تفسير قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}

ذِكْرُ حَدِيثٍ غَرِيبٍ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النساء:78]:

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا السَّكَنُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي قَبِيلَتَيْنِ مِنَ النَّاسِ، وَقَدِ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَجَلَسَ أبو بكرٍ قريبًا من النبي ﷺ، وَجَلَسَ عُمَرُ قَرِيبًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لِمَ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُكُمَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. قال أبو بكرٍ: يا رسول الله، الْحَسَنَاتُ مِنَ اللَّهِ، وَالسَّيِّئَاتُ مِنْ أَنْفُسِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فما قلتَ يا عمر؟ فقال: قلتُ: الحسنات والسَّيئات من اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، فَقَالَ مِيكَائِيلُ مَقَالَتَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، وَقَالَ جِبْرِيلُ مَقَالَتَكَ يَا عُمَرُ، فَقَالَ: نَخْتَلِفُ فَيَخْتَلِفُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَإِنْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ السَّمَاءِ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْأَرْضِ، فَتَحَاكَمَا إِلَى إِسْرَافِيلَ، فَقَضَى بَيْنَهُمْ أَنَّ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ: احْفَظَا قضائي بينكما، لو أراد اللهُ ألَّا يُعصى لما خلق إِبْلِيسَ.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ مُخْتَلَقٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ.

الشيخ: رجاله معروفون، لكن شيخ البزَّار هو محل النَّظر، انظر السَّكن بن سعيد في "الخلاصة" أو "التقريب"، لعله مذكور ..... السكن بن سعيد، وإلا الباقون عمر بن يونس ومَن بعده معروفون كلّهم، قد يكون من وضع السَّكن هذا: حدَّثنا عمرُ بن يونس، عن مقاتل بن حيان، عن ..... كلّهم معروفون، ولكنَّ الآية فُصْحَى بحمد الله: كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ، الحسنات والسَّيئات من عند الله قدرًا، والسَّيئة من نفسك عملًا؛ ولهذا قال: كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ يعني: قدرًا، قدَّر هذا وهذا .

ثم قال سبحانه: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ [النساء:79] يعني: من أعمالك أنت، ومن اقترافك وسيِّئاتك، وإن كانت مُقدَّرةً، فهي قدرٌ من الله، وهي عملٌ من نفسك، أنت العامل، أنت المقترف؛ ولهذا بيَّن أنَّ ما أصابنا من سيِّئاتنا: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ [البقرة:286]، فالحسنات لنا عملًا، ونُؤجَر عليها، والسّيئات منا عملًا، ونستحقّ العقابَ عليها، وكلّها بقضاء الله وقدره، لكنَّ الحسنةَ من الله؛ وفَّق لها، وهدى لها، والسَّيئة أطعت بها الشَّيطان وهواك، فصارت من نفسك، وإن كانت مُقدَّرةً، لو شاء الله لم يعصِه: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى [الأنعام:35]، وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا [السجدة:13]، ولكنَّه قدَّر ما قدَّر من المعاصي، وقيَّض لها دُعاةً من الشَّياطين: شياطين الإنس والجنِّ؛ لحكمةٍ بالغةٍ، ليتميز الناسُ، ويُعلم مَن يتَّبع الهدى ممن يتَّبع الهوى، وليُحاسِب الناسُ أنفسَهم، وليجتهدوا في طاعة ربِّهم، ولولا هذا ما تميز الناس، ولا انقسم الناس، نعم.

..............

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِرَسُولِهِ ﷺ، وَالْمُرَادُ جِنْسُ الْإِنْسَانِ لِيَحْصُلَ الْجَوَابُ: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ أَيْ: مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَمَنِّهِ وَلُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79] أَيْ: فَمِنْ قِبَلِكَ، وَمِنْ عَمَلِكَ أَنْتَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].

قَالَ السُّدِّيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ زَيْدٍ: فَمِنْ نَفْسِكَ أَيْ: بذنبك.

وقال قتادةُ في الآية: فَمِنْ نَفْسِكَ عقوبة لك يَا ابْنَ آدَمَ بِذَنْبِكَ.

قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا يُصِيبُ رَجُلًا خَدْشُ عُودٍ وَلَا عَثْرَةُ قَدَمٍ وَلَا اخْتِلَاجُ عِرْقٍ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو اللَّهُ أَكْثَرُ.

وَهَذَا الَّذِي أَرْسَلَهُ قَتَادَةُ قَدْ رُوِيَ مُتَّصِلًا فِي الصَّحِيحِ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ وَلَا نَصَبٌ، حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ.

