باب الصلاة على الشهيد

باب الصلاة على الشَّهيد

1343- حدثنا عبدالله بن يوسف: حدثنا الليث، قال: حدَّثني ابنُ شهاب، عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: كان النبي ﷺ يجمع بين الرجلين من قتلى أحدٍ في ثوبٍ واحدٍ، ثم يقول: أيّهم أكثر أخذًا للقرآن؟، فإذا أُشير له إلى أحدهما قدَّمه في اللَّحد، وقال: أنا شهيدٌ على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يُغسّلوا، ولم يُصلِّ عليهم.

1344- حدثنا عبدالله بن يوسف: حدثنا الليث: حدثني يزيد ابن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر: أنَّ النبي ﷺ خرج يومًا، فصلَّى على أهل أحدٍ صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر، فقال: إني فرطٌ لكم، وأنا شهيدٌ عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أُعطيتُ مفاتيح خزائن الأرض -أو مفاتيح الأرض-، وإني والله ما أخاف عليكم أن تُشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فقد تقدّم حديثُ أبي قتادة، وحديث جابر يدلّ على أنَّ الشَّهيد لا يُصلَّى عليه؛ شهيد المعركة، حكم الصلاة على الشَّهيد –يعني- أنها لا تُشرع، لا يُشرع أن يُصلَّى عليه، بل يُدفنون في ثيابهم ودمائهم من دون صلاةٍ عليهم؛ لأنهم أحياء عند ربهم يُرزقون، وهذه صفة خاصَّة لهم: لا يُصلَّى عليهم، ولا يُغسّلون، إذا ماتوا في المعركة قتلًا في سبيل الله .

وهكذا فعل النبي ﷺ بقتلى أحد: دفنهم في ثيابهم، ولم يُغسّلهم، ولم يُصلِّ عليهم، وكان يجمع الرجلين في قبرٍ واحدٍ ويقول: أنا شهيدٌ على هؤلاء، ويُقدّم أفضلهم في اللَّحد، يسأل: أيّهم أكثر قرآنًا؟ فإذا أُشير إليه يبدأه باللَّحد، فدلَّ على أنَّه يُقدّم الأفضل فالأفضل، وأنَّه لا حرجَ في جمع القتيلين والثلاثة، والميتين والثلاثة في القبر الواحد إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك؛ إمَّا لكثرة القتلى، وإمَّا لضيق البقعة، وإمَّا لأسبابٍ أخرى، وإلا فالسُّنة أنَّ كل ميتٍ وحده، كما كان النبي يفعله ﷺ في البقيع، كان كل ميتٍ وحده، لكن إذا دعت الحاجةُ والضَّرورة إلى دفن الاثنين والثلاثة لا حرج، كما فعل النبيُّ يوم أحدٍ؛ لأنَّ الناس أصابهم جراحات كثيرة، وعليهم مشقّة في دفن كل واحدٍ، ويخشى من عودة الكفرة عليهم أيضًا، كما قد أجمعوا الكرةَ عليهم، فخيَّب اللهُ عملهم.

وفيه من الفوائد: أنَّ الرسول ﷺ هو الشَّهيد على هذه الأمّة: قتلاها، وغير قتلاها، كما قال تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء:41].

فهو فرطهم، وهو شهيدُ عليهم، وفرطهم يعني: الذي تقدّم أمام الجيش والسّرية للتَّهيئة؛ تهيئة المناخ، تهيئة المنزل، يعني: تهيئة الماء، يُقال له: فرط.

فرسول الله ﷺ هو الفرط لهذه الأمّة، وهو أمامهم على الحوض عليه الصَّلاة والسَّلام.

وهو شهيدٌ عليهم بأعمالهم، قد بلَّغهم الرسالة، ونصحهم عليه الصلاة والسلام، وهو شهيدٌ على ذلك.

وفيه من الفوائد: قوله ﷺ: وإني أُعطيتُ خزائن الأرض؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا أعطى أمّته خزائن الأرض ومفاتيحها، ففتح الله على يدي أصحابه، وكسروا كسرى، وقصروا قيصر، وفتح الله عليهم خزائن الأرض.

وقوله ﷺ: والله ما أخاف أن تُشركوا بعدي، وما ذاك إلا لما حباهم الله من البصيرة؛ لأنهم كانوا مُشركين فتبصَّروا وهداهم الله، وعرفوا الشِّرك وتركوه عن بصيرةٍ، ودعوا إلى التوحيد، وقاتلوا على ذلك.

فهو لا يخاف عليهم أن يُشركوا بعده ببصيرتهم وعلمهم بما هداهم الله له، وإنما خاف عليهم أن يتنافسوا في الدنيا، وأن تُهلكهم كما أهلكت مَن كان قبلهم.

والذي خافه ﷺ وقع، أمَّا الشرك فقد عصمهم الله وحماهم من ذلك، وكانوا دُعاة الحقِّ، دعاة الهدى.

أمَّا الذين ارتدّوا بعد موته ﷺ فأولئك ليسوا هؤلاء المخاطبين، أولئك أعراب حُدثاء عهدٍ بالإسلام، ارتدّوا عن دينهم، وارتابوا بما جاء به نبيُّهم عليه الصلاة والسلام، فقاتلهم الصَّحابة حتى قتلوا مَن قتلوا، وحتى هدى الله مَن هدى بعد ذلك من أتباع مُسيلمة وغيرهم ممن ارتدَّ.

