صفة الوضوء والصلاة والأذكار بعد الصلاة للشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله

أنا فتاة مسلمة مُلتزمة، أعمل الخير، وأتجنَّب الشَّر، إلا أنني لم أُقم الصلاة، وذلك بسبب الحيرة، حيث في العراق الناس منقسمة إلى قسمين -أي المسلمين- قسم يُدعا: شيعة، والقسم الآخر -وهو الثاني- يُدعا: سنة. وصلاة كلٍّ منهما تختلف عن الآخر، وكلٌّ منهما يدَّعي أنَّ صلاته هي الأصح، وأنا إن صلَّيتُ بصلاة القسم الشِّيعي أو السُّني فإنَّ الوسوسة لا تُفارقني؛ لهذا كتبتُ إليكم لعلكم تنقذوني من حيرتي بإخباري الصَّلاة الصَّحيحة، بدءًا من الوضوء.

وأنا أعلم أنَّ هذا سيأخذ وقتًا كثيرًا من البرنامج، ولكنَّكم لو تعلمون مدى الفائدة في جوابكم، ليس لي فقط، وإنما للكثيرات منا.

علمًا أنني سوف أُسجل الجواب على شريط كاست إلى أن أتعلَّمها وأحفظها، ثم إلى غيري من الفتيات، وهكذا تستمر سماحة الشيخ.

إلى أن تقول: أرجو أن تُفيدوني عن الصلاة، بدءًا من الوضوء وحتى التَّسليم.

الشيخ: أسأل الله لكِ ولجميع أخواتك في الله التَّوفيق والهداية، وأُوصيك أولًا بلزوم ما عليه أهلُ السُّنة، وأن يكون الميزانُ ما قاله الله ورسوله، الميزان هو كتاب الله العظيم القرآن، وما صحَّ عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في أحاديثه وسيرته عليه الصلاة والسلام.

وأهل السُّنة هم أولى بهذا، وهم الموفَّقون لهذا الأمر، وعند الشِّيعة أغلاط كثيرة، وأخطاء كثيرة، نسأل الله لنا ولهم الهداية حتى يرجعوا إلى الكتاب والسُّنة، وحتى يدعوا ما عندهم من البدعة.

فنُوصيك بأن تلزمي ما عليه أهل السنة والجماعة، وأن تستقيمي على ذلك حتى تلقي ربك على طريق السُّنة والجماعة.

أما ما يتعلق بالصلاة: فالواجب عليك أن تُصلي، وليس لكِ أن تدعيها حيرةً، فالصواب ما عليه أهل السُّنة في ذلك، فعليكِ أن تُصلي كما يُصلي أهل السنة، وعليك أن تحذري التَّساهل في ذلك، والصَّلاة عمود الإسلام، وتركها كفر وضلال.

فالواجب عليك الحذر من تركها، والواجب عليكِ وعلى كل مسلمٍ ومسلمةٍ البدار إليها، والمحافظة عليها في أوقاتها، كما قال الله : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة: 238]، هكذا في سورة البقرة، وقال سبحانه: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة: 43]، هذه في سورة البقرة أيضًا، وقال سبحانه: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور: 56] في سورة النور.

فعليك أن تعتني بالصَّلاة، وأن تجتهدي في المحافظة عليها، وأن تنصحي مَن لديك في ذلك، والله وعد المحافظين بالجنة والكرامة، قال سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 1- 2]، ثم عدد صفات عظيمة لأهل الإيمان، ثم ختمها بقوله سبحانه: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ۝ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ۝ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون: 9- 11]، فهذا وعدٌ عظيمٌ من الله لأهل الصلاة وأهل الإيمان.

وقال في سورة المعارج: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ۝ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۝ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ۝ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:19- 23]، ثم عدد صفاتهم بعد ذلك، ثم قال: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ۝ أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [المعارج: 34- 35].

فنُوصيكِ بالعناية بالصَّلاة والمحافظة عليها.

وأمَّا ما سألتِ عنه من الوضوء وكيفية الصلاة، فهذا جوابه:

أولًا: الوضوء شرط للصلاة لا بدَّ منه، قال الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6]، هكذا أمر الله في سورة المائدة، وقال النبي ﷺ: لا تُقبل صلاة بغير طهورٍ، وقال عليه الصلاة والسلام: لا تُقبل صلاةُ أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ، فلا بدَّ من الوضوء.

س: كيف يتطهر الإنسانُ وقد أتى البول أو الغائط؟

ج: والوضوء أولًا الاستنجاء، إذا كان الإنسانُ قد أتى الغائطَ أو البولَ يستنجي بالماء من بوله وغائطه، أو يستنجي باللّبن، أو بالحجارة، أو بالمناديل الخشنة الطَّاهرة عمَّا خرج منه ثلاث مرات أو أكثر؛ حتى ينقي المحلّ: الدُّبر، والذكر، والقُبُل؛ حتى يُنقي الفرجين من آثار الغائط والبول بالحجر، باللّبن، بالمناديل، حتى يُنقيها ثلاث مرات فأكثر، والماء أفضل، وإذا جمع بينهما -استجمر واستنجى بالماء- كان أكمل وأكمل، ثم بعد ذلك يتوضأ الوضوء الشَّرعي.

س: بعد الاستنجاء أو الاستجمار ماذا يفعل ليكون وضوؤه على السُّنة؟

ج: يبدأ وضوءه بالتَّسمية فيقول: بسم الله .....، هذا هو المشروع، أوجبه جمعٌ من أهل العلم، أن يقول: "بسم الله" عند بدء الوضوء، فيغسل كفَّيه ثلاث مرات، هذا هو الأفضل، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات، بثلاث غرفات، ثم يغسل وجهه ثلاثًا، من منابت الشّعر فوق إلى الذَّقن الأسفل، وعرضًا إلى فروع الأذنين، هكذا غسل الوجه، ثم يغسل يديه -أي ذراعيه- من أطراف الأصابع إلى المرافق -مفصل الذِّراع من العضد- والمرفق يكون مغسولًا، يغسل اليمنى، ثم اليسرى، الرجل والمرأة، ثم بعده يمسح الرأس والأذنين، الرجل والمرأة، ثم بعد ذلك يغسل رجلَه اليُمنى ثلاثًا مع الكعبين، ثم اليُسرى ثلاثًا مع الكعبين حتى يشرع في السَّاق، فالكعبان مغسولان.

