باب المزارعة مع اليهود

باب المزارعة مع اليهود

2331- حدثنا محمد بن مقاتل: أخبرنا عبدالله: أخبرنا عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ أعطى خيبر اليهود على أن يعملوها ويزرعوها، ولهم شطر ما خرج منها.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، هذا الباب من المؤلف البخاري رحمه الله يقصد منه: أنه لا بأس بالتعامل مع اليهود وأشباههم من الكفار في البيع والشراء والزراعة، وأن هذا ليس بموالاةٍ ولا مودَّةٍ، المعاملة بالبيع والشراء، أو المزارعة، أو التأجير لا تُعتبر مودَّةً ولا مُوالاةً؛ ولهذا اشترى النبي ﷺ من اليهود الطعام إلى أجلٍ في المدينة، ورهنهم درعه، ومات ودرعه مرهونةٌ عندهم، عند بقايا اليهود في المدينة، وعاملهم على خيبر في المزارعة، عاملهم بالنصف؛ نصف ما يخرج من الأرض، من الزرع، ونصف الثمر من الشجر، وقال: نُقرُّكم ما أقرَّكم الله، فدل على جواز المعاملة معهم على وجهٍ ليس فيه موالاةٌ لهم، ولا نصرٌ لهم على المسلمين.

ثم أوصى بإخراجهم من الجزيرة، أوصى بإخراج الكفار جميعًا من الجزيرة العربية، فصار هذا العمل قبل الوصية بإخراجهم، قبل الأمر بإخراجهم، وبعد ذلك يجب إخراج الكفار من الجزيرة العربية، وألا يبقى فيها دِينان، لا يبقى فيها إلا دِينٌ واحدٌ وهو الإسلام، إلا إذا جاءوا لحاجةٍ: كالرسل يُرسلهم كُبراؤهم للدولة الإسلامية في الجزيرة، أو مَن يبيع الميرة ونحوها مما ينفع البلد، ثم يرجعون، يأتون لحاجةٍ خاصةٍ ثم يرجعون، أو لطلب ولي الأمر لمصلحة المسلمين؛ ولهذا أجلاهم عمر في خلافته، وتولى المسلمون مزارعهم في خيبر بعد ذلك، نعم.

وفي هذا من الفوائد: أنه لا بأس أن يدفع الإنسان أرضه أو نخله لمن يقوم عليها بالنصف، أو بالثلث، أو بالربع، أو بأقلّ، أو بأكثر، جزءٌ مشاعٌ يُسمى: مُساقاة في النخل، وتُسمى: مُزارعة في الأرض، عندك أرضٌ تقول لبعض إخوانك: أنا أُعطيك إياها تزرعها بالنصف؛ نصفٌ لك، ونصفٌ لي. نصفٌ له عن عمله، ونصفٌ لك عن أرضك، أو بالربع، أو بالثلث، أو بالخمس، أو بأقلّ، أو بأكثر، جزءٌ مشاعٌ.

وهكذا الشجر: النخل، أو الرمان، أو العنب، أو غير ذلك، تُعطيه إياه، تقول: تسقيه وتقوم عليه بالنصف، بالثلث، بالربع، لا بأس، كما فعله النبي ﷺ مع اليهود، وفعله الصحابةُ معهم، وكان الصحابة يُزارعون، نعم.

وكذلك يجوز بالإيجار، تقول: هذه الأرض أُؤجرها عليك بشيءٍ معلومٍ، هذا النخل بصورةٍ معلومةٍ، تسقيه وتقوم عليه بصورةٍ معلومةٍ، أجرٍ معلومٍ، كما قال رافعٌ، فأما شيءٌ معلومٌ مضمونٌ فلا بأس به .....

أما من الثمر لا، ما تقول: هذا النخل مئة وزنٍ منه من ثمره، أو هذا العنب مئة وزنٍ منه، لا؛ لأنه قد ينجح، وقد لا ينجح؛ فيكون الذي عيَّن الأوزان المعلومة هو الناجح فقط، وهكذا الأرض لا تصلح مما ينبت بها، لا ما يصلح في الذمة فقط، ما هو بشرطٍ ما ينبت منها، في ذمة المستأجر، أو مئة ريال، أو أكثر، نعم.

