من آجر نفسه ليحمل على ظهره ثم تصدق به وأجرة الحمال

باب مَن أجر نفسه ليحمل على ظهره، ثم تصدق به، وأجرة الحمَّال

2273- حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد القرشي: حدثنا أبي: حدثنا الأعمش، عن شقيقٍ، عن أبي مسعودٍ الأنصاري قال: كان رسول الله ﷺ إذا أمرنا بالصدقة انطلق أحدُنا إلى السوق، فيُحامل، فيُصيب المدَّ، وإن لبعضهم لمئة ألف. قال: ما نراه إلا نفسه.

الشيخ: وهذا الحديث يدل على علو همة الصحابة ، ورغبتهم في الخير، ومُسارعتهم إلى امتثال ما يدعوهم إليه عليه الصلاة والسلام، وما يأمرهم به.

وفي حديث أبي مسعودٍ الأنصاري هذا يقول : إن النبي ﷺ إذا أمرهم بالصدقة انطلق أحدُهم إلى السوق، فيُحامل، يعني: فيحمل على ظهره الحاجة بالمدِّ، فيتصدق، يعني: إذا سمعوا حثَّه على الصدقة وترغيبه في الصدقة انطلق الفقير منهم إلى السوق ليحمل على ظهره حاجاتٍ للناس، ثم يتصدق بالأجرة التي تحصل له على الفقراء الذين لا يستطيعون الأسباب.

فهذا يدل على رغبةٍ عظيمةٍ في الخير، والحرص على مساعدة إخوانهم الفقراء، ويدل أيضًا على أن كون الإنسان يحمل على ظهره الحاجات التي يحتاجها الناس ويأخذ أجرةً لا بأس بذلك، ولا حرج فيه، ولا نقص فيه، هذا من الأسباب، حيث ينفع نفسه، وينفع إخوانه المحتاجين للحمل، ويأكل ويُنفق على أهله، أو يتصدق.

وفيه جواز الاستئجار في مثل هذا: استئجار الحاملين، يستأجرهم بالمدِّ، أو بالدرهم، أو بأقل، أو بأكثر على نقل المتاع من مكانٍ إلى مكانٍ، نعم.

س: يحمل حتى لو مُنِعَ؟ حتى لو صدر نظامٌ ما يمنع من هذا الحمل؟

ج: هذه أمورٌ أخرى، مسألة الدولة في تنظيم الحمَّالين هذا شيءٌ آخر له شأنه، نعم.

باب أجر السَّمسرة

ولم يرَ ابن سيرين وعطاء وإبراهيم والحسن بأجر السمسار بأسًا.

وقال ابن عباسٍ: لا بأس أن يقول: بِعْ هذا الثوب، فما زاد على كذا وكذا فهو لك.

الشيخ: لأنه لا جهالةَ فيه، وليس هناك حرجٌ في السمسرة، وأن يكون دلَّالًا، فالسمسار الدَّلال، يبيع البيت، أو الدكان، أو المزرعة، أو السيارة بشيءٍ معلومٍ: في المئة ريال خمسة، أو أكثر، أو أقلّ، أجرة، أو بشيءٍ معلومٍ، يقول: بِعْ هذه السيارة أو هذا البيت وأُجرتك كذا وكذا، ولا بأس أن يقول له: بِعْه بكذا وما زاد فهو لك. كما قال ابن عباسٍ، يقول: أنا راضٍ أن تبيع هذه السيارة بخمسين ألفًا، وإن زادت فالزيادة لك، أو هذا البيت أنا رأيتُ أن أبيعه بمئة ألفٍ، وإن زاد فلا مانع أن تكون الزيادة لك.

س: لو حدد له السعر ولكنه زاد؟

ج: يعني: للمصلحة أو له هو؟

س: زاد ليأخذه؟

ج: ليس له أن يأخذه إلا بإذنه، فإذا قال: لو جابت مئةً فبِعْ، وجابت مئةً وخمسين، فالمئة والخمسون كلها لصاحب الحق، كلها لصاحب المتاع، إلا إذا قال: ما زاد فهو لك. هذا من النصح للمُوكل، إذا قال: بِعْهَا بكذا. وصار له زبون، وصارت له رغبةٌ، وزاد؛ فهذا من النصح، لا يجوز له أن يأخذ الزيادة إلا بإذنٍ، يُبين له، يقول: ترى زاد كذا، فإن سمح له وإلا يُعطيه.