والسنة ثلاثًا، ثلاثًا، المضمضة والاستنشاق، والوجه، واليدين، والرِّجلين، ثلاثًا، ثلاثًا، أما الرأس فمسحة واحدة مع الأذنين، هذه السنة، وإن لم يغسل وجهه إلا مرة عمَّه بالماء، ثم عمَّ اليدين بالماء مرة مرة، وهكذا الرِّجلان عمَّهما بالماء مرة مرة، أو مرتين مرتين، أجزأ ذلك، ولكن الأفضل ثلاثًا ثلاثًا.

وقد ثبت عنه ﷺ أنه توضَّأ مرةً مرةً، ومرتين مرتين، وثلاثًا ثلاثًا، وثبت عنه ﷺ أنه توضأ في بعضها ثلاثًا، وفي بعضها مرتين.

فالأمر واسعٌ بحمد الله، الواجب مرة يعمّ كل عضوٍ بالماء، يعمّ وجهَه بالماء، مع المضمضة والاستنشاق، ويعمّ يده اليمنى بالماء حتى يغسل المرفق، وهكذا اليُسرى يعمّها بالماء، وهكذا يمسح رأسه وأُذنيه، يعمّ رأسَه بالماء، ثم الرِّجلان: يغسل اليمنى مرة يعمّها بالماء، واليسرى كذلك يعمّها بالماء مع الكعبين، هذا الواجب، وإن كرر ثنتين كان أفضل، وإذا كرر ثلاثًا كان أفضل، وبهذا ينتهي الوضوء.

س: بعد أن ينتهي المسلمُ من وضوئه ماذا يقول؟

ج: ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التَّوابين، واجعلني من المتطهرين. هكذا قال النبي ﷺ: ما من أحدٍ يتوضأ فيُسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ إلا فُتّحت له أبواب الجنة الثَّمانية يدخل من أيِّها شاء رواه مسلم في "صحيحه"، وزاد الترمذي بإسنادٍ حسنٍ بعد ذلك: اللهم اجعلني من التَّوابين، واجعلني من المتطهرين، هذا يُقال بعد الوضوء، يقوله الرجلُ وتقوله المرأةُ خارج الحمام.

وبهذا عرفنا الوضوء، وهو مفتاح الصَّلاة: مفتاحها الطّهور.

س: عرفنا صفةَ الوضوء الواردة عن النبي ﷺ، ونُريد أن نعلم صفةَ صلاة النبي ﷺ، فكيف يبدأ المصلِّي صلاته؟

ج: ثم الصلاة كيفيَّتها: يبدأها بالتَّكبير -الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر- يقول: الله أكبر. الرجل والمرأة: الله أكبر. ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك، هذا الأفضل، أو يقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطاياي كما يُنقَّى الثَّوب الأبيض من الدَّنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثَّلج والماء والبرد.

إن فعل أو هذا كله صحيح، وهناك استفتاحات أخرى ثابتة عن النبي ﷺ إذا أتى بشيءٍ منها صحَّ، ولكن هذان الاستفتاحان من أخصرها، فإذا فعلها الرجلُ أو فعلتها المرأةُ كفى.

س: هل دعاء الاستفتاح واجب؟

ج: هذا الاستفتاح مُستحبّ، وليس بواجبٍ، لو شرع في القراءة حالًا بعد التَّكبير أجزأ، لكن كونه يأتي بهذا الاستفتاح يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك هذا أفضل، أو يأتي بقوله: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطاياي كما يُنقَّى الثوبُ الأبيض من الدَّنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثَّلج والماء والبرد، وهذا أصحّ شيءٍ ورد في الاستفتاح.

س: وماذا يقول بعد الاستفتاح؟

ج: ثم يقول الرجلُ أو المرأة: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم"، بعد هذا الاستفتاح يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم"، ثم يقرأ الفاتحةَ، وهي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ۝ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ۝ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 2- 7]، ثم يقول: آمين. وآمين ما هي من الفاتحة، مُستحبَّة، كان يقولها النبي ﷺ بعد الفاتحة، في الجهرية والسِّرية، يقول: آمين، معناها: اللهم استجبْ.

ثم يقرأ ما تيسر بعد الفاتحة في الأولى من الظهر، والثانية من الظهر، والأولى من العصر، والثانية من العصر، والأولى من المغرب، والثانية من المغرب، والأولى من العشاء، والثانية من العشاء، وفي الثِّنتين كلتيهما من الفجر.

س: قراءة ما تيسر من القرآن بعد الفاتحة ما صفتها؟ وهل يقرأ المصلِّي ما شاء فيُطيل أو يُقصر؟

ج: بعدما يقرأ الفاتحة يقرأ سورةً، أو آيات، والأفضل في الظُّهر أن يكون من أوساط المفصل، مثل: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية: 1]، مثل: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل: 1]، مثل: عَبَسَ وَتَوَلَّى [عبس: 1]، إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير: 1]، إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ [الانفطار: 1]، وما أشبه ذلك، وما حول ذلك.

وفي العصر مثل ذلك أو أخفّ منه قليلًا في العصر، وفي المغرب كذلك يقرأ بعد الفاتحة ما تيسر من هذه السُّور، أو أقصر منها، وإن قرأ في بعض الأحيان بأطول في المغرب فهو أفضل؛ لأنَّ الرسول قرأ في المغرب بعض الأحيان بالطور، وقرأ فيها بعض الأحيان بالمرسلات، وقرأ فيها في بعض الأحيان بسورة الأعراف، قسمها في ركعتين، ولكن في الأغلب يقرأ أقلّ من ذلك، أقصر من ذلك، كقراءة: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية: 1]، لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد: 1]، أو إِذَا زُلْزِلَتِ [الزلزلة: 1]، أو القارعة، أو العاديات، لا بأس بهذا، ولكن في بعض الأحيان يقرأ أطول كما تقدم؛ لأنَّ الرسول قرأ أطول في المغرب: كالطور، والمرسلات، ونحوهما.

وفي العشاء يقرأ مثلما قرأ في الظهر والعصر، يقرأ الفاتحة وسور معها في الأولى، مثل: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ [البروج: 1]، وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ [الطارق: 1]، هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية: 1]، عَبَسَ وَتَوَلَّى [عبس: 1]، سورة إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير: 1]، وما أشبه ذلك، أو آيات بمقدار ذلك في الأولى والثانية.

وهكذا في الفجر يقرأ بعد الفاتحة زيادةً، لكن أطول من الماضيات، يكون في الفجر أطول من الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، يقرأ في الفجر مثل: ق [ق: 1]، مثل: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ [القمر: 1]، أو أقلّ من ذلك مثل: التغابن، والصفّ، وشبه ذلك مثل: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك: 1]، مثل: قُلْ أُوحِيَ [الجن: 1]، يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [المزمل: 1]، وما أشبه ذلك.