س: الصحيح في المزارعة أنه عقدٌ جائزٌ أم لازمٌ؟

ج: الصحيح أنه عقدٌ لازمٌ، إذا عيَّن له المدة فهو عقدٌ لازمٌ؛ لقوله جلَّ وعلا: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، والمسلمون على شروطهم، أما إذا أطلقه معه: تزرعها، وأطلق؛ يصير مطلقًا، وكل واحدٍ منهم بالخيار، متى شاء فسخ، نعم.

س: مُزارعة الرافضة؟

ج: مثل: مُزارعة المنافقين، مَن أظهر الإسلام يُزارع ويُراقب، ومثلما أقرَّ النبي ﷺ ابن أُبي وأتباعه، وهم شرٌّ، من المنافقين، شرٌّ من الرافضة.

س: إذا أظهروا شعائرهم الكفرية؟

ج: يجب أن يُمنعوا مع القُدرة، كما يُمنع المنافقون، نعم.

باب ما يُكره من الشروط في المزارعة

2332- حدثنا صدقة بن الفضل: أخبرنا ابن عيينة، عن يحيى، سمع حنظلة الزرقي، عن رافعٍ قال: كنا أكثر أهل المدينة حقلًا، وكان أحدنا يكري أرضه، فيقول: هذه القطعة لي، وهذه لك. فربما أخرجت ذه، ولم تُخرج ذه، فنهاهم النبي ﷺ.

الشيخ: لأنَّ هذا فيه غررٌ، إذا أجَّره على أن له ما أنبتت هذه القطعة، والآخر ما أنبتت القطعة الأخرى يكون غررًا؛ ولهذا نهاهم النبي ﷺ عن ذلك؛ لأن هذه القطعة قد تُنبت، والأخرى ما تُنبت، أو العكس، وقد تُنبت هذه قليلًا، والأخرى كثيرًا، فالغرر حاصلٌ؛ ولهذا نهى الرسول ﷺ عن بيع الغرر والتأجير كذلك، فالتأجير بيعٌ، فلا يجوز بيع الغرر، ولا تأجير الغرر. نعم.

باب إذا زرع بمال قومٍ بغير إذنهم، وكان في ذلك صلاحٌ لهم2333- حدثنا إبراهيم بن المنذر: حدثنا أبو ضمرة: حدثنا موسى بن عقبة، عن نافع، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ قال:

بينما ثلاثة نفرٍ يمشون أخذهم المطر، فأووا إلى غارٍ في جبلٍ، فانحطَّت على فم غارهم صخرةٌ من الجبل، فانطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعضٍ: انظروا أعمالًا عملتُموها صالحةً لله، فادعوا الله بها لعله يُفرجها عنكم، قال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبيةٌ صغارٌ، كنتُ أرعى عليهم، فإذا رُحْتُ عليهم حلبتُ، فبدأتُ بوالدي أسقيهما قبل بني، وإني استأخرتُ ذات يومٍ، فلم آتِ حتى أمسيتُ، فوجدتهما ناما، فحلبتُ كما كنتُ أحلب، فقمتُ عند رؤوسهما أكره أن أُوقظهما، وأكره أن أسقي الصِّبية، والصبية يتضاغون عند قدمي حتى طلع الفجر، فإن كنتَ تعلم أني فعلتُه ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجةً نرى منها السماء، ففرج الله، فرأوا السماء.

وقال الآخر: اللهم إنها كانت لي بنت عمٍّ أحببتُها كأشد ما يُحب الرجال النساء، فطلبتُ منها، فأبت عليَّ، حتى أتيتُها بمئة دينارٍ، فبغيت حتى جمعتُها، فلما وقعتُ بين رجليها قالت: يا عبدالله، اتَّقِ الله، ولا تفتح الخاتم إلا بحقِّه، فقمتُ، فإن كنتَ تعلم أني فعلتُه ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجةً، ففرج.

وقال الثالث: اللهم إني استأجرتُ أجيرًا بفَرَقِ أرزٍ، فلما قضى عمله قال: أعطني حقِّي، فعرضتُ عليه، فرغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعتُ منه بقرًا ورعاتها، فجاءني فقال: اتَّقِ الله، فقلت: اذهب إلى ذلك البقر ورعاتها فخذ، فقال: اتَّقِ الله ولا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك، فخُذ، فأخذه، فإن كنتَ تعلم أني فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج ما بقي، ففرج الله

.

