبي مريم الأزدي: يقول ﷺ: مَن ولَّاه الله شيئًا من أمر المسلمين فاحتجب عن حاجتهم وفقيرهم احتجب الله دون حاجته وفقره. هذا وعيد عظيم، وله شواهد من عدة أحاديث تدل على وجوب إنصاف الوالي للناس، وبروزه لهم، وجعل مَن يبلغه حاجاتهم؛ حتى لا تضيع الحاجات، فإما أن يُبادر بنفسه ويتولى بنفسه، أو يُولي الثِّقات الذين يُبلغونه حاجات الناس، وتُرفع إليه حاجات الناس؛ حتى تصل كل إنسانٍ حاجته.

المقصود أنَّ هذا يُفيد العناية من ولي الأمر بالضَّعفة والمساكين، وألا يحتجب عنهم فتضيع حقوقهم، وقد يكون ذلك بإشرافه بنفسه ومُباشرته بنفسه، وقد لا يستطيع ذلك، فيكون لديه من المعاينين والأخيار مَن يُعينه على ذلك.

وهكذا حديث أبي هريرة وعبدالله بن عمرو في لعن الراشي والمرتشي.

الراشي: باذل الرشوة، والمرتشي: قابل الرشوة.

فالرسول لعن الراشي والمرتشي في الحكم؛ لأنَّ الرشوة تضرّ المسلمين، وتدعو إلى وضع الأحكام في غير محلِّها؛ فلهذا عظم أمرها، واستحقّ صاحبُها اللَّعنة؛ لأنها من الكبائر العظيمة، فالإنسان الذي يحكم بالرشوة ليس له إيمان يزجره، وليس له تقوى تمنعه؛ ولهذا أثرت فيه الرشوة، فالواجب أن تكون الأحكامُ على قصد الشرع، وألا يتأثر بزيدٍ ولا بعمرٍو: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [الأنعام:152]، فكيف إذا أخذ الرشوةَ؟! يكون أمره أعظم وأشرّ؛ ولهذا لعن فاعل ذلك: الآخذ والمعطي.

وزاد في رواية أحمد: "والرائش" الواسطة بينهما. وفي رواية عبدالله بن عمرو: الراشي والمرتشي مطلقًا، ولم يذكر الحكم، وهكذا في بعض روايات أبي هريرة، ولكن لما كان الحكمُ أشدَّ الأمور وأخطرها نبَّه عليه، وإلا فالأمر عامّ، حتى غير الأمير لو تولى أمور المسلمين ليس له أن يأخذ الرشوة، بل عليه أن يتحرى الحقَّ، وأن يُنفذ الأمور على مُقتضى العدالة، ولا يأخذ من أحدٍ رشوةً تُسبب ميله إليه، فالذي يتولى أمور الجند أو أمور أهل البلد ومصالح البلد أو كذا أو كذا ليس له أن يأخذ الرشوة حتى يميل إلى هذا، أو يميل إلى هذا، ..... على أمرٍ من أمور المسلمين، الواجب عليه أن يحذر الميل إلى أحدٍ؛ لقرابةٍ، أو عداوةٍ، أو رشوةٍ، أو غير هذا من الأمور الباطلة.

وحديث ابن الزبير يُفيد أنَّ السنة أن يقعد الخصمان بين يدي الحاكم، هذه السنة: يكونا أمامه حتى ينظر إليهما، وحتى يستحيا أيضًا إن كانا أمامه، وحتى يتفرس فيهما، ويظهر من نظره إليهما ما قد يُعينه على إصابة الحكم، وهذه سنة المسلمين: الخصمان يجلسان بين يدي الحاكم، لكن ذكر العلماءُ: إذا كان أحدُهما كافرًا فلا مانع من رفع المسلم عليه، ويُروى هذا عن عليٍّ حين خصم عند شريحٍ.

المقصود أنَّ السنة أن يكونا بين يديه، وإذا ارتفع أحدُهما لإسلامه على الكافر في كرسيٍّ أو غيره فلا مانع من هذا؛ إظهارًا لفضل المسلم على غيره، لا من جهة الحكم، ولكن من جهة المنزلة.

وتقدم أنه لا يقضي لأحد الخصمين على الآخر حتى يحضر، وحتى يسمع كلامهما جميعًا مثلما تقدم في حديث عليٍّ، فوجودهما بين يديه مما يُعينه على فهم القضية والتَّبصر فيها؛ حتى يحكم على بصيرةٍ، لكن يجوز الحكم على الغائب عند دعاء الحاجة إلى ذلك، إذا كان الغائبُ يتملَّص من الحضور، ويتفلَّت من القوة، ويحرص على الغلبة، لا يُقرُّ على باطله، بل يحكم عليه وإن كان غائبًا؛ لأنَّ بعض الناس إذا عرف أنَّ الحكم عليه وأنه مأخوذٌ قد يغيب، قد يختفي، فللحاكم أن يحكم عليه بالبينة الشَّرعية، وإذا كانت له دعوى بعد ذلك يُقدِّمها حتى ينظر فيها، ولا يترك صاحب الحقِّ يضيع.

س: حديث القاضي العادل؟

ج: ما وقفتُ على سنده، رواه ابن حبان والبيهقي، لكن ما وقفتُ عليه.

س: ................؟

ج: ما يلزم منه هذا، لكن شدة الحساب لا يلزم منها العذاب، قد يكون من الأشياء التي يُسألها، وأشياء يُناقش فيها، فالمسألة فيها نظر يعني.

س: ................؟

ج: على كل حالٍ، المتن فيه بعض الإشكال، ولكن هو جاء به من باب الترهيب، هو من أحاديث الترهيب، والله أعلم، وفي النفس من صحَّته شيء، ولكن هو من باب التَّرهيب.

س: ................؟

ج: عامّ، بارك الله فيك: لن يُفلح قومٌ نكرة في سياق النَّفي، يعمّ الكفَّار والمسلمين جميعًا.

س: إذا اختفى أحدُ الخصمين، وكان المختفي هو المدَّعي، لما رأى أنَّ الحكم سيكون عليه اختفى؟

ج: الذي يدور المدَّعى عليه، وإذا سكت وإذا ترك تركوه، ولكن إذا دعت الحاجةُ إلى أن يحكم عليه لا بأس؛ حتى لا يؤذي المدَّعى عليه ولا يشغله، ما في بأس، لكن الغالب أن المدَّعي لا يدور.

س: لكن يحصل أحيانًا؟

ج: أقول: لو قدر أنه ينظر المدَّعى عليه ما في بأس.

س: هذا يحصل كثيرًا في المحاكم، المدَّعي إذا رأى أنه ليس له دعوة اختفى؟

ج: الحاكم ينظر في الأمر: إذا كان يحتاج المدَّعى عليه يحكم عليه، يحكم عليه ..... حتى لا يعود مرةً أخرى، هذا شيء إلى الحاكم إذا رأى المصلحةَ في ذلك.

س: ................؟

ج: هذا الأصل؛ المدَّعي إذا ترك تُرك، والمدَّعى عليه إذا ترك لم يُترك، بل يُطالبه، هذا الأصل.

س: ................؟

ج: هذا على ولي الأمر أن ينظر في هذا؛ حتى يُريح أخاه المسلم.

...............

س: إذا أعطى المريضُ الطبيبَ هديةً لمزيدٍ من العناية والاهتمام، فهل يدخل في الرِّشوة؟

ج: إذا كان لا يتضمن تعطيل أحدٍ لعله ما يدخل، إذا كان مُختصًّا به يُعالجه، وليس عطاؤه مما يتضمن تركه لمريضٍ آخر لأجله؛ لعله لا يدخل.

س: يتضمن إذا تطلع للرشوة ما يُحسن معاملة الآخرين، فمَن أعطاه رشوةً أحسن معاملته، ومَن لم يُعطه لم يُحسن؟

ج: والله يخشى، هذا يخشى بكل حالٍ.

س: ................؟

ج: يمكن على كل حالٍ، هو إذا كان يتضمن هذا حرم، هذه قاعدة، إذا كان يتضمن أنه يُحسن إلى مَن أعطاه، ويُسيئ إلى ..... حرم، مثل: مسألة القضاء سواء بسواءٍ.

س: ..... قد يتضمن، وقد لا يتضمن؟

ج: يعني: قد يكون الطبيبُ يأتيه في بيته، أو يُلاحظه في بيته، أو مخصص له، ما معه أحد شريك فيه، قد يكون لأسبابٍ أخرى، ما تضمن إيذاء أحدٍ من الناس، القاعدة هي هذه، القاعدة: إذا كان العطاءُ لا يضرّ أحدًا، فقط هذه القاعدة، أما إذا كان يضرّ أحدًا فلا يجوز.

بَابُ الشَّهَادَاتِ

1414- عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1415- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1416- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ، وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَانِعِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.

1417- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ.

الشيخ: يقول المؤلفُ رحمه الله: باب الشَّهادات، جمعها لتنوعها، جمع شهادة، والشَّهادة أنواع: على الحدود، وعلى القصاص، وعلى القذف، وعلى الأموال، فهي أنواع.