في الفجر تكون أطول من الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء؛ اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولو قرأ أقلّ وأقصر لا حرجَ عليه، فإنه ثبت عنه ﷺ أنه قرأ في بعض الأحيان بأقلّ من ذلك، لكن كونه في الفجر يقرأ من الطِّوال في الغالب يكون أفضل؛ تأسيًا برسول الله عليه الصلاة والسلام.

س: وبعد الرَّكعة الثالثة أو الرابعة هل يقرأ بعد الفاتحة شيئًا من القرآن؟

ج: أما في الثالثة والرابعة من الظهر والعصر، والثالثة في المغرب، والثالثة والرابعة في العشاء يكفي الفاتحة، يقرأ الفاتحة ثم يُكبر للركوع، الفاتحة: الحمد يعني، يقرأها ثم يُكبر للركوع، لكن ورد في الظُّهر ما يدل على أنه ﷺ في بعض الأحيان قد يقرأ زيادةً في الظهر في الثالثة والرابعة، فإذا قرأ بعض الأحيان في الظهر في الثالثة زيادةً على الفاتحة، وفي الرابعة زيادةً على الفاتحة بعض الشيء فهو حسنٌ؛ تأسيًا به عليه الصلاة والسلام، هذه صفة القراءة في الصلاة.

س: عرفنا كيف يكون الإحرام، وكذلك دعاء الاستفتاح، وقراءة الفاتحة، وقراءة ما تيسر بعدها، وماذا بعد ذلك؟

ج: ثم يركع، وحين ركوعه يقول: "الله أكبر"، ويعتدل في ركوعه ويطمئنّ ولا يعجل، ويجعل يديه على ركبتيه، ويُفرِّج بين الأصابع، ويُسوي رأسه بظهره، ويقول: "سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"؛ لقول النبي ﷺ: أمَّا الركوع فعظِّموا فيه الربّ، وكان يقول في الركوع: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، قالت عائشةُ رضي الله عنها: كان يُكثر أن يقول في الركوع: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي.

فهذا كله مُستحبٌّ، والواجب: "سبحان ربي العظيم" مرة، وإن كررها ثلاثًا كان أفضل، أو خمسًا .....، وإذا زاد عن ذلك: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، سبحان ذي الجبروت والملكوت والقُدرة والعظمة، سبُّوح قدُّوس ربّ الملائكة والروح" في بعض الأحيان فحسنٌ، هذا في الركوع.

س: بعد الانتهاء من الركوع ماذا يقول المصلِّي إذا رفع رأسَه؟

ج: ثم يرفع ويقول: "سمع الله لمن حمده"، إن كان إمامًا أو منفردًا عند الرفع يقول: "سمع الله لمن حمده"، ويرفع يديه مثلما فعل عند الركوع حيال منكبيه، أو حيال أُذنيه عند قوله: "سمع الله لمن حمده"، ثم بعد انتصابه واعتداله يقول: "ربنا ولك الحمد"، أو "اللهم ربنا لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملء السَّماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئتَ من شيءٍ بعد"، هذا ثبت عن النبي ﷺ من فعله وقوله عليه الصلاة والسلام.

وأقرَّ شخصًا سمعه يقول: "حمدًا كثيرًا طيِّبًا مُباركًا فيه"، أقرَّه على ذلك وقال: إنه رأى كذا وكذا من الملائكة كلهم يُبادر ليكتبها ويرفعها. أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة، وإن زاد على هذا فقال: "أهل الثَّناء والمجد، أحقّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيتَ، ولا مُعطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجدّ، منك الجدّ" فذلك حسنٌ؛ لأنَّ الرسول كان يقوله في بعض الأحيان عليه الصلاة والسَّلام.

ومعنى "لا ينفع ذا الجدّ، منك الجدّ" يعني: ولا ينفع ذا الغنى، منك غناه. فالجميع فقراء إلى الله ، والجدّ هو: الحظّ والغِنى.

س: وإذا كان مأمومًا فماذا يقول بعد الرفع من الركوع؟

ج: وأما إذا كان مأمومًا فإنه يقول: "ربنا ولك الحمد" عند الرفع، ويرفع يديه أيضًا حيال منكبيه، أو حيال أذنيه عند الرفع، قائلًا: "ربنا ولك الحمد"، أو "ربنا لك الحمد"، أو "اللهم ربنا لك الحمد"، أو "اللهم ربنا ولك الحمد"، كل هذا مشروعٌ للإمام والمأموم والمنفرد جميعًا.

لكن الإمام يقول: "سمع الله لمن حمده" أولًا، وهكذا المنفرد، ثم يأتي بالحمد بعد ذلك، أما المأموم فإنه يقول هذا عند ارتفاعه من الركوع، يقول: "ربنا ولك الحمد"، ولا يأتي بالتَّسميع، لا يقول: "سمع الله لمن حمده" على الصحيح المختار الذي دلَّت عليه الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

والواجب الاعتدال في هذا الركن، لا يعجل، متى رفع يعتدل ويطمئن قائلًا، ويضع يديه على صدره، هذا هو الأفضل.

س: سماحة الشيخ، يحصل نقاشٌ واختلافٌ بين بعض المسلمين حول كيفية وضع اليدين بعد الرفع من الركوع، فما الأفضل؟ وما توجيهكم؟

ج: قال بعضُ أهل العلم: يُرسلهما، ولكن الصَّواب أنه يضعهما على صدره، يضع الكفَّ اليمنى على كفِّه اليُسرى على صدره، كما فعل قبل الركوع وهو قائمٌ، هذا هو السنة؛ لما ثبت عنه ﷺ أنه إذا كان قائمًا في الصَّلاة وضع كفَّه اليمنى على كفِّه اليسرى في الصلاة على صدره، ثبت هذا من حديث وائل بن حجر، وثبت هذا أيضًا من حديث قبيصة بن هلب الطائي عن أبيه، وثبت مرسَلًا من حديث طاوس عن النبي ﷺ، فهذا هو الأفضل والسنة.

