تفسير قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ..}

وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء:12].

يَقُولُ تَعَالَى: وَلَكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِذَا متن من غَيْرِ وَلَدٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبْعُ مما تركن من بعد الوصية أو الدَّين.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَبَعْدَهُ الْوَصِيَّةُ، ثُمَّ الْمِيرَاثُ، وَهَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَحُكْمُ أَوْلَادِ الْبَنِينَ وَإِنْ سَفُلُوا حُكْمُ أَوْلَادِ الصُّلْبِ.

الشيخ: وهذا يُبين أنَّ الدَّين أمره عظيم، وأنَّ الواجبَ على المسلم أن يجتهد في قضاء الدَّين؛ لأنَّ حقوقَ الناس خطيرة؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: مَن كان عنده لأخيه مظلمة فليتحللها اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، وقال: كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعِرْضُه، فالدُّيون خطرها عظيم، ولا سيما إذا كان الإنسانُ ما عنده نيَّة في القضاء، يأخذ وليس عنده نيَّة في القضاء، فهذا على خطرٍ عظيمٍ، أما مَن أخذها ونيّته القضاء فالله يقضي عنه، كما قال النبيُّ ﷺ في الحديث الصَّحيح: مَن أخذ أموالَ الناس يُريد أداءَها أدَّى اللهُ عنه، ومَن أخذها يُريد إتلافَها أتلفه الله. خرَّجه البخاري في "صحيحه".

هذا يدل على أنَّه ينبغي للمؤمن عند الاستدانة أن تكون عنده نيَّة الوفاء، والحرص على الوفاء؛ حتى يُعينه الله ويقضي عنه، فإذا لم يتيسر ذلك فليحرص على الوصية والدَّين وبيان الحقوق التي عليه؛ حتى لا تضيع على أربابها، قد يكون أربابُها ما عندهم وثائق ولا شهود، فالواجب عليه أن يعتني بالوصية بالدَّين، والحرص على المبادرة بها، وهكذا الورثة يجب عليهم ذلك.

وقوله: أَزْوَاجُكُمْ جمع زوجٍ، وهذا هو الأفصح في المرأة، يُقال لها: زوج، والرجل زوج؛ لأنَّ الاثنين يُقال: زوج، وهو مثل هذا، ويُقال: زوجة أيضًا، لغة فصيحة: زوجة، ولكن أفصح منها: زوج، ولكن عند خوف الإشكال يُؤتى بالهاء: زوجة، ومنه حديث معاوية بن حَيدة: ما حقّ زوجة أحدنا عليه؟ بالتاء، قال: تُطعمها إذا طعمتَ، وتكسوها إذا اكتسيتَ.

ومن رحمة الله أن جعل الزوج له النِّصف؛ لأنَّ الزوجَ رجلٌ تكون عليه الحاجات، وتكون عليه الدّيون، وتكون وراءه الذّرية، وتكون وراءه مؤونة البيت، فمن رحمة الله أن جعل حظَّه أكبر، والزوجة دون ذلك، كما أنَّه جعل الأولادَ كذلك والإخوة؛ للذكر ضعف ما للأُنثى؛ لأنَّ الرجال تعتريهم الحقوق والشّؤون والغرامات، فكان من رحمة الله ومن حكمته العظيمة أن فضَّلهم على الإناث: الأزواج، والأولاد، والإخوة، والأب، والأم، وهذا كلّه من لطفه وحكمته ، نعم.

س: .............؟

ج: النَّاشزة ما لها شيء، النَّاشزة ما لها حقّ.

ثُمَّ قَالَ: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إلى آخره، وَسَوَاءٌ فِي الرُّبُعِ أَوِ الثُّمُنِ.

الشيخ: إلا إذا كانت مظلومةً، قد تكون ناسيةً، مظلومةً، قد تكون ظلمها حتى ألجأها إلى الهروب، فالواجب عليه العدل وإعطاء الحقِّ، وعلى ولاة الأمور أن يُنصفوها إذا كانت مظلومةً، أمَّا إذا نشزت بغير حقٍّ فلا حقَّ لها.

