باب الاستتار عن الأعين للمغتسل وجواز تجرده في الخلوة

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغُرِّ المحجلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا مرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ جديدٍ من دروس "المنتقى".

ضيف اللِّقاء هو سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

مع مطلع هذا اللِّقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: الحقيقة بقيت أسئلةٌ في باب الاستتار عن الأعين للمُغتسل، وجواز تجرده في الخلوة، نستأذن سماحة الشيخ في أن نعرضها عليه:

والسؤال الأول: ما حكم التَّسمية بعبدالستار؟

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فلا أعلم حرجًا في ذلك؛ لأنَّ الستار من أسمائه جلَّ وعلا في المعنى؛ لأنه جاء في الحديث: الستير: حيي ستير، وستير بمعنى المبالغة، بمعنى الستار، ولكن إذا ترك الإنسانُ هذا الاسمَ وتسمَّى بالأسماء المعروفة الواضحة الثابتة في القرآن والسنة يكون أحسن: كعبدالسميع، والبصير، والحكيم، والقدير، والعزيز، وأشباه ذلك، وأما الحفيظ فهو من أسماء الله، فعبدالحفيظ لا بأس به.

س: هل يُشتقّ من الصِّفات أسماء لله يا سماحة الشيخ؟

الشيخ: لا، الأسماء توقيفية، أسماء الله توقيفية، لا يُشتقّ من أفعاله أسماء له، ولكنها توقيفية، فلا يشتقّ من: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ [آل عمران:54] الماكر، ولا من: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142] الخادع، ولا من: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ۝ وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق:15- 16] الكائد، أسماء الله توقيفية، فما جاء بلفظ الفعل يُطلق عليه بلفظ الفعل، وما جاء بلفظ الاسم يُطلق عليه بلفظ الاسم، وما جاء مُضافًا فقط يُطلق بالإضافة: وَهُوَ خَادِعُهُمْ.

س: ذكر ابنُ حزمٍ رحمه الله يا سماحة الشيخ: أن العلماء اتَّفقوا على تحريم التَّعبيد لغير الله، ما علَّة ذلك؟ وهل معنى ذلك أنه يجوز أن نُسمي: عبد المطلب؟

الشيخ: ذكر الشيخُ محمد رحمه الله في كتاب "التوحيد" عن ابن حزم: اتِّفاق العلماء على تحريم كل اسمٍ عُبِّد لغير الله: كعبد الكعبة، وعبد النبي، وعبد الصنم الفلاني، وما أشبه ذلك، أو عبد الكواكب، كل هذا لا يجوز، ما عدا عبد المطلب؛ لأنَّ الرسول ﷺ أقرَّ عبد المطلب، من أسماء بعض الصحابة: عبد المطلب، فدلَّ على استثنائه.

س: بمعنى أنَّ التعبيد لغير الله هل هو شرك أصغر؟

الشيخ: نعم، شرك أصغر.

س: حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: بينما أيوب عليه السلام يغتسل عُريانًا فخرَّ عليه جراد من ذهبٍ، فجعل أيوب يحثي في ثوبه، فناداه ربه تبارك وتعالى: يا أيوب، ألم أكن أغنيتُك عمَّا ترى؟! قال: بلى وعزتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك، هذا الحديث يا سماحة الشيخ -حديث أبي هريرة- ظاهره أنَّ الله تعالى لم يُنكر على أيوب اغتساله عُريانًا، وإنما عاتبه على جمع الجراد، كما ذكر ذلك ابنُ بطال رحمه الله، فكيف الجمع بينه وبين الحديث الأول؟

الشيخ: إذا كان المحلُّ خاليًا، ليس فيه مَن ينظر العورة فلا بأس إذا اغتسل عريانًا، كما اغتسل موسى عريانًا عليه الصلاة والسلام، ووضع ثوبه على الحجر، وكما كان النبيُّ يغتسل عريانًا في بيوته عليه الصلاة والسلام، فالغسل عُريانًا لا حرجَ فيه إذا كان في محلٍّ مستورٍ عن الأعين، لا يراه إلا زوجته، أو لا يراه أحد، لا حرج في ذلك، ومن ذلك ما وقع لأيوب عليه الصلاة والسلام، وقوله: لا غنى لي عن بركتك يعني: أن هذا الجراد من الذَّهب من البركة، ولا غنى للمؤمن عن بركة الله، فكونه جرادًا من ذهبٍ لا مانع من أخذه والاستفادة منه؛ لأنه من بركة الله.