وإذا كان ﷺ خاف على أصحابه من التَّنافس في الدنيا، فعلى مَن بعدهم أعظم وأكبر، وعلى مَن بعدهم يخاف الشِّرك الأكبر، كما قد وقع في الناس بسبب الجهل والتَّقليد الأعمى، وقع الشِّرك الأكبر في الأمّة بعدما قلَّ العلماء، وذهب السلفُ الصالح، وقع الناسُ في الغلو في الصَّالحين، حتى وقع الشِّرك الأكبر، وحتى بُني على القبور، واتُّخِذ عليها المساجد، وساروا على ما سار عليه مَن قبلهم من اليهود والنَّصارى.

وخاف على أصحابه وعلى غيرهم الشِّرك الأصغر وقال: أخوف ما أخاف عليكم الشِّرك الأصغر، فسُئل عنه، فقال: الرياء؛ لأنَّ الشرك الأصغر يُزينه الشيطان، وتميل إليه النفوس، إلا مَن رحم الله، فخافه على أصحابه، وعلى غيرهم، وهو الرياء.

فيجب على الأمّة أن تحذر الشِّرك الأكبر والأصغر، وأن تحذر المعاصي كلّها، عليهم أن يحذروا، وأن يخافوا، وأن يبتعدوا عن أسباب الشرك؛ لعلهم يسلمون، لعلهم ينجون من هذا الخطر العظيم.

فالرسول ﷺ حذَّر أمّته من أن تسلك مسلك الأمم قبلها، وخاف عليهم من ذلك، يعني: مسلك اليهود والنَّصارى في الغلو في الصَّالحين، وعبادتهم من دون الله، وفي الإحداث في الدِّين، والبدع التي أوجدها مَن قبلهم.

فأوجب عليهم الحذر من ذلك، وحثَّهم على الحذر من ذلك حتى لا يقعوا فيما وقعت فيه اليهود والنَّصارى، وقد وقعوا في ذلك إلا من رحمه الله؛ لأنَّه أخبرنا بأنَّه سوف يقع، كما قال ﷺ: لتتبعنَّ سَنن مَن كان قبلكم، حذو القذّة بالقذّة، حتى لو دخلوا جُحر ضبٍّ لدخلتُموه.

فالذي خافه ﷺ من اتباع الماضين في باطلهم وشركهم قد وقع ووُجد في الأمّة، ولكن لا تزال طائفةٌ على الحقِّ منصورة، لا يزالون يُنافحون عن دين الله، ويدعون إلى دين الله، وينصرون الحقَّ، ويذبّون عنه، ويُجاهدون في إيضاح الحقِّ، ويدعون إلى سبيله؛ رحمةً من الله، وفضلًا منه .

فالواجب على كل إنسانٍ أن يحرص على أن يكون من هذه الطَّائفة المنصورة، الدَّاعية إلى الحقِّ، المجاهدة في سبيل الحقِّ، فكل واحدٍ منا عليه أن يُجاهد، ويجتهد في العلم والتَّفقه في الدِّين، والصبر على الحقِّ، حتى يكون من هذه الطَّائفة المنصورة العظيمة، الدَّاعية إلى الحقِّ، المجاهدة في سبيل الحقِّ.

وفي أول هذا القرن وفي آخر القرن الماضي حصل -بحمد الله- خيرٌ كثيرٌ، ويقظة، وانتباه، ومُسارعة إلى الخيرات، وحرص على التَّفقه في الدِّين، وهذا يُبَشّر بالخير.

فالواجب الدَّعوة إلى المزيد من ذلك، والثَّبات على هذا الخير، والمسارعة إليه، والتَّشجيع عليه؛ لما في ذلك من إظهار الحقِّ، وإنكار البدع، والدَّعوة إلى سبيل الحقِّ، والحرص على إيضاح ما قد يُشكل على الناس مما ابتدعه الناس.

ولا سبيلَ إلى هذا إلا بالتَّكاتف، والتَّعاون، والصبر على إيضاح الحقِّ، والدَّعوة إليه بالحكمة والأسلوب الحسن، وبالرفق، كما قال المولى جلَّ وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].

الحكمة: العلم، قال الله، وقال رسوله.

والموعظة الحسنة: الترغيب، والترهيب. الترغيب في الخير، والتَّحذير من الشَّر.

والجدال بالتي هي أحسن: إيضاح الحقِّ بالأدلة من القرآن والسنة؛ لإزالة الشُّبَه، حتى يعلم مَن يخفى عليه الحقّ، حتى يعلم الحقّ إذا ثبت، قال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46]، حتى الكفرة يُجادلون بالتي هي أحسن؛ لأنَّ هذا أقرب إلى النَّجاح، أمَّا بالعنف فهذا من أسباب التَّكبر عن الحقِّ، ومن أسباب النُّفور منه، ولكن بالتي هي أحسن يحصل بذلك إيضاح الحقِّ وقبوله بتوفيق الله جلَّ وعلا، إلا مَن ظلم فيُعامل بما يستحقّ من التَّعزير، والتَّأديب، وإقامة الحدّ إذا كان أتى ما يُوجب حدًّا، إلى غير ذلك.

وما دام الجدالُ بالتي هي أحسن يحصل به المقصود فهو المطلوب، ولا يعدل إلى غيره؛ لأنَّه هو الطريق، وهو السَّبيل إلى إيضاح الحقّ، وإقناع الخصم، وتثبيت الحقّ في قلوب المستمعين والسَّامعين، نعم.

س: والشَّهيد الذي يموت في غير المعركة؟

ج: هذا يُغسّل ويُصلَّى عليه، نعم، إذا مات في غير المعركة يُغسّل ويُصلَّى عليه.

