أما بعد فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات

وعمر يُكلّم الناس، فقال: "اجلس"، فأبى، فقال: "اجلس"، فأبى، فتشهد أبو بكر ، فمال إليه الناسُ، وتركوا عمر، فقال: "أما بعد، فمَن كان منكم يعبد محمدًا ﷺ، فإنَّ محمدًا ﷺ قد مات، ومَن كان يعبد الله، فإنَّ الله حيٌّ لا يموت، قال الله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144]"، فوالله لكأنَّ الناس لم يكونوا يعلمون أنَّ الله أنزل الآيةَ حتى تلاها أبو بكر ، فتلقَّاها منه الناس، فما يسمع بشر إلا يتلوها.

الشيخ: هذه مُنقبة عظيمة للصّديق ، فعند الشَّدائد والأهوال يتبين الرجال ومنازلهم، في هذا اليوم العظيم اتَّضح فقه الصّديق ، وثباته ، وأنه حصل له من الثَّبات والبصيرة ما لم يحصل لعمر، كان قد تشكك في موته ﷺ، وقال: إنَّه لم يمت. وسوف يضرب أعناق رجالٍ، وسوف يفعل ويفعل، التبس الأمرُ على عمر رضي الله عنه وأرضاه.

وجاء الصّديق من منزله، ودخل على النبي ﷺ، وكشف عنه، كان قد سُجّي ببردٍ حبرةٍ قبل أن يُغسّل عليه الصلاة والسلام، فلمَّا نظر إليه عرف أنَّه قد مات، وقبّله، وقال ما قال: "والذي بعثك بالحقِّ، أما الموتة التي كُتبت عليك فقد متّها، ولن يجمع اللهُ عليك بين موتتين"، فليس هناك موتة ثانية، فالموتة التي كُتبت حصلت.

والمقصود من هذا الردّ على مَن قال: إنَّه لم يمت، والله يقول في كتابه العظيم: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30].

ثم خرج الصّديقُ وعمر يُكلّم الناس ويقول: إنَّه لم يمت. وسوف يفعل ويفعل .. إلى آخره، فقال: "اجلس"، فأبى، فقال: "اجلس"، فأبى، وهذا من اجتهاد عمر ، من اجتهاده وحرصه على الخير.

عمر هو الشَّخص الثاني بعد الصّديق، وهو أفضل الخلق بعد النبي ﷺ، وبعد الأنبياء، وبعد الصّديق ، كان من أفقه الناس، لكن في هذا الأمر العظيم دهش واشتبه عليه الأمر، حتى وفق اللهُ الصّديق فقال وأبان الأمر، فقال عمرُ عند ذلك: كأني ما سمعتها قبل أن يقرأها الصّديق .

ورجع عمرُ إلى قول الصّديق ، ورجع الناس إلى قول الصّديق حين قرأ عليهم هذه الآية، حمد الله وأثنى عليه ثم قرأ الآية، وهذه المقدمة العظيمة: "مَن كان يعبد محمدًا، فإنَّ محمدًا بشرٌ قد مات عليه الصلاة والسلام، ومَن كان يعبد الله، فإنَّ الله حيٌّ لا يموت"، هذه مقدمة عظيمة، ثم تلا قوله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ.

فكأنَّ الناس ما سمعوها إلا لما تلاها الصّديقُ رضي الله عنه وأرضاه، فصار الناسُ يلهجون بها في طرقاتهم، وفي بيوتهم، يتعزّون بها، ويعلمون أنَّ الله جلَّ وعلا قد قبض نبيَّه عليه الصلاة والسلام.

ولا شكَّ أنها مصيبة عظيمة، بل أعظم مصيبةٍ، أعظم مصيبةٍ مُصيبتهم بوفاة نبيِّهم عليه الصلاة والسلام، ولكنَّه أمر الله الذي كتبه على بني آدم: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۝ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۝ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157]. نعم.

