باب من أحيا أرضا مواتا

باب مَن أحيا أرضًا مواتًا

.................

2336- حدثنا قتيبة: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبدالله بن عمر، عن أبيه : أن النبي ﷺ أُري وهو في معرسه من ذي الحُليفة في بطن الوادي، فقيل له: إنك ببطحاء مُباركةٍ، فقال موسى: وقد أناخ بنا سالم بالمناخ الذي كان عبدالله ينيخ به، يتحرى معرس رسول الله ﷺ، وهو أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي، بينه وبين الطريق وسطٌ من ذلك.

2337- حدثنا إسحاق بن إبراهيم: أخبرنا شعيب بن إسحاق، عن الأوزاعي قال: حدثني يحيى، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، عن عمر ، عن النبي ﷺ قال: الليلة أتاني آتٍ من ربي -وهو بالعقيق- أن صَلِّ في هذا الوادي المبارك، وقُل: عمرةٌ في حجَّةٍ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم،

اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.

ليس فيما ذكره المؤلف شيءٌ يتعلق بإحياء الأرض الميتة فيما يظهر، وإنما فيه الدلالة على الصلاة في الأرض التي ..... كما في قوله ﷺ: وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا؛ ولهذا صلَّى في وادي ذي الحُليفة، وقيل له: صَلِّ في هذا الوادي المبارك، فدلَّ على أن جنس الأرض يُصلَّى فيها، إلا ما منعه الشرع، إلا الأرض التي منع الشرعُ من الصلاة فيها: كالمقبرة، والحمام، ومعاطن الإبل، والأرض النَّجسة.

واحتجَّ به على شرعية الصلاة قبل الإحرام: صَلِّ في هذا الوادي المبارك، لكنه ليس بصريحٍ؛ فإن قوله: صَلِّ يحتمل أن مُراده صلاة الفريضة، وقد صلَّى هناك ﷺ، وأحرم بعد الصلاة: صلاة الفريضة: صلاة الظهر، ليس بصريحٍ في الصلاة الخاصة.

والجمهور يرون شرعية صلاة ركعتين قبل الإحرام؛ أخذًا بهذا الحديث؛ لإطلاق هذا الحديث؛ ولأنه أحرم بعد الصلاة عليه الصلاة والسلام، فذلك أمرٌ واسعٌ، لكن ليس بالصَّريح، وإذا توضأ وصلَّى ركعتي الوضوء وأحرم بعدها جمع بين الخيرين: جمع بين سنة الوضوء، وبين ما قاله الجمهور، نعم.

أيش قال الشارح على الترجمة؟

القارئ: هذا الفصل من الترجمة، الترجمة الأولى ذكر فيها حديث عائشة: مَن أعمر أرضًا ......

الشيخ: ترجم عليه من عمر؟

القارئ: إيه.

الشيخ: طيب، على حديث عائشة حجة.

القارئ: لكن هذا فصلٌ، ثم قال: باب، حدثنا.

الشيخ: هذا ما هو بواضحٍ، الحجة القائمة حديث عائشة: مَن عمر أرضًا، حُجَّةٌ واضحةٌ.

قارئ الشرح: قوله: "باب كذا" فيه بغير ترجمةٍ، وهو كالفصل من الباب الذي قبله، وقد أورد فيه حديث ابن عمر: أن النبي ﷺ أُري وهو في معرسه بذي الحُليفة: إنك ببطحاء مُباركةٍ، وحديث عمر مرفوعًا: أتاني آتٍ من ربي أن صَلِّ في هذا الوادي المبارك، وقد تقدم الكلام على هذين الحديثين في الحج مُستوفًى، ولكن أشكل تعلّقهما بالترجمة، فقال المهلب: حاول البخاري جعل موضع معرس النبي ﷺ موقوفًا، أو مُتملَّكًا له؛ لصلاته فيه ونزوله به، وذلك لا يقوم على ساقٍ؛ لأنه قد ينزل في غير ملكه، ويُصلي فيه، فلا يصير بذلك ملكه، كما صلَّى في دار عتبان بن مالك وغيره.