وَقَالَ أَبُو صالحٍ: وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ أَيْ: بِذَنْبِكَ، وَأَنَا الَّذِي قَدَّرْتُهَا عَلَيْكَ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا سَهْلٌ -يَعْنِي ابْنَ بَكَّارٍ- حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ: حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ وَاصِلِ ابن أَخِي مُطَرِّفٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: مَا تُرِيدُونَ مِنَ الْقَدَرِ؟ أَمَا تَكْفِيكُمُ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ [النساء:78]؟ أَيْ: مِنْ نَفْسِكَ، وَاللَّهِ مَا وُكِلُوا إِلَى الْقَدَرِ، وَقَدْ أُمِرُوا، وَإِلَيْهِ يَصِيرُونَ.

وَهَذَا كَلَامٌ مَتِينٌ قَوِيٌّ فِي الرَّدِّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ أَيْضًا، وَلِبَسْطِهِ مَوْضِعٌ آخَرُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا أَيْ: تُبْلِغُهُمْ شَرَائِعَ اللَّهِ وَمَا يُحِبُّهُ الله وَيَرْضَاهُ، وَمَا يَكْرَهُهُ وَيَأْبَاهُ، وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء:79] أَيْ: عَلَى أَنَّهُ أَرْسَلَكَ، وَهُوَ شَهِيدٌ أَيْضًا بينك وبينهم، وعالم بما تبلغهم إِيَّاهُ، وَبِمَا يَرُدُّونَ عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ كُفْرًا وعنادًا.

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۝ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء:80- 81].

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنَّ مَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَاهُ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُ مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3- 4].

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي. وَهَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ.

الشيخ: وهذا واضحٌ في أنَّ معصيةَ الرسول معصيةٌ لله: مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومَن أطاع الأميرَ فقد أطاعني، ومَن عصى الأميرَ فقد عصاني، فطاعة ولاة الأمور في المعروف من طاعة الله ورسوله، هذا لكي تستقيم الأمور، وتنتظم أحوال العالم، ويستتب الأمن، فلا بدَّ من هذا وهذا: من طاعة الله ورسوله، ولا بدَّ من طاعة ولاة الأمور في المعروف، والحذر في المعصية.

وفي الحديث الصَّحيح يقول عليه الصلاة والسلام: كل أُمَّتي يدخلون الجنةَ إلَّا مَن أبى، قيل: يا رسول الله، ومَن يأبى؟ قال: مَن أطاعني دخل الجنةَ، ومَن عصاني فقد أبى، أخرجه البخاريُّ رحمه الله.

المقصود أنَّ طاعةَ الرسول ﷺ من طاعة الله جلَّ وعلا، ومَن أطاع اللهَ ورسولَه فقد أراد الجنةَ على الحقيقة، ومَن عصى فهو في المعنى يأبى، يريد عدم دخولها بفعله وامتناعه وكسله وضعفه، الله بيَّن أسبابَ هذه، وأسبابَ هذه، مَن أراد الجنةَ أخذ بأسبابها، ومَن أراد النارَ أخذ بأسبابها، وإن زعم أنَّه لا يريد النار، ما دام أخذ بأسبابها فهو يُريدها، نسأل الله السَّلامة.

الطالب: محمد بن عمَّار بن حفص بن عمر بن سعد القُرظ، المدني، المؤذّن، الملقّب: كشاكش -بمُعجمتين الأولى خفيفة- لا بأس به، من السابعة. (ت).

محمد بن عمَّار بن سعد القرظ، مستور، من الرابعة. (ت).

محمد بن عمَّار بن ياسر العنسي –بالنون- مولى بني مخزوم، مقبول، من الثالثة، قُتِلَ بعد السِّتين من الهجرة. (د).

الشيخ: ..... "الخلاصة" ما فيه شيء.

الطالب: مُحَمّد بْن عَمّار بْن ياسر، مَولَى بني مَخزُوم، روى عَنْ أَبيه، رَوَى عَنه ابنُه أَبو عُبَيدَة، قَتَلَهُ الـمُختارُ، وسأله المختارُ أن يُحدِّث عن أبيه بكذبٍ، فلم يفعل، فقتله، سمعتُ أبي يقول ذلك.

محمد بن عمّار بن عطية السّكري، الرازي، روى عن أبي هارون البكَّاء، وسهل بن عثمان العسكري.

الشيخ: هذا "الخلاصة".

الطالب: هذا الجرح.

الشيخ: لابن أبي حاتم.

الطالب: نعم.

الشيخ: هذا الذي عندك: روى عن سهل.

الطالب: سهل بن عثمان.