وفيه من الفوائد: جواز تقبيل الميت، وجواز الكشف عنه وهو مُسجى قبل التَّكفين، وبعد التَّكفين، هنا ما بعد كفّن، لكن أراد المؤلفُ بيان أنَّه إذا جاز هذا جاز هذا، ولا بأس أن يُقبّل، يُقبّله أخوه، أبوه، أخوه في الله، مُحبُّوه، زوجته، حتى زوجته؛ لأنَّها تُغسّله، لها أن تُغسّله أيضًا على الصَّحيح، وهكذا الزوج له أن يُغسّل زوجته، نعم، وله أن يُقبّلها بعد الموت، لا حرج في ذلك، نعم.

حدثنا يحيى بن بُكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهابٍ قال: أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت: أنَّ أمَّ العلاء -امرأة من الأنصار بايعت النبيَّ ﷺ- أخبرته: أنَّه اقتسم المهاجرون قرعةً، فطار لنا عثمانُ بن مظعون، فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الذي تُوفي فيه، فلمَّا تُوفي وغُسّل وكُفّن في أثوابه دخل رسولُ الله ﷺ، فقلتُ: رحمة الله عليك أبا السَّائب، فشهادتي عليك: لقد أكرمك الله. فقال النبي ﷺ: وما يُدريكِ أنَّ الله قد أكرمه؟ فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمَن يُكرمه الله؟ فقال: أمَّا هو فقد جاءه اليقين، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسولُ الله ما يُفعل بي، قالت: فوالله لا أُزكِّي أحدًا بعده أبدًا.

حدثنا سعيد بن عُفير: حدثنا الليث مثله.

وقال نافعُ بن يزيد: عن عقيل: ما يُفعل به. وتابعه شُعيب، وعمرو بن دينار، ومعمر.

1244- حدثنا محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثنا شعبة، قال: سمعتُ محمد بن المنكدر، قال: سمعتُ جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: لما قُتل أبي جعلتُ أكشف الثوبَ عن وجهه أبكي، وينهوني عنه، والنبي ﷺ لا ينهاني، فجعلتْ عمّتي فاطمةُ تبكي، فقال النبي ﷺ: تبكين أو لا تبكين، ما زالت الملائكةُ تُظلّه بأجنحتها حتى رفعتُموه.

تابعه ابنُ جريج: أخبرني محمد بن المنكدر، سمع جابرًا .

الشيخ: وهذه أيضًا منقبة لعثمان بن مظعون، ولعبدالله بن عمرو بن حرام، والد جابر رضي الله عنهما.

وفيه دلالة على جواز الدُّخول على الميت بعد التَّكفين، والكشف عنه كما فعل الصّديق مع النبي ﷺ، كلّ هذا جائز كما جرى ..... عبدالله بن عمرو بن حرام، كان يكشف عنه ويبكي ولده جابر، وأقرّه النبي ﷺ.

وهكذا فيه بيان أنَّه لا يشهد لمعينٍ بجنةٍ، ولا نارٍ، ولا كرامةٍ إلا بدليلٍ؛ ولهذا لما قالت المرأةُ: شهادتي عليك: لقد أكرمك الله. قال: وما يُدريكِ؟! والله وأنا رسول الله لا أدري ما يُفعل بي، هذا فيه أنَّه لا ينبغي ولا يجوز الشَّهادة لمعينٍ بشيءٍ إلا بدليلٍ، وقد أنزل الله في هذا قوله سبحانه: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ [الأحقاف:9].

وهذا قبل أن يُوحى إليه أنَّه من أهل الجنة، ثم علم ما يُفعل به، وأنَّه من أهل الجنة، وأنَّ الأنبياء في الجنة، وهكذا أخبر عن الخلفاء الرَّاشدين وبقية العشرة في الجنة، فأطلعه الله على ما له عنده .

وفيه فضل عبدالله بن حرام، والد جابر: أنَّه ما زالت الملائكةُ تُظلّه بأجنحتها حتى رفعوه، وكان قُتل يوم أحدٍ ، نعم.

س: ..............؟

ج: ..... قال: أرجو له الخير، وأنكر على المرأة شهادتها: لقد أكرمك الله. نعم.