وأجاب ابن بطال بأن البخاري أراد أن المعرس نُسب إلى النبي ﷺ بنزوله فيه، ولم يرد أنه يصير بذلك ملكه.

ونفى ابن المنير وغيره أن يكون البخاري أراد ما ادَّعاه المهلب، وإنما أراد التَّنبيه على أن البطحاء التي وقع فيها التَّعريس والأمر بالصلاة فيها لا تدخل في الموات الذي يُحيا ويُملك؛ إذ لم يقع فيها تحويطٌ ونحوه من وجوه الإحياء، أو أراد أنها تلحق بحكم الإحياء؛ لما ثبت لها من خصوصية التصرف فيها بذلك، فصارت كأنها أرصدت للمسلمين: كمِنَى مثلًا، فليس لأحدٍ أن يبني فيها ويتحجرها؛ لتعلق حقِّ المسلمين بها عمومًا.

قلت: وحاصله أن الوادي المذكور وإن كان من جنس الموات، لكن مكان التعريس منه مُستثنًى؛ لكونه من الحقوق العامَّة، فلا يصح احتجاره لأحدٍ، ولو عمل فيه بشروط الإحياء، ولا يختص ذلك بالبقعة التي نزل بها النبي ﷺ، بل كل ما وجد من ذلك فهو في معناه.

تنبيه: المعرَس -بمُهملاتٍ وفتح الراء- موضع التَّعريس، وهو نزول آخر الليل للراحة.

الشيخ: نعم.

باب إذا قال ربُّ الأرض: أُقِرُّك ما أقرَّك الله

ولم يذكر أجلًا معلومًا، فهما على تراضيهما

2338- حدثنا أحمد بن المقدام: حدثنا فُضيل بن سليمان: حدثنا موسى: أخبرنا نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله ﷺ.

وقال عبدالرزاق: أخبرنا ابن جريج، قال: حدثني موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وكان رسول الله ﷺ لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله ﷺ وللمسلمين، وأراد إخراج اليهود منها، فسألت اليهودُ رسولَ الله ﷺ ليُقرَّهم بها أن يكفوا عملها، ولهم نصف الثمر، فقال لهم رسولُ الله ﷺ: نُقرُّكم بها على ذلك ما شئنا، فقرُّوا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء.

الشيخ: مثلما تقدم فعله النبي ﷺ لما كان المشركون لم يُمنعوا من الجزيرة، أما بعدما استقرَّت الشريعة في إخراج الكفار من هذه الجزيرة فإنه يجب إخراجهم؛ ولهذا أوصى ﷺ بذلك، أوصى بأن يُخرج الكفار من هذه الجزيرة، وألا يبقى فيها إلا مسلمٌ، وهي مهبط الوحي، ومطلع شمس الرسالة، ويجب أن تبقى في هذا الدين: الإسلام، إلا إذا كان القدوم إليها من الكفرة شيئًا عارضًا، لا للقرار، بل لعارضٍ، ثم يرجعون: كالرسل، وباعة الميرة، وأشباه ذلك؛ ولهذا أجلاهم عمرُ بعد ذلك.

وفيه من الفوائد قوله: نُقرُّكم ما شئنا، وفي اللفظ الآخر: ما أقرَّكم الله، وأنه يجوز التعاقد على الزراعة والمساقاة مع الإطلاق، يكون كل واحدٍ بالخيار سنةً أو سنتين أو أكثر، متى شاء أحدهما الخيار فله ذلك إذا كمل عمله الذي شرع فيه، وأحسن ما قيل في حديث نزوله بالمعرس –المبطح- أن هذا ليس بإحياءٍ، مراد المؤلف أن نزول الإنسان في المحل للصلاة أو إقامته فيه لعارضٍ لا يُسمّى: إحياءً، وإنما الإحياء: التَّعمير كما تقدم في حديث عائشة، هذا هو الإحياء، أما كون السلطان أو غير السلطان ينزل في مكانٍ ويُصلي فيه، أو يُقيم فيه ليلةً أو ليلتين أو أكثر لحاجةٍ هذا ليس بإحياءٍ، نعم.