س: ويُستثنى من ذلك بيع الحاضر للبادي؟

ج: يُستثنى من هذا، نعم، بيع الحاضر للبادي لا يجوز .....

س: لكن بالمناسبة لو جاء البادي إلى الدَّلال من غير أن يتلقَّاه الحضري، أو قال: بِعْ لي هذا بأجرتك؟

ج: ما يجوز بيع الحاضر للبادي، لا يبتدئ، ولا يُوافق، كل الثنتين.

س: إذا شرط جزءًا من البيع لثالثٍ، وليس له دخلٌ في السمسرة؟

ج: ما في مانع، الحق له، لو قال: بِعْ هذه السلعة بكذا، وما زاد فهو بينك وبين أخيك، أو بينك وبين خال فلان، أو عم فلان، أو بينك وبين أخيك فلان. ما في شيء، ورضي لا بأس.

وقال ابن سيرين: إذا قال: بِعْه بكذا، فما كان من ربحٍ فهو لك، أو بيني وبينك، فلا بأس به. وقال النبي ﷺ: المسلمون عند شروطهم.

الشيخ: هذا حديثٌ، وأيضًا الرسول ﷺ نهى عن بيع الغرر، وهذا ما فيه غررٌ، والمسلمون عند شروطهم، يقول ﷺ: إن أحقَّ ما يُوفى به ما استحللتم من الفرج، فإذا كان في الفروج تجوز الشروط المعلومة، فهكذا العقود الأخرى، والأنكحة من أهم الأمور التي يُحتاط لها، فإذا جازت فيها الشروط فغيرها من باب أولى: إن أحقَّ الشروط أن يُوفى به ما استحللتم من الفروج، وهكذا ما استحلَّ به الإنسانُ بيتَ أخيه، أو الأجرة على أخيه، أو سيارة أخيه، نعم.

2274- حدثنا مسدد: حدثنا عبدالواحد: حدثنا معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: نهى رسول الله ﷺ أن يُتلقى الرُّكبان، ولا يبيع حاضرٌ لبادٍ. قلتُ: يا ابن عباسٍ، ما قوله: لا يبيع حاضرٌ لبادٍ؟ قال: لا يكون له سمسارًا.

الشيخ: تقدم هذا، نعم، يعني: دلَّالًا، تلقِّي الرُّكبان: يُواجههم في الطريق، يُقابلهم في الطريق ويشتري منهم، ما يجوز هذا، نعم.

س: عمل الناس اليوم خلاف هذا الحديث، يعني: يأتي البادي للحاضر ويبيع، بالنسبة للأسواق العامَّة: كبيع الأغنام والإبل؟

ج: الله يهدي الجميع، الله يهدي الجميع.

باب: هل يُؤاجر الرجل نفسه من مُشركٍ في أرض الحرب؟

2275- حدثنا عمر بن حفص: حدثنا أبي: حدثنا الأعمش، عن مسلم، عن مسروق: حدثنا خباب، قال: كنتُ رجلًا قَينًا، فعملتُ للعاص بن وائل، فاجتمع لي عنده، فأتيتُه أتقاضاه، فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمدٍ. فقلتُ: أما والله حتى تموت ثم تُبعث فلا. قال: وإني لميتٌ ثم مبعوثٌ؟ قلت: نعم. قال: فإنه سيكون لي ثَمَّ مالٌ وولدٌ فأقضيك. فأنزل الله تعالى: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا [مريم:77].

الشيخ: وهذا -مثلما قال المؤلف- دليلٌ على جواز العمل للمُشرك في أرض الحرب؛ لأن مكة دارُ حربٍ ذاك الوقت، وقد آذوا المسلمين وظلموهم وعذَّبوهم، وخباب عمل للعاص بن وائل، كان قَينًا: حدَّادًا، فلا بأس أن يعمل للمُشركين بالشيء الذي لا يضرّ المسلمين؛ لأنه إذا كان بينهم لا يستطيع الخروج، أو أسيرٌ، أو كذا، قد يحتاج إلى هذا الشيء، لكن ليس له أن يعمل ما يضرّ المسلمين؛ لأن الله جلَّ وعلا قال: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]؛ ولأن الرسول ﷺ نهى عمَّا يضر المسلمين، قال: لا ضررَ ولا ضرار، والأدلة فيما يتعلق بالحذر من مُعاونة المشركين معلومةٌ.

