باب المبالغة في الاستنشاق

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغُرِّ المحجلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ جديدٍ من دروس "المنتقى".

ضيف اللقاء هو سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

مع مطلع هذا اللقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

بَابُ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ

- عَنْ لَقِيطِ بْنِ صُبْرَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ، قَالَ: أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: اسْتَنْثِرُوا مَرَّتَيْنِ بَالِغَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذان الحديثان يدلان على شرعية المبالغة في الوضوء والعناية، يقول النبي ﷺ في حديث لقيط: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا، هذا هو الواجب على المؤمن في وضوئه: أن يعتني بوضوئه، وأن يُسبغه، وقد قال النبي ﷺ للمسيء في صلاته لما علَّمه قال: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء واستقبل القبلة ... الحديث.

فأسبغ الوضوء معناه إكماله حتى يغسل وجهه، كما أمر الله، يستنشق ويستنثر ويتوضأ كما أمره الله، يمسح رأسه وذراعيه كما أمره الله، يغسل رجليه وكعبيه كما أمر الله، هذا معنى إسباغه، يعني: إكماله وإتمامه.

وخلل بين الأصابع حتى لا ينبو عنها الماء، يُخلل بين أصابع رجليه ويديه حتى لا ينبو عنها الماء.

وبالغ في الاستنشاق وهو أن يستنشق الماء ويستنثر، إلا أن يكون صائمًا؛ لأنَّ المبالغة في حقِّ الصائم قد تذهب المياه إلى جوفه، ولكن يُبالغ إذا كان مُفطرًا، أما إذا كان صائمًا فلا يُبالغ، يستنشق ويستنثر ولكن من دون مبالغةٍ؛ لئلا يُفضي ذلك إلى ذهاب الماء إلى جوفه.

وفي حديث ابن عباس: ثنتين بالغتين أو ثلاثًا يعني: يدل على أن التثليث هو السنة، ولا يجب، لو مضمض واحدة أو ثنتين كفى، لكن كونه يتمضمض ثلاثًا، ويستنثر ثلاثًا هذا هو الكمال كما تقدم في الأحاديث.

المقدم: الخمسة الذين رووا الحديث مَن هم؟

الشيخ: رواه عبدالله بن زيد، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب ، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وأبو هريرة، ورواه غيرهم أيضًا.

المقدم: لو فرض أنَّ الصائم وصل إلى جوفه قطرات من الماء، ما الحكم؟

الشيخ: إذا ما تعمد ما يضرّه، إذا غلبه ذلك ما يضرّ، لكن يتحرى حتى لا يصل.

س: بعض الناس إذا كان صائمًا يتحرز من بقايا الماء ويُبالغ في تفله؟

الشيخ: لا، ما يضر، الريق ما يضر، لكن لا يتعمد بلع الماء الذي هو جزء من الماء، أما الرطوبة ما تضرّ.

س: ما معنى "بالغتين" في الحديث؟

الشيخ: يعني: بالغ في المضمضة حتى يعمّ فمه، يُزيل ما فيه من الأذى والوسخ.

 

بَابُ غَسْلِ الْمُسْتَرْسِلِ مِنَ اللِّحْيَةِ

- عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدِّثْنِي عَنِ الْوُضُوءِ، قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ رَجُلٍ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ، فَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا فِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ إذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ فِيهِ: ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تبارك وتعالى، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تبارك وتعالى.

الشيخ: وهذا يدل على أنَّ الوضوء فيه خير عظيم وفضل عظيم، وهو أنه من أسباب تكفير السيئات وحطِّ الخطايا، وأنَّ الله جلَّ وعلا يجعل وضوءه كفَّارة له، حتى تخر خطاياه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، كما في الرواية الأخرى، في وجهه ويديه ورأسه ورجليه.

فالمؤمن يتحرى هذا الخير العظيم، ويعتني بوضوئه، ويُسبغ وضوءه؛ حتى يحصل له هذا الخير العظيم.

والوضوء قد رتَّب الله عليه المغفرة إذا أكمله الإنسانُ وأدَّاه كما أمره الله، وهكذا الصلاة ركعتين بعد الوضوء من أسباب المغفرة.

س: حديث الباب حديث صحيح كما في مسلم كما تعلمون، لكن روى مسلم ومالك والترمذي من حديث أبي هريرة ، وفيه: وغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئةٍ مع الماء أو مع آخر قطر الماء، ألا يُعارض هذا الحديث حديث الباب؟

الشيخ: ما في معارضة، خرج من وجهه كل خطيئةٍ مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، مع الماء إذا انصبَّ الماء، أو مع آخر قطرات الماء، ما في مانع.