والشهادة خبرٌ قاطعٌ بحقِّ زيدٍ أو عمرٍو، تُسمَّى شهادة، إذا شهد بذلك على أحدٍ معينٍ أو على معينٍ سُمي شهادة، بخلاف الأخبار المطلقة: كإخباره بأنه قدم فلان، أو مات فلان، أو دخل الشهر، أو ما أشبه ذلك ..... الخبر عليه أغلب، أما ما كان لمعينٍ فالغالب عليه اسم الشَّهادة، وإن كان يُسمَّى خبرًا، لكن الغالب عليه اسم الشَّهادة؛ لأنه لمعينٍ يخصّه، يُثبت له حقًّا، أو يُثبت عليه حقًّا.

وهي حقٌّ على مَن لديه شهادة يجب عليه أداؤها إذا كان لصاحبها فيها مصلحة ومنفعة، قال الله جلَّ وعلا: وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة:283]، فهي واجبة مُتعينة على مَن لديه هذه الشَّهادة، إذا كانت في مصلحة المشهود له فيجب عليه الأداء، ولا سيما عند الطلب والحاجة إليها، وأما بالزور فهي محرَّمة، ومن أعظم الكبائر؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا قال: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30]، وأخبر النبي ﷺ أنها من أكبر الكبائر حيث قال: ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثًا، ثم ذكر منها شهادة الزور، نسأل الله العافية.

ثم في الشَّهادة أمر آخر: وهو أنه يجب عليه أن يتحرى وأن يتثبت حتى يُؤديها كما سمع، أو كما علم، أو كما شاهد؛ حتى لا يظلم أحدًا: لا المشهود له، ولا المشهود عليه، فلا بدَّ أن يكون له من العناية فيما يُؤدي، وأن يضبط ذلك ويحفظه، ويأتيكم في آخر الباب أن النبيَّ قال لرجلٍ: ترى الشمس؟ وإن كان الحديثُ ضعيفًا، لكن من باب الاستشهاد.

المقصود أن المهم التَّثبت، قال تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86]، فالواجب على الشاهد أن يعتني، وألا يتسامح في الشَّهادة لأجل قرابةٍ، أو حظٍّ عاجلٍ، أو عداوةٍ، بل يجب أن يتثبت في الأمور حتى يشهد شهادةً يعلمها ويقطع بها ويُبرئ ذمَّته بها.

الحديث الأول: حديث زيد بن خالدٍ الجهني الصَّحابي الجليل : أن النبي ﷺ قال: ألا أُخبركم بخير الشُّهداء؟ الذي يأتي بالشَّهادة قبل أن يُسألها خرجه مسلم في "صحيحه".

هذا الحديث عند أهل العلم محمول على مَن يجهل الشَّهادة، أو يظنّ أنه نسيها، فهذا هو الذي يُبادر إليه بالشَّهادة، ويأتي بالشَّهادة قبل أن يُسألها؛ لئلا تضيع عليه، وهو غير ما ذُكر في حديث عمران: يشهدون ولا يُستشهدون، يعني أنه يأتي بالشَّهادة التي عنده قبل أن يُسألها عند الحاجة إلى ذلك، فهو يظنّ أنه جهلها، أو ظنَّ أنه نسيها، أو ما أشبه ذلك من الأسباب التي تدعو إلى تقديمه لها، لا تساهلًا بها، ولا استخفافًا بها، ولا ..... بها لطمعٍ، ولكن لأجل أداء الواجب، فهذا هو محمل الجمهور لهذا الحديث.

وقال بعضُهم: إنَّ هذا محمولٌ على الشَّهادات العامَّة التي تنفع المسلمين: كشهادة الحسبة على أهل المنكرات، وما أشبه ذلك مما يتعلق بالمنفعة العامَّة، لا بمعينٍ.

ولكن قول الجمهور هذا هو الأولى، المراد بذلك، يعني: الشَّهادة التي يخشى من ضياعها إذا لم يُؤدها؛ لنسيان صاحبها لها، أو جهله بها، أو نحو ذلك من الأمور التي تجعله يمتنع من طلبها، أو لا يستطيع طلبها؛ لأنَّ القاعدة المعروفة أن النُّصوص يُجمع بينها بالأوجه الصَّالحة المناسبة لقاعدة الشرع ومقاصد الشرع.

وقد صحَّ في الحديث الثاني -حديث عمران- أن النبيَّ ﷺ قال: خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، هذا فيه فضل القرون الثلاثة، وقد جاء هذا المعنى في عدة أحاديث: حديث ابن مسعودٍ، وحديث عمر في مسلم وغيره، وهذا الحديث -حديث عمران بن حصين- كلها تدل على فضل القرن الأول، وهو قرن الصحابة، قرن النبيِّ ﷺ، وأنهم خير الناس، وأفضل الناس: الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ومَن كان في زمانهم من كبار التَّابعين، والعلماء، والأخيار.

وفي لفظٍ آخر: خير الناس، فيعمّ أمته وغيرهم، كما في حديث ابن مسعودٍ: خير الناس قرني، فالصحابة هم خير الناس، وهم أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، يعمّ أمته ومَن قبلها من باب أولى.

وفي الحديث الصحيح: لا تسبُّوا أصحابي، والذي نفسي بيده لو أنفق أحدُكم مثل أحدٍ ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه.

هذا فضل عظيم لا يُدانيه أحد، ثم الذين يلونهم ومَن جاء بعدهم من أخيار التَّابعين ومَن كان في زمانهم من الأخيار، ثم الذين يلونهم كذلك في القرن الثالث.

واختُلف في القرن، وقد استقرَّ الآن على أنَّ القرن مئة عام، والخلاف فيه معروف؛ قيل: عشرة أعوام. وقيل: عشرون. وقيل: على ما ذكره أئمة اللغة، لكن استقرَّ الآن بين أهل العلم أنَّ القرن هو مئة عام؛ لأنَّ في الغالب ينقلب فيه أهله، فالموجودون في أول القرن الرابع عشر في الغالب ينقلبون في آخره، وهكذا الموجودون في الخامس عشر في أوله في الغالب ينقلبون في آخره، ما يبقى منهم إلا النَّادر، أو لا يبقى أحدٌ؛ ولهذا قال النبيُّ ﷺ في آخر حياته: لا يبقى بعد ساعتي هذه بعد مئة عامٍ عين تطرف، قالوا: أراد بذلك انقضاء القرن وذهاب القرن، لا قيام الساعة كما هو الواقع.

هذا يدل على أنَّ المئة في الغالب أنها قرن تزول ويأتي قرنٌ آخر، وهذ هو الغالب، والنَّادر لا حكمَ له، فالذي قد يعيش بعد المئة هذا من النَّوادر والقلة القليلة.

وفي هذا فضل القرون الثلاثة التي فيها الصحابة وفيها التابعون وفيها أتباع التابعين ومَن لحق بهم، ويدخل في ذلك قرن مالك وأبي حنيفة والشَّافعي وأحمد والبخاري وأشباههم؛ لأنَّ هذه المئة الثالثة، وإن كان الشرُّ قد فشا في الثالثة وكثر، لكن أهل العلم كثيرون، والعُبَّاد والصُّلحاء كثيرون، والأخيار كثيرون، قد قامت بهم الحجَّة، وانتشروا في البلاد، وأظهروا السنة، وعلَّموها الناس، ثم صار الشرُّ أكثر في القرن الرابع وما بعده؛ ولهذا قال بعده: ثم يكون بعدهم قومٌ يشهدون ولا يُستشهدون يعني: يُبادرون بالشَّهادات الباطلة، شهادة الزور، ويستخفون بالشَّهادات، ويأتون بها من دون حاجةٍ إلى أن يأتوا بها؛ ولهذا في حديث ابن مسعودٍ: تسبق شهادةُ أحدهم يمينَه، ويمينُه شهادتَه؛ لقلة الإيمان، وضعف الإيمان، وعدم الإيمان في بعضهم.

ويخونون ولا يُؤتمنون يعني: تظهر بينهم الخيانة؛ لقلة الإيمان، أو عدم الإيمان، فيخونون في أماناتهم التي لله، والتي لعباده، فيخونون في الصلاة، ويخونون في الزكاة، ويخونون في الصيام، ويخونون في الحج، ويخونون في غير هذا من العبادات ولا يُؤدُّونها كما شرع الله، ويخونون في أمانات الناس وحقوقهم من الودائع والأواني، وغير هذا من أمانات الناس بسبب ضعف الإيمان في بعضهم، وعدمه في بعضهم، وإن تظاهر بالإسلام.

وينذرون ولا يُوفون ينذرون النُّذور الكثيرة، ولكن لا يُوفون بها؛ لأنَّ هناك ضعفًا في القلوب، وقلة خوفٍ من الله؛ فلهذا لا يُوفون، ليس عندهم وازع يزعهم حتى يوفوا، فينذرون الطَّاعات الكثيرة من الصَّدقات، من الصلوات، من الصيام، من غير ذلك، لكن لا يُوفون؛ لأنَّ الإيمان ضعيف أو معدوم؛ فلهذا لا يندفعون إلى الأداء، قد قال الله في مدح المؤمنين: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [الإنسان:7]، أما هؤلاء فلضعف إيمانهم، أو عدم إيمانهم ينذرون ولا يُبالون.

