كتاب المساقاة

42- كتاب المساقاة

بابٌ في الشرب

وقول الله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء:30]، وقوله جلَّ ذكره: أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ۝ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ۝ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ [الواقعة:68- 70] الأُجاج: المر. المزن: السَّحاب.

بابٌ في الشرب، ومَن رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزةً، مقسومًا كان أو غير مقسومٍ

وقال عثمان: قال النبي ﷺ: مَن يشتري بئر رُومة، فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين؟ فاشتراها عثمان .

2351- حدثنا سعيد بن أبي مريم: حدثنا أبو غسان، قال: حدثني أبو حازم، عن سهل بن سعد قال: أُتِيَ النبي ﷺ بقدحٍ، فشرب منه، وعن يمينه غلامٌ أصغر القوم، والأشياخ عن يساره، فقال: يا غلام، أتأذن لي أن أُعطيه الأشياخ؟ قال: ما كنتُ لأُوثر بفضلي منك أحدًا يا رسول الله، فأعطاه إياه.

2352- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: حدثني أنس بن مالك : أنها حُلبت لرسول الله ﷺ شاةٌ داجن، وهي في دار أنس بن مالك، وشيب لبنها بماءٍ من البئر التي في دار أنس، فأعطى رسول الله ﷺ القدح، فشرب منه، حتى إذا نزع القدح من فيه، وعلى يساره أبو بكر، وعن يمينه أعرابيٌّ، فقال عمر -وخاف أن يُعطيه الأعرابي-: أعطِ أبا بكر يا رسول الله عندك. فأعطاه الأعرابي الذي على يمينه، ثم قال: الأيمن فالأيمن.

الشيخ: هذان الحديثان وما جاء في معناهما يدلان على شرعية البدء باليمين بالنسبة إلى الشارب الماء أو اللبن، إذا فضل من فضلةٍ فإنه يبدأ بالأيمن.

في الحديث الأول أنه ﷺ قُدِّم له ماءٌ فشرب، وكان عن يمينه بعض الصغار، في روايةٍ: أنه ابن عباسٍ، وكان عن يساره بعض الأشياخ، فاستأذن الغلام أن يُعطي الأشياخ، فلم يأذن، فأعطاه إياه.

وفي حديث أنس أنه كان عن يمينه أعرابيٌّ، وعن يساره أبو بكر، فأعطاه الأعرابي وقال: الأيمن فالأيمن، ويدل على أن السنة في مثل هذا البدء باليمين، عن يمينك، إلا إذا سمح مَن كان على اليمين وفضَّل مَن كان على يسار الشارب فلا بأس.

الكأس مجراها اليمين، ثم تدور، يبدأ بكبير القوم، كبير المجلس يُقدَّم له الشراب، رئيس القوم، أو رئيس المجلس، أو رئيس الحلقة، ثم تدور بمَن عن يمينه، إلا إذا سمح مَن كان عن يمينه أن يُعطى مَن كان عن شماله فلا بأس: كقصة الصديق، وقصة ابن عباسٍ، نعم.

س: حديث: كبِّر، كبِّر؟

ج: هذا السواك، في التوزيع، في توزيع شيءٍ، إذا أراد أن يهب لأحدٍ شيئًا ولا ينقسم يبدأ بالأكبر؛ لأن الرسول ﷺ كان معه سواكٌ، فأراد أن يُعطيه الأصغر، فقيل له: كبِّر، كبِّر، فأعطاه الأكبر، وذلك في الهبة، أما هذا فشرابٌ يجري على الناس، يمر على الناس، نعم.

س: الشارب الأيمن القريب أو كل مَن على اليمين؟

ج: القريب فقط، الأول، المبدأ.

وفي حديث عثمان الدلالة على شرعية إيقاف الماء، وأن فيه فضلًا عظيمًا لسقي الناس من البئر التي أوقفها عثمان، كانت لسقي الناس، ودلوه مع الناس، فإيقاف الماء -صدقة الماء- فيه فضلٌ عظيمٌ؛ لأن الله يقول: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30]، والضَّرورة شديدةٌ إلى الماء للشرب ولسقي الزروع، وفي ..... البهائم، فإذا وقف بئرًا لسقي الناس أو سقي المارَّة في الفيافي والبراري فهذا فيه فضلٌ عظيمٌ، نعم.

مداخلة: .............

