باب من أعطاه الله شيئا من غير مسألة ولا إشراف نفس

باب مَن أعطاه الله شيئًا من غير مسألةٍ ولا إشرافِ نفسٍ

وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ [الذاريات:19]

1473- حدثنا يحيى بن بُكيرٍ: حدثنا الليث، عن يونس، عن الزهري، عن سالمٍ: أنَّ عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ عمر يقول: كان رسول الله ﷺ يُعطيني العطاء، فأقول: أعطِهِ مَن هو أفقر إليه منِّي. فقال: خُذْه، إذا جاءك من هذا المال شيءٌ وأنت غير مُشرفٍ ولا سائلٍ فخُذْه، وما لا فلا تُتْبِعْه نفسَك.

الشيخ: وهذا يدلّ على أن ما جاء من بيت المال أو من غيره من ..... من غير طلبٍ ولا إشراف نفسٍ يأخذه المؤمن؛ لقوله ﷺ: ما جاءك من هذا المال وأنت غير مُشرفٍ ولا سائلٍ فخُذه، وما لا فلا تُتبعه نفسك.

وكان ابن عمر لا يطلب من أحدٍ شيئًا، وما جاءه قبله وأنفقه في حاجاته رضي الله عنه وأرضاه.

لكن هذا مُقيد بما لا يحرم من جهةٍ أخرى: كالرشوة ..... التي تُهدى ويُراد منها شرٌّ: كالميل في الحكم، أو السكوت عن الحقِّ، أو نحو ذلك، مثلما قال بعض السلف، ما لم تكن ذريعةً إلى القدح في الدين، وما لم تكن رشوةً ليجحد حقًّا، أو يميل بحقٍّ.

الحاصل أن هذه الهدية من أخيك، أو من بيت المال، أو من أي أحدٍ إذا كانت من غير إشرافٍ ولا سؤالٍ فلا بأس بأخذها، ما لم تكن ثمنًا لدينك، وما لم تكن سببًا يُراد بها شيء يضرّك أو يضرّ المسلمين. نعم.

س: فخذه للوجوب؟

ج: لعله للإباحة، أو السنية، لعله أقرب.

س: دفع الأموال لاستخلاص الحقوق إذا كانت لا تُلحق ضررًا بالآخرين؟

ج: إذا كانت ما هي برشوةٍ ما في بأس، مثل: سارق أخذ منك عنزتين، وقلت: أعطني واحدةً، وخلِّ واحدةً، ما يُخالف، أو أخذ مطيتين، وقلت: أعطني واحدةً، وخلِّ واحدةً، أو أخذ ألف ريال، وقلت له: أعطني منها مئةً وخُذ الباقي. ما في بأس، أو أشباهه.

أو ظالم تعدَّى عليك بالجبر والقوة، وقلت له: جزاك الله خيرًا، أريد فقط بعض الشيء .....، أعطني هذا البشت، وخُذ هذا البشت بدلًا منه. نعم.

المقصود ما لم تكن رشوةً، هذا القصد.

س: لكن إذا كان الحقُّ مُقررًا له، ولا يسعه أخذه، وهذا يستطيع أن يأتيه به ولكن برشوةٍ؟

ج: إذا كان ما فيه رشوة ما فيه بأس، إذا كان الحقُّ ببعض الشيء، يستخلص الحقّ ببعضه.

س: لا، رشوة حفظك الله؟

ج: أما الرشوة فلا.

س: ما يجوز افتداء بعض المال ببعضٍ؟

ج: إذا كان رشوة، معنى الرشوة: أنه يميل عن الحقِّ لظلم غيرك لك، هذا المقصود في الرشوة، أو يخون في أمانته .....، أما كونه يسقط بحقِّ البعض فقط ولا يضرّ أحدًا ما تُسمّى: رشوة.

