تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ..}

ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ:

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، وَعِصَامُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ ثوبان، عن أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ ثوبان به، وقال التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَوَقَعَ فِي "سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ" عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَهُوَ وَهْمٌ، إِنَّمَا هُوَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ بن الخطَّاب.

الشيخ: المقصود من هذا كلّه أنَّ العبدَ مأمورٌ بالتوبة والبدار بها قبل أن يُحال بينه وبين ذلك، ومَن لا زال في قيد الحياة وعقله معه فتوبته مقبولة إذا صدق فيها، فإذا غرغر، يعني: بلغت الروح الخروج، وحينئذٍ هو ليس محلَّ ندمٍ، وليس محلَّ إقلاعٍ، ومحلّ عزمٍ، مشغولٌ بنفسه، ما عنده الآن التَّفكير والنَّظر الذي تحصل به شروط التوبة، مثل مَن حلَّت به العقوبة ما تنفعه توبة: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ۝ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ [غافر:84- 85].

المقصود أنَّ الإنسان يجب عليه أن يُبادر بالتوبة، ولا يُؤجّل، ولا يقل: لعلَّ ولعلَّ. بل يُبادر؛ لأنَّ الآجال ليست بيده، وليس لديه علمٌ بها: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]، فالإنسان لا يعلم متى يهجم عليه الأجل: صباحًا أو مساءً، في صحَّته أو في مرضه، فالحزم والواجب هو البدار والمسارعة، وأن يكون أبدًا على توبةٍ في ليله ونهاره، وفي محاسبةٍ ومُجاهدةٍ لهذه النَّفس عمَّا مضى، وعمَّا يأتي. عمَّا مضى بالنَّدم وبالإقلاع والحذر، وفي المستقبل بالعزم الصَّادق ألا يقع في المعصية، وأن يبتعد عنها وعن أسبابها، هكذا يكون المؤمن الحازم، هكذا يكون أيضًا الخوف الصَّحيح والحذر الصَّحيح: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71].

فلو كان إنسانٌ محاصرًا بالعدو هل يمكن أن يتأخَّر عن الحذر وسدِّ منافذ الشَّر والحيطة من كل الوجوه؟ فكيف إذا كان لا يدري متى يهجم عليه الأجل؟ ولو من أصحِّ الناس، ولو أنَّه من أقوى الناس وأولى بأن يحذر؛ لأنَّه لا قُدرة له على صدِّ هذا الموت -العدو الصَّائل- قد يُعان على صدِّه، وقد يُساعده غيره، لكن هذا الموت لا حيلةَ فيه، ولستَ أنت قادرًا على صدِّه، ولا غيرك، نعم.

الطالب: ثابت بن ثوبان، العنسي، الشامي، والد عبدالرحمن، ثقة، من السادسة. (بخ، د، ت، ق).

حديثٌ آخر: قال ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْحرَّاني: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِاللَّهِ الْبَابِلتي: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ نهيك الحلبي: سَمِعْتُ عَطَاءَ ابْنَ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يَتُوبُ قَبْلَ الْمَوْتِ بِشَهْرٍ إِلَّا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ، وَأَدْنَى مِنْ ذَلِكَ، وَقَبْلَ مَوْتِهِ بِيَوْمٍ وَسَاعَةٍ، يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْهُ التَّوْبَةَ وَالْإِخْلَاصَ إِلَيْهِ إِلَّا قَبِلَ مِنْهُ.

الشيخ: السَّند فيه نظر، لكن المعنى صحيحٌ، السَّند يحتاج إلى تمحيصٍ، لكن المعنى صحيحٌ، هذا محل إجماعٍ عند أهل العلم: أنَّ العبدَ إذا تاب وعقله معه توبةً صادقةً فإنَّ الله يقبل منه، ولو قبل الموت بلحظةٍ.