س: علماء الأصول عندهم قاعدة، وهي: شرع مَن قبلنا شرعٌ لنا، ما رأيكم في هذه القاعدة؟ وهل هي مُضطردة؟

الشيخ: نعم، صحيح، ومنها هذا الحديث، احتجاج بقصة أيوب بالغسل عُريانًا، فشرع مَن قبلنا شرعٌ لنا بشرط: ما لم يرد شرعنا بخلافه، بهذا الشرط: أن يكون شرعُنا لم يأتِ بخلافه، فإذا ثبت عن موسى وعن عيسى وعن الأنبياء أفعال أو شريعة لهم فهو شرعٌ لنا، لا بأس أن نفعلها، إلا إذا جاء شرعنا بخلاف ذلك، إذا [جاء] شرعُنا بالنَّهي عن ذلك فإننا لا نعمل بها، تكون من خصائصهم.

س: هل الحديث الثالث تفسير لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا [الأحزاب:69]؟

الشيخ: يُحذر أمة محمد ﷺ أن يُؤذوا نبيَّهم كما آذى بنو إسرائيل موسى، يعني: احذروا أن تُؤذوا نبيَّكم محمدًا ﷺ كما فعل بعضُ بني إسرائيل، نسأل الله العافية.

 

باب الدُّخول في الماء بدون إزارٍ

- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَاءَ لَمْ يُلْقِ ثَوْبَهُ حَتَّى يُوَارِيَ عَوْرَتَهُ فِي الْمَاءِ رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وقد نصَّ أحمد على كراهية دخول الماء بغير إزارٍ.

وقال إسحاق: هو بالإزار أفضل؛ لقول الحسن والحسين رضي الله عنهما، وقد قيل لهما وقد دخلا الماء وعليهما بردان، فقالا: إنَّ للماء سُكَّانًا.

قال إسحاق: وإن تجرد رجونا ألا يكون آثمًا. واحتجَّ بتجرد موسى .

الشيخ: وهذا هو الصواب: أنه لا بأس بدخول الماء عريانًا إذا لم يكن عنده أحدٌ يرى عورته، لا بأس، حديث عليِّ بن زيدٍ ضعيف، لكن المقصود أنَّ دخول الماء عريانًا، والاغتسال عريانًا في الصحراء أو في غيرها من أي مكانٍ لا بأس به إذا كان مستورًا، ما عنده أحدٌ يرى عورته من الناس: في حمامه، في صحراء ما فيها أحد، في ماءٍ ما عنده أحدٌ، كل هذا لا حرجَ، الأصل هو السَّلامة حتى يأتي النَّهي، وقد فعل موسى هذا عليه الصلاة والسلام، والنبي ﷺ كان يغتسل عُريانًا عليه الصلاة والسلام.

 

بَابُ مَا جَاءَ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ ذُكُورِ أُمَّتِي فَلَا يَدْخُل الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرٍ، وَمَنْ كَانَتْ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ إنَاثِ أُمَّتِي فَلَا تَدْخُل الْحَمَّامَ رَوَاهُ أَحْمَدُ.

- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إنَّهَا سَتُفْتَحُ لَكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ، وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ، فَلَا يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إلَّا بِإِزَارٍ، وَامْنَعُوا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ.

الشيخ: الحمامات أحاديثها كلها ضعيفة، لكن إذا تيسر الاستغناء عنها فهو أولى، سواء كان في بلاد العجم، أو في بلاد المسلمين، إذا كانت حمامات يغشاها الناسُ من الرجال والنساء فينبغي للمؤمن أن يحذرها؛ لئلا تُرى عورته، وهكذا المؤمنة.