باب ما كان من أصحاب النبي ﷺ يُواسي بعضُهم بعضًا في الزراعة والثمرة

2339- حدثنا محمد بن مقاتل: أخبرنا عبدالله: أخبرنا الأوزاعي، عن أبي النجاشي -مولى رافع بن خديج-: سمعتُ رافع بن خديج بن رافع، عن عمِّه ظهير بن رافع، قال ظهير: لقد نهانا رسول الله ﷺ عن أمرٍ كان بنا رافقًا. قلتُ: ما قال رسول الله ﷺ فهو حقٌّ. قال: دعاني رسول الله ﷺ، قال: ما تصنعون بمحاقلكم؟ قلت: نُؤاجرها على الربع، وعلى الأوسُق من التمر والشعير. قال: لا تفعلوا، ازرعوها، أو أزرعوها، أو أمسكوها. قال رافع: قلتُ: سمعًا وطاعةً.

الشيخ: كان هذا أولًا، ثم رخص في التأجير، كان أولًا قال لهم ﷺ: ازرعوها، أو أزرعوها، أو أمسكوها؛ حثًّا لهم على التعاون، أول ما قدم المسلمون دار الهجرة حثَّهم على التعاون وتمكين المهاجرين من طلب الرزق والسعي في الأرض، ثم رخَّص لهم في التأجير والمزارعة عليه الصلاة والسلام.

2340- حدثنا عبيدالله بن موسى: أخبرنا الأوزاعي، عن عطاء، عن جابرٍ قال: كانوا يزرعونها بالثلث والربع والنصف، فقال النبي ﷺ: مَن كانت له أرضٌ فليزرعها، أو ليمنحها، فإن لم يفعل فليُمْسِك أرضَه.

2341- وقال الربيع بن نافع أبو توبة: حدثنا معاوية، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: مَن كانت له أرضٌ فليزرعها، أو ليمنحها أخاه، فإن أبى فليُمسِك أرضه.

2342- حدثنا قبيصة: حدثنا سفيان، عن عمرو قال: ذكرته لطاووس، فقال: يزرع، قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: إن النبي ﷺ لم ينهَ عنه، ولكن قال: أن يمنح أحدُكم أخاه خيرٌ له من أن يأخذ شيئًا معلومًا.

2343- حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا حماد، عن أيوب، عن نافع: أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يكري مزارعه على عهد النبي ﷺ، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وصدرًا من إمارة معاوية.

2344- ثم حدَّث عن رافع بن خديج: أن النبي ﷺ نهى عن كراء المزارع، فذهب ابن عمر إلى رافعٍ، فذهبتُ معه، فسأله، فقال: نهى النبي ﷺ عن كراء المزارع. فقال ابن عمر: قد علمتَ أنا كنا نكري مزارعنا على عهد رسول الله ﷺ بما على الأربعاء، وبشيءٍ من التبن.

2345- حدثنا يحيى بن بُكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهابٍ: أخبرني سالم: أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنتُ أعلم في عهد رسول الله ﷺ أن الأرض تُكرى. ثم خشي عبدالله أن يكون النبي ﷺ قد أحدث في ذلك شيئًا لم يكن يعلمه؛ فترك كراء الأرض.

الشيخ: لكن استقرت الشريعة -كما دلَّ عليه حديث ابن عمر وغيره- على جواز الأمرين: المزارعة بجزءٍ مشاعٍ، والكراء بشيءٍ معلومٍ، كل هذا ثبتت به السنة عن النبي عليه الصلاة والسلام، فإن شاء أجَّر كما قال رافع نفسه: فأما شيءٌ معلومٌ مضمونٌ فلا بأس به. قال: وأما الذهب والوَرِق فلم ينهنا، وإنما أراد بالكراء الذي فيه جهالةٌ، أراد رافع بالكراء الذي فيه الجهالة كما تقدم، كأن يُؤجروها على أن له ما أنبتت هذه، والآخر له ما أنبتت هذه، وأما شيءٌ معلومٌ فلا بأس به، وقد استقرَّت الشريعة على ذلك، وأجمع عليه المسلمون، وهو داخلٌ في: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، فإن الكِراء والتأجير نوعٌ من البيع: بيع المنافع: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطلاق:6].