س: بعض الناس ربما يتساهل في صغائر الذنوب ويقول: ما دامت تُكفرها المكفرات فلا حرج من فعلها؟

الشيخ: هذا عند أهل العلم عند اجتناب الكبائر ..... الأحاديث مطلقة في تكفير السيئات، مطلقة، والمراد يعني: عند اجتناب الكبائر، كما قال الله جلَّ وعلا: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، ويقول النبي ﷺ: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفَّارات لما بينهنَّ إذا اجتنب الكبائر، الصلاة نفسها، والصوم نفسه، والجمعة نفسها، والوضوء من شرائط الصلاة، فالمراد أن هذه العبادات العظيمة -من الوضوء والصلاة- كفارات للسيئات عند اجتناب الكبائر.

س: لعلكم تُبينون أثر الذنوب على الفرد والمجتمع؟

الشيخ: الذنوب شرها عظيم، وخطرها كبير، فالواجب على المؤمن الحذر منها، يقول الله جلَّ وعلا: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].

فالذي يُصر على الذنوب على خطر عظيم من حرمان المغفرة، لكن الإنسان يستغفر الله، ويتعاطى أعمال الخير، ويرجو من الله المغفرة، ويحذر الإصرار على السيئات، ولا يغتر بوعد الله بالوضوء والصلاة ويصرّ على الذنوب؛ فإن الإصرار من أسباب عدم التكفير، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فالواجب على كل مسلمٍ وكل مسلمةٍ الحذر من السيئات والمعاصي، ولكن مع هذا يرجو ربه، ويرجو أن يكون وضوؤه وأن تكون صلاته وأن يكون صومه كفَّارة لسيئاته إذا اجتنب الكبائر، أما الكبائر فلا بدّ من التوبة: من الزنا، والسرقة، وشرب مسكر، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، والغيبة، والنميمة، وأكل الربا، كل هذه كبائر من كبائر الذنوب، نسأل الله العافية.

 

بَابٌ فِي أَنَّ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ لَا يَجِبُ

177- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، فَأَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا -أَضَافَهَا إلَى يَدِهِ الْأُخْرَى- فَغَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ بِهَا عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

الشيخ: تقدم معنى هذا، وهذا معناه أنَّ الوضوء الواجب فيه تعميم العضو، فإذا عمَّمه بالغسل كفى، ولو كان بغسلةٍ واحدةٍ، الوجه واليدان والرأس والرجلان الواجب مرة واحدة، وإذا كرر ثلاثًا فهو أفضل، أو ثنتين فهو أفضل، وإن كانت بعض الأعضاء مرتين، وبعضها ثلاثًا فلا بأس، لكن المرة تُجزئ، إذا غسل وجهه مرةً مع المضمضة والاستنشاق وأسال الماء على لحيته وعمَّها كفى، المقصود إسالة الماء على وجهه، وعلى لحيته؛ حتى يعمّها ويكفي، لكن كونه يُكرر غسل الوجه مرتين أو ثلاثًا، كونه يفرك لحيته، يُخللها، فهذا أفضل، وهذا من باب الفضل، وإلا فمرور الماء عليها إذا كانت كثةً كافٍ.

وهكذا اليدان إذا عممهما بالماء مع المرفقين، ولو ما دلكهما، وهكذا الرأس يمسحه مع أذنيه مرة واحدة، وهكذا الرِّجلان يغسلهما ولو مرة واحدة، يعمّهما بالماء، لكن إذا كرر مرتين أو ثلاثًا يكون هذا أفضل؛ لأنَّ هذه الروايات هكذا الجمع بين الروايات، أحاديث النبي ﷺ يُفسر بعضُها بعضًا، فقد يكمل وضوءه ﷺ ثلاثًا ثلاثًا، وقد يكتفي بواحدةٍ، وقد يكتفي بغسلتين حتى يُبين لأمته أنَّ هذا جائز، وهذا جائز.

س: ما ضابط اللحية الكثة؟

الشيخ: التي لا يُرى ما تحتها من البشرة، تستر البشرة، إذا عمَّها بالماء كفى، أما إذا كانت صغيرةً يظهر اللَّحم منها يعركها حتى يصل الماءُ إلى اللَّحم.