قال أبو عبدالله: وقال إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن نافع: فسعيتُ.

الشيخ: وهذا الحديث حديثٌ عظيمٌ، حديث أصحاب الغار كرره المؤلفُ، وذكره مسلمٌ أيضًا، وغيرهما، وهو حديثٌ عظيمٌ، أخبر به النبي ﷺ أمَّته عمَّن مضى من الأمم، كما أخبر بأخبارٍ كثيرةٍ عمَّن مضى؛ لما فيها من العِبَر، في أخبارهم عِبَرٌ، كما أخبر عن الأبرص والأقرع والأعمى، وعن غيرهم.

وهكذا هؤلاء الثلاثة الذين آواهم المبيت والمطر إلى الغار، فلما دخلوه اتِّقاء المطر وللمبيت انحدرت عليهم صخرةٌ من الجبل بأمر الله؛ ابتلاءً وامتحانًا، يبتليهم بالشدة وبالرخاء، فسدَّت عليهم الغار بالكلية، وهي صخرةٌ عظيمةٌ لا يستطيعون دفعها، فقالوا فيما بينهم: لن يُخلصكم من هذه البلية إلا أن تدعوا الله بما تعلمون من صالح أعمالكم. هذا فيه الدلالة على أن الدعاء وأن صالح الأعمال من أسباب تفريج الكروب، مَن عرف الله في الرخاء عرفه الله في الشدة، مَن اتَّقاه سبحانه في الرخاء فرَّج له في الشدائد: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2]، وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4].

فسأل أحدهم، توسل أحدهم ببرِّ والديه، وأنه كان له أبوان شيخان كبيران، وكان صاحب إبلٍ يرعاها، فنأى به الشجر ذات يومٍ، ذات ليلةٍ، فلم يرح إلا متأخرًا، ووجدهما قد ناما، وكان لا يغبق –يعني: لا يسقي- لبنًا قبلهما: لا زوجةً، ولا عيالًا؛ من حرصه على برِّهما، فوقف بقدحه عند رؤوسهما ينتظر لعلهما يستيقظان، والصبية عنده يتضاغون، ما سقاهم حتى برق الفجر واستيقظا، فشربا غَبُوقهما، هذا أمرٌ عظيمٌ وعنايةٌ عظيمةٌ بالبرِّ: اللهم إن كنتَ تعلم أني فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، وفي هذه الرواية: فافرج عنا فرجةً نرى منها السماء، فانفرجت الصخرةُ حتى رأوا السماء.

ثم سأل الثاني وتوسل بعفَّته عن الزنا، كانت له ابنة عمٍّ يُحبها كثيرًا، وأرادها على نفسها فأبت عليه، فألـمَّت بها سَنَةٌ، أصابتها حاجةٌ، فجاءت إليه تطلب الرفد، فقال: لا، حتى تُمكنيني من نفسك. فعند الحاجة وافقت، على أن يُعطيها مئةً من الذهب، أو مئةً وعشرين كما في الرواية الأخرى، فوافقت، ولما جلس بين رجليها لجماعها قالت: اتَّقِ الله يا عبدالله، لا تفضّ الخاتم إلا بحقِّه يعني: إلا بنكاحٍ شرعيٍّ، فخاف الرجل وارتعد من الله، وقام وتركها، وترك لها الذهب أيضًا، وقال: اللهم إن كنتَ تعلم أني فعلتُ هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا، فانفرجت الصخرةُ بعض الشيء، لكن لا يستطيعون الخروج.