ويظهر فيهم السِّمَن قال العلماء: معناه أنهم يستكثرون من الرفاة والنعم، ويُقبلون على الشَّهوات، فتظهر فيهم علامات ذلك من السِّمن: سمن الأجسام، وكبر البطون، وغير ذلك مما يظهر من آثار النعم، وليس معنى ذلك أن كل سمينٍ مذمومٌ، لا، لكن المقصود أنَّ هذا يظهر في الناس في آخر الزمان، القرون المتأخرة: الرابع وما بعده؛ لأنهم يُقدمون على الشَّهوات والنعم، ومعلوم أنَّ الإنسان إذا أقبل على هذه الأشياء في الغالب أنه يسمن ويعظم جسمه، وهذا يدل على ضعفٍ في الغيرة، وقلةٍ في الخوف من الله ؛ ولهذا أقبلوا على الشَّهوات واشتغلوا بها حتى ظهرت فيهم آياتها ودلائلها.

وفي حديث ابن مسعودٍ في "الصحيحين": خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قومٌ تسبق شهادةُ أحدهم يمينَه، ويمينُه شهادتَه، وهذا كله يدل على انخرام الأحوال المرضية وتغيرها وقلة أهلها، وكثرت ضدهم.

وفيه ذمّ الشَّهادة بغير حقٍّ، وأن الواجب على المؤمن ألا يشهد إلا بحقٍّ، وألا يُبادر للشَّهادة بدون تثبتٍ، وبدون نظرٍ، بل يتأمل ويتثبت حتى يُؤدي الشَّهادة على وجهها كما تقدم.

والحديث الثاني: حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، عن النبي ﷺ أنه قال: لا تجوز شهادة خائنٍ ولا خائنةٍ، ولا ذي غمرٍ على أخيه، ولا شهادة القانع لأهل البيت.

الخائن والخائنة معروفان: مَن عُرف بالخيانة في دين الله، أو في أمانات الناس، لا تُقبل شهادته؛ لفسقه وقلة أمانته، فمتى عرف القاضي أو ثبت بالبينة أنَّ هذا معروف بالخيانة لأمانته أو لحقِّ الله عليه، معروف بالكسل في الصَّلوات، معروف بالإفطار في رمضان بغير حقٍّ، معروف بالبخل بالزكاة؛ لا تُقبل شهادته؛ لأنه ليس بعدلٍ، والله يقول: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2]، ويقول: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ [البقرة:282]، وهذا لا يُرضى، وليس بعدلٍ، أو عُرف بالخيانة للناس، يعني: عُرف أنه يخون أمانات الناس وعواريهم ورهونهم ونحو ذلك مما يدل على فسقه وظلمه وقلة أمانته، فلا تُقبل شهادته عند القاضي؛ لعدم أمانته.

ولا لذي غمرٍ: الغمر بالكسر: الحقد ..... كما في "القاموس" وغيره و"النهاية"، الغمر بكسر فسكون: الحقد، يعني: ولا مَن عُرف بالعداوة لأخيه، فمتى ثبت بالبينة أنه بينه وبين أخيه عداوة: يسرّه ما يضرّه، ويسوؤه ما يُفرحه؛ ما تُقبل شهادته على هذا الشَّخص الذي يُكنُّ له العداوة.

أما ما قال الشارحُ هنا: غمر بفتح وسكون وهمز ..... وليس بجيدٍ، ولا أدري من أين أخذه؟ المعروف أنه بالكسر والتَّسكين.

وأما "القانع لأهل البيت" فهو الخادم لهم، سُمي قانعًا لأنه يخضع لأوامرهم، بمثابة الفقير يخضع لحاجات الناس، وطلبه من الناس، فهو يخضع لهم، ويميل إلى منفعتهم، فلا تُقبل شهادته، إذا كان خادمًا لهم لا يشهد لهم، لا تُقبل شهادته لهم؛ لأنه متَّهم في ذلك.

والمعنى في هذا كله: أنه لا تُقبل شهادة الفاسق المتهم، ولا العدو، ولا مَن يتَّهم بأنه يُحابي المشهود لهم؛ لقرابةٍ غالبةٍ قريبةٍ، أو لخدمةٍ ونحو ذلك، فلا بدَّ أن يكون ..... في قرابةٍ، ولا في ولاءٍ، وفي غير ذلك من شؤون التُّهمة؛ لأنَّ هذه الأمور تحمل على الشَّهادة لينفع صاحبه، أو ليضرَّ عدوه.

والحديث الرابع حديث أبي هريرة : أن النبي ﷺ قال: لا تجوز شهادة بدويٍّ على صاحب قريةٍ.

حديث صحيح؛ رواه أبو داود وابن ماجه بسندٍ جيدٍ.

وذهب الجمهور إلى أنَّ معناه: الأعرابي؛ لجفائه وعدم ضبط عدالته، فلا تُقبل شهادته على القروي؛ لأنَّ الغالب أنه لا يتحرى فيها ولا يُبالي، والقروي يحتقره، فلا تُقبل شهادته عليه.

وهذا إذا كان على حالة الجفاء، أما إذا عُرف بالعدالة والاستقامة فإنها تُقبل شهادته، ويكون مثل الحضري، هكذا قال الجمهور، فسَّروا الحديثَ بذلك، وقد استدلوا أيضًا بحديث ابن عباسٍ: أن النبيَّ قبل شهادة أعرابيٍّ في رمضان، وهو شاهد على الأمة الحاضرة والبادية.

فالحاصل أنَّ الحديث وإن كان ظاهره عدم قبول البدوي مطلقًا، لكن عند أهل العلم البدوي الذي لا يظهر منه أمارات العدالة والضبط والعناية، هذا هو الذي لا تُقبل شهادته، أما مَن عُرف بالاستقامة فهذا تُقبل، فالأصل عدم قبول شهادة البدوي على الحضري، هذا هو الأصل، إلا إذا اتَّضح من البدوي استقامته وصلاحه وعدم تهمة بعداوة الحضري فلا بأس.

وفَّق الله الجميع.

س: إذا اتَّضحت أمانةُ الخادم؟

ج: ولو، ما يُقبل؛ لأنه من أهل البيت.

س: في قصة شُريح في تقاضي عليٍّ واليهودي: استشهد له الحسن ومولاه، فردَّ شهادة الحسن وقبل مولاه؟

ج: إن صحَّت الرواية الولي ما هو بخادمٍ، يعني: ليس بخادمٍ، مجرد أنه عتيق فقط، فهذا لا يضرّ.

س: شهادة الأخ لأخيه؟

ج: إن كان شريكًا له لا يُقبل، وإن كان ..... يُقبل إن كان عدلًا، أما إن كانت حالهما واحدةً لا تُقبل.

س: بعض الناس بالنسبة للشَّهادة في الزواج ما يُشهدون الأخ في الزواج، أيش مُستدلهم في هذا؟

ج: ما أعلم شيئًا، إلا إذا كان شريكًا وحالهم واحدة، قد يحتاج إلى الشَّهادة لأخيه لصحة النكاح، يعني: ينبغي أن يكون الشهود بعيدين عن التُّهمة.

س: ................؟

ج: يخشى؛ لأنه قد يكون بينهما نزاعٌ، فيحتاج إلى شهادةٍ لأخيه في المهر أو غيره.

س: إذا كانت عليه معصية ظاهرة؟

ج: لا بدَّ من العدالة، فمَن عليه معصية ظاهرة ما يكون عدلًا.

1418- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

1419- وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ عَدَّ شَهَادَةَ الزُّورِ فِي أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي حَدِيثٍ.

1420- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِرَجُلٍ: تَرَى الشَّمْسَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ. أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ.

1421- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ: إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.

1422- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلهُ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

الشيخ: هذه بقية أحاديث باب الشَّهادات: حديث عمر يقول: إنَّ الوحي قد انقطع، وإنما نأخذ الآن بما ظهر من أعمالكم.

مُراده رحمه الله: أنَّ الناس في عهد النبي ﷺ كانت أحوالهم قد تُعلم من جهة الوحي، قد ينزل فيهم الوحي: القرآن أو السنة، أما بعد وفاة النبي ﷺ فليس هناك وحي تُعلم به أحوالهم الباطنة، وليس للناس من أعمالهم إلا ما ظهر؛ ولهذا قال: إنَّ الوحي قد انقطع. يعني: بموت النبيِّ ﷺ، وإنما نُؤاخذ الآن بما ظهر من أعمالكم.

تمامه: فمَن أظهر خيرًا أمناه وقربناه، وليس لنا من سريرته شيء، الله يتولى سريرته ، ومَن أظهر سواه -سوى ذلك- لم نأمنه ولم نُقربه.

هذا يدل على أنَّ الواجب أخذ الناس بما ظهر من أعمالهم، وأن البواطن إلى الله ، فمَن أظهر الخير والاستقامة قُبلت شهادته وأمن، بحيث يكون وكيلًا على شيءٍ من أمور المسلمين: ولي على يتيم، ولي على وقفٍ، إلى غير هذا.