وإن أرسل يديه فلا حرج في صلاته، فصلاته صحيحة، لكنه ترك السنة، ولا ينبغي للمؤمنين المشاقّة في هذا والمنازعة، بل المؤمن يعلم السُّنة، وطالب العلم يُعلم السنة لإخوانه، ولكن لا يُشنِّع على مَن أرسل، ولا يكون بينه وبينهم العداوة والشَّحناء؛ لأنها سنة، نافلة، فلا ينبغي للإخوان -لا في أفريقيا، ولا في غيرها- النِّزاع في هذا والشَّحناء، بل يكون التَّعليم بالرِّفق والحكمة والمحبَّة لأخيه كما يُحب لنفسه، هكذا ينبغي في هذه الأمور.

وجاء في حديث سهل في الصَّحيح -"صحيح البخاري"- عن سهل بن سعدٍ قال: كان الرجلُ يُؤمَر أن يجعل يدَه اليُمنى على ذراعه اليُسرى في الصلاة.

قال أبو حازم الراوي عن سهلٍ: لا أعلمه ينمي ذلك إلا إلى النبي ﷺ.

فدلَّ ذلك على أنه في الصَّلاة إذا كان قائمًا يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى، والمعنى: على كفِّه وطرف ذراعه؛ لأنَّ هذا هو الجمع بينها وبين رواية وائل بن حجر، فإذا وضع كفَّه على الرّسغ والسَّاعد فقد وضعه على الذِّراع؛ لأنَّ السَّاعد من الذراع، ويضع كفَّه اليُمنى على كفِّه اليسرى، وعلى الرّسغ والساعد، كما جاء مُصرَّحًا به في حديث وائل، وهذا يشمل القيام الذي قبل الركوع، والقيام الذي بعد الركوع.

س: ما حكم الاعتدال بعد الركوع؟ حيث أننا نُشاهد بعض المصلين ينزل للسُّجود مباشرةً بعد الرفع من الركوع.

ج: هذا الاعتدال من أركان الصلاة، لا بدَّ منه، بعض الناس قد يعجل من حين يرفع ينزل ساجدًا، وهذا لا يجوز، بل الواجب على المصلِّي أن يعتدل بعد الركوع ويطمئن ولا يعجل، قال أنسٌ : كان النبيُّ ﷺ إذا وقف بعد الركوع يعتدل ويقف طويلًا حتى يقول القائلُ: قد نسي. وهكذا بين السَّجدتين.

فالواجب على المصلي في الفريضة والنَّافلة ألا يعجل، بل يطمئن بعد الركوع، ويأتي بالذكر المشروع، وهكذا بين السَّجدتين لا يعجل، بل يطمئن ويعتدل كما يأتي، ويقول بينهما: "ربِّ اغفر لي، ربِّ اغفر لي"، كما فعله النبيُّ ﷺ.

س: ما صفة السُّجود؟

ج: ثم بعد هذا الحمد والثَّناء والاعتدال والطُّمأنينة بعد الركوع ينحط ساجدًا قائلًا: "الله أكبر"، من دون رفع اليدين؛ لأنَّ الثابت عن رسول الله ﷺ عدم الرفع في هذا المقام، فيسجد على أعضائه السَّبعة: جبهته وأنفه -هذا عضو- وكفَّيه، وعلى ركبتيه، وعلى أصابع رجليه، قال النبي ﷺ: أُمِرْتُ أن أسجد على سبعة أعظمٍ: الجبهة -وأشار بيده على أنفه- واليدين، والرُّكبتين، وأطراف القدمين، هذا هو المشروع، وهو الواجب على الرجال والنِّساء جميعًا: أن يسجدوا على هذه الأعضاء السَّبعة: الجبهة والأنف -هذا عضو- واليدين، يعني: الكفَّين يبسطهما ويمدّ أطراف أصابعه إلى القبلة، ضامًّا بعضهما إلى بعضٍ، والركبتين، وأطراف القدمين، يعني: على أصابع القدمين، باسطًا الأصابع على الأرض، مُعتمدًا عليها، وأطرافها إلى القبلة، هكذا فعل الرسولُ ﷺ.

س: عندما ينحطّ للسُّجود هل يُقدم ركبتيه قبل يديه أم العكس؟

ج: الأفضل أن يُقدم ركبتيه قبل يديه عند انحطاطه للسجود، هذا هو الأفضل، وذهب بعضُ أهل العلم إلى أنه يُقدم يديه، ولكن الأرجح أن يُقدم ركبتيه ثم يديه؛ لأنَّ هذا ثبت من حديث وائل بن حُجر، عن النبي ﷺ أنه كان إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه.

وجاء في حديثٍ آخر عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ أنه قال: لا يبرك أحدُكم كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه، فأشكل هذا على كثيرٍ من أهل العلم، فقال بعضُهم: يضع يديه قبل ركبتيه. وقال آخرون: بل يضع ركبتيه قبل يديه. وهذا هو الذي يُخالف بروك البعير؛ لأنَّ بروك البعير يبدأ بيديه، فإذا برك المؤمنُ على ركبتيه فقد خالف البعير، وهذا هو الموافق لحديث وائل بن حجر، وهذا هو الصواب: أن يسجد على ركبتيه أولًا، ثم يضع يديه على الأرض، ثم يضع جبهته أيضًا على الأرض، هذا هو المشروع، فإذا رفع رفع وجهه أولًا، ثم يديه، ثم ينهض، هذا هو المشروع الذي جاءت به السُّنة عن النبي ﷺ، وهو الجمع بين الحديثين.

وأما قوله في حديث أبي هريرة: وليضع يديه قبل ركبتيه فالظاهر والله أعلم أنه انقلابٌ كما ذكر ذلك ابنُ القيم رحمه الله، إنما الصَّواب أن يضع ركبتيه قبل يديه؛ حتى يُوافق آخر الحديث أوله، وحتى يتَّفق مع حديث وائل بن حجر وما جاء في معناه.

س: ماذا يقول المصلي في سجوده؟

ج: وفي هذا السُّجود يقول: "سبحان ربي الأعلى" ويُكررها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك، ولكن إذا كان إمامًا فإنه يُراعي المأمومين حتى لا يشقَّ عليهم، أما المنفرد فلا يضرّه لو أطال بعض الشيء، وكذلك المأموم تابع لإمامه، يُسبح ويدعو ربَّه في السُّجود حتى يرفع إمامه.

س: ما السُّنة حول الدُّعاء في السُّجود؟

ج: والسُّنة للإمام والمأموم والمنفرد الدُّعاء في السجود؛ لقول النبي ﷺ: أما الركوع فعظِّموا فيه الربّ ، وأما السُّجود فاجتهدوا في الدُّعاء، فقَمِنٌ أن يُستجاب لكم أي: حريٌّ أن يُستجاب لكم.

