كتاب الصلاة

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بحضراتكم إلى هذا الدرس الطَّيب المبارك من دروس "المنتقى".

ضيف اللِّقاء هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

مع مطلع هذا اللِّقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: بدأنا يا سماحة الشيخ حفظكم الله في الدرس السابق في كتاب الصلاة، ونود أن نسأل بدايةً قبل أن نقرأ الأحاديث عن فضل الصَّلوات وأهميتها في الإسلام، لعلكم تستفتحون هذا الدرس بتوجيهٍ في ذلك.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فقد سبق في الدرس الماضي شيء مما يتعلق بالصلاة، الصلاة هي عمود الإسلام، وهي أفضل العبادات، وأهم العبادات بعد الشَّهادتين، فالواجب على كل مُكلَّفٍ من الرجال والنساء العناية بها، والمحافظة عليها، وفضلها عظيم، مَن حافظ عليها وأدَّاها كفَّر الله خطاياه، يقول ﷺ في الحديث الصحيح: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفَّارات لما بينهن ما لم تُغشَ الكبائر، وفي لفظٍ: إذا اجتنب الكبائر.

ويقول ﷺ: مثل الصَّلوات الخمس كمثل نهرٍ غمر على باب أحدكم، يغتسل منه كل يومٍ خمس مرات، فهل ذلك يُبقي من درنه شيئًا؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فهكذا الصَّلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا، يعني: يمحو الله بها الخطايا لمن تجنب الكبائر، لمن حافظ عليها، وأدَّى حقَّها، وابتعد عن كبائر الذنوب.

فالصلاة أمرها عظيم، وشأنها عظيم، فالواجب على كل مؤمنٍ، وعلى كل مؤمنةٍ العناية بها، والمحافظة عليها، وأداؤها بطمأنينةٍ، والخشوع والإقبال عليها بالقلب والقالب؛ لأنها عمود الإسلام كما في الحديث السابق في الدرس الماضي: يقول ﷺ: أول ما يُحاسَب عليه العبد من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر.

فالواجب على كل مسلمٍ أن يعتني بالصلاة، وأن يُحافظ عليها، وأن يعتني بإكمالها وإتمامها كما شرع الله .

س: بقي هذا السؤال عن الأحاديث السابقة: دلَّ حديثُ طلحة على أنَّ العمل الصالح سبب في دخول الجنة، وفي حديثٍ آخر بيَّن ﷺ أنه لن يدخل أحدٌ الجنةَ بعمله، فكيف الجمع بين ذلك؟

الشيخ: لا منافاة، الأعمال سبب، والموجب رحمة الله، يقول ﷺ: لن يدخل الجنةَ أحدُكم بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمَّدني الله برحمةٍ منه وفضلٍ، وقال سبحانه: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32]، وقال جلَّ وعلا: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72]، فالباء في أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ باء السبب، والباء في قوله: لن يدخل الجنةَ أحدٌ منكم بعمله باء العوض، فليست عوضًا، ولكنها أسباب، جعلها الله أسبابًا: الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر الأعمال الصالحة، وأعظمها التوحيد، كلها أسباب لدخول الجنة، ولكن الموجِب لهذا رحمته وجوده وكرمه، هو الذي جعلها أسبابًا، وتفضل بقبولها، وإدخال صاحبها الجنة؛ رحمةً منه جلَّ وعلا.

فلا منافاة بين النصوص: بين باء السَّببية وباء العِوض: لن يدخل الجنة أحدُكم بعمله يعني: بعوض عمله، عمله من فضل الله، ومن رحمة الله، ومن نعمة الله عليه، ولكن الله جلَّ وعلا جعل العمل من الأسباب: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يعني: بأسباب أعمالكم الصَّالحة، وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، فهم قد أدوا أعمالًا طيبةً جعلها الله أسبابًا لدخولهم الجنة، ولمغفرة الله لهم ، كما أنَّ الأعمال السَّيئة من أسباب دخولهم النار.