س: حديث جابرٍ فيه جواز البكاء على الميت؟

ج: فيه جواز البكاء، البكاء من غير صوتٍ، من غير نياحةٍ، مثلما قال ﷺ: العين تدمع، في قصّة إبراهيم قال: العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يُرضي الربّ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون، وقد بكى على ابنته لما تُوفيت، وبكى على ولد ابنته أيضًا، فالبكاء لا بأسَ به، المحرّم النِّياحة. نعم.

س: إذا كان بكاء بصوتٍ مُنخفضٍ؟

ج: الذي بصوتٍ هذا هو النياحة، أما بغير صوتٍ فلا بأس، دمع العين، ونشيج الأنف، بالصوت ما يصلح.

باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه

1245- حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك، عن ابن شهابٍ، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة : أنَّ رسول الله ﷺ نعى النَّجاشي في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلَّى، فصفَّ بهم وكبَّر أربعًا.

1246- حدثنا أبو معمر: حدثنا عبدالوارث: حدثنا أيوب، عن حميد بن هلال، عن أنس بن مالك قال: قال النبيُّ ﷺ: أخذ الراية زيدٌ فأُصيب، ثم أخذها جعفر فأُصيب، ثم أخذها عبدالله بن رواحة فأُصيب، وإن عيني رسول الله ﷺ لتذرفان، ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرةٍ ففتح له.

الشيخ: ، وهذا فيه جواز الإخبار عن الميت، إخبار أهله، وأن يحضروا الصلاةَ عليه، وليس هذا من النَّعي، ولا من النياحة، كونه يُخبر جيرانه وأقاربه ليحضروا؛ لهذا نعى النبيُّ ﷺ النَّجاشي، يعني: أخبرهم بموته، والصلاة عليه، فخرج إلى المصلَّى وصلَّى بهم، وكبَّر عليه أربعًا.

فالنَّعي نعيان:

نعي جائز: وهو الخبر بموته لأقاربه وأصحابه وجيرانه ونحو ذلك.

ونعي آخر ما تفعله الجاهلية: كونه يركب صاحب مطية، ويطوف في الناس والقبائل: مات فلان، مات فلان. فهذا هو نعي الجاهلية، والنبي نهى عنه ﷺ.

أمَّا كونه يُخبر عنه، أو يكتب في الجريدة أنَّه تُوفي فلان، أو يكتب له ترجمة، فليس هذا من النَّعي، نعم.

س: ..............؟

ج: في المصلَّى، الجنائز لها مُصلّى غير المسجد، نعم، وقد يُصلَّى عليها في المسجد بعض الأحيان، مثلما صلى على ابني بيضاء في المسجد عليه الصلاة والسلام، وصُلِّي على سعد بن أبي وقاص في المسجد في حياة عائشةَ رضي الله عنها.

س: ..............؟

ج: قالت: لقد صلَّى رسولُ الله على ابني بيضاء في المسجد. والغالب في المصلَّى.

س: النَّعي في الصُّحف؟

ج: ما نعلم فيه شيئًا، ما هو من أمر الجاهلية، من باب الخبر، نعم.

س: ..............؟

ج: هذا غلط، كونه يقول: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [الفجر:27]، وأيش يُدريه؟! ..... توفي فلان في يوم كذا، ومات فلان في يوم كذا .....، أو ما أشبه ذلك، نعم.

أمَّا كونه يقول: "النفس الزكية"، أو يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، هذا لا ينبغي، مثلما قال النبي ﷺ للمرأة لما قالت: شهادتي عليك: لقد أكرمك الله. أنكر عليها، قال: وما يُدريكِ؟!.

س: .............؟

ج: ما أعلم فيه شيئًا، في محلِّهم، الجميع يُعزّون في محلِّهم، وإذا كان المحلّ ما هو بمناسب، محلّ ضيق، وجلسوا في محلٍّ آخر ما أعلم فيه شيئًا.

س: .............؟

ج: لا، ما له أصل هذا، أمَّا الذهاب به على السيارة، أو على رؤوس الرجال؛ لا بأس.

س: .............؟

ج: لا، كلّ هذا ما له أصل، هذا بدعة.