والحاصل أنه إذا كان العمل للكافر لا يضرّ المسلمين -سواء كان في أرض حربٍ، أو في أرض صلحٍ، أو في أرض الإسلام- فلا حرج، مثلما قد يعمل ويُسافر المدينة لليهود بشيءٍ ينفعه، وهي أرض إسلامٍ وهدنةٍ بينه وبين .....، أو في أرض الحرب، مثل: قصة خباب، فإذا كان العمل ينفع المسلم، ولا يضر المسلمين؛ فلا حرج، نعم.

س: بعض المسلمين في أمريكا أو في بريطانيا يعملون في مطاعم الكفار، فيكون قريبٌ منه مثلًا محل (بار)، وهو يعمل مثلًا في (بوفيه) لشُرب الشاي والقهوة، ولا يبيع خمرًا ولا غيره، لكنهم مجاورون له؟

ج: إذا دعت الحاجة إلى هذا، وهو لا يستطيع الهجرة، عاجزٌ، مثل: قصة خباب وأشباهه؛ فلا بأس، حتى يُنقذ نفسه ويعيش، بشرط ألا يُباشر ما حرَّم الله، ولا يُعين على ما حرَّم الله، مثلما جاء في قصة عليٍّ: كان يسقي مزرعة بعض اليهود، كل دلوٍ بتمرةٍ، ومثل: قصة خباب.

فالعمل في أمريكا، أو في أوروبا، أو في غيرهما إذا كان بهذا الشرط، يعني: هو عاجزٌ عن الهجرة، ويعمل عملًا لا يضر المسلمين، وليس فيه معصيةٌ لله، بهذه الشروط لا بأس.

س: رعي النبي ﷺ الغنم لأهل مكة هل هو من هذا الباب؟

ج: من هذا الباب، نعم، عمل النبي ﷺ في الرعي قبل أن يُوحى إليه من هذا الباب. نعم.

باب ما يُعطى في الرُّقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب

وقال ابن عباسٍ: عن النبي ﷺ: أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله.

وقال الشعبي: لا يشترط المعلم، إلا أن يُعطى شيئًا فليقبله.

وقال الحكم: لم أسمع أحدًا كره أجر المعلم.

وأعطى الحسن دراهم عشرة، ولم يرَ ابن سيرين بأجر القسام بأسًا، وقال: كان يُقال: السُّحْت: الرشوة في الحكم، وكانوا يُعطون على الخرص.

الشيخ: كل هذا لا بأس به، أجر المعلم والخرَّاص والقسَّام لا حرج فيه: إن أحقَّ ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله، فهذا يشمل المعلم، ويشمل المعالج، أما الذي يتلو بمجرد التلاوة فلا يأخذ شيئًا لمجرد التلاوة، ذكر أبو العباس ابن تيمية رحمه الله أنه ليس في هذا نزاعٌ بالمنع أنه لا يجوز أن يأخذ شيئًا على مجرد التلاوة فقط، يقرأ عليهم في المجلس آيةً أو آياتٍ ويُعطونه شيئًا، لا، أما كونه يُعلم الصبيان، ويُعلم غيرهم، ويُحفظهم القرآن، ويُعلمهم القرآن، ويُعلمهم السنة بأجرةٍ لا بأس، وهكذا العلاج كما يأتي في قصة اللَّديغ أنه عالجه بشرط أنه يُعطى كذا، أو أعطوه بدون شرطٍ لا بأس، نعم.

س: ضِراب الفحل؟

ج: لا، ما يجوز، لا يأخذ على الضِّراب شيئًا، ما يجوز الأخذ على عَسْب الفحل شيئًا، نعم.