س: حفظك الله، واحدٌ من الإخوان ..... في أرضٍ له في البلدية عليها صكّ في يد واحدٍ مُعينٍ، قال له: إذا أنا أخرجتُه لك تُعطيني خمسين ألف ريال. قال: اتَّقِ الله، حرام، ما يجوز. قال له: خلِّ ما يجوز يأتيك بها. وفعلًا الصّك معه، ويضيع عليه هذا الحقّ بالكامل. ما يجوز أن يدفع له هذا المبلغ حتى يحصل على هذه الأرض، وثمنها غالٍ، وتضيع بغير أن يدفع هذا؟

ج: وأيش سبب ضياعها؟ لأيش تضيع؟

س: لا يوجد أيّ إثباتٍ إلا عند شخص معين، قال: أنا عندي صكٌّ لها، وليس عند أي أحدٍ، وهو بيدي أنا. وفعلًا ثبت أنه لا يمكن .....؟

ج: يعني: الصّك سرقه منه؟ سرق الصّك منه؟

س: ما ندري كيف وقع في يده .....؟

ج: صكّ الأرض يعني؟

س: إيه، نعم.

ج: الذي أعطاه إياه من جهة الدولة؟

س: نعم.

ج: هذا ما يُسمّى: رشوة، هذا يخلص حقّه من ظالمٍ، ما فيه شيء، الرشوة معناها: أن يميل عن الحقِّ الذي يلزمه من أجل زيد وعمرو، فيظلم هذا لهذا، ويظلم هذا لهذا، أو يُؤخّر هذا لأجل هذا، يتعدَّى، يعني: ظلمه ويتعدى إلى غيره.

أما إنسانٌ عنده لك حقّ، ولا يُعطيك إياه إلا بشيءٍ، أعطه، عنده لك ألف ريال، يقول: ما أنا بمُعطيك إياها. قلتَ: لك النصف، وأعطني النصف. ما في بأس.

أو عنده صكٌّ لها، جاءه صكٌّ من المحكمة، ويقول: ما أنا بمُعطيك إياه إلا بكذا. ولا تستطيع شكواه، لو شكوته يجحد، فتُعطيه؛ لأنَّ هذا ما يتضمن ظلم أحدٍ، ولا يتضمن التَّعدي على أحدٍ، هذا بينك وبينه فقط.

س: وإن كان أجيرًا –يعني- وأمره بتقديم المصالح للناس وعدم تعطيلها .....؟

ج: هذا خطيرٌ، قد يدفعه لظلم غيره، فلا يُعطيه؛ لأنه إذا أعطاه يُقدّمه على غيره، وهذا الآخر يُعطيه ليُقدّمه على غيره، فهذه رشوة.

..........

باب مَن سأل الناس تكثُّرًا

1474- حدثنا يحيى بن بُكيرٍ: حدثنا الليث، عن عبيدالله ابن أبي جعفرٍ قال: سمعتُ حمزة بن عبدالله بن عمر قال: سمعتُ عبدالله بن عمر قال: قال النبي ﷺ: ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مُزْعَةُ لحمٍ.

الشيخ: نسأل الله العافية، نسأل الله العافية.

1475- وقال: إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العَرَقُ نصف الأُذُن، فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم، ثم بموسى، ثم بمحمدٍ ﷺ.

وزاد عبدالله بن صالحٍ: حدثني الليث: حدثني ابن أبي جعفرٍ: فيشفع ليُقْضى بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحَلْقةِ الباب، فيومئذٍ يبعثه الله مقامًا محمودًا يحمدُه أهلُ الجمع كلُّهم.

الشيخ: وهذا مقام الشفاعة، إذا اشتدّ الكربُ بالناس طلب المؤمنون مَن يشفع لهم، وفزعوا حتى يأتوا آدم، ثم نوحًا، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم محمدًا كما في الرواية الأخرى المطولة التي تنتهي إليه عليه الصلاة والسلام، ويشفع للناس، يسجد تحت العرش ويحمد ربَّه بمحامد عظيمة، ثم يُقال له: ارفع رأسك، وقل يُسمع، وسَلْ تُعطه، واشفع تُشفّع، فيشفع، ويُشفّعه الله في القضاء بين الناس يوم القيامة.