 

بَابُ قَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ

- عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ  مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَحْمَدَ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، كَيْفَ نُقَاتِلُ الْعَرَبَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّه، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتوا الزَّكَاةَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ وَهُوَ بِالْيَمَنِ إلَى النَّبِيِّ ﷺ بِذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اتَّقِ اللَّهَ! فَقَالَ: وَيْلَكَ! أَوَلَسْتُ أَحَقّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ؟! ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ فَقَالَ: لَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي، فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ.

وفيه مُستدل لمن يقبل توبة الزِّنديق.

- وَعَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ يُسَارُّهُ، يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَجَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ الْأَنْصَارِيُّ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا شَهَادَةَ لَهُ، قَالَ: أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: بلى، وَلَا شَهَادَةَ لَهُ، قَالَ: أَلَيْسَ يُصَلِّي؟ قَالَ: بَلَى، وَلَا صَلَاةَ لَهُ، قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِمْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا.

 

الشيخ: وهذه الأحاديث كلها تدل على أنَّ مَن لا يُصلي يستحق أن يُقتل؛ لأنَّ الصلاة عمود الإسلام، فمَن تركها كفر واستحقَّ أن يُقتل؛ ولهذا قال ﷺ: نُهيتُ عن قتل المصلين، فمَن صلَّى فقد أظهر الإسلامَ، وأظهر عصمة الدَّم، فلا يُقتل حتى يُوجد منه ما يُوجب سفك دمه: من قتل معصومٍ بغير حقٍّ، أو ردَّةٍ واضحةٍ، أو نحو ذلك مما يُوجب قتله.

فالمقصود أنَّ مَن أظهر الإسلام وصلَّى مع المسلمين فإنه يُعصم دمه ولا يُقتل، حتى يُوجَد منه ما يُوجب الردة، فإذا ترك الصلاةَ ودُعي إليها وأبى، فإنه يُستحب قتله؛ لأنَّ الرسول قال: نهيتُ عن قتل المصلين، فدلَّ على أنَّ مَن لا يُصلي لم يُنْهَ عن قتله، والرسول ﷺ يقول: أُمِرْتُ أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، ويُقيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقِّ الإسلام، وحسابهم على الله، فدلَّ على أنَّ مَن لم يأتِ بالصلاة لم يعصم دمه، بل يُقتل.

وهكذا مَن امتنع من الزكاة ولم يُؤدها وقاتل دونها يستحق أن يُقتل، كما فعل الصديقُ ؛ فإنَّ مانعي الزكاة لما ارتدَّ مَن ارتدَّ من العرب بعد موت النبي ﷺ قاتلهم الصديقُ على ردَّتهم، وعلى منعهم الزكاة، فدلَّ على أنَّ مَن منع الزكاة وقاتل دونها يُعتبر مرتدًّا، كمَن ترك الصلاة، فيُقتل مَن ترك الصلاة، ويُقتل مَن ترك الزكاة إذا عاند وقاتل دونها، أما لو تركها وأُجبر وسلَّمها فلا يُقتل، يُعزر، يُؤدَّب، لكن لو منعها وقاتل دونها فإنه يُقتل كافرًا، كما فعل الصديقُ مع أهل الردة، فإنهم لما منعوا الزكاةَ، ومنعوا الصلاة، قاتلهم جميعًا، ولم يُفرق بينهم، وقال: "والله لو منعوني عناقًا -وفي لفظٍ: عقالًا- كانوا يُؤدُّونه إلى النبي ﷺ لقاتلتهم على منعه"، فهداه الله وشرح الله صدره للقتل، قال عمر: فعرفتُ أنه الحقّ.

فالمقصود أنَّ مانعي الزكاة قسمان:

قسم يمنع ولا يُقاتل: فهذا تُؤخذ منه جبرًا، ويبقى على إسلامه، ويكون إسلامه ناقصًا، ضعيفًا، على خطرٍ من عذاب الله يوم القيامة، إلا أن يتوب.