س: الآن ظهر بعض القرَّاء الذين يضعون ختم آية الكرسي في الزعفران ثم يضربون به على الورق فتنطبع آية الكرسي، ويبيعونها أوراقًا مختومةً، فقط يقرأ في الزعفران، ثم يعمل الختم فينقله في الأوراق: آية الكرسي، أو المعوذتان، أو غيرها من آيات القرآن؟

ج: يقرأه في الماء يعني؟

س: يقرأ الأصل في الزعفران، ثم يضع عليه قليلًا من الماء، ثم يأتي بختمٍ قد كُتبت عليه آية الكرسي فيضعه في الزعفران، ثم يضرب به على الأوراق فيُعطيك مثلًا عشر أوراقٍ كلها آية الكرسي مختومة في أوراقٍ، مثلًا بخمسين ريالٍ، أو بمئة ريالٍ.

ج: ما أعرف في هذا أصلًا، أقول: ما أعرف في هذا أصلًا، لكن ما ذكره ابن القيم في مسألة الكتابة معروفٌ، ذكر ابن القيم وغيره ..... كونه يكتب آياتٍ وأدعيةً في إناءٍ نظيفٍ بالزعفران، ويغسل ويشرب هذا لا بأس به، وقد فعله السلف؛ لأنه من باب الطب، ومن باب التقرب، من باب العلاج، أما الشيء الجديد، يعني: يجعله ختمًا، هذا قد يُقال: إنه كتابةٌ خاصةٌ، مثل: لو كتب بيده قد يُقال أنه مثله، والله أعلم.

المقصود أن الأصل كونه يكتب آياتٍ ودعواتٍ بالزعفران، وتغسل وتشرب، لا بأس بها، وعليه العمل قائمٌ من عهد السلف، نعم، وأفضل العلاج أن يكون بالقراءة، يعني: بالقراءة على المريض.

والنوع الثاني: يقرأ في الماء، ثم يشربه المريض، أو يصبُّه على بدنه.

والنوع الثالث: كونه يكتبه بالزعفران، ثم يغسله ويشربه، هذا النوع الثالث من العلاج بالقراءة بالآيات أو بالدعوات، نعم.

س: وظهرت طريقةٌ أخرى: الرقية عن طريق (التليفون)، يقول: ضع (التليفون) على صدرك وأنا أقرأ عليك بالهاتف، فما دليلهم على هذا؟

ج: ما أعرف لهذا أصلًا، ولا ينبغي هذا، ما ينبغي هذا، يكفي الدعاء، يدعو له، ما هي برقيةٍ؛ لأنه ما يصل شيءٌ من الهاتف.

س: على قارورة الصحة يأخذ أجرًا، عندهم قوارير ماء صحة يقرأ عليها، ويأخذ على القارورة عشرة ريالات؟

ج: ما أعلم فيه شيئًا إذا قرأ فيه ثم صبَّه في القارورة، لكن ينبغي أن يكون شيئًا قليلًا، لا يتكلف .....، إذا قرأ بالماء ثم صبَّه في القارورة، أو في إناءٍ واسعٍ قرأ فيه، ما أعلم فيه شيئًا، إن شاء الله، قرأ النبي ﷺ لثابت بن قيس وصبَّه عليه.

س: إذا كان بعض القرَّاء قد يتعلق به من الجهَّال، فهل يترك القراءة أفضل؟

ج: وأيش معنى: يتعلق به؟

س: يعني: يظن أنه لو قرأ عليه آخرُ فلن ينفعه إلا هذا الشخص؟

ج: بعض الناس قد يظنون أنه أنفع من غيره، وقد يُقبل دعاؤه، مثل: الأطباء، فالأطباء بعضهم خيرٌ من بعضٍ، وهكذا القُرَّاء بعضهم أكثر ورعًا وتقوًى من بعضٍ، وأرجى أن تُجاب دعوته.

س: الشيخ الذي يُعلِّم القرآن هل يشترط لنفسه أجرًا مُعينًا .....؟

ج: هذا جائزٌ، وهذا جائزٌ، إن شرط فلا بأس، وإن لم يشترط وقَبِلَ فلا بأس، الأمران جائزان للمعلم، نعم.