المقصود أن المزارعة بالنصف، أو بالثلث، أو بالنقود مُؤاجرةٌ، كله جائزٌ، وحاجة المسلمين إلى ذلك ماسَّةٌ، ومصالحهم تقتضي ذلك، نعم.

س: الأمر بأن يمنحها أخاه أو يزرعها هذا على سبيل النَّدب؟

ج: محتمل، الأصل في الأوامر الوجوب، هذا هو الأصل، ظاهر الأوامر الوجوب.

س: لكن قول ابن عباس؟

ج: ابن عباسٍ كأنه تأولها على هذا.

س: قال: لم ينهَ عنه، ولكن قال: أن يمنح أحدُكم أخاه خيرٌ ...؟

ج: تأولها على الاستحباب، ابن عباسٍ تأولها على الاستحباب، نعم.

باب كراء الأرض بالذهب والفضة

وقال ابن عباسٍ: إن أمثل ما أنتم صانعون: أن تستأجروا الأرض البيضاء من السنة إلى السنة.

2346- حدثنا عمرو بن خالد: حدثنا الليث، عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن، عن حنظلة بن قيس، عن رافع بن خديج قال: حدثني عمَّاي: أنهم كانوا يُكرون الأرض على عهد النبي ﷺ بما ينبت على الأربعاء، أو شيء يستثنيه صاحب الأرض، فنهى النبي ﷺ عن ذلك. فقلت لرافع: فكيف هي بالدينار والدرهم؟ فقال رافع: ليس بها بأسٌ بالدينار والدرهم.

وقال الليث: وكان الذي نُهي عن ذلك ما لو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال والحرام لم يُجيزوه؛ لما فيه من المخاطرة.

2348- حدثنا محمد بن سنان: حدثنا فليح: حدثنا هلال. ح، وحدثنا عبدالله بن محمد: حدثنا أبو عامر: حدثنا فليح، عن هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة : أن النبي ﷺ كان يومًا يُحدِّث وعنده رجلٌ من أهل البادية: أن رجلًا من أهل الجنة استأذن ربَّه في الزرع، فقال له: ألستَ فيما شئتَ؟ قال: بلى، ولكني أُحب أن أزرع، قال: فبذر، فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله: دونك يا ابن آدم، فإنه لا يُشبعك شيءٌ، فقال الأعرابي: والله لا تجده إلا قرشيًّا، أو أنصاريًّا؛ فإنهم أصحاب زرعٍ، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرعٍ. فضحك النبي ﷺ.

الشيخ: مثلما قال جلَّ وعلا: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82]، فيُريهم عظيم قُدرته، هذا قال: أُحب أن أزرع في الجنة. فزرع، فنبت، وصار أمثال الجبال في لحظاتٍ، الله أكبر! والله المستعان.

س: قول الرجل: والله لا تجده .....؟

ج: يعني: هذا السائل الذي سأل الزرع -طلب الزرع- قرشيٌّ أو أنصاريٌّ، على ظن الأعرابي، مع أن الغالب على قريش التجارة، بخلاف الأنصار، فالغالب عليهم الزراعة، ولعله ذكر القُرشي لحرصهم على طلب الرزق، هؤلاء يتَّجرون، وهؤلاء يزرعون، فقال: لعله هذا الذي طلب هذا؛ لأنهم اعتادوا طلب الرزق، واعتادوا العمل؛ ولهذا ضحك النبي عليه الصلاة والسلام تعجبًا من قوله، وأيش قال الشارح على: لا تجده إلا قُرشيًّا؟

قارئ الشرح: قوله: "باب كذا" للجميع بغير ترجمةٍ، وهو كالفصل من الباب الذي قبله، ولم يذكر ابن بطال لفظ "باب"، وكان مُناسبته له من قول الرجل: "فإنهم أصحاب زرعٍ".

قال ابن المنير: وجهه أنه نبَّه به على أن أحاديث النهي عن كراء الأرض إنما هي على التنزيه، لا على الإيجاب؛ لأن العادة فيما يحرص عليه ابن آدم أنه يُحب استمرار الانتفاع به، وبقاء حرص هذا الرجل على الزرع حتى في الجنة دليلٌ على أنه مات على ذلك، ولو كان يعتقد تحريم كراء الأرض لفطم نفسه عن الحرص عليها؛ حتى لا يثبت هذا القدر في ذهنه هذا الثبوت.