وجاء في الحديث الآخر عن النبي ﷺ أنه قال: إني نُهيتُ أن أقرأ القرآنَ راكعًا أو ساجدًا، فالقرآن لا يُقرأ لا في الركوع، ولا في السُّجود، إنما القراءة في حال القيام في حقِّ مَن قدر، وفي حال القعود في حقِّ مَن عجز عن القيام يقرأ وهو قاعد، أما الركوع والسُّجود فليس فيهما قراءة، وإنما فيهما تسبيحٌ للربِّ وتعظيمه، وفي السُّجود زيادة على ذلك وهو الدُّعاء، فيقول: "سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى" ويدعو.

وكان النبي يدعو في سجوده فيقول: اللهم اغفر لي ذنبي كلّه، دقّه وجلّه، وأوله وآخره، وعلانيته وسرّه، فيدعو بهذا الدعاء؛ لأنَّ النبي ﷺ كان يدعو به، كما رواه مسلمٌ في "صحيحه".

وثبت في "صحيح مسلم" أيضًا عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ أنه كان يقول: أقرب ما يكون العبدُ من ربِّه وهو ساجد، فأكثروا الدُّعاء.

وهذا يدلنا على شرعية كثرة الدُّعاء في السُّجود من الإمام والمأموم والمنفرد، ويدعو كلٌّ منهم في سجوده مع التَّسبيح، أي مع قوله: "سبحان ربي الأعلى"، ومع قوله: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"؛ لما سبق في حديث عائشةَ رضي الله عنها عند الشَّيخين: البخاري ومسلم رحمة الله عليهما، قالت: كان النبيُّ ﷺ يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي.

ويُشرع مع هذا الدُّعاء، والجدّ في الدُّعاء بالمهمَّات في أمر الدنيا والآخرة، ولا حرجَ أن يدعو لدُنياه، كأن يقول: "اللهم ارزقني زوجةً صالحةً"، أو تقول المرأةُ: "اللهم ارزقني زوجًا صالحًا، أو ذُريةً طيبةً، أو مالًا حلالًا"، أو ما أشبه ذلك من حاجات الدنيا.

ويدعو بما يتعلق بالآخرة، وهو الأكثر والأهم، كأن يقول: "اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقّه وجلّه، وأوله وآخره، وعلانيته وسرّه، اللهم أصلح قلبي وعملي، وارزقني الفقه في دينك، اللهم إني أسألك الهدى والسَّداد، اللهم إني أسألك الهدى والتُّقى، والعفاف والغنى، اللهم اغفر لي ولوالدي وللمسلمين، اللهم أدخلني الجنةَ، وأنجني من النار"، وما أشبه هذا الدعاء، ويُكثر في سجوده من الدُّعاء، ولكن بغير إطالة تشقّ على المأمومين، فيُراعيهم إذا كان إمامًا، ويقول مع ذلك في سجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"، كما تقدم مرتين أو ثلاثًا، كما فعله المصطفى عليه الصَّلاة والسلام.

س: بعد أن ينتهي المصلِّي من السجود الأول ماذا يفعل؟

ج: يرفع من السَّجدة قائلًا: "الله أكبر"، ويجلس مُفترشًا يُسراه، ناصبًا يُمناه، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، أو على الركبة، باسطًا الأصابع على ركبته، ويضع يده اليُسرى على فخذه اليُسرى، أو على ركبته اليُسرى، ويبسط أصابعه عليها، هكذا السنة، ويقول: "ربِّ اغفر لي، ربِّ اغفر لي، ربِّ اغفر لي"، كما كان الرسولُ ﷺ يقوله.

ويُستحب أن يقول مع هذا: "اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، واجبرني، وارزقني، وعافني"؛ لثبوت ذلك عنه ﷺ.

وإذا قال زيادةً فلا بأس، كأن يقول: "اللهم اغفر لي، ولوالدي، اللهم أدخلني الجنة، وأنجني من النار، اللهم أصلح قلبي وعملي"، ونحو ذلك، ولكن يُكثر من الدعاء بالمغفرة فيما بين السَّجدتين، كما ورد عن النبي.

س: وبعد الانتهاء من الجلسة بين السَّجدتين ماذا يُشرع للمُصلي؟

ج: ثم بعد ذلك يسجد السَّجدة الثانية قائلًا: "الله أكبر"، ويسجد على جبهته وأنفه، وعلى كفَّيه، وعلى ركبتيه، وعلى أطراف القدمين، كما فعل في السَّجدة الأولى، ويعتدل في سجوده: فيرفع بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، لا يبرك بروكًا كالبهيمة، بل يعتدل في السجود، يقول النبي ﷺ: اعتدلوا في السُّجود، ولا يبسط أحدُكم ذراعيه انبساط الكلب، وقال عليه الصلاة والسلام: إذا سجدت فضع كفَّيك، وارفع مرفقيك.

فالسُّنة أنه يعتدل، واضعًا كفَّيه على الأرض، رافعًا ذراعيه عنها، ولا يبسطهما كالكلب والذئب ونحو ذلك، بل يرفعهما، ويرفع بطنه عن فخذيه، ويرفع فخذيه عن ساقيه حتى يعتدل في السُّجود، وحتى يكون مرتفعًا، مُعتدلًا، واضعًا كفَّيه على الأرض، رافعًا ذراعيه عن الأرض، كما أمر بهذا النبيُّ ﷺ، وكما فعل عليه الصلاة والسلام.

ثم يقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى"، ويدعو كما تقدم في السجود الأول، ويقول: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" مثلما قال في السُّجود الأول.

س: حين يُريد المصلِّي القيام للركعة الثانية ما المشروع له؟

ج: يُكبر رافعًا وناهضًا إلى الركعة الثانية، والأفضل للمُصلي أن يجلس جلسةً خفيفةً بعد السجود الثاني، يُسميها بعضُ الفقهاء: جلسة الاستراحة، يجلس على رجله اليسرى مفروشةً، وينصب اليمنى، مثل حاله بين السَّجدتين، ولكنها خفيفة، ليس فيها ذكر ولا دعاء، هذا هو الأفضل، وإن قام ولم يجلس فلا حرجَ، لكن الأفضل أن يجلسها كما فعلها النبيُّ ﷺ.