س: حديث عبادة: أنه أخذ قوسًا في الحرب، فقال له الرسول ﷺ؟

ج: هذا حمله العلماء على أنه أراد التَّبرع، فلا يأخذ شيئًا بعد ذلك، فإذا كان أراد التبرع، ثم غيَّر نيته وأخذه فقد حملوه على هذا، وسنده لا بأس به عند أبي داود، ولكنه محمولٌ على هذا؛ لأن حديث الرقية -رقية المريض- أصحُّ، وهو الذي رواه البخاري، شارطوهم على رُقيته بقطيعٍ من الغنم كما يأتي، إن شاء الله.

س: حديث عبادة ما هو بضعيفٍ؟

ج: لا، لا بأس بسنده، لكنه محمولٌ على أنه قد أراد الخير، وأراد التَّقرب إلى الله بذلك، ما أراد الأجرة، ما أراد أن يأخذ أجرةً، حمله بعض أهل العلم على هذا، وبعضهم ضعَّفه، ولكنه فيما أعلم من إسناده أنه لا بأس به، نعم.

2276- حدثنا أبو النعمان: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيدٍ قال: انطلق نفرٌ من أصحاب النبي ﷺ في سفرةٍ سافروها، حتى نزلوا على حيٍّ من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يُضيفوهم، فلُدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيءٍ، لا ينفعه شيءٌ، فقال بعضهم: لو أتيتُم هؤلاء الرَّهط الذين نزلوا، لعله أن يكون عند بعضهم شيءٌ. فأتوهم، فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لُدِغَ، وسعينا له بكل شيءٍ لا ينفعه، فهل عند أحدٍ منكم من شيءٍ؟ فقال بعضهم: نعم، والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تُضيفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلًا. فصالحوهم على قطيعٍ من الغنم، فانطلق يتفل عليه، ويقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، فكأنما نَشِطَ من عقالٍ، فانطلق يمشي وما به قَلَبَةٌ.

قال: فأوفوهم جُعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضُهم: اقسموا. فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي ﷺ فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا. فقدموا على رسول الله ﷺ فذكروا له، فقال: وما يُدريك أنها رقيةٌ؟ ثم قال: قد أصبتُم، اقسموا، واضربوا لي معكم سهمًا، فضحك رسول الله ﷺ.

قال أبو عبدالله: وقال شُعبة: حدثنا أبو بشر: سمعتُ أبا المتوكل، بهذا.

الشيخ: قوله ﷺ: قد أصبتم، وقوله: اضربوا لي معكم بسهمٍ، كل هذا لأجل تطييب أنفسهم ببيان أن ما فعلوه لا حرجَ فيه، وأنه لا بأس به، وهو حُجَّة في جواز أخذ الأجرة على الرقية والعلاج، نعم.

س: في قول بعضهم: "إني لأرقي" دون البعض ما يدل على أن هناك مَن يُخصص بالقراءة؟

ج: يظهر من هذا السياق أن بعضهم مُتخصصٌ، وبعضهم ما اعتاد هذا الشيء، وفي هذا أن القراءة بالفاتحة رقيةٌ عظيمةٌ وحدها؛ لأنها أعظم سورةٍ في القرآن، فإذا قرأ بها وكررها فهي من أسباب الشفاء، وهكذا آية الكرسي، وهكذا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، والمعوذتان، نعم.

س: سيدهم المرقي كان مسلمًا؟

ج: ما في شيءٍ صريحٍ، يحتمل، ما فيه شيءٌ صريحٌ أنهم كفار، وظاهر السياق أنهم مسلمون، أيش قال الشارح على الحديث؟ على كلام سيدهم، وإسلامه، وعدم إسلامه، هل تعرَّض بشيءٍ؟ يعني: كونهم ما ضيَّفوهم يُشعر أنهم غير مسلمين، نعم؛ لأن المسلمين يُضيفون الضيف، ما يتأخرون، حتى العرب على كُفرهم يعرفون قدر الضيف، لكن هؤلاء كان عندهم لؤمٌ زائدٌ، نعم.

والأشبه –والله أعلم- أنهم كفار، ولا بأس أن يُرقى الكافر، لا بأس أن يُرقى إذا كان ما هو بحربيٍّ، لا بأس أن يُرقى الكافر الذّمي والمستأمن، لا بأس، نعم. لا بأس، لا حرج، هل تكلم عليه بشيءٍ؟

الطالب: .............

