أبواب نواقض الوضوء

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغُرِّ المحجلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ جديدٍ من دروس "المنتقى".

ضيف اللِّقاء هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

مع مطلع هذا اللِّقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.

الشيخ: حيَّاكم الله وبارك فيكم.

المقدم: وقف بنا الحديثُ عند: باب نواقض الوضوء.

أبواب نواقض الوضوء

بَابُ الْوُضُوءِ بِالْخَارِجِ مِنَ السَّبِيلِ

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ حَضْرَمَوْتَ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي حَدِيثِ صَفْوَانَ فِي الْمَسْحِ: لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ. وَسَنَذْكُرُهُ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذا الباب فيما يتعلق بنواقض الوضوء، والنواقض يعني: مُفسداته، يعني: التي تُفسد الوضوء وتُبطله.

فالحديث الأول: ذكر حديث أبي هريرة ، عن النبي ﷺ أنه قال: لا تُقبل صلاةُ أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ، فقال بعضُ الحاضرين، سأل أبا هريرة: ما الحدث؟ قال: فساء أو ضراط.

المقصود من هذا أنَّ الحدث: ما خرج من السَّبيلين، سواء فساء أو ضراط أو بول أو غائط أو مذي، كل ذلك يُفسد الوضوء، إذا خرج لا بدّ من الوضوء، لا يُصلي إلا بوضوءٍ.

ومن هذا حديث ابن عمر : يقول ﷺ: لا تُقبل صلاةٌ بغير طهورٍ، ولا صدقة من غلولٍ، كذلك حديث صفوان بن عسال: ولكن من غائطٍ وبولٍ ونومٍ.

س: إذًا النَّواقض إجمالًا لو أردنا أن نُبينها؟

الشيخ: نواقض الوضوء هي مُفسداته، عدَّها بعضُهم ثمانٍ، وبعضهم عدَّها أقلَّ من ذلك، يأتي التَّنبيه عليها إن شاء الله.

بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ الْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ

- عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَاءَ فَتَوَضَّأَ، فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْق، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: صَدَقَ، أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ.

- وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.

وَقَالَ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ جُرَيْجٍ يَرْوُونَهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مُرْسَلًا.

- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى غَسْلِ مَحَاجِمِهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

وقد صحَّ عن جماعةٍ من الصحابة: ترك الوضوء من يسير الدم، ويُحمل حديث أنسٍ عليه، وما قبله على الكثير الفاحش، كمذهب أحمد ومَن وافقه؛ جمعًا بينهما.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها غير ثابتةٍ عن النبي ﷺ: كونه قاء فتوضأ، في روايةٍ: قاء فأفطر. حديث مُضطرب عند أهل العلم، لا يصح.

كذلك حديث عائشة: مَن أصابه قيءٌ أو رعافٌ أو قلسٌ أو مذيٌ فلينصرف وليتوضأ حديث ضعيف أيضًا، فالقيء والرّعاف لا يُبطل الوضوء، وأما المذي فقد ثبت في الأحاديث أنه يُبطل الوضوء كالبول، البول يُبطل الوضوء ويُوجب غسل الذَّكر والأُنثيين، إذا أمذى يغسل ذكره وأُنثييه ويتوضأ وضوء الصلاة، أما القيء والرّعاف فهذا لا يُبطل الوضوء، ولكن من باب الاحتياط، إذا توضأ الإنسانُ هذا احتياط.