ومَن أظهر سوى ذلك من المعاصي والخيانات وغير ذلك مما يدل على ضعف إيمانه وقلة أمانته: لم نأمنه، ولم نثق به في شهادته.

وهذا الذي قاله عمر هو الحقّ، وهو مقصد الأدلة الشَّرعية، فإنَّ الناس ليس لهم علم الغيب، وإنما لهم ما ظهر؛ ولهذا أُمروا بأن يأخذوا بالظاهر، قال النبيُّ ﷺ: أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، ويُقيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّ الإسلام، وحسابهم على الله .

وقال في قصة أسامة: أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟! قال: إنما قالها تعوُّذًا. قال: هلا شققتَ عن قلبه حتى تعلم أنه قالها تعوُّذًا؟!

المقصود أنه ليس للناس إلا ما ظهر، فالواجب على القضاة والأمراء وعلى المسلمين جميعًا أن يأخذوا بالظاهر، وأن يدعوا التَّجسس والظنون السيئة التي لا دليلَ عليها، مثلما قال جلَّ وعلا: اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12]، وقوله ﷺ: إياكم والظنَّ؛ فإن الظنَّ أكذب الحديث، وهكذا في الشَّهادات، وفي الأخبار، وفي الولايات، كلها على الظاهر.

الحديث الثاني: حديث أبي بكرة ، وهو أبو بكرة نفيع بن الحارث الثَّقفي المشهور، روى عن النبي ﷺ أنه قال: ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان مُتَّكِئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، فذكر الشَّهادة في الكبائر، بل في أكبر الكبائر، فدلَّ ذلك على خبثها وشرِّها وعظم خطرها، وما ذاك إلا لأنه يترتب عليه أمور خطيرة: قد تُسفك بها الدماء، وتُستباح بها الأبضاع، وتُؤخذ بها الأموال، فشرها كبير؛ ولهذا كررها النبيُّ ﷺ تحذيرًا منها، وإن كانت ليست أعظم من الشرك، ولكن من أجل عظم خطرها، وأنَّ الناس قد يجترؤون عليها بأسبابٍ: بعض الناس بالمال والرشوة، وبعض الناس بحبِّ المشهود له؛ لقرابةٍ أو صداقةٍ، وبعض الناس لبغض المشهود عليه؛ لعداوةٍ بينهما، فيُقدم على شهادة الزور.

فالدَّوافع لها كثيرة؛ ولهذا كرر النبيُّ ﷺ التَّحذير منها، وأبدى فيها وأعاد، وهكذا قال الله فيها سبحانه: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30]، فقرنها بالشرك.

فالحاصل أنَّ شهادة الزور من أقبح الكبائر، وشرها وخطرها لا يخفى على أحدٍ له أدنى ..... من عقلٍ، ويستحق صاحبها التَّعزير البليغ إذا عُرف وعُلم، التعزير البليغ الذي يُنفر غيره منها بما يراه وليُّ الأمر: من ضربٍ وسجنٍ وطوافٍ بالأسواق، يُطاف بالأسواق على حمارٍ أو غيره، ويُضرب، ويُبين للناس أنَّ هذا جزاء مَن يشهد بالزور، إلى غير هذا من العقوبات التي يراها وليُّ الأمر.

ثم هي تختلف، شهادة الزور تختلف: قد تكون في قتلٍ فتكون أعظم، وقد تكون فيما دون القتل من الجلد، تكون في أموالٍ عظيمةٍ، وقد تكون في أموالٍ حقيرةٍ، كلما عظم أثرها عظم شرها.

والحديث الثامن حديث ابن عباسٍ : أنَّ النبي ﷺ قضى بالشَّاهد واليمين، وهكذا حديث أبي هريرة: بالشاهد واليمين.

جاء في هذا الباب أحاديث وآثار، وقد ذهب جمهورُ أهل العلم إلى الحكم بالشاهد واليمين في الأموال، مما يتعلق بالأموال؛ لأنَّ النبي قضى بذلك عليه الصَّلاة والسلام، وهي قضايا معينة؛ ولأنَّ الأموال أمرها أسهل من الحدود والقصاص؛ ولهذا قضي فيها بالشَّاهد واليمين، وربما قضى بالشَّاهد عليه الصلاة والسلام إذا .....، كما في قصة أبي قتادة الأنصاري.

المقصود أنَّ الشاهد واليمين يُقضى بهما في الحقوق المالية، وقد يُقضى بالشَّاهد وحده إذا كان معروفًا مُبرزًا بالشَّهادة؛ لأنَّ جانب المدَّعي يتقوى به قوة عظيمة، فاكتُفي به في حقِّه، وإن كان هناك ضعف جُبر بيمينٍ، فيُكلَّف المدَّعي باليمين، وهذه سنة الشرع، إن كان جانبُ المدَّعي أقوى جُبر باليمين، وإلا فليس لخصمه إلا يمين المدَّعى عليه؛ ولهذا في القسامة لما تقوى جانبُ المدعين باللّوث قُبلت قسامتهم وأيمانهم في صاحبهم، وهكذا إذا وجدت دلائل تدل على صحة دعوى المدَّعي حُكم له بها؛ لأنَّ البينة ما بين الحقِّ وأظهره، وإذا احتيج إلى اليمين أخذ منه اليمين.

فالقاضي عليه أن يتبين الأمور، ويتحرى أدلة الحقِّ؛ حتى لا يُمكن الظلمة من عدوانهم على الناس وأخذ حقوقهم بغير حقٍّ؛ وحتى لا يضيع الحقُّ على يديه، فهو يتحرى الأدلة والعلامات والبراهين التي تدل على صدق المدَّعي، أو كذب المدعي، وللقضاة في هذا فراسة وأحوال كثيرة حسب تجاربهم وذكائهم، وحسب علمهم بأحوال الناس.

والقاعدة في هذا الباب مثلما تقدم: البينة على المدَّعي، وأنه يُراعى في ذلك جانب المدَّعي من جهة البينات، وجانب المدَّعى عليه من جهة البراءة الأصلية، أما ليس عنده بينات فليس له إلا البراءة الأصلية، فيُحكم له باليمين.

والله ولي التوفيق، وصلى الله على نبينا محمدٍ.

كذلك حديث ابن عباسٍ: ترى الشمس؟ حديث ضعيف كما تقدم، والمقصود من ذلك الدلالة على أنه لا بدَّ من التَّثبت في الشَّهادة، وعدم الشَّهادة بغير بصيرةٍ، إن كان على قولٍ يشهد بما سمع، وإن كان على فعلٍ يشهد بما رأى، ولا يتساهل في الشَّهادة، بل لا بدَّ من الشَّهادة عن بصيرةٍ إلا مَن شهد بالحقِّ وهم يعلمون.

والحديث -حديث ابن عباس: ترى الشمسَ؟ فعلى مثلها فاشهد أو فدع- هذا ضعيف كما قال المؤلفُ، ولكن يُستشهد به من باب الاستشهاد في عظم شأن الشَّهادة، وأنَّ الواجب على الشاهد أن يتحرى، وألا يشهد إلا عن علمٍ وعن بصيرةٍ: إما المشاهدة، وإما السماع، ويلتحق بهذا الشَّهادة في الأنساب والأوقاف وغير ذلك من الأمور التي يشهد بها بالاستفاضة، فإذا استفاض عند الشَّاهد أنَّ فلانًا مات، وأنه من قبيلة فلانٍ، شهد بذلك، هذه المسائل أقرها العلماء فيما يتعلق بالشَّهادة بالاستفاضة والتَّواتر، وإن لم يُشاهد ولم يسمع من الشَّخص نفسه، لكن سمع ممن يطمئن إليهم؛ لثقتهم، أو كثرتهم أن فلانًا من بني فلان: من بني تميم، من بني هاشم، أنه مات في كذا وكذا، وما أشبه ذلك مما قرره أهلُ العلم، وهو داخل في: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86]؛ لأنَّ الاستفاضة والتَّواتر من طرق العلم.

س: مَن شهد بالزور على قتل شخصٍ .. هل يُقتص منه؟

ج: بيَّن العلماء هذا، هذا معروف: إن شهد زورًا وعرف قتل بشهادته، يستحق القصاص؛ لأنه قاتل، نسأل الله العافية، لكن هذا على تفصيلٍ عند العلماء في .. الشبهة.

س: حديث: قضى باليمين والشَّاهد؟

ج: تكلَّمنا عليه.

س: ................؟

ج: هذا من رواية عمرو بن دينار، عن ابن عباس، رواه مسلم في "الصحيح".

س: إذا طلب المدَّعى عليه اليمين يُؤخذ بها؟

ج: إذا كان ما عنده إلا شاهد واحد نعم.