الشيخ: أيش قال الشارح على أثر عثمان المعلَّق؟

س: ................؟

ج: هذا غير هذا، سقي الماء واللبن يبدأ بمَن عن يمين الشارب الأول، أما كبِّر إذا كان معك عطيةٌ ما تنقسم على اثنين: كبِّر، كبِّر، مثل: سواك حده واحدٌ، تُعطيه الأكبر، أو ريال، أو شيء ما هو بمُتيسر أن تقسمه.

قارئ الشرح: قوله: "وقال عثمان" أي: ابن عفان، "قال النبي ﷺ: مَن يشتري بئر رومة فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين؟" سقط هذا التعليق من رواية النَّسفي، وقد وصله الترمذي والنسائي وابن خزيمة من طريق ثمامة بن حَزْن -بفتح المهملة وسكون الزاي- القُشيري، قال: شهدتُ الدار حيث أشرف عليهم عثمان فقال: أنشدكم بالله والإسلام، هل تعلمون أن رسول الله ﷺ قدم المدينة وليس بها ماءٌ يُستعذب غير بئر رومة، فقال: مَن يشتري بئر رومة يجعل دلوه فيها كدِلاء المسلمين بخيرٍ له منها في الجنة؟ فاشتريتُها من صُلب مالي؟ قالوا: اللهم نعم. الحديث بطوله، وقد أخرجه المصنف في "كتاب الوقف" بغير هذا السياق، وليس فيه ذكر الدَّلو.

والذي ذكره هنا مُطابقٌ للترجمة، ويأتي الكلام على شرحه هناك، إن شاء الله تعالى.

قال ابن بطال: في حديث عثمان أنه يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه إذا شرط ذلك، قال: فلو حبس بئرًا على مَن يشرب منها، فله أن يشرب منها وإن لم يشترط ذلك؛ لأنه داخلٌ في جملة مَن يشرب. ثم فرَّق بفرقٍ غير قويٍّ، وسيأتي البحث في هذه المسألة في باب "هل ينتفع الواقفُ بوقفه؟" في "كتاب الوقف"، إن شاء الله تعالى.

الشيخ: نعم ينتفع إذا وقف ..... على فُقراء، أو على طلبة العلم، أو نحو ذلك، ثم افتقر، أو صار طالبًا؛ يدخل في وقفه، أو وقف بئرًا لسقي الناس، يشرب مع الناس، نعم، مثلما فعل عثمان.

س: قوله: أنشدكم بالله والإسلام؟

ج: يسألهم ..... بالله وبحقِّ الإسلام، ما في بأس، بالدين، حتى سؤال الله بإيمانك ودينك حقٌّ، هذا سؤال الناس، سؤال الناس أسهل، ولو سألهم بحقِّ الرحم، أو بحقِّ الأخوة الإيمانية، كله طيبٌ.

س: إذا بدأ بالقهوة والشاي يبدأ بالأكبر، أم يبدأ بيمين المجلس؟

ج: يبدأ بالأكبر، ثم بمَن عن يمين الأكبر.

س: إذا كان والده هو الأصغر يبدأ به؟

ج: في المجلس العام؟

س: أي نعم.

ج: إذا كان في مجلسه يبدأ به ولو كان أصغر؛ لأنه رئيس المجلس: ولا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تَكْرِمته إلا بإذنه.

س: وإذا كان ليس في بيته هو؟

ج: على رأي صاحب المجلس، يُوجّه صاحب المجلس.

س: مناسبة الحديثين هنا في كتاب "المساقاة"؟

ج: من جهة شرب الماء، من جهة السقي .....، طيب، المساقاة يُراد منها سقي الشجر، ويُراد منها سقي الناس، ويُراد منها سقي البهائم، داخلٌ فيها، لكن يدخل فيها سقي البهائم على سواقي ..... والأنهار، ويدخل فيها سقي بني آدم في جملته .....

س: إذا كان في المجلس عالمٌ صغير السن، وعن يمينه ويساره الأشياخ، يبدأ به؟

ج: يبدأ برئيس المجلس، ثم مَن كان عن يمينه، مثلما فعلوا مع النبي ﷺ.

باب مَن قال: إن صاحب الماء أحقُّ بالماء حتى يُروى؛

لقول النبي ﷺ: لا يُمنع فضل الماء

2353- حدثنا عبدالله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: لا يُمنع فضل الماء ليُمنع به الكلأ.

2354- حدثنا يحيى بن بُكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهابٍ، عن ابن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ.