وهكذا الحجامة ليس فيها دليلٌ يدل على بطلان الوضوء بذلك، لكن إذا توضأ من باب الاحتياط فهذا حسنٌ، من باب الاحتياط؛ لأنَّ جماعةً من أهل العلم قالوا: كل ما خرج من غير السَّبيلين إذا كان فاحشًا نقض الوضوء، وإن كان قليلًا ليس بفاحشٍ: كالقيء القليل، والرعاف القليل، والدم القليل؛ لا ينقض الوضوء. وليس هناك دليلٌ واضحٌ على نقض الوضوء بالرعاف، ولا بالقيء، ولا بالحجامة، ولكن إذا توضأ الإنسانُ منه إذا كان كثيرًا: الدم كثير، والقيء كثير، يتوضأ، فعل هذا من باب الاحتياط؛ لقوله ﷺ: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، مَن اتَّقَى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، أما القليل لا ينقض: الرعاف القليل، والدم القليل، والقيء القليل، كل هذا لا ينقض بلا شكٍّ، لكن إذا كان كثيرًا وتوضأ الإنسانُ احتياطًا فحسنٌ، أما المذي فينقض الوضوء كما في "الصحيحين" كما يأتي.

س: إذًا الدم الخارج من البدن ما حكمه؟

الشيخ: لا ينقض الوضوء إلا إذا كان كثيرًا، يُستحب الوضوء منه إذا كان كثيرًا، من باب الاحتياط، أما القليل فيُعفا عنه: جرح قليل، رعاف قليل، قيء قليل، هذا تركه أولى، ما يحتاج وضوءًا.

س: القيء هل ينقض الوضوء بدليل أنَّ النبي ﷺ قاء فتوضأ؟

الشيخ: الحديث ما هو صحيح، الحديث له روايتان: "قاء فتوضأ"، و"قاء فأفطر"، وكلاهما ضعيف.

 

بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ إلَّا الْيَسِيرَ مِنْهُ عَلَى إحْدَى حَالَاتِ الصَّلَاةِ

- عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ.

- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ، فَإِذَا نَامَتِ الْعَيْنَانِ اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقُمْتُ إلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَجَعَلَنِي مِنْ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، فَجَعَلْتُ إذَا أَغْفَيْتُ يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي. قَالَ: فَصَلَّى إحْدَى عَشرَةَ رَكْعَةً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حَتَّى تَخْفِقَ رُؤُوسُهُمْ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّؤونَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَيْسَ عَلَى مَنْ نَامَ سَاجِدًا وُضُوءٌ حَتَّى يَضْطَجِعَ، فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَيَزِيدُ هُوَ الدَّالَانِيُّ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ.

قُلْتُ: وَقَدْ ضَعَّفَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ الدَّالَانِيِّ هَذَا؛ لِإِرْسَالِهِ، قَالَ شُعْبَةُ: إنَّمَا سَمِعَ قَتَادَةُ مِنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ. فَذَكَرَهَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على أنَّ النوم ينقض الوضوء، إلا إذا كان يسيرًا؛ ولهذا في حديث صفوان بن عسال: ولكن من غائطٍ وبولٍ ونومٍ. وهو حديث صحيح، دلَّ على أنَّ النوم المستغرق مثل البول ينقض الوضوء؛ لأنه يزول معه شعوره، ويخرج منه الحدث ولا يدري عنه، إذا ذهب الشعورُ خرجت الريحُ ونحوها وهو لا يشعر؛ فلهذا جاء الحديثُ بأنَّ النوم ينقض الوضوء، أما النعاس وخفقان الرأس فلا ينقض الوضوء؛ كان أصحابُ النبي ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم، يعني: حتى تتحرك الرؤوس من النُّعاس، وربما سُمع لهم صوت، فيُصلون ولا يتوضَّؤون.

وفي اللفظ الآخر: ينامون. يعني: ينعسون، النُّعاس يُسمَّى: نومًا، فهذا كله لا ينقض الوضوء إلا إذا استغرق، أما حديث: لا ينقض الوضوء إلا إذا نام مُضطجعًا فهذا حديث ضعيف؛ إنما النوم إذا استغرق، ولو ما هو مضطجع، ولو جالسًا استغرق في نومه، أو نام وهو ساجد، نام نومًا ذهب به شعوره؛ ينتقض الوضوء، أما النعاس والخفقان الذي يعرض للإنسان فهذا يُعفا عنه كما فعله الصحابةُ رضي الله عنهم وأرضاهم، وكما لم يُنكر عليهم النبيُّ عليه الصلاة والسلام.