وقال بعضُ أهل العلم: إنَّ هذا يُفعل عند كبر السِّن، وعند المرض. ولكن الصَّحيح أنها سنة من سُنن الصلاة مطلقًا، لو كان المصلِّي شابًّا أو صحيحًا، فهي مُستحبَّة على الصحيح، ولكنَّها غير واجبةٍ؛ لأنها جلسة خفيفة ليس فيها ذكر ولا دعاء، يجلس على رجله اليُسرى، وينصب اليمنى، مثل جلوسه بين السَّجدتين.

س: عرفنا بهذا أنه قد انتهى المصلِّي من الركعة الأولى، فكيف يُؤدي الركعة الثانية؟

ج: ينهض للثانية مُكبِّرًا قائلًا: "الله أكبر" من حين يرفع من سجوده، جالسًا جلسة الاستراحة، أو حين يفرغ من جلسة الاستراحة ويقول: "الله أكبر"، فإن بدأ بالتَّكبير ثم جلس نبَّه الجماعة على أن لا يسبقوه حتى يجلسوها ويأتوا بهذه السنة، وإن جلس قبل أن يُكبر ثم رفع بالتَّكبير فلا بأس، المهم أنَّ هذه جلسة مستحبّة، وليست واجبةً، فإذا أتى بالتَّكبير قبلها وجَّه المأمومين حتى لا يسبقوه، وإن جلس أولًا ثم رفع بالتَّكبير فلا حاجةَ إلى التَّنبيه إلى ذلك إلا من باب تعليم السُّنة.

ثم يفعل في الثانية كما فعل في الأولى، ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويُسمِّي الله، وإن ترك التَّعوذ واكتفى بالتَّعوذ الأول في الركعة الأولى فلا بأس، وإن أعاده فهذا أفضل؛ لأنه مع قراءةٍ جديدةٍ، ويقرأ الفاتحة، ثم يقرأ معها سورةً أو آيات، كما فعل في الركعة الأولى، لكن تكون السُّورة في الركعة الثانية أقصر من الأولى، كما ثبت ذلك في "الصحيحين" من حديث أبي قتادة الأنصاري .

فإذا فرغ من القراءة كبَّر للركوع كما فعل في الركعة الأولى، فيُكبر رافعًا يديه، قائلًا: "الله أكبر"، ثم يضع يديه على ركبتيه مُفرجتي الأصابع كما فعل في الركعة الأولى، ويكون مُستويًا، ورأسه حيال ظهره، هكذا كان يفعل النبيُّ ﷺ، ويقول: "سبحان ربي العظيم" ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا، أو أكثر من ذلك، ولكن بشرط ألا يشقَّ على المأمومين إذا كان إمامًا.

ويُستحبّ أن يقول مع ذلك: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"، كما تقدم، وإن قال: "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة" فحسنٌ أيضًا، وهكذا: "سبُّوح، قدُّوس، ربّ الملائكة والروح"، كل هذا حسنٌ، فعله النبيُّ ﷺ، وفعل أيضًا في تهجده في الركوع يقول: "اللهم لك ركعتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، خشع لك سمعي وبصري، ومخِّي وعظمي وعصبي، وجميع ما استقلَّت به قدمي"، هذا كان يقوله ﷺ في الركوع، وفي صلاة التَّهجد، التَّهجد بالليل، فإذا فعله في الليل أو في الفريضة فلا بأس بذلك، ولكن يُلاحظ عدم المشقّة على المأمومين إذا كان إمامًا.

س: وإذا رفع من الركوع في الركعة الثانية أيضًا فماذا يقول؟

ج: بعدما يأتي بالأذكار المشروعة في الركوع يرفع قائلًا: "سمع الله لمن حمده" إذا كان إمامًا أو مُنفردًا كما تقدم في الركعة الأولى، ثم يعتدل، وإذا اعتدل بعد الركوع لا يعجل، بل يطمئن كما تقدم، وأن الرسول كان يطمئن في ذلك حتى يقول القائل: قد نسي!

وبعض الناس يعجل في اعتداله ولا يطمئن، وهذا غلطٌ، لا يجوز، بل يُبطل الصلاة إذا عجل ولم يعتدل، فلا بدَّ من اعتداله وطُمأنينته بعد الركوع، ويخشع لله، ويقول في ذلك: "ربنا ولك الحمد"، أو "اللهم ربنا لك الحمد حمدًا كثيرًا طيِّبًا مُباركًا فيه، ملء السَّماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئتَ من شيءٍ بعد"، هذا هو الأفضل، وإن زاد فقال: "أهل الثَّناء والمجد، أحقّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيتَ، ولا مُعطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجدِّ، منك الجدّ".

فكل ذلك حسنٌ، فعله النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا عام للإمام والمأموم والمنفرد جميعًا، لكن المأموم عند الرفع لا يقول: "سمع الله لمن حمده"، بل يقول: "ربنا ولك الحمد" كما سبق في الركعة الأولى.

س: بعد ذلك عندما يريد السُّجود هل يرفع يديه عند التَّكبير؟

ج: ثم ينحطّ ساجدًا كما تقدم، ينحط من هذا الاعتدال ساجدًا، مُكبِّرًا، من غير رفع اليدين، ويُكبر عند الانحطاط للسُّجود ويسجد كما تقدم، يسجد سجدتين مثل سجود الركعة الأولى سواءً، يسجد في الأولى ويقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى"، ويدعو بما تيسر، ثم يرفع مُكبِّرًا ويقول: "ربِّ اغفر لي، ربِّ اغفر لي"، ويعتدل، ويُطيل هذا الاعتدال حتى ..... بين السَّجدتين، ثم يُكبر ويسجد للثانية، ويدعو فيها ويقول: "سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى" كما تقدم.

س: بعد أن أتى المصلي بالسَّجدة الثانية في الركعة الثانية، وأراد أن يجلس للتَّشهد، ما السُّنة في ذلك الجلوس من أقوالٍ أو أفعال؟

ج: ثم يرفع فيجلس للتَّشهد الأول إذا كانت الصلاةُ رباعيةً: كالظهر والعصر والعشاء، أو ثلاثيةً كالمغرب، يأتي بالتشهد: "التَّحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي، ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله"، هذا هو الثابت في "الصحيحين" من حديث عبدالله بن مسعودٍ .

وإن أتى بغيره مما ثبت في الأحاديث الصَّحيحة كفى، لكن هذا أفضل؛ لأنه أثبتها وأصحّها.

ثم بعد هذا يقول: "اللهم صلِّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما صليتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما باركتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد".

