تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا..}

وَقَوْلُهُ: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] أَيْ: إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ الْمُسْلِمُ فَرُدُّوا عَلَيْهِ أَفْضَلَ مِمَّا سَلَّمَ، أَوْ ردُّوا عليه بمثل ما سلَّم، فَالزِّيَادَةُ مَنْدُوبَةٌ، وَالْمُمَاثَلَةُ مَفْرُوضَةٌ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حدَّثنا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ السَّرِيِّ الْأَنْطَاكِيُّ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ لَاحِقٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ ورحمة الله، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. فَقَالَ لَهُ: وَعَلَيْكَ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَتَاكَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَسَلَّمَا عَلَيْكَ فَرَدَدْتَ عَلَيْهِمَا أَكْثَرَ مِمَّا رَدَدْتَ عَلَيَّ؟! فَقَالَ: إِنَّكَ لَمْ تَدَعْ لَنَا شَيْئًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، فَرَدَدْنَاهَا عَلَيْكَ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مُعَلَّقًا فَقَالَ: ذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ التِّرْمِذِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ السَّرِيِّ، أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَنْطَاكِيُّ -قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا- حدَّثنا هشامُ بن لاحق. فذكره بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.

وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ لَاحِقٍ أَبُو عُثْمَانَ. فَذَكَرَهُ مثله، وَلَمْ أَرَهُ فِي "الْمُسْنَدِ"، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.............

الطالب: موسى بن سهل بن قادم، أبو عمران الرملي، نسائي الأصل، ثقة، من الحادية عشرة، مات سنة اثنتين وستين على الصَّحيح. (د، س).

الشيخ: عبدالله بن السَّري؟

الطالب: عبدالله بن السَّري الأنطاكي، أصله من المدائن، زاهد، صدوق، روى مناكير كثيرة يتفرد بها، من التاسعة. (ق).

الشيخ: هشام بن لاحق.

الطالب: ما في، في ابن لاحق المكّي، اسمه: عبدالله، والبصري اسمه: المفضل.

الشيخ: انظر "التقريب".

الطالب: في "الجرح والتعديل": هشام بن لاحق، أبو عثمان، المدائني، روى عن عاصم الأحول، روى عنه أحمد بن حنبل، سمعتُ أبي يقول ذلك. أخبرنا عبدُالرحمن: أخبرنا عبدُالله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كُتِبَ إلى.

الشيخ: المقصود أنَّ الآية الكريمة واضحة في أنَّ الواجبَ على المسلم الرد بالمثل، والزائد فضل؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، فالردّ واجبٌ، والمقابلة والزيادة أفضل وأكمل؛ ولهذا في الحديث لما سلَّم قال ..... له النبي ﷺ: وعليكم السلام ورحمة الله، زاده: "ورحمة الله"، فلمَّا جاء الثاني قال: "ورحمة الله"، زاده قال: "وبركاته"، فلمَّا جاء الثالث قال: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، قال: وعليك، يعني كمَّل التَّحية، وهذا يفيد أنَّ النهاية تكون "وبركاته"، التَّحية الكاملة: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، بعض الرِّوايات من أحاديث أخرى أنَّه قال: عشرًا ..... قال: عشرون، فلمَّا جاء الثالث قال: "وبركاته"، قال: ثلاثون.

المقصود أنَّ الله جلَّ وعلا يُحبُّ من عباده أن يجودوا وأن يُكْثِروا من الفضل، وأن يستعملوا ما هو أفضل وأكمل زيادةً على الواجب، والمؤمن يختار ما هو أفضل؛ لأنَّه كلَّما زاد في العمل زاد في الحسنات، فهو خيرٌ له، كلما زاد العمل الصَّالح كان خيرًا له، لكن إذا قال بعد هذا: كيف حالك؟ كيف أولادك؟ كيف كذا؟ هذه زيادة من زيادة التَّحية، من زيادة العناية بأخيه.

س: إذا ما ردَّ عليه يأثم؟

ج: نعم، الردّ واجبٌ.

مُداخلة: تعليق الشيخ مقبل على الحديث، يقول: الحديث ضعيفٌ؛ ..... عبدالله بن السَّري قال الحافظ الذَّهبي في "الميزان": قال ابن حبَّان: يروي عن أبي عمران العجائب التي لا يشكّ أنها موضوعة .....

الشيخ: الآية الكريمة كافية في المعنى، أقول: الآية الكريمة كافية في المعنى.