وقوله: "السَّه" حلق الدّبر، العين وكاء السَّه حلقة الدُّبر، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء، يعني: ينفتح الدبر لخروج الريح.

فالحاصل أنَّ النوم اليسير -خفقان الرأس والنعاس- لا ينقض الوضوء، أما إذا استغرق في النوم وذهب الشعورُ فإنه ينتقض الوضوء، سواء كان جالسًا أو مُضطجعًا؛ لحديث صفوان في قوله ﷺ: ولكن من غائطٍ وبولٍ ونومٍ.

س: هل النوم ناقض أم هو مظنة الحدث؟

الشيخ: مظنة الحدث، مثلما لو ذهب شعوره بذهاب عقله، لو أصابه جنون أو سكر ينتقض الوضوء؛ لأنه مظنة خروج الحدث وهو لا يشعر، فإذا ذهب عقله بنومٍ أو سكرٍ أو علةٍ أخرى بطل وضوؤه.

س: إذا زال العقلُ بالجنون هل يبطل الوضوء؟

الشيخ: نعم، إذا عاد عليه عقله يتوضأ.

س: ما حكم مَن زال عقله بالبنج؟

الشيخ: مثله إذا كان ما بدا له عقل.

س: والنوم اليسير حكمه؟

الشيخ: النعاس يُغتفر، مثلما كان ابنُ عباسٍ مع النبي ﷺ ينعس، فيغمز أذنه حتى ينتبه، وكما كان الصحابةُ ينتظرون وينعسون، والنبي يُصلي بهم عليه الصلاة والسلام.

س: هل هناك ضابط في ذلك؟

الشيخ: الضابط هو ذهاب الشّعور، إذا عرف من نفسه أنه ذهب شعوره ولا بقي له إحساس ينتقض الوضوء، أما ما دام يعتقد أنه نعاس وخفقان الرأس وليس شعوره ذاهبًا، بل يحسّ بمَن حوله من قُرَّاء وغيرهم؛ فصلاته صحيحة.

س: بالنسبة للمُتَّكئ وغير المتَّكئ هل يُفرَّق بينهما؟

الشيخ: سواء، لكن المضطجع أو المتَّكئ أقرب إلى خروج الحدث منه، ولكن بكل حالٍ ما دام ينعس فلا يضرّه، إنما تضره إذا ذهب عقله بالكلية، وعرف أنه ما يحسّ بمَن حوله، إذا ذهب شعوره يعني.

س: بالنسبة لحديث ابن عباس: هل يدل على عدم صحة وقوف المأموم عن يسار الإمام؟

الشيخ: نعم، الواجب أنه يقف عن يمينه، إذا كان واحدًا عن يمينه؛ ولهذا أدار النبيُّ ابن عباسٍ عن يمينه، لكن لو صلى عن يساره صحَّت صلاته؛ لأن النبي ﷺ لم يأمره أن يُعيد تكبيرة الإحرام، وإنما أداره فقط، فدلَّ على أنَّ صلاته انعقدت وصحَّت، لكنه أداره حتى يكون عن يمينه، فالسنة أن يكون المأمومُ عن يمين الإمام إذا كان واحدًا.

س: بعض الناس -خاصَّة في صلاة الفجر- إذا سجد ربما غفا قليلًا، ما حكم الطَّهارة والصلاة في مثل هذا؟

الشيخ: الصلاة صحيحة إلا إذا علم أنه ذهب شعوره بالكلية: نام نومًا مُستغرقًا، وإلا فالأصل أنه نعاس.