باب دفن الرجلين والثلاثة في قبرٍ واحدٍ

1345- حدثنا سعيد بن سليمان: حدثنا الليث: حدثنا ابن شهاب، عن عبدالرحمن بن كعب: أنَّ جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أخبره: أنَّ النبي ﷺ كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد.

الشيخ: كما تقدم لا بأس عند الحاجة.

س: جمع الرجل والمرأة في قبرٍ واحدٍ؟

ج: ما أعلم فيه شيئًا عند الضَّرورة؛ لأنَّه ما هو بمحل فتنةٍ، لكن إذا تيسر أن يكن النساء وحدهنَّ لو صار موتًا عامًّا، لو حصل وباء وكثر القتلى والموتى في النِّساء والرجال فمن الأنسب والأظهر على قاعدة الشَّريعة أن يكن النِّساء على حدةٍ، والرجال على حدةٍ، ولو دفعت الضَّرورة إلى دفن هذا مع هذا ما فيه شيء، ما نعلم فيه شيئًا للضَّرورة؛ لأنَّه ما هو بمقام فتنةٍ، ولا هو بمقامٍ يُخشى عليه الفاحشة، المقام مقام موتٍ، ليس فيه خطورة، لكن إذا دفن هؤلاء وحدهم، وهؤلاء وحدهم، فهذا هو الأصل، نعم، هذا هو الأصل في القاعدة.

لكن قتلى أحد ما فيهم نساء، إنما النِّساء ما كنَّ يحضرن القتال، إنما يُشجعن على أن يخدمن المجاهدين إذا دعت الحاجةُ، ولكن ليس عليهنَّ جهاد.

لكن لو وُجد وباء ومات فيه شُهداء، مات الناسُ بسبب الوباء، وكثر الموتى، فهذا هو محل النَّظر.

فتكون النساء وحدهنَّ، والرجال وحدهم، هذا هو الأظهر، وهو الذي يمشي على القاعدة.

مداخلة: نقل ابنُ حجر عن عبدالرزاق، يقول: "وأمَّا دفن الرجل مع المرأة: فروى عبدالرزاق بإسنادٍ حسنٍ عن واثلة بن الأسقع: أنَّه كان يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد، فيُقدّم الرجل، ويجعل المرأة وراءه".

الشيخ: هذا مثلما تقدّم، ما هو بمحل شُبهةٍ، وإنما منع الاختلاط بينهما في الحياة لأجل الشُّبهة والفتنة، الاختلاط في الدِّراسة، أو في المجالس، هذا لأجل الفتنة يُمنع، أمَّا في القبور ما في، لكن على قاعدة الشَّرع: كون هؤلاء وحدهم، وهؤلاء وحدهم إذا تيسر يكون أحسن.

مُداخلة: كأنَّه كان يجعل بينهما حائلًا من ترابٍ، ولا سيّما إن كانا أجنبيين، والله أعلم.

الشيخ: على كل حالٍ، إذا دعت الحاجةُ فالأمر سهلٌ، ما في فتنة، نعم. العيني تكلّم؟

الطالب: ما حضر صاحبه.

الشيخ: أيش: وروى عبدالرزاق؟

الطالب: فروى عبدالرزاق بإسنادٍ حسنٍ عن واثلة بن الأسقع: أنَّه كان يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد، فيُقدّم الرجل، ويجعل المرأة وراءه.

الشيخ: يمكن هذا إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك مثلما تقدّم، نعم.

باب مَن لم يرَ غسل الشُّهداء

1346- حدثنا أبو الوليد: حدثنا ليث، عن ابن شهابٍ، عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك، عن جابرٍ قال: قال النبي ﷺ: ادفنوهم في دمائهم يعني: يوم أحد، ولم يُغسّلهم.

باب مَن يُقدّم في اللَّحد

وسُمّي "اللَّحد" لأنَّه في ناحيةٍ، وكل جائرٍ ملحد: مُلْتَحَدًا [الكهف:27]: مُعدلًا. ولو كان مُستقيمًا كان ضريحًا.

1347- حدثنا محمد بن مُقاتل: أخبرنا عبدالله: أخبرنا ليث بن سعد: حدثني ابن شهاب، عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله ﷺ كان يجمع بين الرَّجلين من قتلى أحدٍ في ثوبٍ واحدٍ، ثم يقول: أيّهم أكثر أخذًا للقرآن؟، فإذا أُشير له إلى أحدهما قدَّمه في اللَّحد، وقال: أنا شهيدٌ على هؤلاء، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يُصلِّ عليهم، ولم يُغسّلهم.

الشيخ: وهذا عند الحاجة مثلما تقدّم، وهكذا في ثوبٍ واحدٍ عند الحاجة؛ لقلّة الثياب، وقلّة الأكفان، عند الحاجة لا مانع من دفن اثنين في ثوبٍ واحدٍ؛ لأنَّه ما هو بمحل فتنةٍ، محل سترٍ فقط ودفن، والله يبعثهم يوم القيامة عُراةً، كلّهم يخرجون حُفاةً عُراةً يوم القيامة، ليس عليهم شيء، وأول مَن يُكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام يوم القيامة، قالت عائشةُ: يا رسول الله، الرجال والنِّساء ينظر بعضُهم إلى بعضٍ؟! قال النبي ﷺ: الأمر أشدّ من ذلك يا عائشة، الله المستعان، نعم.