ثم ينهض إلى الثالثة، وإذا لم يأتِ بالصلاة على النبي ﷺ، بل نهض بعد الشَّهادة فلا بأس، حين قال: "وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله" لو نهض ولم يُصلِّ على النبي ﷺ لا بأس؛ لأنَّ جملةً من أهل العلم قالوا: لا تُستحبّ هنا، وإنما هي مشروعة في التَّشهد الأخير. ولكن ظاهر الأحاديث الصَّحيحة على أنها تُشرع هنا وهناك، فيأتي بها هنا، ولكن ليست واجبةً عليه هنا، وإنما تجب في التَّشهد الأخير عند جمعٍ من أهل العلم.

س: بعد أن يفرغ المصلِّي من التَّشهد الأول كيف ينهض للركعة الثالثة؟ وماذا يقول في الركعة الثالثة؟

ج: فإذا فرغ من التَّشهد والصَّلاة على النبي ﷺ -لأنَّ الأفضل أن يُصلي على النبي ﷺ على الصَّحيح- ينهض بعده مُكبِّرًا قائلًا: "الله أكبر"، رافعًا يديه، كما ثبت هذا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري رحمه الله، فيرفع يديه مُكبِّرًا قائلًا: "الله أكبر" عند نهوضه من التَّشهد الأول، حتى يأتي بالثالثة من المغرب، وحتى يأتي بالثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء، ويقرأ الفاتحةَ، هذا هو الأفضل، وتكفيه الفاتحة بدون زيادةٍ، كما ثبت هذا في حديث أبي قتادة: أن النبي ﷺ كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب، وهكذا الأخيرة من المغرب، وإن قرأ زيادةً في الظهر في بعض الأحيان فحسنٌ؛ لما ثبت في حديث أبي سعيدٍ : أنَّ النبي ﷺ كان يقرأ في الأُوليين من العصر مقدار ما يقرأ في الأخيرتين من الظهر.

وهذا يدل على أنه كان يقرأ في الأخيرتين من الظهر زيادةً على الفاتحة، فإذا قرأ زيادةً فلا بأس، بل هو حسنٌ في بعض الأحيان، وفي بعض الأحيان يقتصر على الفاتحة في الظهر، كالعصر والمغرب والعشاء؛ جمعًا بين حديث أبي سعيدٍ وحديث أبي قتادة، فإذا قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر فهذا على حديث أبي سعيدٍ، وإذا ترك فهذا على حديث أبي قتادة، فيفعل هذا تارةً، وهذا تارةً، وأما الثالثة والرابعة من العصر والعشاء، والثالثة من المغرب، فليس فيها إلا قراءة الفاتحة، فلا يقرأ زيادةً؛ لعدم الدَّليل على ذلك.

ثم بعد فراغه من الفاتحة من الثالثة من المغرب، والثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء، يركع الركوع الشرعي، مُكبِّرًا، رافعًا يديه، فيركع ويستوي في الركوع، ويعتدل في الركوع، ويضع يديه على ركبتيه، ويجعل رأسَه حيال ظهره مُستويًا، خاشعًا، مُطمئنًّا، يقول: "سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم"، وإن زاد فقال: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" فحسنٌ كما تقدم في حديث عائشة، ثم بعدما يأتي بهذا الذِّكر في الركوع يرفع قائلًا: "سمع الله لمن حمده" إذا كان إمامًا أو مُنفردًا، أما إن كان مأمومًا فإنه يرفع ويقول: "ربنا ولك الحمد"، ثم يُكمل الإمامُ والمنفرد، يكملون: "ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملء السَّماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئتَ من شيءٍ بعد"، هذا هو المشروع.

وهكذا في الركعة الرابعة يفعل مثل هذا سواءً، وينحطّ في السُّجود ..... الركوع، مثلما فعل في الركعة الثانية ينحطّ مُكبِّرًا، قائلًا: "الله أكبر"، فيسجد على سبعة أعضاء كما تقدم، ويطمئن في سجوده ولا يعجل، ويعتدل بين السَّجدتين اعتدالًا كاملًا، وهكذا في الركعة الأخيرة سواءً بسواء، وهكذا في الثالثة من المغرب سواءً بسواء.

أما الفجر فليس فيها ثالثة ولا رابعة، الفجر ركعتان، وهكذا الجمعة ركعتان، وهكذا العيد ركعتان، يقرأ فيهما بالفاتحة وما تيسر معها من القرآن الكريم، كما هو معلوم من سنة النبي عليه الصلاة والسلام.

وبهذا تنتهي الصَّلاة، ولا يبقى إلا التَّشهد، فإذا فرغ من الرابعة في الظهر والعصر والعشاء، والثالثة من المغرب، والثانية من الفجر والجمعة ونحو ذلك، إذا فرغ من السَّجدة الثانية في الركعة الأخيرة جلس للتَّحيَّات.

والخلاصة أنه يقول بعد الصلاة على النبي ﷺ: "أعوذ بالله من عذاب جهنم"، أو "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال"، وإذا زاد أدعيةً أخرى كما تقدم فذلك حسنٌ: "اللهم أعني على ذكرك، وشُكرك، وحُسن عبادتك، اللهم اغفر لي ما قدمتُ، وما أخَّرتُ، وما أسررتُ، وما أعلنتُ، وما أسرفتُ، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت".

وهكذا الدُّعاء الآخر في حديث سعدٍ: اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أُردّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر.

وهكذا الدعاء الوارد من حديث عبدالله بن عمرو في "الصحيحين": اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذُّنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.

هذا علَّمه النبيُّ ﷺ الصِّديق ، قال عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: إنَّ الصِّديق قال: يا رسول الله، علمني دعاءً أدعو به في صلاتي. قال: قل: اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذُّنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم.

وإذا كان الصديقُ يُقال له هذا الدُّعاء، فكيف بحالنا؟! إذا كان الصديقُ وهو أفضل الصحابة ، ومشهودٌ له بالجنة، ومع هذا يُعلمه النبيُّ أن يقول: اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم.

فنحن في أشد الحاجة إلى ذلك، فينبغي الإكثار من هذا الدُّعاء، قال أنسٌ : كان أكثر دعاء النبي ﷺ: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

س: إذا فرغ المصلِّي من التَّحيات والدُّعاء بعدها فكيف يُسلم؟

ج: إذا فرغ من الدُّعاء يُسلم الرجل والمرأة سواء، فيقول: "السلام عليكم ورحمة الله" عن يمينه، و"السلام عليكم ورحمة الله" عن يساره، هكذا كان النبيُّ يفعل عليه الصلاة والسلام، وهذا يستوي فيه الرجل والمرأة، والفرض والنَّفل جميعًا.