الشيخ: .........

س: الحسنة هي النِّعمة أم العمل الصَّالح؟

ج: الأعمال الصَّالحة والنِّعَم من فضل الله، نعم، الله .....، لكن الحسنات إذا أُطلقت يعني: الأعمال الصَّالحة، أمَّا ما يجود اللهُ به عليك فهذا من إحسانه، إحسانٌ من الله عليك، من النِّعَم، نعم: الصحة، والعلم، والولد، والزوجة، هذه من النِّعَم، وهي حسنات منه سبحانه، تشمل الحسنة من الله والتوفيق للعمل الصَّالح، وما أعطاك الله مما يسرُّك من صحَّةٍ وزوجةٍ صالحةٍ وولدٍ ومسكنٍ، وغير هذا، كلُّه من إحسان الله عليك.

ولكن ما ذكر من الحسنات ضدّ السَّيئات، يعني: الأعمال الصَّالحة، ما يُقابل السَّيئة المراد به الأعمال الصَّالحة.

س: طاعة الأمير خاصةٌ بولاة الأمور أو عامَّة في كلِّ مَن ولي أمرًا من أمور المسلمين؟

ج: عامٌّ، عامٌّ، ولي الأمر الأكبر وأُمراؤه.

س: يدخل فيه أمير السَّفر؟

ج: الأقرب والله أعلم أنَّه يدخل فيما يتعلَّق باجتماعهم الذي يخصّهم إذا لم يكن معصيةً؛ حتى يستقيم أمرهم، نعم.

وَقَوْلُهُ: وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا أَيْ: ما عَلَيْكَ مِنْهُ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ [الشورى:48]، فَمَنِ اتَّبعك سَعِدَ وَنَجَا، وَكَانَ لَكَ مِنَ الْأَجْرِ نَظِيرُ مَا حَصَلَ لَهُ، وَمَنْ تَوَلَّى عَنْكَ خَابَ وَخَسِرَ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ مِنْ أَمْرِهِ شَيْءٌ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ.

وَقَوْلُهُ: وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُمْ يُظْهِرُونَ الْمُوَافَقَةَ وَالطَّاعَةَ، فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ أَيْ: خَرَجُوا وَتَوَارَوْا عَنْكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ أَيِ: اسْتَسَرُّوا لَيْلًا فِيمَا بَيْنَهُمْ بِغَيْرِ ما أظهروه لك، فَقَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ أَيْ: يَعْلَمُهُ وَيَكْتُبُهُ عَلَيْهِمْ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ حَفَظَتَهُ الكاتبين الذين هم مُوكَّلون بالعباد.

والمعنى في هذا التَّهديد: أنَّه تعالى يُخبر بِأَنَّهُ عَالِمٌ بِمَا يُضْمِرُونَهُ وَيُسِرُّونَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَمَا يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ لَيْلًا مِنْ مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ ﷺ وَعِصْيَانِهِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ أَظْهَرُوا لَهُ الطَّاعَةَ وَالْمُوَافَقَةَ، وَسَيَجْزِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا [النور:47].

الشيخ: المعنى وإن كان تهديدًا للمُنافقين فهو أيضًا تحذيرٌ لغيرهم، فالله سبحانه يعلم ما يسره العبد ..... كما يعلم ما يُظهره، يعلم السرَّ وأخفى.

فالواجب على العبد أن يحذر أن يُضمر السّوء والشَّر، وأن يجتهد في إصلاح سريرته بينه وبين الله بمحبَّة الخير وأهله، وكراهة الشَّر وأهله، ونيّة الخير للمُسلمين، وعدم تبييت السُّوء، الله يعلم ما تنطوي عليه القلوب والضَّمائر، وما يعزم عليه العبد، فالواجب أن يحذر، فما كان من الوسواس والهجسات والأشياء العارضة هذا الله جلَّ وعلا يعفو عنه، وما كان من العمل والإصرار ..... العبد، وفي الحديث الصَّحيح: إنَّ الله تجاوز عن أُمَّتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم، فإذا كان عملًا قلبيًّا أُخِذَ به الإنسانُ: كبُغضه لأولياء الله، وحبِّه لأعداء الله، وهكذا الطَّاعة: خوفه من الله، ورجاؤه لله، كلّها أعمال قلبية: إخلاصه عمل قلبي، نفاقه عمل قلبي، نسأل الله العافية.