س: .................؟

ج: الجمهور لا يقبلونها، لكن بعضَ أهل العلم يرى قبولها إذا توافرت الأدلةُ والبينات على ترجيح جانب المدَّعي، الشيخ تقي الدِّين يميل إلى هذا رحمه الله -ابن تيمية- إذا كانت امرأةً ثقةً، وليس هناك ما يُضعف جانب المدَّعي يجعلها كالرجل في هذا، لكنه محل نظرٍ، الجمهور لا يقبلونها، لا بدَّ من رجلٍ، لكن مثلما تقدم: القاضي ينظر ويتأمل، إذا وجد دلائل وقرائن تُقوي جانب المدَّعي: من شهادة امرأةٍ أو نساءٍ -عدة نساء- أو صبيان، يعني: يطمئن إليهم، فله أن يحكم بها مع اليمين؛ لأنَّ المقصود هو قوة جانب المدَّعي، أو من دلائل أخرى –علامات- تدل على كذب المدَّعى عليه، وصحة قول المدَّعي، فالقضاة لهم في هذا شأن، يجب عليهم أن يتحروا.

س: ولو كان الصبيان دون التَّمييز؟

ج: دون التَّمييز ما لهم قيمة.

بَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ

1423- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ.

1424- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا، فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي الْيَمِينِ: أَيُّهُمْ يَحْلِفُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

1425- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْحَارِثِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِنْ قَضِيبٌ مِنْ أَرَاكٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1426- وَعَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1427- وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ : أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي دَابَّةٍ، لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ وَهَذَا لَفْظُهُ، وَقَالَ: إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.

الشيخ: يقول المؤلفُ رحمه الله: باب الدَّعاوى والبينات.

الدَّعاوى، ويقال: دعاوي، مثل: فتاوى، وفتاوي أيضًا، جمع دعوى، جمع فتوى، والدَّعوى: هي طلب الحقِّ على المنكر وغير المنكر، يقال لها: دعوى، إذا ادَّعى على غيره يُقال لها: دعوى، سواء كانت الدَّعوى مالًا أو حقًّا آخر، وتُجمع على دعاوى ودعاوي.

والبينات: ما يُحتج به على إثبات الحقِّ، يقال لها: بينات، ويقال لها: حجج، ويقال لها: براهين، ويقال لها: أدلة، فالبينة: هي ما يُبين الحقَّ، سواء كان شاهدًا، أو في أشياء أخرى.

سُميت الأدلة: بينة؛ لأنها تُبين الحقَّ وتُوضحه وتُظهره؛ ولهذا قيل لها: البينة، وهي أنواع، البينات أنواع كما تقدم في الشَّهادات، وكما هو معلوم: تكون البينات أربعة شهود كما في الزنا، وتكون ثلاثة شهود كمَن ادَّعى الفقر وهو لا يُعرف به، وقد تكون بشهادتين، وهو الأكثر، وتكون شاهدًا ويمينًا، وقد تكون لوثًا كما في القسامة، وقد تكون أشياء أخرى يستدل بها القاضي وغيره على الحقِّ.

عن ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما، عن النبيِّ ﷺ أنه قال: لو يُعطى الناسُ بدعواهم لادَّعى ناسٌ دماء رجالٍ وأموالهم، ولكن اليمين على المدَّعى عليه متفق على صحَّته.

وللبيهقي: وهو أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي المعروف، المتوفى سنة 458، يقول رحمه الله في لفظٍ: البينة على المدَّعي، واليمين على مَن أنكر رواه بإسنادٍ صحيحٍ عن ابن عباسٍ.

والبيهقي كما هو معروف من الحفَّاظ المكثرين والمتقنين، ومُؤلفاته تدل على علمه وفقهه وفضله رحمه الله.

هذا الحديث أصلٌ من أصول الشريعة، وقاعدة من قواعد الشريعة في أبواب القضاء وإثبات الحقوق، يُبين فيه النبي ﷺ أنَّ الناس لا يُعطون بدعواهم، وأنهم لو أُعطوا بدعواهم لادَّعى ناسٌ دماءَ رجالٍ وأموالهم، فإذًا اتَّسع الخرقُ، وسُفكت الدِّماء، وذهبت الحقوقُ وضاعت؛ لأنَّ كل إنسانٍ له هوى وجشع وطمع فيدَّعي، أو حقد، أو شحناء، فليس معصومًا، فالغالب الفساد والشَّر والظلم على النفوس؛ فلهذا منع الله قبول هذه الدَّعوى إلا ببينات.

فهذا من رحمة الله لعباده، ومن إحسانه إليهم: أنه لا تُقبل الدَّعوى إلا ببينةٍ، ولو كانت على شيءٍ قليلٍ، ولو ادَّعى درهمًا أو أقلّ من درهمٍ: أنه أقرضه فلانًا، أو سرقه منه فلان، أو نهبه منه فلان، أو ما أشبه ذلك، لا يُقبل إلا ببينةٍ، فإن لم يجد فله يمين صاحبه: ولكن اليمين على المدَّعى عليه، فالمدَّعى عليه الأصل فيه البراءة، فاكتُفي باليمين.

وأخذ العلماءُ من هذا الحديث قاعدة: أنَّ الجانب الأقوى يكفي فيه اليمين، والجانب الأضعف يحتاج إلى بينةٍ، والمدَّعي جانبه أضعف؛ لأنه ادَّعى ما الأصل خلافه، فالقول بالبينة، أما المدَّعى عليه فجانبه أقوى؛ لأنَّ الأصل براءته وسلامته؛ فاكتُفي بحقِّه في اليمين، فيقول: والله ليس عندي هذا الحقّ، أو ما عندي له هذا الحقّ، أو ما أشبه ذلك من الأيمان المناسبة للمقام، ويبرأ بذلك.

والقضايا في هذا الباب كثيرة، ومن هذا حديث الأشعث في "الصحيحين": شاهداك أو يمينه، قال: يا رسول الله، إنه رجل فاجر، لا يُبالي ما حلف عليه. قال: ليس لك إلا ذلك، فاليمين على الكافر والمسلم جميعًا، وهكذا في قصة اليهود، القتيل عبدالله بن سهل، لما قال: لكم أيمانهم قالوا: قوم كفَّار، قال: ليس لكم إلا ذلك.

وأما البينة فهي مثلما تقدم تتنوع وتختلف، فيُقال في كل مقامٍ بما يُناسبه من البينات: إن كان المدَّعى عليه زنا فلا بدَّ من أربعة شهودٍ، أو لواط كذلك، وإن كان المدَّعى مال: سُرق مني كذا، أو اقترض مني، أو نهبني مالًا، أو اشترى مني كذا، فلا بدَّ من الشَّاهدين، أو الشاهد مع اليمين، فإن كان المقامُ مقامًا آخر: كالقتل والحدود، فلا بدَّ من الشَّاهدين، وقد توجد بينات تنفع المدَّعي ليست من هذه الأشياء، لكن ينظر فيها القاضي ويتأملها، فإذا كان يتقوى جانب المدَّعي بأشياء أقوى من اليمين في حقِّ المدَّعى عليه حكم بها القاضي؛ بعلامات وأمارات وقرائن تدل على صدق المدَّعي، وهذا يختلف بحسب اختلاف القُضاة والنَّاظرين في هذه الأمور: من الأمراء والشرط والهيئة ونحو ذلك من الحسبة، يختلف فيه ذكاؤه فينظر في هذا، وفطنته وقوة علمه وعدم ذلك.

الحديث الثاني: حديث أبي هريرة ، عن النبي ﷺ أنه عرض على قومٍ اليمين فأسرعوا، كل واحدٍ قال: أنا أحلف. فأمر أن يُسهم بينهم: أيُّهم يحلف. رواه البخاري.

جاء في رواية أبي داود والنَّسائي أن رجلين تنازعا في متاعٍ في أيديهما، فعرض عليهما اليمين فأسرعوا، فأمر أن يُسهم بينهم: أيّهم يحلف فيكون المتاعُ له.

وفي حديث أبي موسى -وهو الخامس من هذا الباب- أنه اختصم إليه ﷺ ..... في دابَّةٍ ليس لهم بينة، فقضى بها بينهما.

تنازع أهلُ العلم في هذا الحديث وما جاء في معناه: حديث أبي هريرة، وحديث أبي موسى، وما جاء في معناهما، فيما إذا تنازع اثنان في متاعٍ بأيديهما، أو بيد ثالثٍ لا يدَّعيه، فدل حديثُ أبي هريرة على أنهما إذا تنازعا ولم يصطلحا على أن يُقسم بينهما فإنه يُقال لهم: تحلفون؟ فمَن حلف فهو له؛ لعدم البينة، وإن أسرعوا وأحبّ كل واحدٍ أن يحلف أقرع بينهما، فمَن قرع حلف وهو له.

فإذا تنازعوا مثلًا [في] عباءةٍ، أو ثوبٍ، أو إناءٍ، أو ما أشبه ذلك في أيديهما، أو في يد ثالثٍ لا يدَّعيه، قيل لهما: اصطلحا على هذا بينكما وينتهي الأمر. فإذا اصطلحا على أنه بينهما ويتقاسمانه فلا حاجةَ إلى الحكم بعد ذلك، وإن أبيا فاليمين، فمَن حلف فهو له عند عدم البينة، فإن تشاحَّا في اليمين وقال كل واحدٍ: أنا أحلف، أقرع بينهما، فمَن قرع -ظهرت له القرعة- حلف وأخذ.