1348- وأخبرنا ابنُ المبارك: أخبرنا الأوزاعي، عن الزهري، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: كان رسولُ الله ﷺ يقول لقتلى أحدٍ: أيُّ هؤلاء أكثر أخذًا للقرآن؟ فإذا أُشير له إلى رجلٍ قدَّمه في اللَّحد قبل صاحبه.

وقال جابر: فكفّن أبي وعمِّي في نمرةٍ واحدةٍ.

وقال سليمان بن كثير: حدَّثني الزهري: حدثني مَن سمع جابرًا .

الشيخ: وأشار المؤلفُ أنَّ اللحد سُمِّي لحدًا؛ لأنَّه مائلٌ في جهةٍ واحدةٍ من جهة القبلة، أما الضَّريح فهو الشقّ في وسط القبر، هذا ضريحٌ، والسنة اللَّحد، وهو أفضل؛ لحديث سعدٍ: "الحدوا لي لحدًا، وانصبوا عليَّ اللّبن نصبًا كما فُعل برسول الله عليه الصلاة والسلام"، وفي حديثٍ جاء من طرقٍ: اللَّحد لنا، والشقّ لغيرنا، وهو دلّ على أنَّ اللَّحد أفضل، وهو الذي فُعل بالنبي عليه الصلاة والسلام.

س: الحديث الأول؟

ج: "الحدوا لي لحدًا، وانصبوا عليَّ اللّبن نصبًا كما فُعِلَ برسول الله". رواه مسلمٌ من حديث سعد بن أبي وقاص.

ما تكلّم على حديث: اللَّحد لنا، والشقّ لغيرنا عندكم؟

س: قوله: ولو كان مُستقيمًا لكان ضريحًا؟

ج: يعني: وسط القبر، ما مال إلى أحد الجانبين، يقال: ضريح، شقّ، ..... وسط القبر يُسمّى: ضريحًا.

وحديث: اللَّحد لنا، والشقّ لغيرنا فيه بعض الكلام، ولكن اللَّحد أفضل بكل حالٍ، نعم؛ لأنَّه هو الذي فُعل بالرسول ﷺ، نعم.

باب الإذخر والحشيش في القبر

1349- حدثنا محمد بن عبدالله بن حوشب: حدثنا عبدالوهاب: حدثنا خالد، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ قال: حرَّم اللهُ مكَّةَ فلم تحلّ لأحدٍ قبلي، ولا لأحدٍ بعدي، أُحلّت لي ساعةً من نهارٍ، لا يُختلى خلاها، ولا يُعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تُلتقط لقطتها إلا لمعرِّفٍ، فقال العباسُ : إلا الإذخر لصاغتنا وقبورنا. فقال: إلا الإذخر.

وقال أبو هريرة : عن النبي ﷺ: لقبورنا وبيوتنا.

وقال أبان بن صالح: عن الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة: سمعتُ النبي ﷺ .. مثله.

الشيخ: والإذخر: نبتٌ معروفٌ طيّب الرائحة، يستعمله أهلُ مكّة لقبورهم وقينهم –حدادهم-، يُستعمل، جاء الشرعُ باستثنائه، وكان السببُ في ذلك سؤال العباس ، وأرض مكّة في الغالب ضعيفة، فاحتاجوا إلى الإذخر ليُوضع على القبور؛ ليقي الميت التراب، والقين يستعمله في الحدادة، مثل: الخوص يُستعمل في الحدادة، نعم.

س: الإذخر يُوضع ليقي الميت، أو يُوضع في الخلل؟

ج: الظاهر أنَّه يُوضع على الميت ليقيه التراب؛ لأنَّ ترابهم ضعيف، فيُمكن ...، لكن ذكروا أنَّ تراب مكّة الغالب عليه الضَّعف، نعم.

باب: هل يُخرج الميت من القبر واللَّحد لعِلَّةٍ

1350- حدثنا علي بن عبدالله: حدثنا سفيان، قال عمرو: سمعتُ جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: أتى رسولُ الله ﷺ عبدالله بن أُبي بعدما أُدخل حُفرته، فأمر به فأُخرج، فوضعه على ركبتيه، ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه. فالله أعلم، وكان كسا عباسًا قميصًا.

قال سفيان: وقال أبو هارون: وكان على رسول الله ﷺ قميصان، فقال له ابنُ عبدالله: يا رسول الله، ألبس أبي قميصك الذي يلي جلدك. قال سفيان: فيرون أنَّ النبي ﷺ ألبس عبدالله قميصه مُكافأةً لما صنع.

الشيخ: واضح، مراد عبدالله بن عبدالله رجاء بركة القميص الذي باشر جسده عليه الصلاة والسلام، وليس المقصود المكافأة، هذا مقصود عبدالله بن عبدالله، وعبدالله بن عبدالله رجلٌ صالحٌ، هو عبدالله بن عبدالله بن أبي ابن سلول، والنبي ﷺ أجاب دعوته تأليفًا لقلبه، ورحمةً له، ورجاء أن ينفع الله أباه بذلك.

وكان عبدالله بن أبي يتظاهر بالإسلام، وهو رأس المنافقين، وكان عبدالله ابنه حريصًا لعلَّ الله يهديه، ولعلَّ الله ينفعه بالنبي ﷺ؛ فلهذا لما مات حرص ابنُه أن يُصلِّي عليه النبيُّ ﷺ، وأن يُلبسه قميصه، ففعل النبيُّ ﷺ.

ولما قال له عمرُ في ذلك، قال: إنما خُيّرت، ولو طمعتُ -أو علمتُ- أنَّه يُغفر لهم لو زدتُ على السَّبعين لزدتُ على السَّبعين، يُشير إلى قوله تعالى: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة:80].