القسم الثاني: يمنع ويُقاتل ولا يُسلم، بل يمنع ويُقاتل، كما فعله أهلُ الردة في عهد الصديق ، هذا إذا منع وقاتل يُقاتَل قتال المرتدين، كمَن ترك الصلاة يُقاتل قتال المرتدين، نسأل الله العافية.

س: سماحة الشيخ، ما الأمور التي تترتب على كفر تارك الصَّلاة؟

الشيخ: ما يترتب على كفر مَن ارتدَّ: يحل دمه وماله، وماله لبيت المال، فيئًا لبيت مال المسلمين، لا يرثه أحدٌ من أقاربه.

س: حفظكم الله، هل من توجيهٍ إلى أولياء الناس الذين يُزوجون بناتهم مَن لا يُصلي؛ لغرضٍ من الأغراض الدُّنيوية؟

الشيخ: نعم، هذا يجب عليهم الحذر، مَن لا يُصلي لا يُزوج بالمرأة المسلمة، يجب على وليّ المرأة إذا أراد أن يُزوج أن ينظر في الرجل، وأن يسأل عنه، فإذا كان مُحافظًا على الصَّلوات فالحمد لله، وإلا فلا يُزوج؛ لأنَّ مَن تركها فقد كفر، كما قال النبيُّ ﷺ، يقول ﷺ في الحديث الصحيح: بين الرجل وبين الكفر والشِّرك ترك الصلاة، ويقول ﷺ: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَن تركها فقد كفر.

فالواجب على الأولياء أن يعتنوا بهذا الأمر، وأن يحرصوا على التماس الأزواج الصَّالحين لمولياتهم، ومَن لا يُصلي لا يُزوج، بل يُدعا إلى الإسلام، ويُدعا إلى فعل الصلاة، لعل الله يهديه، فإذا هداه الله والتزم واستقام على الصلاة فعند ذلك يُزوج.

س: ما معنى: وحسابهم على الله ؟

الشيخ: يعني: الله الذي يتولى حسابهم يوم القيامة: إن كانوا كفَّارًا جزاهم جزاء الكفار، وإن كان هناك مانع خفيّ على الإمام الشَّرعي جزاهم جزاء المسلمين، الحكم على الظاهر، مَن أظهر الكفر يُقاتل، ومَن أظهر الإسلام يُمنع منه وإن كان منافقًا في الباطن؛ ولهذا قال ﷺ لما شُكي إليه مَن يتظاهر بالإسلام امتنع، لما قال له الصحابي: كم من مُصلٍّ لا صلاةَ له! وكم من مُزَكٍّ لا زكاةَ له! قال: أولئك الذين نُهيتُ عن قتلهم، فمَن أظهر الإسلام وإن كان يُتَّهم بالنِّفاق لا يُقتل، مَن صلَّى مع المسلمين، وزكَّى مع المسلمين لا يُقتل وإن اتُّهم بالنِّفاق، وحسابه على الله : إن كان صادقًا في إظهار الإسلام فله الجنة، وإن كان مُنافقًا فله النار، نسأل الله العافية: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145].

المقدم: أحسن الله إليكم على هذا التَّوجيه المبارك، سماحة الشيخ، إذا قدم شخصٌ واشتهر بأنه لا يُصلي، ولكن لا نقطع بذلك، فهل لنا أن نُصلي عليه، أو يجب ترك الصلاة عليه إذا كان ميتًا؟

الشيخ: إذا كنت لا تعلم تُصلي عليه، ما دام مع المسلمين وظاهره الإسلام تُصلي عليه، إلا أن يشهد شاهدان عدلان أنه لا يُصلي.

بَابُ حُجَّةِ مَنْ كَفَّرَ تَارِكَ الصَّلَاةِ

- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيَّ.

- وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا من الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَقَالَ: مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نُورًا وَلَا بُرْهَانًا وَلَا نَجَاةً، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ.