الشيخ: نعم، نعم. كمل، كمل. الظاهر أنهم ليسوا بمسلمين، هذا الظاهر -والله أعلم- والأمر واسعٌ.

مداخلة: يقول: زاد البزار من حديث جابر: فقالوا لهم: قد بلغنا أن صاحبكم جاء بالنور والشِّفاء. قالوا: نعم.

الشيخ: هذا يدل على أنهم ليسوا بمسلمين، قالوا: "صاحبكم" هذا يدل على أنهم ليسوا بمسلمين إن صحَّت رواية البزار، نعم، المقصود أن ظاهر السياق أنهم ليسوا بمسلمين، نعم.

باب ضريبة العبد، وتعاهد ضرائب الإماء

2277- حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان، عن حميدٍ الطويل، عن أنس بن مالك قال: حجم أبو طيبة النبي ﷺ، فأمر له بصاعٍ -أو صاعين- من طعامٍ، وكلَّم مواليه فخفف عن غلته أو ضريبته.

الشيخ: هذا يدل على فوائد:

منها: جواز الحجامة، أنها لا بأس بها، وأنها من أنواع العلاج لبعض الأمراض.

ومنها: جواز الاستئجار على الحجامة والأعمال المباحة.

ومنها: أن الأجرة حلالٌ، وإن كانت رديئةً خبيثةً، لكنها حلالٌ؛ ولهذا أعطاه صاعًا أو صاعين، قال ابن عباسٍ: ولو كان حرامًا لم يُعطه. لكنه كسبٌ خبيثٌ، يعني: رديئًا.

وفيه من الفوائد: جواز ضرب الخراج على العبيد، يقول لهم سيدهم: كل يومٍ أعطوني ريالًا، أو كل شهرٍ أعطوني عشر ريالات، أو عشرين ريالًا، والباقي لكم، مثلما كان يفعل الزبير؛ لأنهم عبيدٌ، يجعلهم يعملون للناس بالأجرة ويُعطونه شيئًا معلومًا كل شهرٍ، أو كل يومٍ، أو كل سنةٍ، والباقي لهم، يُسمّى: خراجًا، يُسمّى: أجرةً؛ حتى يتوسع العبد ويستريح، فقد تكون له عائلةٌ، فيُعطي سيده هذا المعين، والباقي يأكله وعائلته، يتصرف فيه في حاجاته، نعم.

س: شركات سيارات (الليموزين) يطلبون من السائق كل يومٍ مئتين وخمسين، والباقي له؟

ج: ما في شيء إذا أعطوه السيارة يتصرف فيها، والباقي له، لا حرج؛ لأن معناه أنهم أجَّروا له السيارة بشيءٍ معلومٍ، والباقي له.

س: لكنه قد لا يستطيع في اليوم إلا مئةً، ولكن يُلزم بدفع مئتين وخمسين في اليوم؟

ج: ما دام رضي، إذا أعطيته البعير، أو الفرس، أو الحمار، أو السيارة، وقلت: تسبب فيها لنفسك بشرط أن تُعطينا كل يومٍ كذا، ما في بأس، مثل: الخراج، مثل: خراج العبد، فالعبد يُحامل أو يعمل أعمالًا أخرى ويُعطي سيده شيئًا معلومًا كل يومٍ، أو كل شهرٍ.

س: يشقون عليه بحيث يُكلِّفونه ..... يسهرون ويتعبون؟

ج: ما دام أنهم اتَّفقوا معه على شيءٍ معلومٍ فالسيارة له مُستأجرةٌ يعمل عليها، قد يجيء بأربعمئةٍ، ويُعطونه مئتين، وقد يكون أكثر، وقد يكون أقل، مثل: الخراج، وقد يتعطل بعض الأيام ما يجد عملًا، قد يتعطل يومين أو ثلاثًا، ومع هذا يُسلم الخراج.

س: يُخاطرون في السرعة، يُسرعون؟

ج: على ولاة الأمور منعهم، وولاة الأمور قد حدَّدوا طريقة .....

س: ليس لهم اختيارٌ في هذا، هم مُلزمون به، مُلزمٌ أن يأتي بكذا؟

ج: لا، ما هو بملزمٍ، ولو ما شاء يترك السيارة، ما هو بملزمٍ، هذا اتِّفاقٌ بينهم.