وفي حديث أبي موسى: أنَّه قسمه بينهما نصفين.

وجاء في روايةٍ أخرى: أن كلَّ واحدٍ نزع ببينةٍ، فقسمه بينهما نصفين.

قال العلماء: إنَّ وجود البينتين المتعارضتين كعدمهما؛ لأنهما إذا تعارضتا سقطتا، فالحكم واحد فيما إذا كان ليس لهما بينة، أو لهما بينتان مُتعارضتان فتسقطا، فيبقى حينئذٍ أن يُقسم بينهما، أو تُعرض عليهما اليمين.

والأقرب في هذا والله أعلم أنهما إذا كان الشيء بينهما وفي أيديهما يتصرفان فيه فهو بينهما، ولعلَّ هذا هو الذي وقع في قصة أبي موسى، مثل: أرض بينهما، دابة قد ارتحلاها أو ركباها، أو شبه ذلك، فهذه بينهما؛ ولهذا حكم بهذا؛ لأنَّ أيديهما عليها، وهما يتصرفان في هذا الشيء تصرف الملاك، فدعوى أحدهما أنه مختص به دعوى غير صحيحةٍ، وبالإمكان تحليفه على ذلك إذا طلبه صاحبه، فهذا هو وجه القسمة: إذا تنازعوا في أرضٍ بأيديهم، أو دابة عليها متاعهم، أو قد ركبوها، أو ما أشبه ذلك مما يدل على تملكهم جميعًا، فالأصل أنهم سواء، يُقسم بينهم، هذا هو الأصل، إلا أن تأتي بينةٌ مفصلة تفصل.

أما إذا لم تكن أيديهما على الشيء، بل كانت في يد ثالثٍ، أو وُجدت ساقطةً في الأرض -مطروحة في الأرض- وأخذاها وتنازعا فيها، فهل هو محلّ أن يُخيروا بين أحد أمرين: إما اليمين إذا تراضوا عليها، وإما القرعة عند التنازع؟ فعند اليمين يُكتفى باليمين إذا سمحوا بها، ولا حاجة إلى القرع، وإن لم يكتفوا باليمين وتنازعوا؛ كل واحدٍ يقول: أنا أحلف، فالإسهام كما في حديث أبي هريرة.

وبهذا تنتظم الأدلةُ الواردة في هذا الباب، ولا يبقى إشكال في هذا، وهذا هو أحسن ما قيل في هذه المسألة.

أما حديث أمامة وحديث الأشعث فهما دالَّان على عظم خطر اليمين، وأنَّ اليمين خطرها عظيم إذا كانت كاذبةً.

وحديث أبي أمامةَ الحارثي ، يقول ﷺ: مَن اقتطع حقَّ امرئٍ مسلمٍ بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرَّم عليه الجنة، قالوا: يا رسول الله، وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال: وإن قضيبًا من أراكٍ.

هذا يدل على عظم الخطر، وأن حلفه كاذبًا ولو على شيءٍ قليلٍ مُتوعد بهذا الوعيد الشَّديد.

وفي اللفظ الآخر -حديث الأشعث- لقي الله وهو عليه غضبان، وجاء معنى هذا من حديث ابن مسعودٍ في "الصحيحين": لقي الله وهو عليه غضبان، مَن حلف على يمين صبرٍ يقتطع بها مال امرئٍ مسلمٍ، هو فيها كاذب -هو فيها فاجر- لقي الله وهو عليه غضبان.

هذا يدل على عظم الخطر في ذلك، وأنَّ الواجب على المؤمن أن يحذر الأيمان الفاجرة، وأن يأخذ مال أخيه بيمينٍ فاجرة، أو بينةٍ كاذبةٍ: إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام، وجاء في الحديث الذي يأتيكم: ثلاثة لا يُكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولهم عذاب أليم، وذكر منهم مَن حلف على سلعةٍ بعد العصر وهو كاذب.

المقصود أنَّ الأيمان الفاجرة خطرها عظيم، فيجب الحذر منها، وتقوى الله في ذلك، وألا يحلف إلا على حقٍّ، وأن يبتعد عن بيع آخرته بدُنياه، نسأل الله السَّلامة.

س: ...............؟

ج: يُستفاد منه نعم، يُستفاد من بعض الروايات عرض الصلح، ويُروى عن عليٍّ هذا المعنى أيضًا، لكن هذا ليس فيه عرض الصلح، بل يُستفاد من أدلةٍ أخرى عند الاشتباه.

س: .................؟

ج: نعم، إذا اصطلحا يكون أسلم للقلوب، وأبعد عن الشَّحناء، وأقرب إلى التَّحابب والصَّفاء، فإذا تشاحوا أو تشاحَّا فيُلجأ إلى الأمر الثاني.

س: إذا وجدت أمارات أو قرائن تُرجح جانب المدَّعي؟

ج: مثلما تقدم تُعتبر بينات إذا اقتنع بها القاضي.

س: .................؟

ج: إذا سمح له فيها ما يُخالف، الرسول قال: وإن قضيبًا من أراكٍ، أما [أن] يأخذه بالقوة ما يجوز له [أن] يأخذه بالقوة ولو سواك، أما إذا سمح ما في بأس.

س: ..................؟

ج: إذا ذكر يُعيده إليه، يُعيد قلمه، فالقلم قد يكون غاليًا بعض الأحيان.

س: ...................؟

ج: إذا كان له أهمية يتصدق به، وإن كان ما له أهمية فالأمر سهل.

س: عرض الصلح في كل قضيةٍ؟

ج: مع وجود البينات، مع ظهور الحقِّ ما للصلح محل، إنما الصلح عند الاشتباه، أو خشية الشَّحناء، إذا كان من باب تلافي ما قد يقع في القلوب، مثل: قضية بين أقارب، أو بين أهل قرية، يعني: يُخشى من الحكم فيها خطر، يُخشى ضرر، يرى وليُّ الأمر أن الصلح بينهم أولى، ولو أنَّ الحقَّ ثابت مثلًا ..... مثل: الدم، عرفوا أنَّ فلانًا قاتل، وأن القصاص ثابت، فعرض عليهم الصلح بأموالٍ يسمحوا فيها عن القتل؛ لأنهم لو قتلوا ربما أفضت الحالةُ إلى شحناء كبيرة، فعرض عليهم وليُّ الأمر أن يُعطيهم ديات كثيرة؛ لأنَّ في هذا مصلحةً للقرية، أو مصلحةً للأسرة، ما في بأس، ليس من شرط الصلح أن يكون الحقُّ مجهولًا، لا، ما هو بشرطٍ، ولو كان الحقُّ معلومًا.

س: بعض القُضاة يعرض الصلح في كل القضايا أو أغلبها؟

ج: ما عندي خبر في هذا، إلا إذا كان جاهلًا، إذا كان جاهلًا بالقضية التي جاءته الواجب بيان الحكم الشَّرعي، لكن إذا رأى الصلحَ بعد ذلك، يعني: ظهر له بعدما بيَّن الحكم وظهر أنَّ هناك خطرًا فلا بأس أن ينظر في الصُّلح ويُشير بالصلح؛ لأنه مثل إخوان بينهم، أو إذا ألزم هذا بالحكم بأنه يُعطيه الدّكان، أو يُعطيه البيت، أو يُعطيه النَّخل، وأنه ضارٌّ له، ظالم، ولكن رأى [أن] يقول له: يا فلان، هذا أخوك، وهذا كذا وكذا، لعلك تسمح له بالربع، بالثلث، بالنخلات الفلانية، الدكان الفلاني، أشياء مما يحصل بها تأليف القلوب.

س: .................؟

ج: إذا استعرتها أعدها إليه.

س: لكني ما أعرف؟

ج: مثلما تقدم: تصدق بها عنهم.

س: ................؟

ج: عليك التَّوبة والاستغفار والصَّدقة جميعًا، إذا جهلتهم واستقصيتَ وسألتَ ولا حصلتَهم تصدق بها عليهم، فإذا جاءوا تغرمها لهم، إلا أن يسمحوا بالصَّدقة.

1428- وَعَنْ جَابِرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

1429- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ يَمْنَعُهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَحَلَفَ لَهُ بِاللَّهِ لَأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِلدُّنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1430- وَعَنْ جَابِرٍ : أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي نَاقَةٍ، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نُتِجَتْ عِنْدِي، وَأَقَامَا بَيِّنَةً، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمَنْ هِيَ فِي يَدِهِ.

1431- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى طَالِبِ الْحَقِّ. رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ، وَفِي إِسْنَادِهِمَا ضَعْفٌ.

1432- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ مَسْرُورًا، تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَيْ إِلَى مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ؟ نَظَرَ آنِفًا إِلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَقَالَ: هَذِهِ أَقْدَامٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: هذا الحديث: حديث جابر بن عبدالله الأنصاري وعن أبيه، يقول ﷺ: مَن حلف على منبري هذا بيمينٍ آثمةٍ تبوأ مقعده من النار، وفي بعض الرِّوايات: فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا كما رواه النَّسائي من حديث أبي أمامة.