س: يرد هنا سؤال وهو: هل تختلف صفة الصلاة بين الرجل والمرأة؟

ج: المرأة كالرجل في هذه الأشياء، وقال بعضُ أهل العلم أنَّ المرأة لها خصوصية. وهذا لا دليلَ عليه، بل ما ورد من السُّنة يدل على أنه مُشترك بين الرجال والنِّساء، فكما أنَّ الرجل يقرأ الفاتحةَ وما تيسر معها من سورٍ أو آيات، فهي كذلك، وكما أنه يرفع عند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة، فهي كذلك ترفع يديها مثل الرجل، وكما أنه يضع يديه على صدره، فهي كذلك تضع يديها على صدرها حال القيام في الصلاة، وكما أنه يقول: "سبحان ربي العظيم" في الركوع، هي مثله، ويقول في السجود: "سبحان ربي الأعلى"، هي مثله، وتزيد في الركوع والسجود مثل الرجل: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"، وتضع يديها في الركوع على ركبتيها مُفرجة الأصابع، وتضع في السجود يديها على الأرض حيال منكبيها، أو حيال أذنيها كالرجل، وتضع يديها في الجلوس بين السَّجدتين على فخذيها، أو على ركبتيها كالرجل، وتفترش رجلها اليسرى بين السجدتين، وفي التشهد الأول، وفي التشهد الأخير تتورك وتجلس على مقعدتها، وتجعل رجلها اليسرى تحت رجلها اليمنى عن يمينها كالرجل سواءً بسواء في هذه الأمور، هذا هو الأرجح، وهذا هو المعتمد كما دلَّت عليه الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسَّلام.

س: بعد أن انتهى المصلِّي من صلاة الفريضة، من المعلوم أنَّ هناك أذكارًا قد شرعها النبيُّ ﷺ، فنُحبّ أن تُبَيِّنوا ما هي هذه الأذكار التي يُشرع للمسلم أن يقولها بعد انتهائه من صلاة الفريضة؟

ج: ثم بعدما يُسلم يقول: "أستغفر الله" ثلاثًا، "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركتَ يا ذا الجلال والإكرام"، يقوله الرجل والمرأة، ثم ينصرف الإمامُ إلى الناس، ويُعطي الناسَ وجهه، ويقول بعد هذا: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".

وهكذا المأمومون يقولون مثله، الرجال والنِّساء، مثلما يقول الإمامُ: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير"، جاء هذا، تارةً يقول: "يحيي ويميت"، وتارةً لا يقول عليه الصلاة والسلام، ثبت هذا وهذا، فتارةً يقول: "يحيي ويميت" و"بيده الخير"، وتارةً لا يقول ذلك، والأمر واسع بحمد الله، فيقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير"، وتارةً يزيد: "يُحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيءٍ قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا مُعطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجدّ، منك الجدّ".

كل هذا مستحبٌّ بعد كل صلاةٍ، للرجال والنساء، ثم يشرع بعد ذلك أن يقول: "سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر" ثلاثًا وثلاثين مرة، الرجل والمرأة، بأصابعه، يعقد أصابعه ثلاثًا وثلاثين مرة، فيكون الجمعُ تسعًا وتسعين، يعني: ثلاثًا وثلاثين تسبيحة، وثلاثًا وثلاثين تحميدة، وثلاثًا وثلاثين تكبيرة، إذا قال: "سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر" وعدَّها ثلاثًا وثلاثين مرة كانت تسعًا وتسعين، ثم يقول تمام المئة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير"، قال النبي ﷺ: إذا قالها غُفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر.

وهذا فضلٌ عظيم، وخير عظيم، والمعنى: إذا قال هذا مع التوبة والنَّدم والإقلاع، لا مجرد الكلام فقط، بل يقول هذا مع الاستغفار والتَّوبة والندم، وعدم الإصرار على الذنوب، ويرجى له هذا الخير العظيم، حتى في الكبائر إذا قاله عن إيمانٍ، وعن صدقٍ، وعن توبةٍ صادقةٍ، وعن ندمٍ على الذنوب، فإنَّ الله يغفر له كبائرها وصغائرها بتوبته وصدقته وإخلاصه.

ويقول بعد ذلك: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة: 255].

هذا يقوله الرجلُ والمرأة بعد الفريضة، جاء في الأحاديث عن النبي ﷺ أنه قال: مَن قالها بعد كل صلاةٍ لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت.

والحديث فيه كلامٌ لأهل العلم، ولكن بعض طرقه صحيحة، فالأرجح أنه ثابتٌ، وأنَّ هذه القراءة مُستحبَّة، وهذه الآية يُقال لها: آية الكرسي، وهي أعظم آيةٍ في كتاب الله، هي أفضل آيةٍ وأعظم آيةٍ في كتاب الله، هذه يُقال لها: آية الكرسي، وهي أعظم آيةٍ، وأفضل آيةٍ، يُستحبّ أن تُقال بعد السلام، بعد هذا الذِّكْر، ويُستحبّ أن تُقال أيضًا عند النوم، وهي من أسباب حفظ الله للعبد من الشيطان، فهي آية عظيمة، ينفع الله بها العبد، وهي من أسباب دخول الجنة إذا قالها بعد كل صلاةٍ في الفريضة: بعد الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر.

وهكذا يقولها عند النوم، وتكون من أسباب حفظها، يقول النبيُّ ﷺ: مَن قالها لم يزل عليه من الله حافظٌ، ولا يقربه شيطانٌ حتى يُصبح، وهذا فضلٌ عظيمٌ.

كذلك يُستحبّ له بعد هذا أن يقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص]، والمعوذتين، المصلِّي -الإمام والمنفرد والمأموم- بينه وبين نفسه يقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس] مرة واحدة بعد الظهر والعصر والعشاء، أما بعد المغرب والفجر فيقولها ثلاثًا، يقرأ هذه السور الثلاث ثلاثًا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثلاثًا، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ثلاثًا، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثلاثًا بعد الفجر والمغرب.

ويُستحبّ أيضًا بعد الفجر والمغرب زيادة أن يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، يُحيي ويميت، وهو على كل شيءٍ قدير" عشر مرات، زيادة بعد الفجر والمغرب، جاء في ذلك عدةُ أحاديث عن النبي ﷺ.

والله جلَّ وعلا هو المسؤول أن يُوفقنا جميعًا للتأسي به ﷺ، والمحافظة على سنته، والاستقامة على دينه حتى نلقاه سبحانه.