ثُمَّ قَالَ: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إلى آخره، وَسَوَاءٌ فِي الرُّبُعِ أَوِ الثُّمُنِ الزَّوْجَةُ وَالزَّوْجَتَانِ الِاثْنَتَانِ وَالثَّلَاثُ وَالْأَرْبَعُ يَشْتَرِكْنَ فِيهِ.

وَقَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ إِلَخْ، الْكَلَامُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وقوله تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً الْكَلَالَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْإِكْلِيلِ، وَهُوَ الَّذِي يُحِيطُ بِالرَّأْسِ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَنْ يَرِثُهُ مِنْ حَوَاشِيهِ، لَا أُصُولِهِ، وَلَا فُرُوعِهِ، كَمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْكَلَالَةِ فَقَالَ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ: الْكَلَالَةُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ. فَلَمَّا ولي عمرُ قال: إني لأستحي أَنْ أُخَالِفَ أَبَا بَكْرٍ فِي رَأْيٍ رَآهُ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عن سُفْيَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: سمعتُ ابنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كُنْتُ آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِعُمَرَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: الْقَوْلُ مَا قُلْتُ، وَمَا قُلْتُ، وَمَا قُلْتُ. قَالَ: الْكَلَالَةُ: مَنْ لَا وَلَدَ له ولا والدَ.

وهكذا قال عليٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَصَحَّ عَنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن ابن عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَبِهِ يَقُولُ الشَّعْبِيُّ والنَّخعي والحسن وَقَتَادَةُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَكَمُ، وَبِهِ يَقُولُ أهلُ المدينة وأهلُ الكوفة وَالْبَصْرَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، بَلْ جَمِيعِهِمْ.

الشيخ: وهذا واضحٌ من آخر سورة النِّساء: أنَّ الكلالةَ: مَن لا ولدَ له ولا والد ذكر. قال تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ [النساء:176]، فبين أنَّ الكلالةَ: مَن ليس له ولدٌ، وله أختٌ، والأخت ما ترث مع الوالد بإجماع المسلمين، فعُلم بذلك أنَّ الكلالةَ: مَن لا ولدَ له ولا والدَ ذكر؛ لا ابن، ولا ابن ابن، ولا بنت، ولا بنت ابن، ولا أب، ولا جدّ، هذه كلالة، مَن ليس فيها واحدٌ من هذه السِّتة: لا ابن، ولا بنت، ولا ابن ابن، ولا بنت ابن، ولا أب، ولا جدّ، إذا خليت المسألةُ من هؤلاء السّتة فهي كلالة، يرث فيها الإخوة، وإذا كان فيها واحدٌ من السّتة فهي ليست كلالةً، فيسقط بها الإخوة لأم، ولا يُفرض فيها للأخوات؛ لأنها ليست كلالةً، ولا يكون لهم من البقية العصب: الإخوة الأشقاء، والإخوة لأب.

س: الإسناد السَّابق: "حدَّثنا محمدُ بن عبدالله بن يزيد" في نسخة الشّعب؟

ج: لعلها أصوب: "محمد بن عبدالله بن يزيد المقري"، لعلها أصلها عندك: محمد بن يزيد؟

الطالب: إيه، نعم، ذكر في حاشيةٍ: وفي نسخة الأزهر: محمد بن عبدالله بن يزيد.

الشيخ: هو هذا، نعم.

............

س: ذكر في الحديث: وما قلت، وما قلت؟!

ج: يعني أنَّه كرر: مَن لا ولدَ له ولا والد. كررتُ، قلتُه مرَّات، يعني كما قال الصِّديقُ، نعم.

وَقَدْ حَكَى الإجماعَ عليه غَيْرُ وَاحِدٍ، وَوَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ: قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ ابْنُ اللَّبَّانِ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ مَن لَا وَلَدَ لَهُ، وَالصَّحِيحُ عَنْهُ الْأَوَّلُ، وَلَعَلَّ الرَّاوِيَ مَا فُهِمَ عَنْهُ مَا أَرَادَ.

وَقَوْلُهُ تعالى: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ أَيْ: مِنْ أُمٍّ، كَمَا هُوَ فِي قِرَاءَةِ بَعْضِ السَّلَفِ، مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَكَذَا فَسَّرَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِيمَا رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْهُ.

فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ.

الشيخ: وهذا محل إجماعٍ، المراد بالآية الإخوة لأم: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ يعني: من أمٍّ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ، هذا محل إجماعٍ.

الطالب: محمد بن عبدالله بن يزيد المقرئ، أبو يحيى، المكي، ثقة، من العاشرة، مات سنة ستٍّ وخمسين. (س، ق).

الشيخ: محمد بن يزيد.

الطالب: محمد بن يزيد بن خنيس المخزومي مولاهم المكي، مقبول، وكان من العُبَّاد، من التاسعة، تأخَّر إلى بعد العشرين ومئتين. (ت، ق).

الشيخ: ..........

الطالب: هناك آخر: محمد بن يزيد بن سنان، الجزري، أبو عبدالله ابن أبي فروة، الرّهاوي، ليس بالقوي، من التاسعة، مات سنة عشرين. (عس).

وَإِخْوَةُ الْأُمِّ يُخَالِفُونَ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ يَرِثُونَ مَعَ مَنْ أَدْلَوْا بِهِ، وَهِيَ الْأُمُّ.

الثاني: أنَّ ذُكورَهم وإناثَهم في الميراث سواء.

الثالث: أنَّهم لا يرثون إلَّا إن كَانَ مَيِّتُهُمْ يُورَثُ كَلَالَةً، فَلَا يَرِثُونَ مَعَ أبٍ، ولا جدٍّ، ولا ولدٍ، وَلَا وَلَدِ ابْنٍ.

الرَّابِعُ: أَنَّهُمْ لَا يُزَادُونَ عَلَى الثُّلُثِ وَإِنْ كَثُرَ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ قال: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قال: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَضَى عمرُ أَنَّ مِيرَاثَ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ بَيْنَهُمْ، لِلذَّكَرِ مثل الأُنْثَى. قال الزُّهْرِيُّ: وَلَا أَرَى عُمَرَ قَضَى بِذَلِكَ حَتَّى عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.

الشيخ: هذا نصُّ الآية الكريمة، للذكر مثل حظِّ الأُنْثَى، ورواية الزُّهري عن عمر مُنقطعة؛ لأنَّ الزهري ما أدرك زمان عمر، المقصود أنَّ هذا المنقولَ عن عمر هو الذي يقوله العُلماء كافَّة، جميع العلماء يقولون ما نصَّ عليه القرآن: للذكر مثل حظِّ الأُنْثَى سواء، لكل واحدٍ منهما السُّدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شُركاء في الثلث على السَّواء، نعم.

طالب: ....... من صغار العاشرة.

الشيخ: ....... نعم.

وهذه الآيةُ هي التي قال اللهُ تعالى فيها: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12].

الشيخ: والشَّركة إذا أُطلقت فهي على السَّواء، فهم سواء، نعم؛ ولهذا من خصائصهم أنهم يرثون مع مَن أدلوا به، ويُشاركهم في هذا أمُّ الأب، وأمُّ أبي الأب.

ومن خصائصهم: أنَّ ذكرَهم وأُنثاهم سواء.

ومن خصائصهم: أنَّهم ليس لهم إلا الثلث وإن زادوا وكثروا.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ وَاثْنَانِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ وَوَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ. فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ أَوِ الْجَدَّةِ السُّدُسُ، وَلِوَلَدِ الْأُمِّ الثُّلُثُ، وَيُشَارِكُهُمْ فِيهِ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ بِمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ إِخْوَةُ الْأُمِّ.

وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي زَمَنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ، فَأَعْطَى الزَّوْجَ النِّصْفَ، وَالْأُمَّ السُّدُسَ، وَجَعَلَ الثُّلُثَ لِأَوْلَادِ الْأُمِّ، فَقَالَ لَهُ أَوْلَادُ الْأَبَوَيْنِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَبْ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حِمَارًا، أَلَسْنَا مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ؟ فَشَرَّكَ بَيْنَهُمْ، وَصَحَّ التَّشريكُ عنه وعن عُثْمَانَ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبِهِ يَقُولُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَشُرَيْحٌ الْقَاضِي وَمَسْرُوقٌ وَطَاوُسٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ وَالثَّوْرِيُّ وَشَرِيكٌ، وهو مذهب مالكٍ والشَّافعي وإسحاق بن رَاهُويَه.

وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَا يُشَرِّكُ بَيْنَهُمْ، بَلْ يَجْعَلُ الثُّلُثَ لِأَوْلَادِ الْأُمِّ، وَلَا شَيْءَ لِأَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ.

وَقَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ: لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ.

وَهَذَا قَوْلُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ أَبِي ليلى وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَزُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنِ آدَمَ وَنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيِّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ ابْنُ اللَّبَّانِ الْفَرَضِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ "الْإِيجَاز".

الشيخ: وهذا هو الحقّ، هذا هو الصَّواب، قول عليٍّ وابن عباسٍ وأبي موسى ومَن معهم وأُبيّ بن كعبٍ هو الصواب: أنَّهم لا يرثون مع المشركة، كما أنَّهم يزيدون عليهم بهذا الأب فيأخذون مالًا كثيرًا، فيرثون في بعض الأحيان ويسقط الإخوةُ لأمٍّ، هكذا العكس؛ لقول النبي ﷺ: ألحقوا الفرائضَ بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجلٍ ذكرٍ، فإذا ألحقنا الفرائضَ بأهلها أعطينا الزوجَ النصف، والأم أو الجدّة السدس، والإخوة لأم الثلث، ما بقي شيء، سقطوا، فكما ينفعهم الأبُ يضرّهم.

لو مات ميتٌ عن أخٍ لأمٍّ وأخٍ شقيقٍ، ما ..... الشَّقيق، يعطي الأخ لأم غير السّدس، أخذوا الخمسة كلّها من الستة، لو قال ..... واحد أو اثنين ما أُعطي له شيء، السدس للأخ لأم، ولو كانوا جماعةً لهم الثلث، والبقية للأخ الشَّقيق، لا يُعطيهم شيئًا، وإذا كانت فيه بنتٌ أو بنتُ ابنٍ سقط الإخوةُ لأم، وورث الشَّقيق ما بقي عصبًا، ولم يبقَ للأخ لأمٍّ شيئًا، كما أنَّ هذا الأب ينفعهم كثيرًا فقد يضرّهم.

وَقَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ أَيْ: لِتَكُونَ وَصِيَّتُهُ عَلَى الْعَدْلِ، لَا عَلَى الْإِضْرَارِ وَالْجَوْرِ وَالْحَيْفِ بِأَنْ يَحْرِمَ بَعْضَ الْوَرَثَةِ أَوْ يَنْقُصَهُ، أَوْ يَزِيدَهُ عَلَى مَا قَدَّرَ اللَّهُ له من الفريضة، فمَن سَعَى فِي ذَلِكَ كَانَ كَمَنْ ضَادَّ اللَّهَ فِي حِكْمَتِهِ وَقِسْمَتِهِ.

وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ الدِّمَشْقِيُّ الْفَرَادِيسِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ دَاوُدَ ابْنِ أَبِيِ هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ.

وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ الْمُغِيرَةِ هَذَا، وَهُوَ أَبُو حَفْصٍ، بَصْرِيٌّ، سَكَنَ المصيصة، قال أبو القاسم ابن عَسَاكِرَ: وَيُعْرَفُ بِمُغني الْمَسَاكِينِ. وَرَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ شَيْخٌ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: هو مجهولٌ لا أعرفه.

لكن رواه النَّسائيُّ في "سننه" عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ دَاوُدَ ابْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا: "الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ".

وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ، عَنْ عَائِذِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ دَاوُدَ ابْنِ أَبِي هِنْدٍ.

وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْحُفَّاظِ عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، وَفِي بَعْضِهَا: وَيَقْرَأُ ابْنُ عَبَّاسٍ: غَيْرَ مُضَارٍّ. قال ابنُ جريرٍ: وَالصَّحِيحُ الْمَوْقُوفُ.

وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ: هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟

عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ التُّهْمَةِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَوْصَى لَهُ بِصِيغَةِ الْإِقْرَارِ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وصيَّةَ لوارثٍ.