س: مَن يقول أنَّ بعد "وبركاته ومغفرته"، هل يصحّ هذا؟

ج: ما أعلم فيه حديثًا صحيحًا، النِّهاية "وبركاته"، هذه النِّهاية، لكن إذا جعل بعدها: كيف حالك؟ أو غفر الله لك، أو كيف أولادك؟ طيِّب.

مُداخلة: في كلام على زيادة: "ومغفرته" في ردِّ السلام للشيخ ناصر، كلام قليل في "سلسلة الأحاديث الصَّحيحة"، قال: كنا إذا سلَّم النبيُّ ﷺ قلنا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته. أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" قال: قال محمد: حدَّثنا إبراهيم بن مختار، عن شعبة، عن هارون بن سعد، عن ثمامة بن عقبة، عن زيد بن أرقم.

قال: فذكره.

قلتُ: وهذا إسنادٌ جيدٌ رجاله ثقات، كلهم من رجال "التَّهذيب": إبراهيم بن المختار، وهو الرَّازي، روى عن جماعةٍ من الثقات، ذكرهم ابنُ أبي حاتم، ثم قال: "سألتُ أبي عنه فقال: صالح الحديث، وهو أحبُّ إليَّ من سلمة بن الفضل وعلي بن مجاهد". ومحمد الرَّاوي عنه هو ابن سعيد ابن الأصبهاني، وهو من شيوخ البخاري في "الصَّحيح"، فالإسناد متَّصلٌ غير مُعلَّقٍ، والكلام فيه كالكلام في حديث هشام بن عمار في الملاهي الذي رواه البخاري عنه بصيغة (قال)، كما هو مذكور في محلِّه.

الشيخ: على كل حالٍ إن صحَّ هذا تكون فيه الدَّلالة على أنَّه لا مانع من زيادة: "ومغفرته"، تدخل في عموم: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا [النساء:86] في العموم، لكن يحتاج إلى مزيد عنايةٍ في السَّند، وإلَّا في العموم يعمّ، لكن الاقتصار على "وبركاته" هذا هو المعروف في الأحاديث الصَّحيحة الكثيرة: "ورحمة الله وبركاته".

س: .............؟

ج: يعني عليك ما قلتَ ورحمة الله وبركاته، يعني عليك مثلما قلتَ.

س: .............؟

ج: يعني عليكم ما قلتُم، مثلما قال: إذا سلَّم عليكم أهلُ الكتاب فقولوا: وعليكم، لكن نفس الحديث في سنده المقالة هذه، أقول: في سنده الضَّعف هذا، فإذا صرَّح بالكلام يكون أكمل: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"؛ لأنَّ الحديثَ في سنده بعض المقال، ذكر الحافظُ أنَّ عبدالله بن السَّري هذا له مناكير.

س: بعض الناس يأتي بصيغة الإفراد: وعليك؟

ج: ما في بأس، كلّه جاء، هذا وهذا، جاء: "وعليك"، إذا كان واحدًا: "وعليك"، وإن كانوا جماعةً: "وعليكم"، وإن قال: "وعليكم" في حقِّ الجميع كلّه طيِّب.

س: .............؟

ج: هذا من عمل اليهود قبَّحهم الله؛ ولهذا النبي قال: إذا سلَّم عليكم أهلُ الكتاب فقولوا: وعليكم، يعني: عليكم ما قلتُم، نعم.

س: وإذا صرَّح بالسَّلام؟

ج: يقول: "وعليكم" مثلما قال النبيُّ، "وعليكم" فقط ويكفي.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا زِيَادَةَ فِي السَّلَامِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، إِذْ لَوْ شُرِعَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لَزَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.

الشيخ: وهذا مثلما تقدّم مبنيٌّ على عدم ثبوت الزيادة ..... السَّند هذا، لكن هذا معناه موجودٌ في الأحاديث الكثيرة الصَّحيحة.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن كثيرٍ -أخو سليمان- عن كثيرٍ: حدَّثنا جعفر بن سليمان بن عَوْفٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بن حصينٍ: أنَّ رجلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فقال: السَّلام عليكم يا رسول الله. فَرَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ: عَشْرٌ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ يا رسول اللَّهِ. فَرَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ: عِشْرُونَ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. فَرَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ: ثَلَاثُونَ.

الشيخ: وهذا سندٌ صحيحٌ على شرط الصَّحيح، نعم.

وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِهِ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وعلي وسهل بن حنيف.

الشيخ: وهذا ..... الحسنة بعشر أمثالها، وقد يُضاعف، نعم، الله أكبر.

وَقَالَ الْبَزَّارُ: قَدْ رُوِيَ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ وُجُوهٍ هَذَا أَحْسَنُهَا إِسْنَادًا.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عبدالرحمن الرّواسي، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: مَن سلَّم عَلَيْكَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فَارْدُدْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا؛ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86].