س: أخيرًا إذا نام المرءُ ولا يدري: هل هو يسير أم كثير؟ فما الذي يغلب؟

الشيخ: الأصل اليسير، الأصل عدم انتقاض الوضوء، الأصل سلامة الوضوء حتى يعلم ويطمئن أنه نام نومًا يُزيل شعوره، وإلا فالأصل السَّلامة كما فعله الصحابةُ رضي الله عنهم وأرضاهم.

 

بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْمَرْأَةِ

- قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6]، وَقُرِئَ: أَوْ لَمَسْتُمْ.

وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ لَقِيَ امْرَأَةً يَعْرِفُهَا، فَلَيْسَ يَأْتِي الرَّجُلُ مِن امْرَأَتِهِ شَيْئًا إلَّا قَدْ أَتَاهُ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا؟ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ الْآيَةَ [هود:114]، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: تَوَضَّأْ ثُمَّ صَلِّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.

- وَعَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ.

قَالَ أَبُو دَاوُد: هُوَ مُرْسَلٌ؛ إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ.

وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا.

- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيُصَلِّي وَإِنِّي لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ اعْتِرَاضَ الْجِنَازَةِ، حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ مَسَّنِي بِرِجْلِهِ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ، فَالْتَمَسْتُهُ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى بَاطِنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِك. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

الشيخ: وهذه الأحاديث كلها تتعلق بمسِّ المرأة، وهكذا قوله جلَّ وعلا: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ [المائدة:6]، اختلف العلماءُ في هذه المسألة:

فقال بعضُ أهل العلم: أنه إذا مسَّها انتقض وضوؤه.

وقال بعضُهم: إذا مسَّها بشهوةٍ انتقض وضوؤه كالتَّقبيل. واحتجُّوا بحديث الرجل الذي قال: إنه أصاب من امرأةٍ كل شيءٍ إلا الجماع، فقال له النبيُّ ﷺ: توضأ وصلِّ، وهذا الحديث ضعيف، أمره فيه بالوضوء غير صحيح، وإنما الثابت أنه قال له: هل حضرت الصلاةَ معنا؟ وهو جاء تائبًا، فقال: إنَّ الله غفر لك ذنبك بتوبته إلى الله ، أما زيادة "فتوضأ" غير صحيحةٍ، وإنما الصواب أنه لا ينتقض وضوؤه بمسِّ المرأة؛ ولهذا في حديث عائشة: أنَّ النبي ﷺ كان يُقبلها ولا يتوضأ.

وحديث إبراهيم التَّيمي عن عائشة فيه انقطاع، لكن قد صحَّ عنها من طرقٍ كثيرةٍ؛ من حديث عروة عنها رضي الله عنها أنها قالت: أنه كان يُقبل ثم يُصلي ولا يتوضأ.

ثبت هذا من طرقٍ كثيرةٍ عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي قبَّلها وصلَّى ولم يتوضأ. هذا هو الصواب: أنَّ مسَّ المرأة وتقبيلها أو احتضانها أو ما أشبه ذلك؛ كل ذلك لا ينقض الوضوء، إنما ينقض الوضوء: الجماع، أو خروج المني، أو خروج المذي من الذكر، إذا خرج المذي منه أو منها انتقض الوضوء، أو مااماماما ىكماةيك

أماالمني خرج بشهوةٍ انتقض الوضوء، ووجب الغسل بالمني.

أما المذي فيُوجب الوضوء فقط، المذي، إذا خرج المذي: وهو الماء اللَّزج الذي يخرج من الذَّكر عند الملامسة، هذا يُقال له: مذي، خرج منها أو منه ينقض الوضوء، يستنجي ويتوضأ وضوء الصلاة، أما إذا قبَّلها ولم يخرج شيءٌ فإنه لا ينتقض وضوؤه.

وهكذا لو مسَّ يدها، أو مسَّ بدنها بشهوةٍ لا ينتقض وضوؤه، هذا هو الصواب.