أيش قال على النَّعي -نعي النَّجاشي؟

قوله: "باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه" كذا في أكثر الرِّوايات، ووقع للكشميهني بحذف الموحدة، وفي رواية الأصيلي بحذف "أهل"، فعلى الرواية المشهورة يكون المفعولُ محذوفًا، والضَّمير في قوله: "بنفسه" للرجل الذي ينعى الميت إلى أهل الميت بنفسه.

وقال الزينُ بن المنير: الضَّمير للميت؛ لأنَّ الذي يُنكر عادةً هو نعي النفس، لما يدخل على القلب من هول الموت. انتهى.

والأول أولى، وأشار المهلب إلى أنَّ في الترجمة خللًا، قال: والصواب: الرجل ينعى إلى الناس الميت بنفسه. كذا قال، ولم يصنع شيئًا إلا أنَّه أبدل لفظ "الأهل" بـ"الناس"، وأثبت المفعول المحذوف، ولعله كان ثابتًا في الأصل فسقط، أو حُذف عمدًا لدلالة الكلام عليه، أو لفظ "ينعى" بضمِّ أوله، والمراد بالرجل الميت، والضَّمير حينئذٍ له، كما قال الزين بن المنير، ويستقيم عليه رواية الكشميهني.

وأمَّا التَّعبير بالأهل فلا خللَ فيه؛ لأنَّ مُراده به ما هو أعمّ من القرابة، وهو أخوة الدِّين، وهو أولى من التَّعبير بالناس؛ لأنَّه يُخرج مَن ليس له به أهلية: كالكفار، وأما رواية الأصيلي فقال ابنُ رشيد: إنها فاسدة.

قال: وفائدة هذه الترجمة الإشارة إلى أنَّ النعي ليس ممنوعًا كله، وإنما نُهِيَ عمَّا كان أهلُ الجاهلية يصنعونه، فكانوا يُرسلون مَن يُعلن بخبر موت الميت على أبواب الدُّور والأسواق.

وقال ابنُ المرابط: مُراده أنَّ النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مُباحٌ، وإن كان فيه إدخال الكرب والمصائب على أهله، لكن في تلك المفسدة مصالح جمّة؛ لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته، وتهيئة أمره، والصلاة عليه، والدُّعاء له، والاستغفار، وتنفيذ وصاياه، وما يترتب على ذلك من الأحكام.

وأما نعي الجاهلية فقال سعيدُ بن منصور: أخبرنا ابنُ علية، عن ابن عون قال: قلتُ لإبراهيم: أكانوا يكرهون النَّعي؟ قال: نعم. قال ابنُ عون: كانوا إذا تُوفي الرجلُ ركب رجلٌ دابَّةً ثم صاح في الناس: أنعي فلانًا.

وبه إلى ابن عونٍ قال: قال ابنُ سيرين: لا أعلم بأسًا أن يُؤذن الرجلُ صديقَه وحميمَه.

وحاصله أنَّ محض الإعلام بذلك لا يُكره، فإن زاد على ذلك فلا، وقد كان بعضُ السلف يُشدد في ذلك، حتى كان حُذيفة إذا مات له الميتُ يقول: لا تُؤذنوا به أحدًا؛ إني أخاف أن يكون نعيًا، إني سمعتُ رسول الله ﷺ بأذني هاتين ينهى عن النَّعي. أخرجه الترمذي وابن ماجه بإسنادٍ حسنٍ.

الشيخ: لعلَّ حُذيفة نسي خبر النَّجاشي، وإخبار النبي ﷺ بموت جعفر وابن رواحة وزيد بن حارثة، فخاف أن يكون من النَّعي، لكن النَّعي المنهي عنه هو الذي تفعله الجاهلية، أمَّا الإخبار بموت فلانٍ فليس من النَّعي؛ ولهذا قال أبو هريرة: "نعى النبيُّ النَّجاشي" يعني: أخبر بموته، ولم يزل الناسُ هكذا في عهده ﷺ وبعده: الإخبار بموت الميت حتى يُصلَّى عليه، ويُدعا له، إلى غير هذا من الفوائد ما هو معلوم، نعم.

قال ابنُ العربي: يُؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات:

الأولى: إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصَّلاح، فهذا سنة.