ثم يشفع شفاعةً أخرى لأهل الجنة حتى يُؤذن في دخولهم الجنة، ويأخذ بحلقة الباب عليه الصلاة والسلام، ويكون أول داخلٍ.

وقال مُعلى: حدثنا وُهيبٌ، عن النُّعمان بن راشدٍ، عن عبدالله بن مسلمٍ -أخي الزهري-، عن حمزة: سمع ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ في المسألة.

باب قول الله تعالى: لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273] وكَمُ الغِنَى

وقول النبي ﷺ: ولا يجد غِنًى يُغْنيه؛ لقول الله تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ إلى قوله: فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:273].

1476- حدثنا حجَّاج بن منهالٍ: حدثنا شعبة: أخبرني محمد بن زيادٍ، قال: سمعتُ أبا هريرة ، عن النبي ﷺ قال: ليس المسكينُ الذي ترُدُّه الأُكْلة والأُكْلتان.

الشيخ: الأُكلة والأُكلتان يعني: اللُّقمة، الأُكلة: اللقمة .....، ويجوز الأكلة بالتسكين، يعني: واحدة الأكلات، كالغداء والعشاء، المعروف أن الأُكلة يعني: اللقمة. نعم.

ولكن المسكين الذي ليس له غِنًى ويستحيي، أو لا يسأل الناس إلحافًا.

............

1477- حدثنا يعقوب بن إبراهيم: حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّةَ: حدثنا خالدٌ الحذَّاء، عن ابن أَشْوَعَ، عن الشعبي: حدثني كاتبُ المغيرة بن شعبة، قال: كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة: أنِ اكْتُبْ إليَّ بشيءٍ سمعتَه من النبي ﷺ. فكتب إليه: سمعتُ النبي ﷺ يقول: إن الله كَرِهَ لكم ثلاثًا: قِيلَ وقال، وإضاعةَ المال، وكثرةَ السؤال.

الشيخ: وفي اللَّفظ الآخر: يسخط لكم: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال.

هذا يُفيد أنه ما ينبغي للإنسان أن يكون دأبُه القيل والقال: قال فلان كذا، قال فلان كذا. لا، ينبغي له أن يتثبّت، وما يقول إلا الشيء المضبوط، ما يكون همُّه القيل والإشاعات التي ما لها ثمرة، إنما ينقل الشيء الطّيب الذي ينفع الناس؛ ولهذا يقول ﷺ: مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، ويقول ﷺ: كفى بالمرء كذبًا أن يُحدِّث بكل ما سمع.

فالمؤمن العاقل ما ينقل إلا الشيء الطيب الذي ينفع الناس، والشيء الذي ما ينفع الناس يتركه، أو ما يشكّ فيه يتركه؛ حتى لا ينقل إلا الطّيب. نعم.

س: ما يدخل في هذا رواية بعض المؤرخين للحكايات؟

ج: الحكاية تختلف: إن كانت حكايةً فيها عِظة تنفع الناس فلا بأس، وإن كانت أحاديث موضوعةً، أو أحاديث تجرّ إلى الباطل؛ ما تجوز روايتها إلا ببيانها.

س: هناك قصصٌ تُنسب إلى بعض الناس، وقد يكون فيها جرحٌ لهم؟

ج: إذا كانت ما هي بثابتةٍ لا ينقلها، لو كانت فيها مضرّة أو غيبة لا ينقلها. نعم.

س: الكراهة هنا للتحريم؟

ج: الظاهر أنها للتحريم؛ لأنه جاء في الرواية الأخرى: يسخط لكم قيل وقال.