فالنبي ﷺ حرص على أن ينفع عبدالله بن أبي بما أمكنه من ذلك: من الصلاة عليه، وكسوته من القميص، والنَّفث عليه، كلّ هذا حرصًا منه على نفعه، وتأليفًا لقلبه وقلب جماعته ..... ابنه عبدالله وجماعته الخزرج.

وفي هذا شاهد قوي على أنَّه ينبغي لولاة الأمور التَّأليف، والحرص على ما يُؤلّف القلوب، وهكذا العلماء، وهكذا الأخيار، وهكذا شيوخ القبائل، إلا المحرّم، ما دام التَّأليفُ يمكن في غير المحرّم فينبغي السَّعي في التَّأليف، وجمع القلوب، والتَّعاون على الخير بكل ممكنٍ لا يُحرّمه الشرع؛ ولهذا قال: لو طمعتُ أنَّه يُغفر لهم لزدتُ على السَّبعين، وصلَّى عليه ﷺ، مع أنَّه معروفٌ ومشهورٌ تُهمته بالنِّفاق، وكلماته التي تُنقل عنه وإن تنصّل منها، وإن ادَّعى خلاف ذلك، حتى أنزل الله في حقِّه: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا ولَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، فبعد ذلك تركت الصلاة على المنافقين، نعم.

1351- حدثنا مسدد: أخبرنا بشر بن المفضل: حدثنا حسين المعلم، عن عطاء، عن جابرٍ قال: لما حضر أُحُد دعاني أبي من الليل، فقال: ما أُراني إلا مقتولًا في أول مَن يُقتل من أصحاب النبي ﷺ، وإني لا أترك بعدي أعزّ عليَّ منك، غير نفس رسول الله ﷺ، فإنَّ عليَّ دَيْنًا فاقضِ، واستوصِ بأخواتك خيرًا. فأصبحنا، فكان أول قتيلٍ، ودُفن معه آخرُ في قبرٍ، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر، فاستخرجتُه بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعتُه هنية غير أذنه.

الشيخ: وهذا لعلّه عن رؤيا، لعله رأى رؤيا ظهر له منها أنه يُقتل شهيدًا في أول القتلى؛ ولهذا أوصى ابنَه جابرًا بأخواته، وأوصاه أن يقضي دَينَه رضي الله عن الجميع، نعم.

وفيه من الفوائد: جواز إخراج الميت ونقله من قبرٍ إلى قبرٍ إذا رأى المصلحة في ذلك وليُّه؛ لأنَّ هذا وقع في عهد النبي ﷺ، أخرجه بعد ستة أشهرٍ ونقله إلى مكانٍ آخر وحده، نعم.

1352- حدثنا علي بن عبدالله: حدثنا سعيد بن عامر، عن شعبة، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن جابر قال: دُفن مع أبي رجلٌ، فلم تطب نفسي حتى أخرجتُه، فجعلتُه في قبرٍ على حدةٍ.

باب اللَّحد والشقّ في القبر

1353- حدثنا عبدان: أخبرنا عبدالله: أخبرنا الليث بن سعد، قال: حدَّثني ابنُ شهاب، عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: كان النبيُّ ﷺ يجمع بين رجلين من قتلى أحد، ثم يقول: أيُّهم أكثر أخذًا للقرآن؟ فإذا أُشير له إلى أحدهما قدَّمه في اللَّحد، فقال: أنا شهيدٌ على هؤلاء يوم القيامة، فأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يُغسّلهم.

الشيخ: المؤلف يُكرر التراجم على الحديث كالشرح والتَّنبيه على الفوائد المستنبطة من الحديث، فهذه التراجم كالشرح والاستنباط؛ لينتبه القارئ والسامع للفائدة رحمه الله.

س: قوله: باب اللَّحد والشقّ في القبر، يعني: جواز كلٍّ منهما؟

ج: يُشير للحديث، أيش قال الشارحُ عليه؟

كان في المدينة مشهور شخصان: أحدهما يلحد، والثاني يشقّ، يعني: يضرح، والحديث إن صحَّ يدلّ على أنَّ اللَّحد أولى بكل حالٍ، وأنَّه أولى بالمسلمين، وأنَّ الشقَّ لغيرهم، لكن في سنده مقال، لعلَّ الشارح تكلّم عليه، نعم.

قوله: "باب اللَّحد والشقّ في القبر" أورد فيه حديث جابرٍ في قصّة قتلى أحد، وليس فيه للشقِّ ذكرٌ.

قال ابنُ رشيد: قوله في حديث جابر: "قدَّمه في اللَّحد" ظاهر في أنَّ الميتين جميعًا في اللَّحد، ويحتمل أن يكون المقدّم في اللَّحد، والذي يليه في الشقِّ؛ لمشقّة الحفر في الجانب لمكان اثنين، وهذا يُؤيد ما تقدّم توجيهه: أنَّ المراد بقوله: "فكفّن أبي وعمِّي في نمرةٍ واحدةٍ" أي: شقّت بينهما.

ويحتمل أن يكون ذكر الشقّ في الترجمة ليُنبّه على أنَّ اللَّحد أفضل منه؛ لأنَّه الذي وقع دفن الشُّهداء فيه، مع ما كانوا فيه من الجهد والمشقّة، فلولا مزيد فضيلةٍ فيه ما عانوه.