وَقَوْلُهُ: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ أَيِ: اصْفَحْ عَنْهُمْ، وَاحْلُمْ عَلَيْهِمْ، وَلَا تُؤَاخِذْهُمْ، وَلَا تَكْشِفْ أُمُورَهُمْ لِلنَّاسِ، وَلَا تَخَفْ مِنْهُمْ أَيْضًا، وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا أَيْ: كَفَى بِهِ وَلِيًّا وَنَاصِرًا وَمُعِينًا لِمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ وَأَنَابَ إليهِ.

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ۝ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:82- 83].

يقول تعالى آمرًا لهم بِتَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَنَاهِيًا لَهُمْ عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَعَنْ تَفَهُّمِ مَعَانِيهِ الْمُحْكَمَةِ وَأَلْفَاظِهِ الْبَلِيغَةِ، وَمُخْبِرًا لَهُمْ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا اضْطِرَابَ وَلَا تَعَارُضَ؛ لِأَنَّهُ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، فَهُوَ حَقٌّ مِنْ حَقٍّ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].

ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ أَيْ: لَوْ كَانَ مُفْتَعَلًا مُخْتَلَقًا كما يقوله مَن يقول مِنْ جَهَلَةِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ فِي بَوَاطِنِهِمْ، لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا أَيِ: اضْطِرَابًا وَتَضَادًّا كَثِيرًا، أَيْ: وَهَذَا سَالِمٌ مِن الِاخْتِلَافِ، فَهُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ حَيْثُ قَالُوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7] أَيْ: مُحْكَمُهُ وَمُتَشَابِهُهُ حَقٌّ؛ فَلِهَذَا رَدُّوا الْمُتَشَابِهَ إِلَى الْمُحْكَمِ فَاهْتَدَوْا، وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ رَدُّوا الْمُحْكَمَ إِلَى الْمُتَشَابِهِ فغووا؛ وَلِهَذَا مَدَحَ تَعَالَى الرَّاسِخِينَ، وَذَمَّ الزَّائِغِينَ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ: حَدَّثَنَا أبو حازمٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَقَدْ جَلَسْتُ أَنَا وَأَخِي مَجْلِسًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، أَقْبَلْتُ أنا وأخي، وإذا مشيخةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ، فَجَلَسْنَا حجزة، إِذْ ذَكَرُوا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ فَتَمَارَوْا فِيهَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُغْضَبًا حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ يَرْمِيهِمْ بِالتُّرَابِ وَيَقُولُ: مَهْلًا يَا قَوْم، بِهَذَا أُهْلِكَتِ الْأُمَمُ مِنْ قَبْلِكُمْ؛ بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَضَرْبِهِمُ الْكُتُبَ بَعْضَهَا ببعضٍ، إنَّ القرآنَ لم ينزل يُكذِّب بعضُه بعضًا، إنما نزل يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وما جهلتُم منه فردُّوه إِلَى عَالِمِهِ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ دَاوُدَ ابْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جدِّه قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْقَدَرِ، فَكَأَنَّمَا يُفْقَأُ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ مِنَ الغضب، فقال لهم: ما لكم تَضْرِبُونَ كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟! بِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قَالَ: فَمَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِمَجْلِسٍ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ أَشْهَدْهُ مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَنِّي لَمْ أَشْهَدْهُ.

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ ابْنِ أَبِي هِنْدٍ بِهِ نَحْوَهُ.

الشيخ: وهذا يُبين أنَّ الواجبَ على أهل العلم الأخذ بكتاب الله، وردّ مُتشابهه إلى مُحكمه، فإنَّ الله أنزله يُصدِّق بعضُه بعضًا، فما اشتبه وجب ردّه إلى المحكم، كما في الحديث الصَّحيح: إذا رأيتُم مَن يتبع ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى الله فاحذروهم، فما اشتبه من آيات وأحكام يُردّ إلى الواضح، ويتبين المعنى، ولا يبقى الإشكالُ، الله بهذا يمدح عباده ليتفقَّهوا ويتدبَّروا ويتعقَّلوا: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود:1]، كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29].

الله جعل بعضَ الآيات فيها اشتباه، يتدبّر المؤمنُ ويتعقَّل وينظر ويستفيد، فما أشكل عليه من ألفاظه ردَّه إلى المحكم الواضح؛ ولهذا ذمَّ اللهُ المختلفين، وأثنى على المجتمعين والمتعاونين: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا [آل عمران:103].

وفي الحديث الصَّحيح: إنَّ الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تُشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا، وأنكر عليهم النِّزاعَ، وأخبر أنَّ الأمةَ هلكت بهذا، فما عرفوه حمدوا الله عليه وعملوا به، وما أشكل وكلوه إلى الله حتى يتبين ويتَّضح لهم الأمر، فإذا ضُمَّتِ الآياتُ بعضُها إلى بعضٍ والأحاديثُ بعضُها إلى بعضٍ اتَّضح المشكلُ؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران:7].