والثالث لعله هو الشاهد في الترجمة، ترجم عمل الإنسان في مال غيره للمصلحة، ترجمة المؤلف في عمل الإنسان في مال غيره للمصلحة، وأنه لا بأس به، إذا نفذه صاحب المال وأجازه فهو نافذٌ؛ لأنه محسنٌ، والله يقول: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ [التوبة:91]، هذا محسنٌ عند الله، وعند العباد محسنٌ، كان له أُجراء أخذوا أجورهم إلا واحدًا ما أخذ أجره، فنمَّاه له، كان من أرزٍ، أو من ذرةٍ، أو من شعيرٍ، فنمَّاه حتى صارت منه بقرٌ ورُعاتها من الرقيق، وفي الرواية الأخرى: إبلٌ وبقرٌ وغنمٌ ورُعاتها من الرقيق، فجاء الرجل بعد ذلك بمدةٍ وقال: يا عبدالله، أعطني حقِّي. قال: كل ما ترى من حقِّك: الإبل والبقر والغنم والرُّعاة الأرقاء بدل تلك الأصواع التي تركها من ذرةٍ، أو من شعيرٍ، قال: اتَّقِ الله ولا تستهزئ بي. استعظم هذا الأمر، قال: لا أستهزئ بك، كله من مالك، خذه، فاستاقه كله: اللهم إن كنتَ تعلم أني فعلتُ هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرةُ وخرجوا.

هذا من آيات الله العظيمة، وفيها عِظةٌ وذكرى وحثٌّ على برِّ الوالدين والصدق في ذلك، وعلى العفة عن الفواحش والصدق في ذلك، وعلى العناية بالأمانة وحقِّ المسلمين، والحذر من الظلم، والحرص على الإصلاح والجود والكرم وفعل الخير.

ومن ذلك ما ذكره المؤلف، شاهدٌ لما ذكره المؤلف من أن الإنسان إذا فعل في مال غيره ما هو صالحٌ وما هو طيبٌ وأجازه فلا بأس: بيتٌ له فيه خرابٌ فرَمَّمه وأصلحه، أرضٌ زرعها وأعطاه زرعها، أو ما يُعطى من العادة منها، حبوبٌ بذرها وزرعها، سلعٌ باعها ووجد فيها ربحًا، فعله نافذٌ؛ لأنه محسنٌ، بخلاف ما لو عطبت يضمن، إلا إذا رضي المالك، لكن إذا نجحت واستفادت فهو محسنٌ، ولصاحبها نماؤها إذا رضي ذلك.

س: لماذا رغب الأجير عن حقِّه؟

ج: كأنه ما ناسبه ذاك الوقت، (زعلان)، ظاهر الحديث كأنه تركه، ما ناسبه، أو لأمرٍ آخر.

س: مَن قال: إن النماء في مثل هذه الحالة يتناصفه المستأجر والأجير؟

ج: هو بالخيار، الشيخ تقي الدين وجماعةٌ يرون أنه كالمزارعة يتناصفان، يُروى عن عمر أنه فعله مع بعض أولاده فيما أخذوه من الكوفة، جعلوه كالمضاربة، ولكن ما جاء في الحديث أكمل، ما جاء في الحديث أكمل؛ كونه يُعطيه كله، الرجل أعطاه إياه كله، أما كونه يقول: آخذ نصفه، ولك النصف، له وجهٌ، هو مُحسنٌ بكل حالٍ، حتى لو ما أعطاه النصف، لو ما أعطاه إلا حقّه يكفيه، لو قال: هذا حقك والباقي لي، ما فيه شيءٌ.

س: لو تشاحوا فيما بينهم؟

ج: الظاهر إذا تشاحوا أن الرجوع إلى المحاكم الشرعية.

س: لو تلف المال يضمن؟

ج: يضمن، نعم، يضمن، الذي عنده المال عليه أن يُسلم حقَّه لصاحبه إذا جاء، وهذا العمل إن نجح فهو قد أحسن، وإن لم ينجح فهو ضامنٌ، لكن إذا نواه لا ما .....

س: أفضل هؤلاء الثلاثة عملًا؟

ج: كلهم على خيرٍ، نعم.

باب أوقاف أصحاب النبي ﷺ، وأرض الخراج، ومُزارعتهم، ومُعاملتهم

وقال النبي ﷺ لعمر: تصدق بأصله لا يُباع، ولكن يُنفق ثمره، فتصدق به.

2334- حدثنا صدقة: أخبرنا عبدالرحمن، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قال عمر : لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتُها بين أهلها، كما قسم النبي ﷺ خيبر.