وهذا مذهب مالك وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة، وَالْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ -رَحِمَهُمُ اللَّهُ- وَذَهَبَ فِي الْجَدِيدِ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ، وَهُوَ مَذْهَبُ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِاللَّهِ الْبُخَارِيِّ فِي "صَحِيحِهِ"، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ أَوْصَى أن لا تَكْشِفَ الفَزَارِيَّةُ عَمَّا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُهَا.

قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يَجُوزُ إِقْرَارُهُ؛ لِسُوءِ الظَّنِّ بِهِ لِلْوَرَثَةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، فَلَمْ يَخُصَّ وَارِثًا وَلَا غَيْرَهُ. انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ.

فَمَتَى كَانَ الْإِقْرَارُ صَحِيحًا مُطَابِقًا لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ جَرَى فِيهِ هَذَا الْخِلَافُ، وَمَتَى كَانَ حِيلَةً وَوَسِيلَةً إِلَى زِيَادَةِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ وَنُقْصَانِ بَعْضِهِمْ؛ فَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَبِنَصِّ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء:12].

الشيخ: لا شكَّ أنَّ المقام مقامٌ خطيرٌ إذا كان في حال المرض، أمَّا في حال الصحّة فإقراره مُعتبرٌ، دين ..... سلعة أو اقترض منه، أمره إلى الله إن كان كاذبًا، وأمَّا في المرض فهو محل التُّهمة، إن اعترف وقال: إنَّ لولدي هذا كذا، أو لأخي هذا كذا، عندي له كذا وكذا. فهذا هو محل .....، ويلزمه أن يقول ذلك، إذا كان صادقًا يلزمه؛ لتبرأ ذمّته، لكن هل يُؤخذ به شرعًا؟ الظَّاهر أنه محل النَّظر، على القاضي أن ينظر القرائن؛ لأنَّ المسألة خلافية، ينظر القرائن؛ إن وُجِدَتْ قرائن تدل على التُّهمة ألغى الإقرارَ، وإن لم يُوجد شيءٌ نفَّذ ذلك.

أمَّا الوصية لوارثٍ فلا، فإذا أوصى لزوجته بزيادةٍ، أو لأحد أبنائه بزيادةٍ، لا، الوصية باطلة، ليس لهم إلَّا ما كتب الله لهم.

س: إذا مات الميتُ وعليه دَينٌ، وعنده بيتٌ لأولاده، وهم فُقراء، هل يلزم أن يخرجوا من البيت فيُباع؟

ج: لا، الدَّين مُقدَّمٌ، بارك الله فيك، يُغنيهم الله.

س: هم فقراء؟

ج: ولو فقراء، إلا إذا سمح أهلُ الدَّين وأعطوهم فلا بأس، وإلا فيُباع البيت ويُوفّى أهل الدَّين، وأولاد الفُقراء يجب على بيت المال وعلى المسلمين أن يُحسنوا إليهم من الزكاة وغيره،. يُعطوهم من الزكاة، وعلى بيت المال إذا بلغه ذلك فعليه أن يقوم بحقِّهم، وعلى المسلمين ..... أن يُواسوهم من الزكاة وغيرها، أما الغُرماء فيُعطون حقَّهم، يُباع البيت، إلَّا إذا سمح الغُرماء.

مسألة: رجلٌ أراد أن يتزوج بامرأةٍ ثانيةٍ، فأراد أن يحرمها وهو كبير السّن، أراد أن يحرمها من الميراث وهو لم يتزوَّجها، قسم التركةَ على أولاده حتى إذا تزوَّج لم يكن لها من النَّصيب إلَّا .....؟

الشيخ: قسم قبل أن يتزوَّج؟

الطالب: قبل أن يتزوَّج، إيه، نعم.

الشيخ: حتى ولو بعدما يتزوّج، إذا كان في صحّته ما لها حقّ إلا بعد الموت، أمَّا إذا فعل في المرض لا، يُتَّهم، لا، تُعطى حقَّها، أمَّا إذا قسمه قبل أن يتزوَّج أو بعد الزَّواج في حالة الصحة ما في بأس.