وَقَالَ قَتَادَةُ: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا يَعْنِي لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ رُدُّوهَا يَعْنِي: لأهل الذِّمَّة.

وهذا التَّنزيل فيه نظر كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَرُدَّ بِأَحْسَنِ مِمَّا حَيَّاهُ بِهِ، فَإِنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُ غَايَةَ مَا شُرِعَ فِي السَّلَامِ رُدَّ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا قَالَ، فَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَلَا يُبْدَؤُونَ بِالسَّلَامِ، وَلَا يُزَادُونَ، بَلْ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ بِمَا ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ الْيَهُودُ فإنَّما يقول أحدُهم: السَّام عليكم. فقل: وعليك.

في "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا تبدؤوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ، وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهِ.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: السَّلَامُ تَطَوُّعٌ، والردّ فريضة.

وهذا الذي قال هُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ قَاطِبَةً: أَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ سُلِّمَ عَلَيْهِ، فَيَأْثَمُ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا.

وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بسنده إلى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تدخلوا الجنةَ حتى تُؤمنوا، ولا تُؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أدلُّكم على أمرٍ إذا فعلتُموه تحاببتُم؟ أفشوا السَّلام بينكم.

الشيخ: وبدء السلام من حقِّ المسلم على أخيه؛ ولهذا في الحديث الصَّحيح: للمُسلم على المسلم ستٌّ: إذا لقيتَه فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبه .. الحديث، فالبدء بالسَّلام سنة مُؤكَّدة، ولو قيل بالوجوب لكان له وجهٌ؛ لقوله: إذا لقيتَه فسلِّم عليه، وهذا أمرٌ، لكن المؤلف حكى عن العلماء كافَّة أنه سنة.

وفي الأحاديث الصَّحيحة الحثّ على البدء: إذا لقيتَه فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس وحمد الله فشمّته، وإذا مرض فعُدْه، وإذا مات فاتبعه، رواه مسلمٌ في "صحيحه"، فمن حقِّ المسلم على أخيه أن يبدأه بالسلام، وفي الحديث الصَّحيح الآخر: إنَّ أولى الناس بالله مَن بدأهم بالسَّلام.

وفيه أيضًا جمع القلوب والحثّ على تقاربها وتآلفها، والبُعد عن الشَّحناء، بقي ما إذا سلَّم غير أهل الكتاب، مثل: المجوس وغيرهم، إذا بدؤوا هل يُردّ عليهم أو لا يُردّ عليهم؟

الأقرب والله أعلم أنَّه يُردّ عليهم: كاليهود والنَّصارى، يقال: وعليكم، وذكر اليهود والنَّصارى لأنَّهم يُخالطون الناس في الغالب؛ ولأنَّ اليهود يُضمِرون الشَّر والعداء، ويأتون بكلامٍ غير واضحٍ، فقال: قولوا: وعليكم، وإذا كانوا لا يبدؤون فغيرهم من باب أولى، نعم.

س: إذا سلَّم المجوسي أو الوثني؟

ج: هذا محل البحث، الأقرب والله أعلم أنَّه يقول: "وعليكم" مثل اليهود من باب أولى؛ لأنَّهم أكفر بهم، ولأنَّ فيه دعوةً للإسلام وأخلاقه الكريمة.

بخلاف أهل البدع؛ أهل البدع يستحقّون الهجر: الرافضة وأشباههم، إذا عرفتَ أنه مُبتدعٌ مُصِرٌّ، ولم يقبل الحقَّ، فهؤلاء يستحقّون الهجرَ، لا يُبدؤون، ولا يُردّ عليهم؛ تعزيرًا لهم، لعلهم يرجعون، لعلهم يُنيبون إلى الحقِّ، بخلاف الكفَّار الأصليين، فالقول بأنهم يُقاسون على اليهود والنَّصارى إذا بدؤوا ليس ببعيدٍ.

س: .............؟

ج: مثلما سمعت في الحديث، أقول: مثلما سمعت في الحديث.

س: إذا سمعت مثلًا اليهود أو النَّصارى يقولون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؟

ج: مثلما قال النبيُّ: "وعليكم"، هذا عامٌّ: إذا سلَّم عليكم أهلُ الكتاب فقولوا: وعليكم، يعني: إذا قال هذا عليه ما قال ورحمة الله وبركاته، مثله الحمد لله.

س: ..............؟

ج: يكفي عن الجماعة ردُّ بعضِهم، أو يُسلِّم بعضُهم؛ لحديث عليٍّ، ..... يردّ أحدهم.