أما قوله جلَّ وعلا: أوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ [المائدة:6] ففسره العلماءُ بأنَّ المراد به الجماع، قال جلَّ وعلا: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ، جاء أحدٌ منكم من الغائط، هذا إشارة إلى [أنَّ] الحدث الأصغر يُوجب الوضوء، أوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ إشارة إلى الحدث الأكبر، وهو الجماع، كما قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما وجماعة، وهذا هو الصواب: أن المراد بالملامسة الجماع.

وهكذا قراءة أخرى: أو لمستم يعني: جامعتم، أما لمسها من دون جماعٍ: كالتَّقبيل، أو الأخذ بيدها، أو مسّ صدرها، أو مسّ فخذها، أو سائر بدنها، كل هذا لا ينقض الوضوء، إنما ينقض الوضوء الجماع، يُوجب الغسل إذا جامعها، هذا هو المراد بقوله: أوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ [المائدة:6]، هذا يُوجب الغسل، أما لمسها من دون جماعٍ فهذا لا ينقض الوضوء، ولا يُوجب غسلًا ولا وضوءًا، هذا هو الصَّواب.

س: إذًا هناك فرقٌ بين مسِّ المرأة بشهوةٍ وبغير شهوةٍ؟

الشيخ: مطلقًا، التَّقبيل في الغالب لا يكون إلا عن شهوةٍ، عن تلذذٍ، المقصود إذا مسَّها من غير جماعٍ لا ينقض الوضوء، أما إذا جامعها فهو المراد بقوله: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ، أما لمسها مطلقًا، أو لمسها بشهوةٍ أو تقبيلها، فالصواب لا ينقض الوضوء إلا إذا خرج شيء.

س: إذًا تقبيل المرأة لا يكون مظنَّةً للحدث؟

الشيخ: مظنَّة، لكن ما يخرج شيء كالنُّعاس.

 

بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ لَمْسِ الْقُبُلِ

- عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلَا يُصَلِّي حَتَّى يَتَوَضَّأَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ بُسْرَةَ: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: وَيَتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، وَهَذَا يَشْمَلُ ذَكَرَ نَفْسِهِ وَذَكَرَ غَيْرِهِ.

- وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْأَثْرَمُ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو زُرْعَةَ.

- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ دُونَهُ سِتْرٌ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وفي لفظ الشَّافعي: إذا أفضى أحدُكم بيده إلى ذكره ليس بينها وبينه شيء فليتوضأ.

- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

الشيخ: كل هذه الأحاديث تدل على وجوب الوضوء من مسِّ الفرج، أحاديث الوضوء من مسِّ الفرج صحيحة، فعلى مَن مسَّ فرجه أن يتوضأ، المرأة أو الرجل، إذا أفضت بيدها إلى فرجها، أو مسَّت ذكر زوجها انتقض وضوؤها، وهكذا الرجل إذا مسَّ فرجه أو فرج زوجته انتقض الوضوء، وهكذا المرأة إذا مسَّت فرج أولادها للغسل -فرج الذكر أو الأنثى- انتقض وضوؤها؛ لهذه الأحاديث.

والمقصود إذا كان من غير سترٍ، أما إذا مسَّ فرجها من وراء السَّراويل، أو من وراء الثوب، أو من وراء الإزار، فلا ينتقض الوضوء، إنما ينتقض إذا مسَّ اللحمُ اللحمَ، مسَّ فرجه بيده، مسَّ حلقة الدبر، أو الذكر، أو مسَّت المرأةُ فرجَها -دبرها- بيدها، أو مست فرج أولادها انتقض الوضوء.

س: الحكم إذا مسَّ ذكره بغير كفِّه؟

الشيخ: ما ينتقض الوضوء إلا باليد، بيده، لو مسَّ فخذه فرجه، ومسَّ رجله فرجه؛ ما ينتقض الوضوء، ينتقض إذا مسَّه بيده، بالكفِّ إلى أطراف الأصابع.