وفي "السنن لأبي داود" وغيره من حديث ابن عباسٍ مرفوعًا: اللَّحد لنا، والشقّ لغيرنا، وهو يُؤيد فضيلة اللَّحد على الشقِّ، والله أعلم.

الشيخ: فقط؟

القارئ: نعم.

الشيخ: ما تعرَّض لسنده، انظر: العيني.

الطالب: ما حضر.

الشيخ: والقسطلاني؟

الطالب: أيضًا ما حضر.

الشيخ: لا بدَّ أن تُراجعوا سنده، يجمعه الشيخ عبدالعزيز، ومَن جمعه منكم ..... ولا بأس: اللَّحد لنا، والشقّ لغيرنا، مَن تيسر له منكم يجمعه ويعرضه -إن شاء الله- يوم الأحد، أو يوم الاثنين: اللَّحد لنا، والشقّ لغيرنا؛ لأني فيما أذكر أنَّ سنده فيه مقال، لكن قد يشدّ بعضُه بعضًا، قد تكون له عدّة طرقٍ.

باب إذا أسلم الصبيُّ فمات، هل يُصلَّى عليه؟ وهل يُعرض على الصَّبي الإسلام؟

وقال الحسن وشُريح وإبراهيم وقتادة: إذا أسلم أحدُهما فالولد مع المسلم.

وكان ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما مع أمِّه من المستضعفين، ولم يكن مع أبيه على دين قومه، وقال: "الإسلام يعلو ولا يُعلى".

1354- حدثنا عبدان: أخبرنا عبدالله، عن يونس، عن الزهري قال: أخبرني سالم بن عبدالله: أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما أخبره: أنَّ عمر انطلق مع النبي ﷺ في رهطٍ قبل ابن صياد، حتى وجدوه يلعب مع الصِّبيان عند أطم بني مغالة، وقد قارب ابنُ صياد الحلم، فلم يشعر حتى ضرب النبيُّ ﷺ بيده، ثم قال لابن صياد: تشهد أني رسول الله؟ فنظر إليه ابنُ صياد، فقال: أشهد أنَّك رسول الأميين. فقال ابنُ صياد للنبي ﷺ: أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه، وقال: آمنتُ بالله وبرسله، فقال له: ماذا ترى؟ قال ابنُ صياد: يأتيني صادقٌ وكاذبٌ. فقال النبي ﷺ: خلط عليك الأمر، ثم قال له النبي ﷺ: إني قد خبأتُ لك خبيئًا، فقال ابنُ صياد: هو الدّخ. فقال: اخسأ، فلن تعدو قدرك، فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنقَه. فقال النبي ﷺ: إن يكنه فلن تُسلّط عليه، وإن لم يكنه فلا خيرَ لك في قتله.

1355- وقال سالم: سمعتُ ابن عمر رضي الله عنهما يقول: انطلق بعد ذلك رسولُ الله ﷺ وأُبي بن كعب إلى النَّخل التي فيها ابن صياد، وهو يختل أن يسمع من ابن صيادٍ شيئًا قبل أن يراه ابنُ صياد، فرآه النبيُّ ﷺ وهو مُضطجع –يعني: في قطيفةٍ له فيها رمزة أو زمرة-، فرأت أمُّ ابن صياد رسول الله ﷺ وهو يتَّقي بجذوع النَّخل، فقالت لابن صياد: يا صاف -وهو اسم ابن صياد-، هذا محمدٌ ﷺ. فثار ابنُ صياد، فقال النبيُّ ﷺ: لو تركته بين.

وقال شُعيب في حديثه: فرفصه رمرمة -أو زمزمة. وقال إسحاق الكلبي وعقيل: رمرمة. وقال معمر: رمزة.

1356- حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا حماد -وهو ابن زيد-، عن ثابتٍ، عن أنسٍ قال: كان غلامٌ يهودي يخدم النبيَّ ﷺ، فمرض، فأتاه النبيُّ ﷺ يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم ﷺ. فأسلم، فخرج النبيُّ ﷺ وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النَّار.

الشيخ: أيش قال على حديث .....: كان غلام؟

القارئ: "كان غلامٌ يهودي يخدم" لم أقف في شيءٍ من الطُّرق الموصولة على تسميته، إلا أنَّ ابن بشكوال ذكر أنَّ صاحبَ "العتبية" حكى عن زياد شيطون: أنَّ اسم هذا الغلام عبدالقدوس. قال: وهو غريبٌ، ما وجدتُه عند غيره.

قوله: "وهو عنده" في رواية أبي داود: "عند رأسه"، أخرجه عن سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه، وكذا للإسماعيلي، عن أبي خليفة، عن سليمان.

قوله: "فأسلم" في رواية النَّسائي، عن إسحاق بن راهويه، عن سليمان المذكور: "فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله".

قوله: أنقذه من النار في رواية أبي داود وأبي خليفة: أنقذه بي من النار.

وفي الحديث: جواز استخدام المشرك، وعيادته إذا مرض.

وفيه: حُسن العهد، واستخدام الصَّغير، وعرض الإسلام على الصَّبي، ولولا صحّته منه ما عرضه عليه.

وفي قوله: أنقذه بي من النار دلالة على أنَّه صحَّ إسلامه، وعلى أنَّ الصَّبي إذا عقل الكفر ومات عليه أنَّه يُعذَّب.