الشيخ: مقصوده أنه يقسمها، يتصرفون فيها، ملكًا لهم، غنيمةً، ولكن جعلها بالخرج لمصلحة المسلمين، حتى إذا جاء مَن بعده يجد مالًا لبيت المال، خراجًا على هذه الأراضي، فاجتهد فيها وجعلها وقفًا للمسلمين ينتفعون بخراجها، ولم يقسمها، قسم بينهم الفضة والذهب والمتاع والسلاح، والأرض جعلها في الخراج في العراق، سواد العراق، ولعله أخذ بما فعله النبي ﷺ في بعض خيبر؛ فإن النبي ﷺ في بعض خيبر جعلها .....

وفي هذا أن الوقف يبقى أصله، لا يُباع، ولا يُوهَب، ويُنفق ثمر هذا الوقف، قال: هذه الأرض وقفٌ، هذا البيت وقفٌ، أو هذه الدابة وقفٌ. معناها أن تُحبس، لا تُباع، ولكن يُنفق الثمر -ثمرة الأرض- فيما عيَّنه الموقِف، ثمرة البيت: إيجار البيت، لبن الدابة، وما يحصل من الأجور فيما تحمله، إلى غير ذلك، يُنفق فيما عيَّنه الواقف، وإذا قال: في وجوه البرِّ، أنفق في وجوه البرِّ، نعم.

س: وإذا تعطل الوقف؟

ج: يصلح إن أمكن تصليحه، وإلا يُباع، ما يتركه، يُباع ويُوضَع في شيءٍ آخر إذا تعطل؛ لأن الشريعة ما ترضى بالتعطل، إذا تعطلت الأرض تُباع، أو البيت يُباع، أو الدابة تُباع، تجعل في شيءٍ آخر، نعم.

س: الوقف يُشترط فيه الثلث؟

ج: لا، ما يُشترط، إذا كان الرجل صحيحًا يُوقف ما شاء، الثلث يُشترط في حقِّ المريض، أو الذي أوصى به بعد الموت يكون في الثلث، مثلما قال النبي ﷺ لسعدٍ، أما إذا كان صحيحًا فإنه يُوقف ما شاء، ولو أكثر من الثلث، لو كان ما عنده إلا بيتٌ واحدٌ ووقفه وهو صحيحٌ لا بأس.

س: إذا أوصى في أضحيةٍ يقول: من مالي أضحيةٌ كل عامٍ مبلغ معين من المال، أو في الغنم .....؟

ج: يكون في الأضحية والفضل في وجوه البرِّ وأعمال الخير، إذا قال: هذا البيت وقفٌ في الأضحية إذا فضل شيءٌ، إن زادت فيه حاجةٌ، يصلح البيت: خرابٌ، أو شيءٌ، أو يُصرف في وجوه البرِّ على الأصح.

وقال بعضهم: يكون للورثة .....، ولكنه قولٌ ليس بصحيحٍ، الصواب أنه يكون لوجوه البرِّ؛ لأنه وقفها، ما صارت ..... شيء، لكن ..... فرق، قال: بيتي هذا فيه أضحيةٌ، أو فيه ..... للفقراء، أو فيه مئة صاعٍ للفقراء، أو فيه مئة ريالٍ للفقراء، يصير بيته حُرًّا للورثة، تكون هذه دفينةً فيه، تكون فيه ..... فيه تبقى مُعلَّقةً؛ لأنه لما وقفه قال: فيه مئة ريالٍ للفقراء، فيه أضحيةٌ للمواليد، فيه مئة صاعٍ للمسجد الفلاني، فيه مئة صاعٍ لقريبي فلان، أو للفقراء، يكون البيت وقفًا حرًّا يُورث، وتكون في هذه الدفينة هذه ..... التي فيه تبقى مُعلَّقةً.

س: الأوقاف التي في المساجد هل تُخرج للاستفادة ثم ترجع إلى المساجد، مثل: المصاحف؟

ج: لا، التي في المساجد تُجعل في المساجد، مصاحف المساجد تبقى في المساجد، إذا كان في مكتبة المسجد كتبٌ تبقى فيها على ما جعلها أهلها، نعم.

س: وإذا أخذها للاستفادة منها ثم يُعيدها؟

ج: لا يُخرجها، يستفيد منها في المسجد، أو في المكتبة، إذا كان الموقِف قال: لا بأس أن تُعار؛ فتُعار، نعم.

باب مَن أحيا أرضًا مواتًا

ورأى ذلك عليٌّ في أرض الخراب بالكوفة موات.