س: عند قضاء الحاجة هل يجوز مسك الذَّكر باليد اليُمنى؟

الشيخ: لا حرج، لكن عند البول لا، النبي ﷺ قال: لا يمسنَّ أحدُكم ذكرَه بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، أما إذا مسَّه لحاجةٍ أخرى، وهو ليس يبول، فلا حرج، إنما النهي حال البول؛ لئلا تُصيبه النَّجاسة.

س: ما الحكم إذا مسَّ ذكره من وراء حائل؟

الشيخ: لا يضرّ، إنما هذا إذا مسَّ اللحمُ اللحمَ، أما إذا مسَّ فرجه من وراء الإزار أو القميص أو السَّراويل فلا حرج.

س: اختلف العلماءُ في مسِّ الذكر بسبب اختلاف الأحاديث؛ فحديث بُسرة بنت صفوان يُوجب الوضوء، وحديث طلق يُقيد أنه بُضعة من الإنسان؟

الشيخ: الصواب أنه ينقض الوضوء، الأحاديث الصحيحة كلها تدل على أنه ينقض الوضوء، أما حديث بسرة وحديث طلق بن عليٍّ فهو حديث منسوخ، أو شاذٌّ مخالفٌ للأحاديث الصَّحيحة: إنما هو بضعة منك، والأقرب أنه منسوخ، أنه كان في بعض الروايات قدم في أول الهجرة، فالصحيح أنه منسوخٌ.

س: حديث طلق؟

الشيخ: نعم، حديث طلق الذي فيه عدم الوضوء من مسِّ الذكر هو حديث منسوخ، أو شاذٌّ مخالف للأحاديث الصَّحيحة، فالحاصل أنَّ العمل على الأحاديث التي فيها نقض الوضوء.

س: ما توجيهكم حفظكم الله وبارك فيكم فيما يراه بعضُ الفقهاء في ادِّعاء النَّسخ كلما تعارض عنده نصَّان؟

الشيخ: لا، النَّسخ لا يكون إلا بعلم التاريخ، إذا علم المتأخِّر من المتقدم ولم يمكن الجمعُ يقال بالنسخ، بشرطين: الأول: تعذر الجمع. والأمر الثاني: علم التاريخ، يعني: المتقدم من المتأخر، فالمتأخر ينسخ المتقدم.

أما إذا كان لا يعلم التاريخ، أو أمكن الجمع؛ وجب الجمعُ، فإذا ما أمكن الجمعُ، ولم يعلم التاريخ؛ يكون شاذًّا، يكون الحديثُ الضَّعيف شاذًّا، المخالف يكون شاذًّا، والعبرة بالأصحِّ كما قال أئمةُ الحديث في المصطلح: "فإن خُولف بأرجح فالراجح المحفوظ، ومُقابله الشَّاذ".

عند اختلاف الأحاديث إذا أمكن الجمعُ بينها وجب الجمعُ، فإن لم يمكن الجمعُ؛ لعدم علم التاريخ المتأخر من المتقدم، أو لعدم إمكان الجمع؛ فإنه يسلك مسلك الترجيح، فالراجح الذي سنده قوي هو المعتبر، والمرجوح يُسمَّى: شاذًّا، لا يُعتبر، كحديث طلق بن عليٍّ يُسمَّى: شاذًّا.

س: وأخيرًا المرأة إذا مسَّت فرجها هل هي قياس على الرجل؟

الشيخ: عام، المرأة والرجل.