الثانية: دعوة الحفل للمُفاخرة، فهذه تُكره.

الثالثة: الإعلام بنوعٍ آخر كالنِّياحة ونحو ذلك، فهذا يحرم.

الشيخ: العيني موجود؟

الطالب: نعم، أحسن الله إليك.

الشيخ: زاد شيئًا العيني؟

الطالب: فيه كلام طويل.

الشيخ: الكلام على النَّعي.

ذكر ما يُستنبط منه من الأحكام، وهو على وجوهٍ:

الأول: فيه إباحة النَّعي، وهو أن يُنادى في الناس أنَّ فلانًا مات؛ ليشهدوا جنازته، وقال بعضُ أهل العلم: لا بأسَ أن يعلم الرجل قرابته وإخوته. وعن إبراهيم: لا بأس أن يعلم قرابته.

وقال شيخُنا زين الدِّين: إعلام أهل الميت وقرابته وأصدقائه استحسنه المحققون والأكثرون من أصحابنا وغيرهم.

الشيخ: مثلما فعله النبيُّ ﷺ؛ خرج إلى الناس ونعى إليهم النَّجاشي، وأخبرهم، أمر مشروع، حتى يكثر المصلّون عليه، والدَّاعون له.

وذكر صاحب "الحاوي" -من أصحابنا- وجهين في استحباب الإنذار بالميت وإشاعة موته بالنِّداء والإعلام، فاستحبّ ذلك بعضُهم للغريب والقريب؛ لما فيه من كثرة المصلين عليه والدَّاعين له.

وقال بعضُهم: يُستحبّ ذلك للغريب، ولا يُستحبّ لغيره.

وقال النووي: والمختار استحبابه مطلقًا إذا كان مجرد إعلام.

وفي "التوضيح": وقال صاحب "البيان" -من أصحابنا-: يُكره نعي الميت، وهو أن يُنادى عليه في الناس أنَّ فلانًا قد مات؛ ليشهدوا جنازته، وفي وجهٍ حكاه الصيدلاني: لا يُكره.

وفي "حلية الروياني" -من أصحابنا- الاختيار أن يُنادى به؛ ليكثر المصلون.

وقال ابنُ الصباغ: قال أصحابُنا: يُكره النِّداء عليه، ولا بأس أن يعلم أصدقاءه. وبه قال أحمد.

وقال أبو حنيفة: لا بأس به. ونقله العبدري عن مالك أيضًا.

ونقل ابنُ التين عن مالك كراهة الإنذار بالجنائز على أبواب المساجد والأسواق؛ لأنَّه من النعي.

قال علقمة بن قيس: الإنذار بالجنائز من النَّعي، وهو من أمر الجاهلية.

وقال البيهقي: ورُوي النَّهي أيضًا عن ابن عمر، وأبي سعيدٍ، وسعيد بن المسيب، وعلقمة، وإبراهيم النَّخعي، والربيع بن خيثم.

قلتُ: وأبي وائل، وأبي ميسرة، وعلي بن الحسين، وسويد بن غفلة، ومطرف بن عبدالله، ونصر بن عمران أبي جمرة.

وروى الترمذي من حديث حُذيفة أنَّه قال: إذا متّ فلا تُؤذنوا بي أحدًا، فإني أخاف أن يكون نعيًا، وإني سمعتُ رسول الله ﷺ ينهى عن النَّعي. وقال: هذا حديثٌ حسنٌ.

وروى أيضًا من حديث عبدالله، عن النبي ﷺ قال: إياكم والنَّعي، فإنَّ النعي من أمر الجاهلية. وقال: حديثٌ غريبٌ.

والمجوّزون احتجّوا بحديث الباب، وبما ورد في الصَّحيح أنَّ النبي ﷺ نعى للناس زيدًا وجعفرًا.

الشيخ: نعاهم على المنبر، أخبرهم على المنبر.

وفي الصَّحيح أيضًا قول فاطمة رضي الله تعالى عنها حين تُوفي النبي ﷺ: وا أبتاه، من ربِّه ما أدناه، وا أبتاه، إلى جبريل ننعاه.