قوله: "عن هلال بن علي" هو المعروف بابن أسامة، والإسناد العالي كلهم مدنيون إلا شيخ البخاري، وقد ساقه على لفظ الإسناد الثاني، وساقه في كتاب "التوحيد" على لفظ محمد بن سنان.

قوله: "وعنده رجلٌ من أهل البادية" لم أقف على اسمه.

قوله: "استأذن ربَّه في الزرع" أي: في أن يُباشر الزراعة.

قوله: فقال له: ألستَ فيما شئتَ؟ في رواية محمد بن سنان: أولستَ بزيادة واوٍ.

الشيخ: أولست فيما شئتَ؟ يعني: من النعيم والخير الكثير، وأيش الحاجة إلى الزرع وفيها ما تشتهي نفسك، وتلذّ عينك، وكل ما تطلب تجد؟!

قوله: فبذر أي: ألقى البذر، فنبت في الحال، وفي السياق حذفٌ تقديره: فأذن له فبذر فبادر. في رواية محمد بن سنان: فأسرع فتبادر.

قوله: الطَّرْف بفتح الطاء وسكون الراء، امتداد لحظ الإنسان إلى أقصى ما يراه، ويُطلق أيضًا على حركة جفن العين، وكأنه المراد هنا.

قوله: واستحصاده زاد في "التوحيد": وتكويره أي: جمعه، وأصل الكور الجماعة الكثيرة من الإبل، والمراد أنه لما بذر لم يكن بين ذلك وبين استواء الزرع ونجاز أمره كله من القلع والحصد والتَّذرية والجمع والتكويم إلا قدر لمحة البصر.

وقوله: دونك بالنصب على الإغراء، أي: خذه.

قوله: لا يُشبعك شيءٌ في رواية محمد بن سنان: لا يَسَعُك بفتح أوله والمهملة وضم العين، وهو مُتَّحد المعنى.

قوله: "فقال الأعرابي" بفتح الهمزة، أي: ذلك الرجل الذي من أهل البادية.

وفي هذا الحديث من الفوائد: أن كل ما اشتُهي في الجنة من أمور الدنيا ممكنٌ فيها. قاله المهلب.

الشيخ: كما قال تعالى: إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ۝ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ ۝ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ ۝ سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:55- 58].

قارئ الشرح: وفيه وصف الناس بغالب عاداتهم. قاله ابن بطال.

وفيه أن النفوس جُبلت على الاستكثار من الدنيا.

وفيه إشارةٌ إلى فضل القناعة، وذمِّ الشَّرَه.

وفيه الإخبار عن الأمر المحقق الآتي بلفظ الماضي.

الشيخ: نعم.

باب ما جاء في الغرس

2349- حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا يعقوب بن عبدالرحمن، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد : أنه قال: إنا كنا نفرح بيوم الجمعة، كانت لنا عجوزٌ تأخذ من أصول سِلْقٍ لنا كنا نغرسه في أربعائنا، فتجعله في قِدْرٍ لها، فتجعل فيه حبَّاتٍ من شعيرٍ -لا أعلم إلا أنه قال: ليس فيه شَحْمٌ، ولا وَدَكٌ-، فإذا صلينا الجمعة زرناها فقرَّبته إلينا، فكنا نفرح بيوم الجمعة من أجل ذلك، وما كنا نتغدَّى ولا نقيل إلا بعد الجمعة.

الشيخ: وهذا من شدة الحاجة، لما قدموا المدينة كانت لهم حاجةٌ شديدةٌ وفقرٌ؛ ولذلك كانت هذه العجوز تصنع لهم الغداء بعد الجمعة، فيفرحون يوم الجمعة لما يحصل من هذه الفائدة، والمضطر والفقير يفرح بكلِّ ما يُعينه على إقامة أَوده وحاجته، نعم.