الطالب: يحيى بن عبدالله بن الضَّحاك البابلتي -بمُوحدتين ولام مضمومة ومثناة ثقيلة- أبو سعيد الحرَّاني، ابن امرأة الأوزاعي، ضعيف، من التاسعة، مات سنة ثماني عشرة وهو ابن سبعين. (خت، س).

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إبراهيم بن ميمون: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ مِلْحَانَ يُقَالُ لَهُ: أَيُّوب، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ تِيبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ تِيبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِجُمُعَةٍ تِيبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِيَوْمٍ تِيبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَاعَةٍ تِيبَ عَلَيْهِ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ [النساء:17]؟ فَقَالَ: إِنَّمَا أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ.

الطالب: ثلاثة، إبراهيم بن ميمون قُتِلَ سنة إحدى وثلاثين. (خت، د، س).

إبراهيم بن ميمون الصَّنعاني، أو الزّبيدي -بفتح الزاي- ثقة، من الثامنة. (س).

إبراهيم بن ميمون، كوفي، صدوق، من السادسة. (س).

الشيخ: .........

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ البيلماني قال: اجتمع أربعةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِيَوْمٍ، فَقَالَ الْآخَرُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَأَنَا سمعتُ رسولَ الله ﷺ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِنِصْفِ يَوْمٍ، فَقَالَ الثَّالِثُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَأَنَا سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ يقول: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يموتَ بضحوةٍ، قَالَ الرَّابِعُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَأَنَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ بِنَفْسِهِ.

وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ زَيْدِ بن أسلم، عن عبدالرحمن بن البيلماني، فَذَكَرَ قَرِيبًا مِنْهُ.

الشيخ: عبدالرحمن ضعيفٌ، والمعنى صحيحٌ؛ يقبل التوبةَ قبل أن يموت بيومٍ وبنصف يومٍ وبضحوةٍ وبساعةٍ وأقلّ من ذلك ما دام عقلُه معه، لو صحَّ المعنى صحيحٌ، لكن عبدالرحمن هذا ليس بشيءٍ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عَبْدِالرَّحِيمِ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ عَبْدِهِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ.

الشيخ: وهذه الطّرق الكثيرة يشدّ بعضُها بعضًا، يُقوِّي بعضُها بعضًا على ما فيها من الضَّعف، والمعنى صحيحٌ مُجْمَعٌ عليه: أنَّ العبد متى تاب إلى الله توبةً صادقةً قبل أن يموتَ تاب اللهُ عليه، ولو قبلها بيسيرٍ، والله المستعان، نعم.

أَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ مُرْسَلَةٌ:

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ. هَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رحمه الله.

س: التي قبلها مرسلة، حديث البيلماني مُرسلٌ؟

ج: محتمل؛ لأنَّه .....، المعنى محتمل أنَّه سمع منه، ومحتمل أنَّه ما سمع منه .....، الظَّاهر أنَّه حضرهم، لكنَّه ضعيفٌ، نعم.

وقد قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ بُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ.

الشيخ: بشير، عندهم اثنان بُشير، والباقي بشير: بُشير بن يسار، وبُشير بن كعب، والبقية بَشِير بالفتح.

أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ.

وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال. فذكر مثلَه.

الشيخ: هذا ما هو بمرسلٍ، لكن شاهد، هذا ليس بمرسلٍ، لكن أدخله شاهدًا لهذا، مُؤيِّدًا لهذا المرسل، فحقّه أن يكون مع الأوائل، مع الأحاديث الأوائل، وليس مُرسلًا.

وقتادة ما أدرك عُبادة بن الصَّامت، منقطع، لكنَّه في حكم المتَّصلات؛ لأنَّه عن صحابيٍّ، عن النبي ﷺ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَثَمَّ أَبُو قِلَابَةَ، فَحَدَّثَ أَبُو قِلَابَةَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا لَعَنَ إِبْلِيسَ سَأَلَهُ النَّظِرَةَ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ لَا أَخْرُجُ مِنْ قَلْبِ ابْنِ آدَمَ مَا دَامَ فِيهِ الرُّوحُ. فقال الله : وَعِزَّتِي لَا أَمْنَعُهُ التَّوْبَةَ مَا دَامَ فِيهِ الرُّوحُ.