الشيخ: لكن ليس بصريحٍ أنَّه صبي، فيحتمل أنَّه بالغٌ، وأنَّ أنقذه بي من النار دلَّ على أنَّه لو مات على اليهودية فهو من أهل النار، فالصَّبي إذا مات محلّ خلافٍ: هل يُمتحن يوم القيامة، أو أنَّه من أهل الجنة: أولاد الكفَّار؟

فلو كان هذا صحيحًا، وأنَّه صغيرٌ، معناه: الدّلالة على أنَّ أولاد الكفَّار في النار، والصَّحيح أنَّ أولاد الكفَّار إمَّا في الجنة، كما في حديث قصّة إبراهيم: أنَّ أولاد الكفَّار في الروضة، أو أنَّهم يُمتحنون يوم القيامة.

وقوله عليه الصلاة والسلام: فأبواه يُهوّدانه، أو يُنصّرانه يدلّ على أنَّه إذا كان أحدُ أبويه مُسلمًا يكون تبعَ المسلم، ما عاد يُنصّرونه، ولا يُهوّدونه، هو على الملّة، كل مولودٍ يُولَد على الملّة، على الفطرة، فلا يخرج عنها إلا بالتَّهويد والتَّنصير من أبويه، فإذا كان أحدُ أبويه ميتًا أو مسلمًا فهو على الفطرة، يبقى على الفطرة، يكون مسلمًا، له حكم الإسلام ما دام لم يبلغ.

وفي هذا من الفوائد مثلما قال المؤلف: جواز استخدام الكافر، وجواز أيضًا عرض الإسلام عليه، والدَّعوة إليه، وعيادة المريض الكافر، وهذا -والله أعلم- إذا وجد فيه الخير، كما عاد النبيُّ ﷺ أبا طالب، إذا رجا إسلامه، إذا لم يكن في عيادته شرٌّ، أمَّا إذا كانت عيادته ليست لقصد مصلحةٍ شرعيةٍ فلا ينبغي .....، أمَّا إذا كانت لمصلحةٍ شرعيةٍ كما فعل النبيُّ ﷺ: للدَّعوة، والتَّوجيه، فهذا مطلوبٌ.

ثم هذا في غير الجزيرة، أمَّا الجزيرة فقد نُسخ بقاء الكفَّار فيها، فلا يجوز أن يبقى فيها كفَّار، بل يجب أن يُبعدوا منها، وأوصى النبي ﷺ بإخراجهم من الجزيرة، أمَّا في غير الجزيرة فلا بأس باستخدامهم ودعوتهم إلى الإسلام، مثلما استخدم النبي ﷺ هذا اليهودي، ومثلما استخدم اليهود في خيبر، وشارطهم على النصف: أن يعملوا فيها للمسلمين بالنَّخيل والزروع، كلّ هذا قبل أن يُؤمَر بإجلائهم من الجزيرة، نعم. عليه حاشية؟

القارئ: وفي هذه الحاشية نظر؛ لأنَّه ليس في الحديث المذكور دلالة صريحة على أنَّ الغلام المذكور لم يبلغ، وقد صحَّ عن النبي ﷺ أنَّه قال: رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ، وذكر منهم الصَّغير حتى يبلغ. والله أعلم.

الشيخ: واضح، نعم.

س: قال ابنُ صياد: "هو الدّخ"، فقال: اخبأ؟

ج: الدّخ يعني: الدخان، الدخان الذي يكون في آخر الزمان.

س: مكتوب: اخبأ؟

ج: لا، اخسأ، الذي عنده "اخبأ" غلط، "اخسأ" بالسين، صلّحها.

وفيه أيضًا أنَّ ابن صياد يتّهم بأنَّه الدَّجال؛ ولهذا كان النبيُّ ﷺ يحرص أن يعرف عنه شيئًا، ونهى عمرَ عن قتله، وقال: إن يكن هو فلن تُسلّط عليه، لا بدَّ من خروجه في آخر الزمان، ما أنت بمُسلّط عليه، وإن لم يكن هو فلا خيرَ لك في قتله، نعم.

1357- حدثنا علي بن عبدالله: حدثنا سفيان، قال: قال عبيدالله ابن أبي يزيد: سمعتُ ابن عباسٍ رضي الله عنهما يقول: "كنتُ أنا وأمّي من المستضعفين: أنا من الولدان، وأمّي من النِّساء".

الشيخ: كان تبع أمّه، ابن عباسٍ ما أسلم إلا أخيرًا بعد الفتح، فهذا يدلّ على أنَّ الولد مع المسلم منهما، سواء ذكر أو أنثى، مع المسلم منهما، نعم.

1358- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شُعيب، قال ابنُ شهاب: يُصلَّى على كل مولودٍ مُتوفّى، وإن كان لغيةً.

الشيخ: "وإن كان لغيةً" يعني: ولد زنا.

قال ابنُ شهاب: يُصلَّى على كل مولودٍ مُتوفّى، وإن كان لغيةً.

الشيخ: أيش قال الشارحُ عليه؟

وقول ابن شهاب: "لغية" بكسر اللام، والمعجمة، وتشديد التَّحتانية، أي: من زنا، ومُراده أنَّه يُصلَّى على ولد الزنا، ولا يمنع ذلك من الصَّلاة عليه؛ لأنَّه محكومٌ بإسلامه تبعًا لأُمِّه، وكذلك مَن كان أبوه مُسلمًا دون أمِّه.

وقال ابنُ عبدالبرِّ: لم يقل أحدٌ أنَّه لا يُصلَّى على ولد الزنا، إلا قتادة وحده، واختلف في الصَّلاة على الصَّبي؛ فقال سعيد بن جبير: لا يُصلَّى عليه حتى يبلغ. وقيل: حتى يُصلِّي. وقال الجمهور: يُصلَّى عليه، حتى السّقط إذا استهلَّ.