الشيخ: هذه أدلة مَن رأى كفر تارك الصلاة، وهو القول الصواب: أنَّ مَن تركها يكفر؛ لقوله ﷺ: بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة، وفي الرواية الأخرى: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة أخرجه مسلم في "صحيحه" عن جابرٍ ، وقوله ﷺ: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَن تركها فقد كفر أخرجه الخمسةُ بإسنادٍ صحيحٍ عن بُريدة بن حصيب الأسلمي.

وقال عبدالله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل: لم يكن أصحابُ الرسول ﷺ يرون شيئًا تركه كفر إلا الصلاة. دلَّ على أنه إجماع الصحابة: أنَّ الصلاة تركها كفر.

وهكذا حديث عبدالله بن عمرو بن العاص: يقول النبي ﷺ: مَن حافظ عليها -يعني الصلاة- كانت له نورًا وبرهانًا ونجاةً يوم القيامة، ومَن لم يُحافظ عليها لم يكن له نورٌ ولا برهانٌ ولا نجاةٌ، وحُشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأُبي بن خلف، وسنده جيد عند أحمد وغيره.

فالذي يتركها ليس له نور ولا برهان ولا نجاة، ويُحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأُبي بن خلف.

هذا يدل على أنه كفر أكبر لما حُشر مع هؤلاء، وما ذاك إلا لأنه تركها من أجل الرياسة، فشابه فرعون، فيُحشر مع فرعون، وإن تركها من أجل الوزارة شابه هامان وزير فرعون، ويُحشر معه يوم القيامة، نسأل الله العافية، وإن تركها من أجل المال والشَّهوات شابه قارون الذي خسف الله به وبداره الأرض، وإن تركها من أجل التِّجارة والبيع والشِّراء شابه أُبي بن خلف -تاجر أهل مكة- فيُحشر معه يوم القيامة إلى النار.

فالواجب الحذر من ترك الصلاة، والواجب المحافظة عليها، والعناية بها في أوقاتها مع الجماعة، هذا هو الواجب على كل مسلمٍ.

رزق الله الجميع التوفيق والهداية.

س: سماحة الشيخ، نسأل في هذه الأحاديث عن تحرج بعض الناس حينما يسمعون الأحكام المترتبة على مَن لا يُصلي: كالغسل والتَّلقين والصلاة عليه، ويصعب عليهم عدم فعل ذلك مع ميتهم، كيف نُجيب عن مسألتهم؟

الشيخ: هذا هو الأصل، الأصل في حقِّ الكافر: لا يُغسل، ولا يُصلَّى عليه، أما إن غسَّلوه وصلّوا عليه مُراعاةً لقول الآخرين؛ فإنَّ الأكثرين يقولون: لا يكفر إلا إذا جحد وجوبها. فهذا له وجه، إذا أشار عليهم بعضُ أهل العلم أو كانوا هم شكوا في الأمر واحتسبوا فلا حرج، أما الأقربُ والراجح أنه يكفر كفرًا أكبر، لكن لو شكَّ أهلُه في ذلك، أو رجوا أن يكون كفره كفرًا أصغر وغسَّلوه وصلّوا عليه يرجون له الخير فلا أعلم حرجًا في ذلك.

أما الراجح من الدليل فهو كفره كفرًا أكبر، لكن القول الثاني قول مَن قال: إنه كفر أصغر، كما قال النبيُّ ﷺ: لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضُكم رقابَ بعضٍ، وقال: اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت، وما أشبهها من الكفر الأصغر، إذا جعلوه بهذه المثابة وصلوا عليه؛ حرصًا على الخير له، ورحمةً له، لعل الله ينفع بذلك، فهذا له وجه؛ لأجل قوة الخلاف في المسألة، أما من حيث الدليل فالأرجح والله أعلم والأقرب أنه كفر أكبر، نسأل الله العافية.