س: غسلها يكون للوجوب؟

الشيخ: غسلها واجب، لكن تخليلها هو المستحب، أما كونه يعمّها الماء هذا واجب، لكن كونه يُخللها حتى يُدخل الماء في داخلها هذا مستحبّ.

س: ما صحة حديث: كان رسولُ الله ﷺ كثَّ شعر الرأس؟

الشيخ: نعم، هذا معروف، هو كثُّ اللحية عليه الصلاة والسلام، لحيته جيدة.

س: هل ورد أيضًا في حديثٍ آخر أنه عظيم اللحية؟

الشيخ: ما أتذكر، لكن معنى "كثّ" معناه: العظمة.

بَابُ اسْتِحْبَابِ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ

- عَنْ عُثْمَانَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

- وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

بَابُ تَعَاهُدِ الْمَاقَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ غُضُونِ الْوَجْهِ بِزِيَادَةٍ مَا

- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّهُ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ ثَلَاثًا، ثَلَاثًا، قَالَ: وَكَانَ يَتَعَاهَدُ الْمَاقَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَلَا أَتَوَضَّأُ لَكَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قُلْتُ: بَلَى، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: فَوَضَعَ إنَاءً فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدَيْهِ فَصَكَّ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَأَلْقَمَ إبْهَامَيْهِ مَا أَقْبَلَ مِنْ أُذُنَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ عَادَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَخَذَ كَفًّا بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَأَفْرَغَهَا عَلَى نَاصِيَتِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا تَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَدَهُ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْوُضُوءِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.

الشيخ: السنة أن يتعاهد الإنسانُ لحيته، وهذا أفضل، كونه يُخللها ويعتني بها هذا أفضل، وإلا فالماء يكفي إذا عمَّها، إذا أسال عليها الماء كفى، لكن كونه يُخللها هذا هو الأفضل، كما تقدم، كذلك كونه يتعاهد وجهه وماقيه حتى يعمّ وجهه بالماء، كل الأحاديث تدل على هذا.

والماقان: أطراف العينين، فالمقصود أنه يعتني بوجهه وأطراف عينيه؛ حتى لا ينبو عنها الماء، والوجه: ما أقبل من الوجه، ما بين الأذنين هذا وجه، وما أقبل من الوجه من جهة الرأس إلى أسفل اللحية كله وجهه، من منابت الشعر فوق، إلى أسفل اللحية، كل هذا وجه، ما يحصل به المواجهة: من منابت الشعر فوق إلى أطراف اللحية، وفي العرض من جهة فروع الأذنين، الأذنان من الرأس، لكن ما أقبل منهما فهو من الوجه.

فعلى المؤمن أن يعتني بهذا، وأن يغسل جبهته حتى يصل الغسلُ بأطراف الشعر الذي فوق الجبهة؛ حتى يعمَّ الماء الوجه كله.

س: هل هناك فرق بين تخليل اللحية و.....؟

الشيخ: وأما اللحية كونه إلى الغرة، جاء في حديث أبي هريرة: "مَن استطاع منكم أن يُطيل غرته وتحجيله فليفعل". بعضُ أهل العلم حمله على المرفوع، وعلى أنه مثلما جاء في حديث عليٍّ: يصبّ الماء على مقدم الرأس حتى ينزل على الوجه، هذه الغرة.

ولكن جماعة من أهل العلم قالوا: إنه موقوف على أبي هريرة، وأنَّ هذا من عمل أبي هريرة، ليس معروفًا أنَّ هذا مما زاده أبو هريرة، قوله: "مَن استطاع منكم أن يُطيل غرَّته وتحجيله فليفعل" أنَّ هذا موقوف عليه من اجتهاده ، فالسنة غسل الوجه فقط، أما كونه يُبالغ حتى يمد الغسل إلى إبطيه، أو يمد غسل الوجه حتى يأخذ بعض رأسه، هذا ليس عليه دليل صريح، وإنما هو من فعل أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، والواجب غسل الوجه فقط، غسل الوجه، وغسل اليدين حتى الإشراع في العضد، مثلما جاء في حديث أبي هريرة: "حتى أشرع في العضد: يعني" يغسل مرفقيه ويغسل كعبيه حتى يشرع في السَّاق، أما كونه يغسل السَّاق كله أو العضد كله لا، إنما هذا من فعل أبي هريرة؛ اجتهادًا منه ، وإنما المرفوع أن يغسل ذراعيه حتى يغسل المرفقين ويشرع في العضد، ويغسل رجليه حتى يشرع في الساق كغسل الكعبين، هكذا جاءت السنةُ عن رسول الله ﷺ.