وأما الأحاديث المذكورة هنا وما جاء في معناها فهي ضعيفة عند أهل العلم، لكن إذا دعت الحاجةُ إلى الحمام لأنَّ فيه ماءً دافئًا والناس يحتاجون إليه فلا بأس، فإذا كان لا يرى عورته أحدٌ فلا حرج، فإن كان يراه أحدٌ فلا بدّ من لبس الإزار، لا بدَّ [أن] يلبس إزاره حتى لا تُرى عورته.

وأما النِّساء فيُمنعن من دخول الحمامات إذا كان فيها اختلاطٌ، أما إذا كانت حمامات مضبوطة، ليس فيها اختلاط، تستطيع المرأةُ أن تدخلها وهي مستورة العورة، لا يراها أحدٌ؛ فلا حرج في ذلك، ولا سيما في البلاد الباردة؛ لأنَّ الحمامات يكون فيها الماء الدَّافئ، فإذا دعت الحاجةُ إليها في البلاد الباردة، وهي حمامات مضبوطة، ليس فيها تكشف عند الرجال، بل المرأة تغتسل وحدها، والرجل يغتسل وحده أو بمئزرٍ؛ فلا حرج في ذلك والحمد لله؛ عملًا بالأصل.

س: تسمية دورات المياه في وقتنا الحاضر بالحمامات مع ما فيه من الذم؟

الشيخ: الأمر في هذا واسع؛ لأنه يغتسل فيها، الأمر سهل، لكن الصحيح النبي ﷺ قال: الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام، الحمام يعني: الذي يُبال فيه، وتُقضى فيه الحاجات.

كتاب التَّيمم

بَابُ تَيَمُّمِ الْجُنُبِ لِلصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً

- عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ؟ قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: التيمم هو مسح الوجه واليدين بالتراب، وهو فرضٌ عند عدم الماء، أو العجز عن استعماله؛ لقول الله سبحانه: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]، قد أجمع المسلمون على هذا؛ لأنَّ الله نصَّ عليه، فإذا عدم الماء في الصحراء وغيرها، أو عرض له عارضٌ يمنعه من ذلك: من مرضٍ أو جراحاتٍ لا يستطيع معها استعمال الماء فإنه يتيمم عن الحدث الأكبر والأصغر من الجنابة، وهكذا الحائض، وهكذا النُّفساء، إذا عجزت الحائضُ عن الماء أو النُّفساء تستعمل التيمم.

المقصود أنَّ التيمم بدل الماء عند العجز عن استعماله في الوضوء والغسل، وهكذا عند العدم -إذا كان معدومًا- وهو يرفع الحدثَ على الصحيح؛ ولهذا قال ﷺ: عليك بالصَّعيد فإنه يكفيك يعني: يكفي في الطَّهارة عن الماء عند عدم الماء.

وقال بعضُ أهل العلم: إنه لا يرفع الحدث، ولكن يُبيح العبادة، يُبيح له أن يُصلي ونحو ذلك، لكن لا يرفع الحدث؛ لأنَّ طهارته ناقصة.

والصواب أنه يرفع الحدث؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا أقامه مقام الماء، والنبي ﷺ قال: جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فسُمِّي التيمم: طهورًا، هذا هو الصواب، أما التَّيمم فمثل الماء يرفع الحدث، فإذا تيمم للظهر وجاء العصرُ وهو على طهارةٍ صلَّى بها العصر، وإذا تيمم للعصر وجاء المغربُ وهو على طهارةٍ صلَّى بها المغرب، هذا هو الصواب، ولا يبطل إلا بوجود الماء، أو بزوال العذر، إذا وُجد الماء عند تعذره بطل التيمم، أو عند زوال العذر الذي أباح التيمم؛ إذا زال العذرُ بطل التيمم، وجب عليه استعمال الماء.