 

بَابُ حُجَّةِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ تَارِكَ الصَّلَاةِ

وَلَمْ يَقْطَعْ عَلَيْهِ بِخُلُودٍ فِي النَّارِ وَرَجَا لَهُ مَا يُرْجَى لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ

- عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُدْعَى: الْمُخْدَجِيَّ، سَمِعَ رَجُلًا بِالشَّامِ يُدْعَى: أَبَا مُحَمَّدٍ يَقُولُ: إنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ، قَالَ الْمُخْدَجِيُّ: فَرُحْتُ إلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ عُبَادَةُ: كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ، مَنْ أَتَى بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّع مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ، إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ فِيهِ: وَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ قَدِ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ.

- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ، فَإِنْ أَتَمَّهَا وَإِلَّا قِيلَ: انْظُرُوا هَلْ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ أُكْمِلَتِ الْفَرِيضَةُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ يُفْعَلُ بِسَائِرِ الْأَعْمَالِ الْمَفْرُوضَةِ مِثْلُ ذَلِكَ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

- وَيَعْضُدُ هَذَا الْمَذْهَبَ عُمُومَاتٌ: مِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُاللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ؛ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ -وَمُعَاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ- يَا مُعَاذُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا أُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: إذَنْ يَتَّكِلُوا، فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

- وَعَنْهُ أَيْضًا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

الشيخ: هذه الأحاديث احتجَّ بها مَن رأى عدم كفر تارك الصلاة -حديث عبادة وما ذُكر معه- ولكن لا شكَّ أنها تدل على فضل التوحيد وفضل الإيمان، وأن أهله على وعدٍ عظيمٍ من دخول الجنة، لكن هي مقيدة، هذه الأحاديث في فضل التوحيد مقيدة في النصوص الكثيرة  بحقِّها، وصدقًا بقلبه، لا يُشرك بالله شيئًا، فهي .....، فإذا أتى بالتوحيد -بالشَّهادتين- صدقًا من قلبه فإنه يدخل الجنةَ، والصَّادق لا يدع الواجبات، ولا يرتكب المحارم، فإذا قصر في ذلك فترك بعض الواجبات، أو ركب بعض المحارم فليس له عند الله عهدٌ، بل هو على خطرٍ من دخول النار، وإن شهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وإن صلَّى وصام.

ولهذا توعد الله الزاني بالنار، توعد أهل الخمر، توعد أهل المعاصي، فهم على خطرٍ؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فمَن أتى بالتوحيد والإيمان صادقًا دخل الجنة، إن كانت له ذنوب فهو تحت مشيئة الله، فترك الصلاة إذا قلنا: إنه كفر، فإنه يدخل النار، كفرًا أكبر، وإن قلنا: كفر أصغر، صار تحت المشيئة، وصاحبه على خطرٍ من دخول النار.

وظاهر إطلاق النصوص أنَّ ترك الصلاة كفر أكبر، كما لو دعا غير الله، أو استغاث بغير الله، أو سبَّ الله، أو سبَّ الدِّين، هذا كفر أكبر، أو جحد وجوب الصلاة، أو جحد وجوب الزكاة، أو جحد وجوب صوم رمضان، صار كفرًا أكبر، لا تعمّه الأحاديث التي فيها فضل الشَّهادة، فكما أنَّ أحاديث الشهادة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله في حديث معاذٍ، وفي حديث أنسٍ، وفي حديث أبي ذرٍّ، وفي حديث عبادة وغيرهم مقيدة بأن يقولها صدقًا، فهكذا بقية الأحاديث لا بدَّ أن يكون أتى بالتوحيد صدقًا من قلبه، وأدَّى حقَّ ذلك، فمن حقِّ لا إله إلا الله أن يُصلي، من حقِّها أن يصوم، من حقِّها أن يُؤدي الزكاة، من حقِّها أن يحجَّ مع الاستطاعة، من حقِّها أن يتجنب الزنا والفواحش، فإن ترك هذا الحقَّ صار تحت المشيئة: إن شاء الربُّ عفا عنه، وإن شاء عذَّبه في النار، وإذا ترك الحقَّ في الأشياء المكفرة صار كافرًا، فالذي يقول: لا إله إلا الله، ويسبّ الدِّين، يكون كافرًا. والذي يقول: لا إله إلا الله، ويشهد أنَّ محمدًا رسول الله، ويجحد وجوب الصلاة كفر عند الجميع. والذي يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقول: إنَّ الزنا حلال، أو الخمر حلال، يكفر عند الجميع.