وهذا كثيرٌ، إذا تأمَّله المؤمنُ يتَّضح، مثل قوله جلَّ وعلا: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ [يوسف:2]، نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ [الزخرف:32] في الحياة الدّنيا، لغة العرب ..... نحن وأنزلنا وفعلنا، يقوله .....، ولا سيما إذا كان له أتباعٌ: كالأمير، وشيخ القبيلة، ونحو ذلك، فليس فيه شبهة، فتعلّق النَّصارى به وقولهم: "إنَّه يدل على التَّثليث" شيءٌ باطلٌ، كيف يكون تثليثًا والله يقول: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [البقرة:163]؟! هذا محكمه: إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا [طه:98]، وهكذا: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24]، مُحصنة يعني: مُزوّجة مُحرَّمة، أمَّا المحصنات المباحات فهي الحرائر، هذه مُباحات، والمحصنات المحرَّمات يعني: المزوّجات؛ لأنَّ تزويجها يُحرّمها على غيرها ممن تزوّجها، إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ بالسَّبي فإنَّ نكاحَها يبطل إذا كان لها زوجٌ ..... سبيها يكون فرقةً بينها وبينه، وتحلّ للسَّابي إذا استبرأها.

المقصود أنَّ الإنسانَ إذا أشكل عليه المعنى يتأمّل الآيات الأخرى التي في المعنى حتى يتَّضح له المعنى من الآيات الأخرى، وهكذا السّنة أيضًا تُفسّر وتُبين.

.............

وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُاللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: هَجَّرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يومًا، فإنا لجلوسٌ إذ اخْتَلَفَ اثْنَانِ فِي آيَةٍ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَقَالَ: إِنَّمَا هَلَكَتِ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ.

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ.

وَقَوْلُهُ: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ [النساء:83] إِنْكَارٌ عَلَى مَنْ يُبَادِرُ إِلَى الْأُمُورِ قَبْلَ تَحَقُّقِهَا، فَيُخْبِرُ بِهَا وَيُفْشِيهَا وَيَنْشُرُهَا، وَقَدْ لَا يكون لها صحّة.

الشيخ: ومن الفائدة العظيمة، ومن أسباب التَّحصيل على البصيرة: كثرة قراءة القرآن بالتَّدبر، وطالب العلم يكون له عناية بالقرآن: تدبُّرًا وتعقُّلًا وتفهُّمًا في الأوقات المناسبة، وإذا أشكل عليه شيءٌ بادر إلى كتب التَّفسير المعتمدة واستفاد، فإنَّ كتابَ الله فيه الهدى والنور، يُفسِّر بعضُه بعضًا، فحفظ كتاب الله والإكثار من تلاوته من أعظم أسباب التَّحصيل وأسباب العلم النافع، هو أصل كل خيرٍ، هو أصل العلم، والسّنة شارحة ومُكمِّلة ومُوضِّحة، ومن أهم أسباب التَّحصيل، ومن أعظم طرق التَّحصيل، ومن أبركها، بل ذلك أبركها وأعظمها: العناية بالقرآن، والإكثار من تلاوته بالتَّدبر والتَّعقل، والنّية الصَّالحة، والإخلاص، والقصد الصالح، هذا هو طريق العلم: الإكثار من قراءة القرآن بالتَّدبر والتَّعقل والتَّفهم: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، ويقول سبحانه: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:89]، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9].

وهكذا السّنة يتعقَّلها ويتدبَّرها، ويعتني بصحيحها، فإنها تُعينه على فهم كتاب الله، وعلى فهم الحقِّ، كما قال الله جلَّ وعلا: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي يعني: يا محمد، وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ۝ صِرَاطِ اللَّهِ [الشورى:52- 53]، وفي الحديث الصَّحيح يقول: أُوتيتُ القرآنَ ومثله معه.

الطالب: ..... علي بن رمحة، في نسخة الشّعب: علي بن زنجة.

في "الجرح والتَّعديل" (ج/6): على بن زنجة الرَّازي: روى عن يحيى بن آدم وأزهر السَّمان والسّندي بن عبدويه وأبي عامر العقدي وزيد بن حباب وحسين الجعفي، وكان رفيق أبي بالبصرة، وكتب عنه أبي، وروى عنه علي بن الحسين بن الجنيد، وكان صدوقًا، ثقةً، قال أبو محمد: ولم يقض لي السَّماع منه.

الشيخ: ..... زنجة تقدّم، وثَّقه ابنُ أبي حاتم.