وأما إضاعة المال فمعروفة؛ إضاعة المال: كونه يبذر في الخمر، أو في اللعب الذي ما شرعه الله، أو ما أشبهه من التبذير الذي ما له وجه.

وكثرة السؤال فُسرت بأمرين:

كثرة سؤال الناس، وهذا ما يجوز، فإن المسألة إنما تكون بقدر الحاجة.

وفُسرت بمعنًى ثانٍ: وهو كثرة السؤال في العلم والأغلوطات، فبعض الناس يكون همّه الأسئلة التي ما لها ثمرة، ولا قيمة: إما لتغليط الناس، أو ليُقال: إنه جيد، إنه يسأل. هذا شرٌّ، هذا يكون للرياء، أو لإيذاء الناس فلا يجوز، فينبغي للإنسان أن يسأل عن المهمات التي تهمّه ويستفيد منها، ويكون قصده حسنًا، وله نيّة صالحة في هذا السؤال.

س: يكون ظاهر هذه الأشياء التَّحريم؟

ج: هذا الظاهر. نعم.

مداخلة: النووي -أحسن الله إليك- ذكر في "شرح مسلم" أنها للتنزيه، للكراهة؟

الشيخ: والله الأقرب أنها للتحريم؛ لأن رواية يسخط يقتضي هذا، وفي اللفظ الآخر: "نهى عن قيل وقال"، بالنهي.

س: الإسرائيليات تكون مُستثناةً من قيل وقال؟

ج: نعم: حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج إذا كانت فيها فائدة. نعم.

س: رعاك الله، "قيل وقال" يدخل في ذلك المنشورات، وإن كان فيها شيء من المصلحة؟

ج: المنشورات تختلف: إن كانت فيها فائدة ومصلحة، وهي عن ثقةٍ، وإلا ما فيها فائدة، وقد تضرّ الناس، لا يبثّ إلا الشيء الذي يُفيد الناس: إما حديث صحيح، أو كلامٌ لبعض أهل العلم مفيدٌ، أو نصيحة تنفع الناس. نعم.

س: إذا كانت عن ثقةٍ ألا تكون من باب قيل وقال؟

ج: إذا كانت عن ثقةٍ لا، ..... الثقة يقول: سمعت العالم الفلاني يقول: اتقوا الله. ويقول: ترى فعل هذا حرام، وترى فعل هذا ما يجوز، وترى الربا حرام، وترى السرقة حرام، وترى الخلوة مع المرأة حرام. هذا ما هو بقيل وقال، هذا نقل الأحكام الشرعية.

س: رعاك الله، هل هي وسيلة صحيحة من وسائل السلف الصالح مثلًا؟

ج: أيش هو؟

س: يعني: مسألة المنشورات مثلًا؟

ج: مثلما قلت لك: إن كان النشر ثابتًا عن عالمٍ، وعن الرسول ﷺ، وعن شيءٍ ينفع الناس ما يُخالف.

أما أن يسمع فلانًا يقول كذا، وهو ما يعرف حاله، أو يُقال عن فلانٍ كذا، وهو ما يعرف الحقيقة، لا .....

1478- حدثنا محمد بن غُرَيْرٍ الزهري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهابٍ قال: أخبرني عامر بن سعدٍ، عن أبيه قال: أعطى رسول الله ﷺ رهطًا وأنا جالسٌ فيهم. قال: فترك رسول الله ﷺ منهم رجلًا لم يُعطِه، وهو أعجبهم إليَّ، فقمتُ إلى رسول الله ﷺ فسارَرْتُه، فقلتُ: ما لك عن فلانٍ، والله إني لأَراه مؤمنًا؟! قال: أو مسلمًا. قال: فسكتُّ قليلًا، ثم غلبني ما أعلم فيه، فقلتُ: يا رسول الله، ما لك عن فلانٍ، والله إني لأراه مؤمنًا؟! قال: أو مسلمًا. قال: فسكتُّ قليلًا، ثم غلبني ما أعلم فيه، فقلتُ: يا رسول الله، ما لك عن فلانٍ، والله إني لأراه مؤمنًا؟! قال: أو مسلمًا.