س: لو ترك السيارة يجعلونه يُسافر؟

ج: يسافر، يروح، الأمر سهلٌ، ما هو بلازمٍ.

س: بعضهم يجعل له راتبًا ويقول: إذا لم تأتِ بالمبلغ الذي اتفقنا عليه سأحسمه عليك من راتبك؟

ج: المقصود أنهم إذا كانوا اتَّفقوا على هذا فما نعلم فيه شيئًا؛ لأنه شيءٌ معلومٌ على عملٍ معلومٍ، قد يزيد، وقد ينقص، لكنه مُستأجر السيارة، معناه: أنه أجَّر السيارة، مثل: العبد الذي أجَّر نفسه، أجَّره السيد نفسه، نعم.

باب خراج الحجَّام

2278- حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا وهيب: حدثنا ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: احتجم النبي ﷺ، وأعطى الحجَّام أجره.

2279- حدثنا مسدد: حدثنا يزيد بن زريع، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: احتجم النبي ﷺ، وأعطى الحجَّام أجره، ولو علم كراهيةً لم يُعطه.

2280- حدثنا أبو نُعيم: حدثنا مِسعر، عن عمرو بن عامر قال: سمعتُ أنسًا يقول: كان النبي ﷺ يحتجم، ولم يكن يظلم أحدًا أجره.

باب مَن كلَّم موالي العبد أن يُخففوا عنه من خراجه

2281- حدثنا آدم: حدثنا شعبة، عن حميدٍ الطويل، عن أنس بن مالك قال: دعا النبي ﷺ غلامًا حجَّامًا فحجمه، وأمر له بصاعٍ أو صاعين، أو مُدٍّ أو مُدين، وكلَّم فيه فخفف من ضريبته.

س: الحكم على الشخص المعين بأنه كافرٌ إذا كان يغلب على الظن؟

ج: إذا ثبت أنه يعمل الكفر، والظن ما يُعمل به، فهذه أمورٌ عظيمةٌ، إذا ثبت عنده أنه يسبّ الرسول ﷺ، تقول: سابّ الرسول كافرٌ، سمعته يسبّ الله، تقول: كافرٌ، إذا عرفت شيئًا يقينًا.

س: الحديث الأول، الترجمة في ضريبة العبد، الترجمة والحديث في الحجَّام؟

ج: لأنه عبدهم، الحجَّام الذي حجم النبي ﷺ كان عبدًا، كان بينه وبين سيده خراجٌ.

س: قد تكون أجرة الحجامة في الخراج أيضًا؟

ج: هو عبدٌ مُفوَّضٌ يتسبب، يتكسب، ويُؤدي خراج سيده، والنبي ﷺ أعطاه أجره، وكلَّم سادته أن يُخففوا عنه من الخراج.

س: حديث: مَن احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كانت شفاءً من كل داءٍ؟

ج: ما أعرف حاله، وتكلم عليه ابنُ القيم رحمه الله في "الهدي" أو غيره، ما أذكر حاله الآن.

س: التأمين على السيارات فيه بأسٌ؟

ج: التأمين ما يجوز، صدر قرارٌ من هيئة كبار العلماء أنه لا يجوز؛ لأن فيه غررًا وربًا، فيه غررٌ وربا، التأمين التجاري ما يجوز: لا على السيارات، ولا على البيوت، ولا على النفس.

س: هناك فتاوى من هيئة كبار العلماء بالتأمين التَّعاوني؟

ج: التأمين التعاوني غير ذلك، التعاوني أن تجتمع أنت وإخوانك على تعاونٍ بينكم، تجتمعون على أن الفقير يُعطى، والضيف، والذي يريد أن يتزوج، هذا يُسمّى: تعاونيًّا.

س: الشركة الموجودة الآن، مكتوب: شركة التأمين الإسلامي؟

ج: هذا قد يُلبِّسون به على بعض الناس، قد يُسمونه: تعاونيًّا، وليس بتعاونيٍّ، قد يُلبِّسون على الناس.

س: ويُوزِّعون فتواكم معها؟

ج: ما أدري عنهم، يُنظر في عملهم.