 

بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ

- عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: إنْ شِئْتَ تَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَتَوَضَّأْ، قَالَ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، تَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: لَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

- وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: تَوَضَّؤوا مِنْهَا، وَسُئِلَ عَنْ لُحُومِ الْغَنَمِ فَقَالَ: لَا تَوَضَّؤُوا مِنْهَا، وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مُبَاركِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: لَا تُصَلُّوا فِيهَا؛ فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ، وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ فَقَالَ: صَلُّوا فِيهَا؛ فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ ذِي الْغُرَّةِ قَالَ: عَرَضَ أَعْرَابِيٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَرَسُولُ اللَّهِ يَسِيرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُدْرِكُنَا الصَّلَاةُ وَنَحْنُ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ، أَفَنُصَلِّي فِيهَا؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ: أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَنُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِهَا؟ قَالَ: لَا. رَوَاهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ.

قال إسحاق بن راهويه: صحَّ في الباب حديثان عن النبي ﷺ: حديث جابر بن سمرة، وحديث البراء.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على أنه يجب الوضوء من لحوم الإبل، ولا يجب من لحوم الغنم، فإذا أكل من لحم الغنم إن شاء توضأ، وإن شاء ما توضأ، النبي ﷺ كان ربما أكل لحم الغنم ثم قام وصلَّى ولم يتوضأ.

فالحاصل أنَّ لحوم الغنم والبقر والصيود كلها لا تُوجب الوضوء، وإنما يُوجب الوضوء لحوم الإبل خاصةً، فإذا أكل لحم الإبل وجب عليه الوضوء، أما الغنم والبقر والصيد بأنواعه فكل هذا لا ينقض الوضوء، ولا يُوجب الوضوء، كذا معاطن الإبل لا يُصلَّى فيها، أما معاطن الغنم ومرابضها فلا بأس، النبي ﷺ صلَّى في مرابض الغنم، ونهى عن الصلاة في معاطن الإبل، فمعاطنها التي تقف فيها وتتبول فيها وتستريح فيها لا يُصلَّى فيها، أما مبارك الغنم ومرابضها ومبيتها فيُصلَّى فيه؛ لأنها بركة كما قال ﷺ.

فالحاصل أنَّ لحوم الإبل تنقض الوضوء، ومعاطنها لا يُصلَّى فيها، أما الغنم فلحومها لا تنقض الوضوء، ومرابضها ومعاطنها لا بأس بالصلاة فيها؛ لهذه الأحاديث الصحيحة: حديث البراء، وحديث جابر بن سمرة.

س: عبارة: "إن شئت" هل تدل على استحباب الوضوء؟

الشيخ: هذه رواية جابر، والنبي ﷺ ربما توضأ، وربما لم يتوضأ من لحوم الغنم وما مسَّت النار، إن توضأ منها فهو أفضل، وإن لم يتوضأ فلا بأس، وقد جاء في الحديث الصحيح: أنه كان ذات يومٍ يتناول عظمًا في يده من الغنم، ثم أُقيمت الصلاةُ، فقام وتركها ولم يتوضأ، ولم يغسل فمه.

س: ما الحكمة من نقض الوضوء من لحم الإبل؟

الشيخ: الله أعلم، قال بعضُهم: لأنها خُلقت من الشياطين. ولكن الحديث الذي فيه أنها خُلقت من الشياطين في سنده نظر، الله أعلم.

س: هل الحكم شامل لأجزاء اللحم والكرش؟

الشيخ: لا، المراد الهبر، أما كرشها وكبدها وأمعاؤها ليس لحمًا، إذا قيل: اللحم، المراد به الهبر، أما الأشياء الأخرى إن توضأ منها فحسن، وإلا ما هي من جنس اللحم، إذا قال في لغة العرب: اللحم، هو الهبر، هبرها، أما شحمها والأمعاء والكرش فلا يُسمَّى: لحمًا، لكن إن توضأ من باب الاحتياط فحسنٌ إن شاء الله، أما اللبن لا، لبنها ومرقها لا يتوضأ منه، اللبن والمرق لا يُسمَّى: لحمًا.

س: أخيرًا إذا تناول لحمةً صغيرةً؟

الشيخ: مطلقًا، إذا أكل من لحمها يتوضأ.

المقدم: شكر الله لكم يا سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.