الشيخ: هذا هو الصواب: أنَّه يُصلَّى على السّقط، نعم.

س: .............؟

ج: ولو لم يستهلّ، استهلّ: صاح، الصواب أنَّه يُصلَّى عليه ما دام نُفخت فيه الروح .....؛ لحديث المغيرة -وهو جيد-: والسّقط يُصلَّى عليه، ويُدعا لوالديه.

مُداخلة: في تعليق على هذا: والصواب شرعية الصَّلاة عليه وإن لم يستهلّ إذا كان قد نُفخت فيه الروح؛ لعموم حديث: السّقط يُصلَّى عليه، وتقدّم بحثٌ في ذلك، والله أعلم.

الشيخ: طيب.

وقد تقدّم في باب قراءة فاتحة الكتاب ما يُقال في الصَّلاة على جنازة الصَّبي، ودخل في قوله: كل مولودٍ السّقط؛ فلذلك قيَّده بالاستهلال، وهذا مصيرٌ من الزهري إلى تسمية الزاني أبًا لمن زنى بأمِّه؛ فإنَّه يتبعه في الإسلام، وهو قول مالك.

وسيأتي الكلامُ على المتن المرفوع، وعلى ذكر الاختلاف على الزهري فيه في باب "أولاد المشركين" إن شاء الله تعالى.

الشيخ: طيّب.

قال ابنُ شهاب: يُصلَّى على كل مولودٍ مُتوفّى وإن كان لغيةً؛ من أجل أنَّه وُلد على فطرة الإسلام، يدّعي أبواه الإسلام، أو أبوه خاصَّةً، وإن كانت أُمُّه على غير الإسلام، إذا استهلَّ صارخًا صُلِّي عليه، ولا يُصلَّى على مَن لا يستهلّ؛ من أجل أنَّه سقطٌ، فإنَّ أبا هريرة كان يُحدِّث: قال النبيُّ ﷺ: ما من مولودٍ إلا يُولد على الفطرة، فأبواه يُهوّدانه، أو يُنصّرانه، أو يُمجِّسانه، كما تنتج البهيمةُ بهيمةً جمعاء، هل تحسّون فيها من جدعاء؟ ثم يقول أبو هريرة : فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا الآية [الروم:30].

1359- حدثنا عبدان: أخبرنا عبدالله: أخبرنا يونس، عن الزهري: أخبرني أبو سلمة ابن عبدالرحمن: أنَّ أبا هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: ما من مولودٍ إلا يُولد على الفطرة، فأبواه يُهوّدانه، ويُنصّرانه، أو يُمجّسانه، كما تنتج البهيمةُ بهيمةً جمعاء، هل تُحسّون فيها من جدعاء؟ ثم يقول أبو هريرة : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ.

الشيخ: ومعنى على الفطرة يعني: على الإسلام، كما في الرِّواية الأخرى: إلا على هذه الملّة يعني: ملّة الإسلام.

س: ..............؟

ج: ليس بجيدٍ كما تقدّم.

س: ..............؟

ج: ما أتذكر شيئًا الآن ..... في المجوس خاصَّةً، ما أتذكر، المجوس معروفون، المجوس وثنيون، عُبَّاد النار، الفرس يُقال لهم: مجوس، والمشهور عنهم أنَّهم كانوا يُعظِّمون النار ويعبدونها، وهم وثنيون، حكمهم حكم الوثني، إلا في شيءٍ واحدٍ؛ وهو أخذ الجزية فقط، يُلحقون باليهود والنَّصارى في الجزية فقط، وإلا فهم وثنيون، لا تُباح ذبائحهم، ولا نساؤهم، نعم، كسائر الوثنيين.

س: في ثلاجات الموتى في المستشفيات يخلطون جثث المسلمين مع جثث الكفَّار؟

ج: ما يجوز هذا، يجب التَّنبيه على هذا إن كان .....، اكتب لي عليه، أو ..... بلغني، نعم.

س: جمعهم في الثّلاجات هل يُعتبر قبرًا؟

ج: لا، فقط قد يشتبهون: هذا صلَّى، وهذا صلَّى عليه، أو يُدفنون في قبرٍ، فلا بدَّ أن يُميز هؤلاء عن هؤلاء، ولو بالكتابة عليهم بشيءٍ يُميزهم فقط.

س: هو يكتب عليهم؟

ج: هذا مسلم، وهذا كافر.

س: يكتب عليه الاسم الكامل، ويكتب عليه تاريخ الوفاة؟

ج: إن كان يكتب عليه الأمر سهلٌ، حصل المقصود، هذا ما هو بدفنٍ، هذا حفظٌ له مُؤقّت.

س: ما فيه محظور؟

ج: ما فيه شيء، ما نعلم؛ لأنَّه قد لا يتيسر أن يُوضع كلّ واحدٍ في ثلاجةٍ، قد يصعب، قد تكون الثلاجات .....

س: الأطعمة التي تأتي من اليابان وتايوان؟

ج: ما تحلّ الأطعمة إلا من أهل الكتاب: اليهود والنَّصارى فقط.

س: تُباع في الأسواق هنا، تأتي من تايوان ومن اليابان؟

ج: يجب منعها، هذا قد كُتِبَ فيه غير مرةٍ، وصدر وبُيِّن للدولة أنَّه لا يجوز أن ..... إلا طعام أهل الكتاب.

س: ...............؟

ج: الذي عنده يقينٌ يكتب لنا عنها، ولو .....