فدلَّ ذلك على أن المجيء بالتوحيد وبالشَّهادتين إنما يخلص صاحبه من النار، ويُوجب له الجنة إذا التزم حقوق ذلك، وأدَّى حقوق ذلك، وتجنب ما يُوجب دخول النار.

فهاتان الشَّهادتان لا بدَّ من أداء حقِّهما: من الإيمان بما أوجب الله، والإيمان بكل ما حرَّم الله، والبُعد عن كل ما يُوجب الردة.

فالمسائل تحتاج إلى عنايةٍ وتبصيرٍ، وكثير من الناس يسمع أحاديث الترغيب والترهيب ولا يعرف المعنى، ولا يعرف الحكم الشرعي؛ لأنَّ هذه الأحاديث التي فيها الترغيب مُقيدة بأداء الحقِّ، فمَن قال: لا إله إلا الله، وشهد أنَّ محمدًا رسول الله، لا بدَّ للنَّجاة من أداء حقِّهما، وهو الالتزام بطاعة الله التي أوجب، وترك ما حرَّم، وترك الشرك، وإلا لم تنفعه هذه الشَّهادة، المنافقون يقولون: لا إله إلا الله، ويقولون: محمد رسول الله، وهم في الدَّرك الأسفل من النار؛ لأنهم قالوا: لا إله إلا الله، وشهدوا أنَّ محمدًا رسول الله، وهم كاذبون، ما أدّوا حقَّها.

نسأل الله للجميع العافية والسَّلامة.

- وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وقد حملوا أحاديث التَّكفير على كفر النِّعمة، أو على معنى: فقد قارب الكفر، وقد جاءت أحاديث في غير الصلاة أُريد بها ذلك.

- فَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَحْلِفُ: وَأَبِي، فَنَهَاهُ النَّبِيُّ ﷺ وَقَالَ: مَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ دُونَ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ.

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ إنْ مَاتَ لَقِيَ اللَّهَ كَعَابِدِ وَثَنٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ.

الشيخ: كلها من باب الوعيد كما تقدم، من باب الوعيد، ولا يكون كفرًا إلا ما دلَّ الدليلُ على كفر صاحبه، وهذه أحاديث وعيد في الخمر، وفي الزنا، وفي الطعن في الأنساب، وغير ذلك، كلها من باب الوعيد والتَّحذير، والأصل بقاء التوحيد والإسلام، لكن إذا دلَّ الدليلُ على أنه كفر أكبر حكم بالدليل على ظاهر الأدلة الشرعية؛ ولهذا حكم الصديقُ على مَن امتنع من الزكاة وقاتل عليها، وامتنع من الصلاة وقاتل عليها حكم عليهم بالكفر؛ لأنهم كفَّار، وقاتلهم قتال المرتدين، وسبى نساءهم وذراريهم؛ لأنهم فعلوا ما يدل على الكفر الأكبر.

وهكذا مَن أظهر الخمر، أو أظهر الزنا، أو ما أشبه ذلك؛ يكون حكمُه حكم العُصاة، إلا إذا استحلَّ ذلك، إذا قال: الخمر حلال، أو الزنا حلال، كفر، فهكذا ما يتعلق بالطَّعن في النَّسب، والنياحة على الميت، وما أشبه ذلك، فهذا كفر دون كفرٍ، لكن لو أنَّ أحدًا استحلَّ ذلك صار كفرًا أكبر.

فالواجب الجمع بين النصوص في هذا الباب، فما دلَّ الدليلُ على أنه من الكفر الأكبر أُلحق بالكفر الأكبر، وما دلَّ الدليلُ على أنه من الكفر الأصغر أُلحق بالكفر الأصغر، وصار صاحبه تحت مشيئة الله جلَّ وعلا.

نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.

المقدم: شكر الله لكم يا سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.