س: إذًا الحالات التي تُبيح التَّيمم؟

الشيخ: عدم الماء، أو وجود العذر: من مرضٍ أو جراحات، إذا استعمل الماء يضرّه الماء.

س: الصِّفة الصَّحيحة للتيمم؟

الشيخ: يضرب بيديه التراب ضربةً واحدةً، ويمسح بهما وجهه وكفَّيه، هذا السنة، ما يحتاج لضربتين، ضربة واحدة، يمسح ببطون أصابعه وجهه، ثم يمسح يديه -باطنها وظاهرها- بباقي ما في يده من التراب، كما بيَّنه النبيُّ ﷺ في حديث عمار وفي غيره: ضرب الترابَ بيديه، ثم مسح بهما وجهه وكفَّيه، وعلم النبيُّ الناسَ هكذا أن يقولوا، والله قال: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]، وقال الرسولُ ﷺ: ابدؤوا بما بدأ الله به، نبدأ بالوجه.

والتيمم يكون في الكفَّين فقط، ما يحتاج إلى الذِّراعين، يمسح وجهه وكفَّيه فقط، الذِّراع ما يُمسَح.

س: التيمم هل هو خاصٌّ بهذه الأمة؟

الشيخ: نعم، خاصٌّ بهذه الأمة.

س: إذا تيمم الجنبُ ثم وجد الماء بعد مدةٍ، هل يلزمه الاغتسال؟

الشيخ: إذا تيمم الجنبُ ثم وجد الماء يمسّه بشرته، يغتسل كما أمر النبيُّ ﷺ، قال: الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماءَ عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتَّقِ الله وليمسّه بشرته.

 

بَابُ تَيَمُّمِ الْجُنُبِ لِلْجرحِ

- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَك رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: قَتَلُوهُ، قَتَلَهُم اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إذْ لَمْ يَعْلَمُوا؟ فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ، أَوْ يَعْصِبَ عَنْ جرْحِهِ ثُمَّ يَمْسَح عَلَيْهِ، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيُّ.

الشيخ: هذا هو الواجب على مَن به جراحات: إذا عجز عن الماء يتيمم، ويكفيه التيمم والحمد لله، كالعادم للماء.

والحديث في سنده ضعف، ولكن معناه صحيح، الحديث سنده ضعيف عند أهل العلم، لكن معناه صحيح، معناه: إذا أصاب الإنسانَ جرحٌ، ويشقّ عليه الماء، ومعروف أنَّ الماء يضرّه فإنه يتيمم، ويكفيه التيمم والحمد لله، كما يتيمم عند عدم الماء.

وفي الحديث أنَّ الواجب السؤال على مَن ليس لديه علم، الواجب عليه أن يسأل، الله يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، ولا تجوز الفُتيا بغير علمٍ، وإن كان الحديثُ ضعيفًا، لكن معناه صحيح، لا يجوز للمسلم أن يُفتي بغير علمٍ، بل يجب أن يبحث ويسأل عمَّا أشكل عليه، وإن كان عنده علمٌ يُراجع النصوص والأدلة من الكتاب والسنة؛ حتى يكون على بصيرةٍ، وليس له أن يُفتي بغير علمٍ.

س: يتساهل بعضُ الناس -خاصةً في السفر- بأمر التيمم، فإذا حضرت الصلاةُ تيمم، حتى ولو كانت الصلاةُ مما تُجمع إلى ما بعدها، فنرجو التوجيه إلى ذلك؟

الشيخ: لا بأس، لا حرج إذا كان ما عنده ماء يتيمم، والسنة عدم الجمع، إذا كان نازلًا مُستريحًا السنة أن تُصلَّى كل صلاةٍ في وقتها ولو بالتيمم، أما إذا كان عنده ماء -سواء جمع وإلا ما جمع- يلزمه استعمال الماء، أما إذا عجز عن الماء فإنه يُصلي بالتيمم جمعًا أو غير جمع، سواء جمع أو لم يجمع.