فهذا يدل على عظم اليمين عند منبره ﷺ؛ لأنه محل تعظيم، ومحل اقتداء، ومحل تأسٍّ به ﷺ، ومحلّ تذكرٍ بما كان يقوله ويخطب به عليه، فجاء هذا بأمرٍ ضد ذلك، وهو مُنافٍ لذلك؛ فلهذا استحقَّ هذا الوعيد.

واحتجَّ بهذا بعضُ أهل العلم على أنَّ للحاكم أن يغلظ المكان إذا ..... في المقام وخشي أن يكون هناك تواطؤ على الكذب، وتمالؤ على الباطل، وهذا محل اجتهادٍ، وقد اختلف العلماء في ذلك: منهم مَن رأى التَّغليظ، ومنهم مَن لم ير ذلك، فقد جاء عن عمر وجماعةٍ من الصحابة التَّغليظ، والصواب في هذا أنه محل اجتهادٍ، وأنَّ الحاكم إن رأى التَّغليظ غلَّظ، وإلا فلا، وما وقع من النبي ﷺ يدل على ذلك؛ فإنه لم يُغلظ فقال: شاهداك أو يمينه، وقال: اليمين على المدَّعى عليه، ولم يُقيد بقيدٍ، فدلَّ ذلك على أنَّ اليمين كافية في أي مكانٍ، وفي أي زمانٍ، ولكن إذا رأى وليُّ الأمر التَّغليظ كما رآه جماعةٌ من الصَّحابة للتَّقصي في الحقِّ؛ ولإهابة وتخويف مَن أراد أن يحلف لعله ينزجر، لعله يتَّعظ بأن يُكتفى بهذا الأمر فهذا لا بأس به؛ لأنَّ كثيرًا من الناس إنما يُبين له عظم خطر اليمين، ولا سيما في الوقت الفلاني، والمكان الفلاني، وقد يرجع، وقد يقف عن الحلف، ولو تُرك لتساهل.

والناس أقسام:

منهم الوَرِع، عظيم الإيمان، يكفيه إيمانه، ويكفيه ما عنده من الخير، فلا يحتاج إلى التَّغليظ؛ فإنَّ إيمانه يردعه عن الكذب.

ومن الناس مَن يظهر منه التَّساهل والجرأة على الأيمان، والجرأة على أخذ الحقوق بغير حقٍّ، فيُقال: يعمل ما يستطيع من ردعه عن هذا التَّساهل، والحرص على تحقيق الحقِّ للمُدَّعين حسب الإمكان.

ومن هذا الباب كما يأتي: ردّ اليمين على طالب الحقِّ، في حديث جابرٍ أنَّ اليمين يرجع إلى طالب الحقِّ، هو من هذا الباب؛ من تحري الحاكم، الحديث ضعيف، ولكن ..... به بعضُ الصحابة، فتحري القاضي هذا، وأنه إذا رأى هناك شيئًا من شبهةٍ أو توقَّف المدَّعى عليه عن اليمين لأنه لم يحفظ وقال: نسيتُ الموضوع ولا أحفظ شيئًا، ولا أستطيع أن أحلف، ورأى ردَّ اليمين، فهذا محل اجتهادٍ.

والصواب أنه لا بأس به: ردّ اليمين مثل التَّغليظ في اليمين، سواء بسواءٍ، فإذا قال: أقرضتُك مئة ألفٍ، وقال المقرض: أنا لا أذكر هذا، ولا أعلم بيني وبينك معاملةً ولا اتصالًا، ولكن لا أستطيع أن أحلف، قد أكون نسيتُ، فالمدة طالت. ورأى القاضي أن يحلف طالبُ الحقِّ ويقول له: احلف بالله أنك أقرضتَه، لما نكل ذلك عن اليمين، أو لأسبابٍ أخرى يُراعى فيها ردّ اليمين، أو رأى فيها التَّغليظ بعد العصر في الزمان، أو بين الركن والمقام في مكة، أو عند المنبر، أو في المسجد، أو ما أشبه ذلك مما يرى، أو زاد في اليمين، يقول: والله العظيم الغالب الطالب المهلك للكاذب، أو نحو هذا مما يزيد في اليمين، إذا رأى شيئًا من وحشةٍ في حقِّ المدَّعى عليه، وأنه قد يكون متساهلًا، وقد يكون متَّهمًا بالباطل، فالحاصل أنَّ هذا محل اجتهادٍ.

والحديث الثاني حديث أبي هريرة: يقول ﷺ: ثلاثة لا يُكلِّمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يُزكيهم، ولهم عذاب أليم، هذا وعيد عظيم، فهو سبحانه يُكلم الناسَ يوم القيامة: ما منكم إلا سيُكلمه ربُّه ليس بينه وبينه ترجمان، وهو ينظر إليهم ويراهم، ولكن المقصود هنا الكراهة لهم، والغضب عليهم، يعني: لا ينظر إليهم نظر محبَّةٍ، ولا نظر رضا، ولا يُكلِّمهم كلام محبَّةٍ، ولا كلام رضا؛ لغضبه عليهم، وإلا فهو يُكلِّمهم ، ويرى الخلق كلهم.

ولا يُزكِّيهم أي: لا يُطهرهم ويرفع شأنهم ويجعلهم في الأخيار بسبب أعمالهم الخبيثة، وهذا وعيد أيضًا، فقد يتوب عليهم، وقد يرحمهم فضلًا منه، فالله قد يُخلف الوعيد فضلًا وكرمًا، كما يتوعد العُصاة ثم يعفو ولا يُدخلهم النار، وقد يُوفقهم للتَّوبة في الدنيا قبل الآخرة، لكن هذا من باب التَّحذير والتَّرهيب؛ حتى يرتدع العاصي عن المعصية التي جاء بها الوعيد.

ومعنى على فضل ماءٍ بالفلاة يعني: بالصحراء عنده ماء كثير، ويمنع الناسَ منه، وهو زائد على حاجته، مثل: غدران كثيرة، ومثل: الآبار فيها الماء العظيم، فيمنع، هذا ضرر عظيم، وشرُّه عظيم؛ ولهذا استحقَّ هذا الوعيد الشديد.

والثاني: رجل بايع رجلًا بسلعةٍ بعد العصر، فقال له: إنه أخذها بكذا وكذا، وفي لفظٍ: أُعطي بهذا كذا وكذا، فصدَّقه هذا المحلوف له، وهو على غير ذلك، كاذب، وهذا يشمل ما يدَّعيه من الثَّمن، ويشمل ما يدَّعيه من السَّوم، فقد يقول: لقد أُعطيت بهذا كذا وكذا، يعني: سميت، وقد يقول: أعطيت بها، أو أخذتها بكذا وكذا، يعني: اشتريتها، والحديث يشمل هذا وهذا، فإذا قال: والله لقد سيمت مني بكذا وكذا، أو والله لقد اشتريتها بكذا وكذا، وهو يكذب، دخل في هذا؛ لأنه يغرر المشتري، المشتري قد يكون إمعةً، ما عنده بصيرة، وقد يكون يُحسن الظنَّ بهذا الرجل، فإذا قال: والله إني شريتُها بمئةٍ، ظنَّ أنه صادق فاشتراها بمئةٍ وخمسةٍ، بمئةٍ وعشرةٍ، وهو قد يكون شراها بخمسين أو ثلاثين أو أربعين، لكن هذا ما عنده بصيرة، المشتري ما عنده بصيرة، فيُقلد هذا القائل في يمينه.

المقصود أنَّ فيها ضررًا، أنَّ هذا الحلفَ يضرّ كثيرًا من المشترين، وليس كل مُشترٍ حاذقًا يعرف السلع وقيمها، ولا يُخدع، كثير من الناس أو أكثرهم يُخدع بالأيمان، وبحسن الظنِّ بالبائع، وبقراباته، أو صدقاته، أو ما أشبه ذلك من أنواع الغرر.

والثالث: بايع إمامًا لا يُبايعه إلا للدنيا، فإذا أعطاه منها وفى، وإن لم يُعطَ منها لم يفِ، يعني: ما له رغبة في أمر المسلمين وجمع كلمتهم، لا، إنما يُبايع للدنيا، إن أعطاه شيئًا بايع ووفى، وإن لم يُعطه غدر وشقَّ العصا، وهذا من ضعف إيمانه، أو من عدم إيمانه، نعوذ بالله.

والشاهد من الحديث ما يتعلق ببيع السلعة؛ لأنَّ المقام مقام الدَّعاوي والبينات، فالشاهد ما قاله من أن يحلف على السلع، وربما يكون بعد العصر أيضًا، الناس يختمون النَّهار بالتَّسبيح والاستغفار، وهو يختمه بالكذب، نعوذ بالله.

هذا يدل على أنَّ اليمين بعد العصر لها خصوصية في العذاب إذا كانت كاذبةً، هذا من باب التَّغليظ في الزمان، ويدل هذا على تحريم خداع المشتري: لا بالسوم، ولا بالثمن بالكذب، فلا يقول: والله إنها سيمت بكذا، وهو يكذب، ولا يقول: والله إني شريتها بكذا، وهو يكذب؛ لأنَّ هذا كله يخدع المشتري ويجره إلى أنه يبذل ما قاله الحالفُ هذا، أو يزيد عليه؛ فيكون قد خدعه وغرَّه وأوقعه في اللبس حتى أخذ ماله بغير حقٍّ.