وقال عمر: مَن أحيا أرضًا ميتةً فهي له.

ويُروى عن عمرو بن عوف، عن النبي ﷺ، وقال: في غير حقِّ مسلمٍ، وليس لعرق ظالم فيه حقٌّ.

ويُروى فيه عن جابرٍ، عن النبي ﷺ.

2335- حدثنا يحيى بن بُكير: حدثنا الليث، عن عبيدالله بن أبي جعفر، عن محمد بن عبدالرحمن، عن عروة، عن عائشةَ رضي الله عنها، عن النبي ﷺ قال: مَن أعمر أرضًا ليست لأحدٍ فهو أحقُّ، قال عروة: قضى به عمر في خلافته.

الشيخ: أيش قال على "محمد بن عبدالرحمن"؟ هل نبَّه عليه؟ أو العيني؟

وهذا يدل على أن الأرض الميتة إذا أحياها الإنسان فهو أولى بها إذا لم يكن فيها حقٌّ لمسلمٍ، وعلى ولي الأمر أن يُنظم ذلك حتى لا يقع نزاعٌ، فإذا ثبت أن الأرض التي أحياها ليست بحقٍّ لمسلمٍ فهو أحق بها إذا عمرها بالحرث، بالزرع، بالشجر، بالبناء، فهو أحق بها، نعم.

قارئ الشرح: قوله: "عن عبيدالله بن أبي جعفر" هو المصري، ومحمد بن عبدالرحمن شيخه هو أبو الأسود، يتيم عروة.

الشيخ: يكفي، نعم.

س: أيضًا -أحسن الله إليك-: ويُروى عن عمرو بن عوف؟

ج: وأيش عنده؟

س: عن عمر وابن عوف.

ج: لا، عمرو بن عوف المزني، نعم.

س: هل تُباع هذه الأرض قبل أن تُستصلح؟

ج: إذا أحياها، إذا تم إحياؤها، إذا ملكها ..... ملكٌ له، من أملاكه.

س: يُشترط إذن ولي الأمر في إحياء الموات؟

ج: لا، ما هو بشرطٍ إذن ولي الأمر، إلا إذا أصدر أمرًا بذلك من أجل منع تنازع الناس، فهذا له اجتهادٌ فيه، وإلا فالأصل أنه ما يُشترط، نعم.

أيش قال على عمرو بن عوف؟

قارئ الشرح: قوله: "ويُروى عن عمرو بن عوف، عن النبي ﷺ" أي: مثل حديث عمر هذا.

الشيخ: فقط؟

القارئ: إيه، نعم.

الشيخ: العيني زاد شيئًا؟

الطالب: ما في شيء.

الشيخ: نعم.

قارئ الشرح: قوله: "وقال فيه: في غير حقِّ مسلمٍ، وليس لعرق ظالم حقٌّ".

الشيخ: يكفي، يكفي.

القارئ: فيه زيادةٌ.

الشيخ: نعم.

قارئ الشرح: وصله إسحاق بن راهويه، قال: أخبرنا أبو عامر العقدي، عن كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف: حدثني أبي: أن أباه حدَّثه: أنه سمع النبي ﷺ يقول: مَن أحيا أرضًا مَوَاتًا من غير أن يكون فيها حقُّ مسلمٍ فهي له، وليس لعرق ظالم حقٌّ، وهو عند الطبراني، ثم البيهقي.

وكثيرٌ هذا ضعيفٌ، وليس لجده عمرو بن عوف في البخاري سوى هذا الحديث، وهو غير عمرو بن عوف الأنصاري، البدري، الآتي حديثه في الجزية وغيرها، وليس له أيضًا عنده غيره.

ووقع في بعض الروايات: "وقال عمر وابن عوف" على أن الواو عاطفةٌ، و"عمر" بضم العين، وهو تصحيفٌ.

وشرحه الكرماني، ثم قال: فعلى هذا يكون ذكر عمر مكررًا، وأجاب بأن فيه فوائد: كونه تعليقًا بالجزم، والآخر بالتمريض، وكونه بزيادةٍ، والآخر بدونها، وكونه مرفوعًا، والأول موقوفٌ.

ثم قال: والصحيح أنه "عمرو" بفتح العين.

قلت: فضاع ما تكلفه من التوجيه.