بَابُ الْجُنُبِ يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِ الْبَرْدِ

- عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّهُ لَمَّا بُعِثَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، شَدِيدَة الْبَرْدِ، فَأَشْفَقْتُ إنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ؛ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: يَا عَمْرُو، صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ فَقُلْتُ: ذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّه ﷺ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.

الشيخ: وهذا حُجَّة على أنَّ مَن خاف البرد لا بأس أن يتيمم؛ لأنَّ الرسول أقرَّ عمرًا ولم يأمره بالإعادة، فدلَّ ذلك على أنه لا حرج، إذا كان الوقتُ فيه برد شديد، وهو في البر، في الصحراء، وليس عنده ما يُدفئ الماء؛ فلا يُخاطر بنفسه، يتيمم ولا يغتسل والحمد لله، أما إذا تيسر له تدفئة الماء والمحلّ الذي فيه يستطيع أن يغتسل فيه فلا بأس، يجب عليه؛ لأنَّ الله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، والله يقول جلَّ وعلا: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، ويقول جلَّ وعلا: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195].

س: إذا كان على الإنسان لفافةٌ على جرحٍ ونحوه، فهل يكفي المسح عليها أم لا بدَّ من المسح من التَّيمم؟

الشيخ: إن مسح على الجرح كفى، وإن كانت عليه جبيرة مسح الجبيرة، إن كان الجرحُ لا يضرّه المسح عليه مسح عليه، وإن كان يخشى أنه يضرّ يجعل عليه جبيرةً ويمسح على الجبيرة، والجبيرة تكون بقدر الحاجة، يلفّها عليه.

س: هل هناك شروط في المسح على الجبيرة؟

الشيخ: ولو لبسها على غير طهارةٍ، الصواب: لا تُشترط في ذلك الطَّهارة؛ لأنها تعرض للناس بغير اختيارهم، قد يُصاب بالجرح وهو ليس على طهارةٍ فيضع الجبيرة وإن كان على غير طهارةٍ والحمد لله، وليس لها وقت معين -توقيت- ولو مكثت أيامًا كثيرةً مسح عليها، بخلاف الخفَّين موقتة بيومٍ وليلةٍ.

س: ما الحدّ الفاصل لجواز تيمم الجنب في الليلة الباردة؟

الشيخ: الخطر، إذا كان خطر ومشقَّة فإنه يتيمم، ولا يغتسل إلا إذا وجد مكانًا دافئًا، وماءً دافئًا.

س: مثلًا يا سماحة الشيخ، إذا كان عند الإنسان ماء بارد وقام بتسخينه خرج الوقتُ، فهل يتيمم؟

الشيخ: لا، ما يخرج الوقت، التَّسخين سهل، التسخين بخمس دقائق يُسخنه، أو عشر دقائق، إذا وجد ما يُسخن به لا بأس، يلزمه أن يُسخنه ويغتسل، أما إذا ما وجد شيئًا وخاف على نفسه فالحمد لله؛ يُصلي بالتيمم.

س: أخيرًا: هل الضَّرر شرط لجواز التيمم وترك الماء البارد؟

الشيخ: التَّضرر بالغسل، إذا كان يخشى الضَّرر: المرض أو الموت.

 

بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْجِمَاعِ لِعَادِمِ الْمَاءِ

- عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: اجْتَوَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِإِبِلٍ فَكُنْتُ فِيهَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: هَلَكَ أَبُو ذَرٍّ، قَالَ: مَا حَالُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَتَعَرَّضُ لِلْجَنَابَةِ وَلَيْسَ قُرْبِي مَاءٌ، فَقَالَ: إنَّ الصَّعِيدَ طَهُورٌ لِمَنْ لَمْ يَجِد الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ وَهَذَا لَفْظُهُ.

 

الشيخ: كما تقدم: الصَّعيد وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين ولو أكثر من ذلك؛ لأنَّ الله قال: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة:6]، فلو كان في الصَّحراء وليس عنده ماء كفاه التَّيمم والحمد لله.