الطالب: لأَراه، أو أُراه؟

الشيخ: يحتمل هذا، ويحتمل هذا .....

يعني: فقال: إني لأُعطي الرجلَ وغيره أحبُّ إليَّ منه؛ خشيةَ أن يُكَبَّ في النار على وجهه.

وعن أبيه، عن صالحٍ، عن إسماعيل بن محمدٍ أنه قال: سمعتُ أبي يُحَدِّث بهذا، فقال في حديثه: فضرب رسول الله ﷺ بيده، فجمع بين عُنُقِي وكتفي، ثم قال: أَقْبِلْ أيْ سعدُ، إني لأُعطي الرجل.

قال أبو عبدالله: فَكُبْكِبُوا [الشعراء:94]: قُلِبُوا فَكُبُّوا. مُكِبًّا [الملك:22]: أكبَّ الرجل إذا كان فعله غير واقعٍ على أحدٍ، فإذا وقع الفعلُ قلتَ: كبَّه الله لوجهه، وكبَبْتُه أنا.

الشيخ: يعني .....، والمقصود أن سعدًا أكثر التكرار؛ فلهذا قال النبي ﷺ.

وفي روايةٍ أنه قال: ..... يا سعد لما كرر عليه، ثم قال: إني لأُعطي الرجل وغيره أحبُّ إليَّ؛ مخافة أن يكبّه الله في النار على وجهه يعني: أنه قد يُعطي المفضول ويترك الفاضل، لأنَّ المفضول لو لم يُعْطَ ربما ارتدَّ عن الإسلام وتغيّر دينه؛ فيُكبّ في النار، مثلما في الرواية الأخرى: إني لأُعطي أقوامًا وأدع أقوامًا مما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب، وقال: إني أُعطي أقوامًا لما في قلوبهم من الشحِّ والهلع، أو لما أعلمه من الشحِّ والهلع.

الحاصل أن ولي الأمر وغيرهم من الذين يُعطون ويتصدَّقون ينظرون في أحوال الناس؛ فإذا كان أحدهم غنيًّا ولكنه لو لم يُعْطَ ربما ارتدَّ عن دينه، وربما وقع في بلاءٍ، فولي الأمر يُعطيه الذي يدفع الشَّر؛ ولهذا شرع الله حقَّ المؤلفة قلوبهم، وهم السادات المطاعون، يُعطون من الزكاة أو من بيت المال ما يدفع شرَّهم، أو يُقوِّي إيمانهم، أو يُسبّب إسلام نُظرائهم، أو يُثبِّتهم على الحقِّ؛ حتى لا يرتدوا، ويترك الآخرين الذين قد يكونون أفقر منهم، لكن عندهم من الغنى والخير والإيمان وسلامة الصدر والقناعة بالقليل ما يُغنيهم عن العطاء، والناس ليسوا على حدٍّ سواء.

فالفاضل الذي عنده من الغنى والخير والإيمان ما يحجزه عن الشكوى ويحجزه عن الشَّر قد يُؤخَّر في العطاء، ويُعطى أناسٌ فيهم شرٌّ، أو يُخاف عليهم من الوقوع في الشَّر، وهذه من السياسة الشرعية، مثلما يُعطى من الكفار الذين يُخشى شرُّهم، يُعطون من المال ما يكفّ شرَّهم، ورؤساء القبائل الذين فيهم شرٌّ ..... يُعطون حتى يكفّ شرهم، وما أشبه ذلك من الحاجات التي يرى المعطي أنَّ فيها خيرًا ومصلحةً، أو يرى ولي الأمر أنَّ فيها خيرًا ومصلحةً: لجلب خيرٍ، أو دفع شرٍّ.