س: هل هناك فرق بين تخليل اللحية وتخليل الأصابع؟

الشيخ: تخليل الأصابع كونه يُدخل بعضَها في بعضٍ حتى يعمَّها الماء، وتخليل اللحية كونه يُدخل أصابعه فيها حتى يعمَّها الماء، هذا أفضل، وإلا ما هو بلازم، إذا كانت كثةً مرور الماء عليها كافٍ.

س: بعض الناس يأخذ على بعض طلبة العلم المبالغة في تطبيق السنن، ويقولون: هذا تقعر في الدِّين ومُبالغة، هل لكلامهم صحَّة؟

الشيخ: المبالغة في إكمال السنة ما هو بتكلُّفٍ ولا تقعر ولا غلو، الذي يعتني بالسنة ويُكملها هذا هو الواجب، هذا هو المشروع، يعتني بها حتى يُطبقها.

س: قلنا: "باب تعاهد الماقين" ما المراد بالماقين؟

الشيخ: أطراف العينين، أطراف العين من هنا ومن هنا، من جهة الأنف، ومن جهة الطرف الآخر؛ حتى لا ينبو عنها الماء.

س: هناك أناس يمسحون جزءًا من الرأس، هل يصح هذا المسح؟

الشيخ: لا بدَّ من مسح الرأس كله، الواجب مسح الرأس كله، لا بعضه.

س: والأذنان من الرأس؟

الشيخ: من الرأس، يمسحه مع أذنيه، يُدخل أصبعيه في صماخي أذنيه، ويمسح بإبهاميه ظاهر أذنيه، هذا هو المشروع، يعمّ الرأس والأذنين؛ لأنَّ الأذنين من الرأس.

بَابُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ وَإِطَالَةِ الْغُرَّةِ

- عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: هَلُمَّ أَتَوَضَّأُ لَكُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى مَسَّ أَطْرَافَ الْعَضُدَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِيَدَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ وَلِحْيَتِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَنْتُم الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ إسْبَاغِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: تقدم الكلامُ على هذا، وأنَّ الواجب هو إسباغ الوضوء كما بيَّن النبيُّ ﷺ، وأنَّ إسباغه: إكماله وإتمامه، فالوجه يعمّ الوجه بالغسل، مع الجبهة، مع أطراف اللحية، يعمّ الوجه وما بين الأذنين كذلك يعمّه، وجه بالغسل مرة أو مرتين أو ثلاثة، وفي اليدين يغسلهما حتى يشرع في العضد، حتى يغسل المرفقين، كما في حديث أبي هريرة: حتى يشرع في العضد. وهكذا في الرِّجلين حتى يشرع في الساق، حتى يغسل كعبيه، كل هذا من باب العناية؛ حتى يكمل وضوءه، وهكذا اللحية حتى يعمَّها بالماء ويُسبغ ما في ذلك، لكن من دون، لا يجب عليه إدخال الماء في اللحية، بل إذا غسل ظاهرها كفى، وإذا خللها فهو أفضل.

س: معنى في الحديث: هلمّ؟

الشيخ: يعني: أقبلوا أتوضأ لكم، ومعنى "غرّ مُحجَّلون" يعني: أنَّ الله جلَّ وعلا يجعل لهم نورًا في أيديهم وأرجلهم ووجوههم من آثار الوضوء، الغرة: نور في الوجه، والتَّحجيل: النور في اليدين والرِّجلين من آثار الوضوء، هذه من آيات الله جلَّ وعلا، ومن إظهار فضل الوضوء يوم القيامة.

س: الغرُّ والتَّحجيل هل هو خاصٌّ بهذه الأمة؟

الشيخ: نعم، من خصائص هذه الأمة، يعرفهم بها نبيهم ﷺ، لما سُئل: بم تعرف أمتك؟ قال: بأنهم غُرٌّ مُحَجَّلون.

س: تعريف الاستطاعة: مَن استطاع منكم؟

الشيخ: هذا معروف أنه مُدرج من كلام أبي هريرة، كان أبو هريرة يغسل مقدم رأسه، يُطيل الغرة ويغسل عضديه إلى إبطيه، يُبالغ .

 

بَابُ تَحْرِيكِ الْخَاتَمِ وَتَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ وَدَلْكِ مَا يَحْتَاجُ إلَى دَلْكٍ

- عَنْ أَبِي رَافِعٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إذَا تَوَضَّأَ حَرَّكَ خَاتَمَهُ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ.