وفي الصحيح أيضًا في قصّة الرجل الذي مات ودُفن ليلًا، فقال النبي ﷺ: أفلا كنتم آذنتُموني؟.

فهذه الأحاديث دالّة على جواز النَّعي.

وقال النووي: إنَّ النَّعي المنهي عنه إنما هو نعي الجاهلية.

قال: وكانت عادتهم إذا مات منهم شريفٌ بعثوا راكبًا إلى القبائل يقول: نعا يا فلان. أو: يا نعاء العرب. أي: هلكت العربُ بهلاك فلان. ويكون مع النَّعي ضجيجٌ وبكاءٌ.

وأمَّا إعلام أهل الميت وأصدقائه وقرابته فمُستحبٌّ على ما ذكرناه آنفًا.

واعترض بأنَّ حديث النَّجاشي لم يكن نعيًا، إنما كان مجرد إخبارٍ بموته، فسمّي "نعيًا" لشبهه به في كونه إعلامًا، وكذا القول في جعفر ابن أبي طالب وأصحابه.

وردّ بأنَّ الأصل –الحقيقة- على أنَّ حديث النَّجاشي أصحّ من حديث حُذيفة.

الشيخ: يكفي، بركة، والخلاصة: أنَّ الخبر بموت الإنسان لا بأس به، بل مُستحبّ، إخبار أقاربه وجيرانه حتى يحضروه ويُصلّوا عليه.

أمَّا بعث الركبان والصِّياح في الأسواق فهذا شيء مُستنكر، بدعي، لا وجهَ له.

أما الإخبار العادي: مات فلان، وهو يخرج على ..... الجماعة في ..... توفي فلان، أو في المسجد يقول: مات فلان. كلّ هذا مما فعله النبيُّ ﷺ.

س: ..............؟

ج: من هذا الباب، من باب الجواز، وترجمته في الكتب.

س: تأخير الجنازة حتى يكثر المصلّون عليه؟

ج: إذا كان التأخيرُ يسيرًا ما يضرّ، النبي ﷺ قال: أسرعوا بالجنازة، إن كان شيئًا يسيرًا ما يضرّ؛ حتى يحضر أقاربه وأصحابه إن كانوا قريبين.

س: مدة القدر اليسير يوم؟

ج: لا، لا، مثلًا: مات آخر الليل، وأخَّروه إلى الظهر .....، ولم يعجلوا حتى أخَّروه إلى الظهر، أو مات في العصر وأخَّروه إلى العشاء، هذا شيء ما يُعدّ ..... ما يُخالف: أسرعوا بالجنازة.

س: ..............؟

ج: لأجل كثرة الناس، هذا القصد: لأجل أن يكثر الناس، المطلوب أن يُصلي عليه الجمُّ الغفير.

س: ..............؟

ج: لو صلّوا عليه في وقتٍ آخر ما في شيء إذا تيسر مَن يُصلي عليه، لكن كونه يتحرى الجماعة الكثيرة أولى.

باب الإذن بالجنازة

وقال أبو رافع: عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ: ألا آذنتُموني؟.

1247- حدثنا محمد: أخبرنا أبو معاوية، عن أبي إسحاق الشَّيباني، عن الشَّعبي، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: مات إنسانٌ كان رسولُ الله ﷺ يعوده، فمات بالليل، فدفنوه ليلًا، فلمَّا أصبح أخبروه، فقال: ما منعكم أن تُعلموني؟ قالوا: كان الليلُ فكرهنا، وكانت ظُلمة أن نشقَّ عليك. فأتى قبره فصلَّى عليه.

الشيخ: هذا من باب الخبر، كلّه من النَّعي الجائز، نعم.

باب فضل مَن مات له ولدٌ فاحتسب

الشيخ: بركة، ..... البحث في وفاة النَّجاشي في أي شهرٍ، أو في أي يومٍ كان، تكلّم عليه، أو ما تعرّض له؟

قارئ المتن: قال: سيأتي الكلام عليه.

س: .............؟

ج: هذا غيره.

س: .............؟

ج: بعد العصر، ما في بأس؛ لأنَّه وقت طويل، وبعد الفجر كذلك وقت طويل، وهذا من ذوات الأسباب، نعم.