2350- حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهابٍ، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: يقولون: إن أبا هريرة يُكثر الحديث! والله الموعد، ويقولون: ما للمُهاجرين والأنصار لا يُحدِّثون مثل أحاديثه؟! وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصَّفق بالأسواق، وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم، وكنتُ امرأً مسكينًا، ألزم رسول الله ﷺ على مِلْء بطني، فأحضر حين يغيبون، وأَعِي حين ينسون، وقال النبي ﷺ يومًا: لن يبسط أحدٌ منكم ثوبَه حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئًا أبدًا، فبسطتُ نَمِرَةً، ليس عليَّ ثوبٌ غيرها، حتى قضى النبي ﷺ مقالته، ثم جمعتُها إلى صدري، فوالذي بعثه بالحقِّ، ما نسيتُ من مقالته تلك إلى يومي هذا، والله لولا آيتان في كتاب الله ما حدَّثتُكم شيئًا أبدًا: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى إلى قوله: الرَّحِيمُ [البقرة:159- 160].

مداخلة: عندي: "يقولون: إن أبا هريرة يُكثر" فقط.

الشيخ: وعندك: أكثر؟

قارئ المتن: "يُكثر الحديث".

الشيخ: المعنى واحدٌ: "يُكثر الحديث" أوضح، والمعنى واحدٌ.

وهذا يُبين لنا أن أسباب كثرة حديث أبي هريرة مثلما بيَّن ، فهو أكثر الناس حديثًا ، هو وعبدالله بن عمرو بن العاص، وأسباب ذلك مثلما قال: كان رجلًا فقيرًا مسكينًا يلزم النبي ﷺ، فيحضر حين يغيب المهاجرون والأنصار، ويحفظ حين ينسون، بسبب أن المهاجرين أغلبهم يشتغل في التجارة، وهو الصَّفق في الأسواق، والأنصار يشتغلون بالحرث، فتفوتهم مجالس كثيرةٌ من مجالس النبي ﷺ بسبب هذا.

أما أبو هريرة فكان مُلازمًا للنبي ﷺ، ويحضر مجالسه، وليس له شغلٌ: لا بالتجارة، ولا بالزراعة، فحفظ أكثر من غيره: كعبدالله بن عمرو أيضًا وجماعةٍ آخرين من الصحابة حفظوا كثيرًا بسبب لزومهم للنبي ﷺ، وسفرهم معه، وحضور أوقاتٍ ومجالس ما حضرها آخرون؛ فلهذا كان حديثهم أكثر من غيرهم، وكل مَن كان ألزم للرسول ﷺ وأكثر حضورًا لمجالسه صار حديثه أكثر، لا سيما مع الحفظ والعناية والدرس، نعم.

س: معنى حديث: "حفظتُ من رسول الله ﷺ وعاءين"؟

ج: يعني: نوعين من الحديث: نوعٌ يتعلق بالأحكام، ونوعٌ يتعلق بالسياسة وأخبار الماضين وأشباهها.

س: حكم التَّملك في مِنى؟

ج: ما يجوز التَّملك في مِنى، هذه مشاعر يجب أن تبقى للمسلمين، عرفة ومِنى يجب أن تبقى للمسلمين، ومُزدلفة كذلك.

س: ولو كانت في ذلك مصالح للمسلمين، مثل: مستوصف؟

ج: ما تمنع، المهم أن تُحجز لمصالح المسلمين، إذا رأت الدولةُ حجز شيءٍ يكون لمصلحة الحجاج، وإلا فهو ما يمنع.

س: إذا كان راعي المزرعة أعطى هذه الأرض لرجلٍ على مئة صاعٍ، ولكن عند النبتة أصابتها السَّماء والعاهة، فهل يلزمه ذلك؟

ج: تلزمه الأجرة، نعم، إذا أجَّر الأرض على شيءٍ معلومٍ -زرعها أو لم يزرعها- تلزمه الأجرة، أو تلف الزرع؛ لأنه شيءٌ في الذمة في مقابل تمكينه من الانتفاع، فإذا أجَّر له الأرض بدراهم معلومةٍ أو آصُعٍ معلومةٍ وجبت عليه الأجرة على المدة التي عيَّنها، زرعها أو لم يزرعها، صلح الزرع أم لم يصلح، نعم.