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِّلْ أَصَابِعَ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ.

- وَعَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَحْمَدَ.

- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَوَضَّأَ فَجَعَلَ يَقُولُ هَكَذَا يَدْلُكُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

الشيخ: كلها تدل على العناية بالأعضاء وإسباغ الوضوء فيها، وأنَّ دلكها مستحب إذا تيسر ذلك، وإلا فإمرار الماء كما تقدم في الأحاديث كافٍ، ولكن النصوص يُفسر بعضُها بعضًا، ويدل بعضُها على معنى بعضٍ، فإذا أسبغ الوضوء بالدَّلك كان هذا من باب العناية، ومن باب كمال الوضوء، وإذا خلل أصابعه حتى يصل الماءُ إليها على يقينٍ هذا واجب، أما كونه يدلك أصابعه أو يُخللها بإصبع الخنصر، كل هذا مستحب، المهم وصول الماء إليها، فإذا وصل الماء إليها؛ لقوله: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، إذا وصل الماء إليها كفى، لكن كونه يُخللها بأصابعه: بخنصره، بأصابعه كلها حتى يتيقن وصول الماء، هذا واجب، إلا إذا وصل الماءُ إليها عن يقينٍ.

فالدلك مستحب، المقصود أنه يعتني بإيصال الماء إليها، ما بين أصابع رجليه ويديه، وكذلك إذا كان وجهه أو يداه فيها شيء يخشى أن يمنع الماء يُزيله؛ حتى يدلكها، إذا كان فيها آثار عجين، أو آثار شيءٍ يخشى منه يُزيله، يعتني حتى يصل الماءُ إلى البشرة، أما إن كانت البشرةُ سليمةً ما فيها شيء فمرور الماء عليها كافٍ، مرور الماء كافٍ.

وكون النبي دلك بعض الأحيان، دلك يده، أو ما أشبه ذلك، كل هذا من باب الكمال والاستحباب، إلا إذا دعت إليه الحاجة: كوجود أشياء مُلتصقة باليد، أو بالوجه؛ حتى يُزيلها، قد يكون أثر طينٍ أو أثر عجينٍ أو أشياء أخرى لصقت بيده أو وجهه أو رجله يُزيلها.

س: إذًا تحريك الخاتم عند الوضوء؟

الشيخ: تحريك الخاتم كذلك إذا كان يخشى أنه لا يصل الماءُ إليه يُحركه، أو يفسخه، يخلعه، أما إذا كان وسيعًا يدخل منه الماء، ما عنده شكٌّ أنه دخل الماء، فلا حاجة، أما إذا كان ضيقًا مُلتصقًا فإنه يُزيله، يخلعه حتى يغسل ما تحته، أو يُحركه إن كان يمكن تحريكه حتى يدخل الماء.

س: لبس الخاتم للرجال ما حكمه؟

الشيخ: لا بأس به، النبي كان يلبسه ﷺ، عليه خاتم فضة، فإذا لبسه المؤمنُ فلا حرج، أما السنية فلا أعلم دليلًا على السنية، لكن من باب الجواز.

س: اعتادت بعضُ الشعوب لبس ما يُسمَّى بدبلة الخطوبة، ويقولون: إنَّ الرجل إذا لبس ذلك من يد المرأة واستمر معه دلَّ على أنه راغبٌ بها، والعكس صحيح، ما حكم هذا العمل؟

الشيخ: لا أصل لهذا، ينبغي ترك هذا، وعدم التَّشبه بالكفرة، لا أصل للدبلة هذه، يسأل ربه التوفيق، إذا تم الزواجُ والحمد لله يسأل ربه التوفيق، ويتثبت في الخطبة، وإذا غلب على ظنِّه صلاحُ المرأة استعان بالله وتزوج، وسأل ربه التوفيق، أما الدبلة ما لها سبب.

س: هل يُعتبر لبس دبلة الخطوبة من التِّولة؟

الشيخ: يُخشى أن تكون من باب التَّشبه بأعداء الله، أما التِّولة فمن باب السحر، التِّولة: الصرف والعطف، ما هي من هذا الباب، لا، من باب التَّشبه، وإذا كان يظن أنها من أسباب التوفيق ومن أسباب الجمع صارت من باب التَّمائم، من باب الحروز يعني.

المقدم: شكر الله لكم يا سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.