وهذا من هذا الباب: كون النبي ﷺ أعطى هذا الرجل، وترك الذي أشار به سعد. نعم.

س: قوله: أو مسلمًا؟

ج: هذا دليلٌ لأهل السنة أن الإيمان غير الإسلام إذا اقترنا، فالإسلام أوسع؛ ولهذا قال: أو مسلمًا يعني: ما تمكن الإيمانُ من قلبه، مثل: الأعراب الذين قال الله فيهم: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، فالإنسان إذا ما استكمل الإيمان يُقال: مسلم، ولو كانت عنده معاصٍ، فهو مسلم، لكن إذا استكمل الإيمان يُقال له: مؤمن، وكما في حديث سؤال جبريل عليه الصلاة والسلام.

فالحاصل أن المؤمن أكمل، وهو الذي ظاهره الاستقامة على دين الله وترك المعاصي.

أما الإنسان الذي ظاهره أنه ضعيف الإيمان، وعنده بعض الجهالة وبعض المعاصي، مثل: بعض الأعراب، وبعض الحضر الذين عندهم بعض المعاصي، يُقال: مسلم، ولا يقال: مؤمن؛ ولهذا قال: أو مسلمًا يعني: يتظاهر بالإسلام، دخل في الإسلام ولكن ما عنده الإيمان القوي الذي يحجزه عن السؤال إلا لحاجةٍ، أو يحجزه عن الظلم.

س: هل يجوز للرئيس أن يُعطي دولةً كافرةً من بيت المال، أو من الزكاة؟

ج: هذا من التأليف، ومن دفع الشَّر.

س: القائل: أو مسلمًا هو الرسول ﷺ؟

ج: إيه، النبي ﷺ، نعم؛ لأن سعدًا قال: "إني لأَراه مؤمنًا"، أو "لأُراه مؤمنًا"، فالنبي ﷺ قال: أو مسلمًا، ما هو على ظنِّك.

1479- حدثنا إسماعيل بن عبدالله، قال: حدثني مالكٌ، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: ليس المسكينُ الذي يطوف على الناس تردُّه اللُّقْمَةُ واللُّقْمَتَانِ، والتَّمرةُ والتَّمرتانِ، ولكن المسكينُ الذي لا يجد غِنًى يُغْنِيهِ، ولا يُفْطَنُ به فيُتَصَدَّقُ عليه، ولا يقوم فيسأل الناس.

الشيخ: هذه فاء السَّببية، يُسمّونها .....

ضُبط عندكم: "أُراه" أو "أَراه"؟ ضبطها الشارح أو ما ضبطها؟ "وإني لأُراه مؤمنًا" ..... أو العيني؟

الطالب: ما حضر.

الشيخ: الذي عنده الضبط يتكلم.

الطالب: بالضم، أحسن الله إليك.

الشيخ: خلِّ الشكل، أيش قال الشارح؟ هي القاعدة ..... بالفتح والضم.

الطالب: ولكن الشارح يقول: وقد تقدّم الكلام عليه مُستوفًى في كتاب .....

الشيخ: في روايةٍ أخرى يدل على أنه بالفتح؛ لأنه في الرواية الأخرى: "إني لأعلمه مؤمنًا"، فيصير بمعنى: أراه، تصير بالفتح. نعم.

1480- حدثنا عمر بن حفص بن غِياثٍ: حدثنا أبي: حدثنا الأعمش: حدثنا أبو صالحٍ، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: لَأَنْ يأخذَ أحدُكم حَبْلَه ثم يغدو -أحسبه قال: إلى الجبل- فيَحْتَطِب، فيبيع، فيأكل ويتصدَّق؛ خيرٌ له من أن يسأل الناس.

قال أبو عبدالله: صالح بن كيسان أكبر من الزهري، وهو قد أدرك ابن عمر.

الشيخ: بركة.