س: حديث النبي: حقُّ المسلم على المسلم، ما يكون الحقّ للوجوب؟

ج: يقتضي ظاهره الوجوب، لكن المؤلف حكى عن الجميع السُّنية، ينبغي للمؤمن ألا يتساهل، ينبغي إذا مرَّ على إخوانه أن يبدأ ليفوز بالأجر.

س: في الوقت الحاضر ..... في منهم كفَّار، وفي منهم مسلمين .....؟

ج: سلّم، النبي مرَّ على أخلاطٍ من المسلمين والمشركين واليهود فسلَّم عليهم، تنوي السَّلام على مَن يستحقّ السلام والحمد لله؛ ولهذا في الحديث الصَّحيح يقول ﷺ لما سُئِلَ: أي العمل أفضل؟ قال: أن تُطْعِمَ الطعامَ، وتقرأ السلام على مَن عرفتَ ومَن لم تعرف، ما دمتَ ما تعرف أنَّه كافرٌ سلِّم على الجميع.

س: مَن سلَّم على رجلٍ وهو يأكل فقال: لا سلامَ على طعامٍ؟

ج: لا، هذا غلطٌ، يُسلِّم عليهم ولو كانوا يأكلون، يُسلِّم عليهم ولو هم يُصلون، ولو هم يقرؤون، فالمصلِّي يردّ بالإشارة، والذي يأكل أو يقرأ يرد ثم يرجع إلى أكله وقراءته، والحمد لله.

س: رفع اليد مع السَّلام؟

ج: إذا صار للإشارة إمَّا ما يسمعه، أو بعيد، أو في السيارة، مرَّ النبيُّ على نساءٍ فأشار بيده عليه الصَّلاة والسلام، إذا كان للإشارة فائدة يُشير.

س: سمعنا في بعض إجاباتكم أنَّ المبتدعَ إذا كان ينشر بدعتَه فلا يُسلَّم عليه، ولا يُردّ عليه، أمَّا إذا كان جاهلًا؟

ج: هذا يُعلَّم، يُنصح، إن كان ما بعد نُصِحَ يُنْصَح.

س: لكن إذا أصرَّ؟

ج: يُهجر، يستحقّ الهجر.

س: لا يُسلَّم عليه، ولا يُردّ عليه؟

ج: نعم، كالرافضي وأشباهه.

س: السَّلام على المرأة الشَّابة؟

ج: السَّلام على الجميع، حتى النِّساء يُسلِّم عليهنَّ ويردُدْنَ.

س: يبدأ بالسَّلام؟

ج: يبدأ بالسَّلام نعم.

س: إذا خِيف هنا فتنة؟

ج: في السَّلام ما في فتنة.

..............

وَقَوْلُهُ: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87] إِخْبَارٌ بِتَوْحِيدِهِ وَتَفَرُّدِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَتَضَمَّنَ قَسَمًا لِقَوْلِهِ: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ [النساء:87]، وَهَذِهِ اللَّامُ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ، فَقَوْلُهُ: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَبَرٌ وَقَسَمٌ أَنَّهُ سَيَجْمَعُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُجَازِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87] أَيْ: لَا أَحَدَ أَصْدَقُ مِنْهُ فِي حَدِيثِهِ وَخَبَرِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، فَلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.

الشيخ: وهذا يُوجب الحذرَ والاستعداد، وأنَّ الله سوف يجمعهم يوم القيامة؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ [يونس:53]، وقال : زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ۝ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ۝ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [التغابن:7- 9].

فجديرٌ بكل مُكلَّفٍ أن يتذكّر هذا اليوم، ولا سيما المسلم، فهو يومٌ عظيمٌ، فيه الأهوال العظيمة، وفيه الخطر العظيم، وفيه يُجازى العبادُ على أعمالهم: خيرها وشرّها، فالواجب الإعداد لهذا اليوم العدّة الصَّالحة، وهي تقوى الله وطاعته، والاستقامة على دينه.

.............

فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ۝ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا [النساء:88- 89].

س: إذا مدَّ الكافرُ يدَه هل يُصافحه؟

ج: لا أعلم مانعًا إذا بدأ، من جنس السلام، نعم.

س: وهل للمُسلم أن يمدّ يده أولًا؟

ج: لا، لا يبدأ من باب أولى، إذا كان لا يبدأ بالسَّلام فالمصافحة من باب أولى.

س: ..............؟

ج: كله طيب: عليك، وعليكم، كله طيّب.

س: ..............؟

ج: يُروى عن ابن عمر، ولكن محلّ نظرٍ.

..............