بَابُ اشْتِرَاطِ دُخُولِ الْوَقْتِ لِلتَّيَمُّم

- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ.

- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: جُعِلَت الْأَرْضُ كُلُّهَا لِي وَلِأُمَّتِي مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي الصَّلَاةُ فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ، وَعِنْدَهُ طَهُورُهُ رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.

الشيخ: هذان الحديثان وما جاء في معناهما يدلان على أنَّ الأرض مسجد وطهور، متى حضرت الصلاةُ فعنده مسجده، وعنده طهوره، فالأرض مسجد، وترابها طهور.

وقد جاء في "الصحيحين" من حديث جابرٍ : أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: أُعطيتُ خمسًا لم يُعطهنَّ أحدٌ قبلي: نُصرتُ بالرعب مسيرة شهرٍ، وجُعلت لي الأرضُ مسجدًا وطهورًا، فأيما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاةُ فليُصلِّ.

فالمقصود أنَّ الأرض مسجد، وترابها طهور، سواء كان الإنسانُ فاقدًا للماء، أو عاجزًا عن استعماله، فالأرض له مسجد، وهي له طهور أيضًا.

أما اشتراط دخول الوقت -كما أشار المؤلفُ- فليس عليه دليل، والصواب أنه يجوز قبل الوقت وبعد الوقت، فلو تطهر بالتيمم قبل الغروب صلَّى به صلاة المغرب، هذا هو الصواب، ولو تطهر للظهر قبل الزوال صلَّى به الظهر: بالتيمم، يعني: المقصود أنه كالماء، هذا هو الصواب؛ لأنَّ الله قال: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]، والنبي قال: جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فسمَّى ترابها: طهورًا.

س: التيمم بالتراب المبلل ما حكمه؟ وما الدليل على مَن اشترط الترابَ الذي لا غبارَ له؟

الشيخ: الصواب أنه يكون من ترابٍ له غبار، دليله قوله جلَّ وعلا: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]، فالذي ما له غبار ما يعلق باليدين منه شيء؛ لهذا قال: مِنْهُ من للتَّبعيض، فدلَّ على أنه لا بدّ أن يضرب أرضًا فيها شيء يعلق باليد، لكن لو ما وجد شيئًا فهو معذور، لو كان في أرضٍ ما فيها إلا الرمال، أو صحراء ما فيها شيء يضرب بالأرض والحمد لله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، فلو كان الصعيدُ في أرضٍ جبليةٍ أو رمليةٍ وليس عنده غيرها يكفيه والحمد لله.

س: إذًا الجبال هل هي من التراب يصحّ المسح عليها؟

الشيخ: يصحّ الصعيد: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا، تُسمَّى: صعيدًا، وجه الأرض هو الصَّعيد.

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: وهذا حُجَّة في أنه إذا لم يجد الترابَ تيمم من الأرض التي عنده: من سبخة، أو رمال، أو صلبة: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

بَابُ تَعَيُّنِ التُّرَابِ لِلتَّيَمُّمِ دُون بَقِيَّةِ الْجَامِدَاتِ

- عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَ لِي التُّرَابُ طَهُورًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَمِ رَوَاهُ أَحْمَدُ.

- وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: وهذا مثلما تقدم: ترابها: وجهها، فإذا تيسر الترابُ تيمم، وإلا تيمم حيث وجد والحمد لله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، فإذا وجد الترابَ استعمل الترابَ، وإذا لم يجد الترابَ: كالصحراء التي ليس فيها شيء، أو ليس فيها إلا رمل أو سبخة يتيمم منها؛ لعموم قوله جلَّ وعلا: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا؛ ولعموم قوله ﷺ: وجُعلت لي الأرضُ مسجدًا، الأرض عامّ: يعمّ السبخة، ويعم ذات التراب، ويعم ذات الرمال، ويعم الصحراء التي ليس فيها شيء، بل هي جبلية، كله عام، لكن متى وجد التراب استعمله.

المقدم: شكر الله لكم يا سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.