ولحديث عمرو بن عوف المعلَّق شاهدٌ قويٌّ أخرجه أبو داود من حديث سعيد بن زيد، وله من طريق ابن إسحاق، عن يحيى بن عروة، عن أبيه مثله مرسلًا، وزاد: قال عروة: فلقد خبرني الذي حدثني بهذا الحديث: أن رجلين اختصما إلى النبي ﷺ؛ غرس أحدهما نخلًا في أرض الآخر، فقضى لصاحب الأرض بأرضه، وأمر صاحب النخل أن يُخرج نخله منها.

وفي الباب عن عائشة، أخرجه أبو داود الطيالسي، وعن سمرة عند أبي داود والبيهقي، وعن عبادة وعبدالله بن عمرو عند الطبراني، وعن أبي أسيد عند يحيى بن آدم في كتاب "الخراج"، وفي أسانيدها مقالٌ، لكن يتقوَّى بعضها ببعضٍ.

الشيخ: نعم، ولو لم يكن فيها إلا حديث عائشة الذي رواه المؤلف لكان كافيًا: مَن عمر أرضًا ليست لأحدٍ فهو أحقُّ بها، رواه البخاري رحمه الله، والبقية شواهد كثيرةٌ لهذه الطرق، ولجابر، ولعمرو بن عوف، ولعائشة، ولسعد، نعم.

س: مجرد وضع اليد على الأرض يُعتبر إحياءً؟

ج: لا، ما يُسمى: إحياء، لا بد من عملٍ، يُسمى: إحياء في عُرف البلد.

س: يجب على الإمام أن يجعلها له وجوبًا؟

ج: يجب إذا أحياها على الوجوب، إذا ما كان فيها حقٌّ لمسلمٍ استحقها، وجبت، أما إذا كانت فيها مصلحةٌ للمسلمين، مثل: أطراف البلد، ويضيق على الناس، أو على مراعيهم؛ يُمنع، أو في أرضٍ أحقّ بها مسلمٌ سبق إليها، أو لأسبابٍ أخرى تقتضي مصلحة المسلمين منعه.

س: إذا سوَّرها بشبكٍ؟

ج: الإحياء على حسب العُرف في البلد الذي يحيى فيها.

بابٌ

2336- حدثنا قتيبة: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبدالله بن عمر، عن أبيه : أن النبي ﷺ أُري وهو في معرسه من ذي الحليفة في بطن الوادي، فقيل له: إنك ببطحاء مباركة، فقال موسى: وقد أناخ بنا سالم.

الشيخ: قف على هذا.

س: الذي زرع الأرض ما يلزم أن يُعطيه ما نتج منها، وليس له منها شيءٌ؛ لأنه ما عقد معه عقدًا؟

ج: جاء في حديثٍ في "البلوغ": مَن زرع في أرضٍ بغير إذنٍ فليس له من الزرع شيءٌ، وله نفقته، لكن يحتاج إلى تأملٍ في سلامة سنده، حديثٌ من أحاديث "البلوغ"، والقول بأنه نتاج أرضهم، لكن ما تضيع عليه نفقته؛ لأنه قد يكون خسر فيها مالًا كثيرًا، والقول إذا لم يصح الحديث فالصواب أن الزرع له، وعليه أجرة المثل، وإن صحَّ الحديث فالحديث مُقدَّمٌ، لكن إذا لم يصح الحديث فمُقتضى القواعد الشرعية أن الزرع لمن زرع، وعليه الأجر -أجرة المثل- لأهل الأرض، نعم.

س: هذا الرجل الذي زرع الفرق من الأرز؟

ج: هذا تبرع به، ماله هو، وإلا فهو تبرع به، جزاه الله خيرًا.

س: يعني: يلزم أن يُعطيه النتاج وليس له شيءٌ؟

ج: ما عليه إلا الآصع التي عليه، هذا الذي عليه، تلزمه الآصع التي شرطها له، وهذا المال الذي عنده: البقر والغنم له لو ما نواها له، لكن ما دام تبرع به ونواه له فهو على نيته.

س: وإن أراد أن يأخذ؟

ج: الظاهر أنه ليس له؛ لأنه قد نواه له، وعمل على أنه له، الظاهر ليس له ذلك.