وَقَدْ وَرَدَ هَذَا فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ: مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو ابْنِ أَبِي عَمْرٍو، وَأَبِي الْهَيْثَمِ الْعُتْوَارِيِّ –كِلَاهُمَا- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: قَالَ إِبْلِيسُ: وَعِزَّتِكَ لَا أَزَالُ أُغْوِيهِمْ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ. فَقَالَ اللَّهُ : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي، فَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَابَ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ يَرْجُو الْحَيَاةَ، فإنَّ توبتَه مقبولة.

الشيخ: "وهو يرجو الحياةَ" حطّ عليه إشارة، أقول: في هذا القيد نظرٌ؛ الأدلةُ دلَّت على أنَّه متى تاب وعقله معه ولو .....، لو أنَّه استحضر الموتَ وأنَّ الموتَ قريبٌ؛ لشدّة مرضه، المقصود أنَّه ما دام يعقل التوبةَ، ويعقل النَّدم، ويعقل العزم.

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:17].

وأمَّا مَتَى وَقَعَ الْإِيَاسُ مِنَ الْحَيَاةِ، وَعَايَنَ الْمَلَكَ، وَحَشْرَجَتِ الرُّوحُ فِي الْحَلْقِ، وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ، وَبَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، وَغَرْغَرَتِ النَّفْسُ صَاعِدَةً فِي الْغَلَاصِمِ، فلا توبةَ مقبولة حينئذٍ، ولاتَ حين مناص؛ ولهذا قال: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ [النساء:18]، وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [غافر:84]، وَكَمَا حَكَمَ تَعَالَى بِعَدَمِ تَوْبَةِ أَهْلِ الْأَرْضِ إِذَا عَايَنُوا الشَّمْسَ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا في قولِه تَعَالَى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158].

وَقَوْلُهُ: وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ [النساء:18] يَعْنِي: أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ وَشِرْكِهِ لَا يَنْفَعُهُ نَدَمُهُ، وَلَا تَوْبَتُهُ، وَلَا يُقبل منه فديةٌ ولو بملءِ الأرض.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ قَالُوا: نزلت في أَهْلِ الشِّرْكِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مَكْحُولٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ نُعَيْمٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَدَّثَهُمْ.

الشيخ: حطّ على عمر بن نُعيم علامة، في نسخة: عن أسامة بن سلمان. إلى آخره، يُراجع "المسند -مسند أبي ذرٍّ".

مُداخلة: في الحاشية عزا هذا إلى "المسند".

الشيخ: إيه، يُراجع.

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ عَبْدِهِ، أَوْ يَغْفِرُ لِعَبْدِهِ مَا لَمْ يَقَعِ الْحِجَابُ، قِيلَ: وَمَا وُقُوعُ الْحِجَابِ؟ قَالَ: أَنْ تَخْرُجَ النَّفْسُ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ؛ وَلِهَذَا قال الله تَعَالَى: أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء:18] أَيْ: مُوجعًا، شديدًا، مُقِيمًا.

الشيخ: يعني: إذا ماتوا على الكفر، نسأل الله العافية.

في هذه الآيات والأحاديث التَّحذير والتَّرهيب من التَّمادي في الباطل والغفلة والتَّسويف، وأنَّ الواجبَ على العاقل الحذر والبدار بالتوبة، ولا سيما في مثل هذه الأعصار التي كثر فيها موتُ الفجأة بالحوادث الكثيرة التي تُفاجئ الإنسان: من انقلاب السيارات، وصِدام السّيارات، وغير ذلك من الحوادث الكثيرة.

فالعاقل يأخذ حذره دائمًا: في بيته، وفي طريقه، وفي كل مكانٍ.

نسأل الله للجميع العفو والسَّلامة، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.