الحديث الثالث حديث جابر: تقدم الكلامُ عليه، حديث جابرٍ في رجلين ادَّعيا ناقةً، كل واحدٍ يقول: نتجت عندي، وأقاما بينةً، فحكم بها النبيُّ لمن هي بيده.

هذا محل اختلافٍ بين أهل العلم أيضًا: هل يُقضى ببينة الدَّاخل أو الخارج؟

والحديث كما قال المؤلفُ إسناده ضعيف، لكن العلماء اختلفوا في هذا:

فمنهم مَن قال: إذا أقام الدَّاخلُ بينةً والخارجُ بينةً قُضي ببينة الدَّاخل.

وقال آخرون: بل يُقضى ببينة الخارج.

وقال آخرون: بل تساقط البينات، وليس لهم إلا اليمين على المدَّعى عليه.

والصواب في هذا والأظهر في هذا: أن البينة بينة الخارج، بينة المدَّعي، وأما صاحب اليد فقد تكون بينته اعتمدت على يده، فلا تكون مُعتبرةً، وأيضًا النبيُّ ﷺ قال: لو يُعطى الناسُ بدعواهم لادَّعى ناسٌ دماء رجالٍ وأموالهم، ولكن البينة على المدَّعي، واليمين على مَن أنكر.

فالمدَّعى [عليه] ليس مطالبًا بالبينة، وإنما هو مُطالب باليمين عند الحاجة، فالبينة بينة المدَّعي، هو الذي يريد انتزاع هذه العين، فبينته أقرب إلى العلم وأظهر؛ لأنها أقدمت على شيءٍ خلاف الظاهر، فأخذ بها إذا كانت عادلةً، أما بينة ذاك فهي مقوية ليمينه ومُؤيدة ليده، واليد اتَّضح بالبينة أنها خائنة، أنها يد غير مُستقيمةٍ.

فالصواب في هذا هو ..... ببينة الخارج، وأنَّ المدَّعي تُقبل بينته إذا كانت عادلةً، ويُقضى له على المدَّعى عليه، وإن كان عند المدَّعى عليه بينة؛ لأنها في الغالب تعتمد على يده، وعلى مشاهدة هذه الدار في يده، أو هذه الأرض، أو هذه الدابة.

فإذا اختصم خصمان في أرضٍ، فقال المدَّعي: عندي بينة أنها أرضي، وأنَّ هذا اغتصبها وزرعها بغير حقٍّ. وقال الذي بيده الأرض: إنها أرضي. وأقام البينةَ بأنها أرضه، فإنَّ المدَّعي الذي أقام بينةً بأنها اغتُصبت منه، وأنها أرضه، وأن اليد هذه يد خائنة، وأن بينته إما كاذبة، وإما قد أحسنت الظنّ بيده، فلا يُقضى له ببينته ولا بيمينه، ولكن يُقضى للمدَّعي؛ لأنه صاحب البينة هو، إذا كانت البينةُ صالحةً للقضاء، ومثلها السيارة، ومثلها المطية، ومثلها البيت، والدكان، وأشباه ذلك.

أما الحديث الرابع حديث ردّ اليمين: تقدم الكلام عليه، وأنه يجوز للحاكم ردّ اليمين إذا رأى ذلك تقويةً لجانب المدَّعي؛ لأنَّ الإنسان قد ينكل لأسبابٍ، والأصل أنه يُقضى عليه بالنُّكول، إذا قال له: احلف، فأبى يُقضى عليه، وعليه أن يُسلم الحقَّ، فإذا ادَّعى عليه في مئة ألف ريالٍ بسبب مبيعٍ أو قرضٍ أو وديعةٍ، وكذا، وتوقف عن اليمين، فقد يكون له أسباب التَّوقف، فإذا رأى القاضي ردّ اليمين يقول: إن كنت صادقًا أنك أقرضتَه، أو أنه اشترى منك فاحلف، لا حرج عليه؛ لأنَّ عندنا شكًّا في دعواك، هذا الرجل ما هو متَّهمًا، المتوقف عن اليمين ليس بمتَّهمٍ، وهو ممن يُعرف بالخير والصدق، ولعله نسي، فأنت أيّد ما قلت باليمين، هذا اجتهاد في محلِّه.

الخامس حديث عائشة في مجزز: هذا يدل على جواز الاعتماد على القافة، والقافة: هي الأشخاص الذين يعرفون الأنساب والآثار، يقال: قاف أثره، إذا عرف آثاره، هذا أثر فلان: قدم فلان، أصبع فلان، وهكذا النَّسب: أنَّ هذا شخص من نسب آل فلان، ومن بيت آل فلان.

فالقائف هو الذي يعرف الآثار والأنساب: قاف يقيف، إذا نظر وتأمل وحكم بأنَّ هذا الشيء من هذا الشيء، والنبي ﷺ لما رأى مجززًا حكم بأنَّ هذه الأقدام بعضها من بعضٍ، فإنه نظر إلى زيد بن حارثة وابنه أسامة، وكانا قد غطيا رؤوسهما، وبدت أقدامهما، وكان أسامةُ أسود، قد جاء على أمه، أمه سوداء، وهي أم أيمن، حاضنة النبيِّ ﷺ، وزيد أبوه أبيض، وكان بعضُ الكفَّار يقدح في نسب أسامة ويقول: ليس من زيدٍ، لعلَّ أم أيمن اقترفت شيئًا بسبب السَّواد.

والأصل في هذا أنَّ الولد للفراش، وجاء في حديث "الصحيحين" الذي رواه الشَّيخان من حديث أبي هريرة: أن رجلًا قال: يا رسول الله، إنَّ امرأتي ولدت غلامًا أسود. وهو يعرض بأن ينفيه، فقال له النبيُّ ﷺ: هل لك من إبلٍ؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حمر، قال: فهل فيها من أورقٍ؟، قال: نعم، قال: فأنى أتاها ذلك؟ الأورق: الأسود، قال: لعله نزعه عرق، يعني: في أجداده وآبائه من الإبل، قال: فلعلَّ ولدك هذا نزعه عرق، ولم يأذن له بالنَّفي؛ لأنَّ الألوان تختلف؛ فقد يُشبه الولدُ جدَّه، قد يُشبه خاله، قد يُشبه عمَّه، قد يُشبه أمَّه، فلا يكون اللونُ مُسببًا للتهمة أو للعان ونحو ذلك.

فهكذا هنا لما رأى النبيُّ ﷺ أن مجززًا جزم أنَّ هذه الأقدام بعضُها من بعضٍ سُرَّ بهذا، فدلَّ ذلك على أنَّ القافة حقٌّ، وأن الحكم بها حقٌّ؛ لأنه ﷺ إنما يقرّ على حقٍّ، وإنما يُسرُّ بالحقِّ، لا بالباطل، فإذا أقرَّ على شيءٍ وليس هناك مانعٌ يمنع من خلافه، فإنه يدل على أنه حقٌّ، فإذا رأى شخصين يتعاقدان على شيءٍ، أو يتكلَّمان في شيءٍ ولم يُنكر عليهما، دلَّ ذلك على أنَّ هذا ليس به بأس، فهكذا مسألة مجزز.

ولكن إنما يُسرّ بالقافة عند الجهل وعدم البينة، أما إذا كانت هناك بينة فهي مُقدمة: كالفراش، والشهود مُقدَّمون، فإذا كان وُلد على فراش فلانٍ، فالولد للفراش، ولا يُنظر إلى الشَّبه، لقصد عتبة، قصة عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص في ولد عتبة بن أبي وقاص، فإنَّ النبي قضى به لعبد بن زمعة، وأنه أخوه من وليدة أبيه، ولم يلتفت إلى شبهه بعتبة، وكان شبيهًا بعتبة، فلم يلتفت النبيُّ إلى الشَّبه مع وجود الفراش.

وهكذا لو تنازع شخصٌ فقامت بينةٌ أنه ولد فلان: شاهدان يحكم بهما، وأنه ولد فلان عند الاشتباه، ولو كان الشَّبه في غيره لا يلتفت مع البينة، لكن عند خفاء الدليل: لا بينة، ولا فراش، يُرجع إلى القافة حينئذٍ؛ لأنها حُجَّة ضعيفة، فيُصار إليها عند الحاجة، والله أعلم.

س: القافة مُؤيدة أو تكون حُجَّةً مستقلةً؟

ج: لا، حُجَّة مستقلة إذا انفردت.

...........

س: تحليل فصيلة الدم؟

ج: ما أعرف لها أصلًا.

س: لم خصّ تغليظ اليمين بعد صلاة العصر، مع أنَّ الضَّرر حاصل بعد الفجر أو العصر أو الظهر؟

ج: كأنه والله أعلم أنَّ المشروع ختم النَّهار بالخير، ما هو بالشرِّ، وكونه يحكم عليه بالعصر حتى يختم نهاره بالشرِّ يضره ......

س: بعض الناس بالحلف قال: أحلف على القرآن؟

ج: هذا ما أعرف له أصلًا.