الشيخ: معنى هذا الكلام: أنه لا يجوز للناس منع فضل الماء، فإذا كان يتضمن مع ذلك منع فضل الكلأ صار شرًّا إلى شرٍّ، فإذا كان عند الإنسان فضل ماءٍ يسقي إخوانه، يسقي بهائمهم، فهو أحق بالسبق وسقي بهائمه وزرعه ونحو ذلك، لكن إذا كان عنده فضلٌ يجود على مَن يحتاج سقي زرعٍ، أو سقي بهائم.

والبادية قد يمنعون؛ لأنهم يقولون: إذا سقيناهم نزلوا حولنا وشاركونا في الكلأ -في العُشْبِ- يعني: فإذا منعناهم راحوا وأبعدوا عنا؛ ولهذا قال: لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ، ولا يمنع للحاجة إليه، ولا يمنع أيضًا إذا كان يقصد منه منع فضل الكلأ، فإذا منع فضل الماء ليمنع فضل الكلأ فقد جمع بين شرين، جمع بين مفسدتين وظلمين، وإن كان منع فضل الماء فقط، ما هو لأجل ..... فهذا مفسدةٌ واحدةٌ، وظلمٌ واحدٌ، والناس إخوةٌ يحتاج بعضهم إلى بعضٍ، فلا يجوز أن يتعاطى المسلم ما يضرُّ إخوته من دون حقٍّ، نعم.

س: أصحاب شيب الماء يعبون منه (وايتات)، ولو جاء شخصٌ في سيارته قالوا: لا تُعبئ؟

ج: إذا أخرجوا بها الماء؛ لأن هذه مكينتهم، أما لو كان عنده سعةٌ بحيث يمكن أن يُدلي دلوًا من جهةٍ أخرى، والماء فيه فضلٌ؛ يعمُّه الحديث .....، يمكن أن يضع مكينةً على جهةٍ أخرى، أو يُدلي دلوه من جهةٍ أخرى وفيها فضلةٌ ما يمنع، أما إن كان ما في إلا هذه المكينة الواحدة فله أن يمنع؛ لأنه ماله، فيُخرج له الماء ويُعطيه إياه بالقيمة، أو بالسماح بالفضل، نعم.

باب مَن حفر بئرًا في ملكه لم يضمن

2355- حدثنا محمود: أخبرنا عبيدالله، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: المعدن جُبَارٌ، والبئر جُبَارٌ، والعَجْمَاء جُبَارٌ، وفي الرِّكاز الخمس.

الشيخ: "جُبار" معناه: هدر، إذا كان في محله، في ملكه، ما تعدَّى على الناس: في المعدن، أو في البئر، والعجماء: البهيمة، الذي يدخل عليه في ملكه، ويسقط في معدنٍ، أو يسقط في بئرٍ فهو المتعدي، ما يضمنه صاحب البيت، إذا راحت المطية، أو طاح في البئر، أو في المعدن، أو في مكانٍ آخر لصاحب البيت؛ لأنه ما ظلمه في بيته، ولا حفر في الطريق، إنما في بيته.

س: ولو دخل بإذنه؟

ج: إذا دخل بإذنه الأمر واضحٌ .....، أما إذا كان دخل بإذنه، وفي الطريق شيءٌ مستورٌ يُهلك الناس يضمن، أما إن كان واضحًا: بئرًا واضحةً، أو معدنًا واضحًا، أو ما أشبهه، فالذي طاح فيه هو الذي تساهل.

س: إذا دخل بإذنه، وليس المكان واضحًا؟

ج: يضمن، وهذا هو الظاهر بموجب القواعد الشَّرعية.

س: مَن وجد رِكَازًا في أرضه فهل يكون له أم لبيت المال؟

ج: له، لكن عليه الخمس في بيت المال، على أحد القولين، الخمس لبيت المال، أو للفقراء .....، الخمس يتصدق به على الفقراء، أو يُعطيه بيت المال، على الخلاف، والأربعة الأخماس له.

س: مَن فرَّق بين فمها ورجليها: العجماء؟

ج: ما في فرق، إلا إذا كانت معروفةً بالأذى: كالعضِّ، أو بالرمح: ترمح الناس، ولا نبَّه، ما نبَّه مَن حولها، فالقول بأنه يضمن قولٌ قويٌّ؛ أخذًا من القواعد: لا ضررَ، ولا ضِرار، أما إذا كان ليس من عادته .....، أو نبَّهه ولكن تساهل فلا يضمن: العجماء جُبَارٌ عامٌّ، يعم الرجل و.....

س: معنى: جُبَار؟

ج: هدر، هدر، ما فيه شيءٌ.

س: ..............؟

ج: العجماء جُبار، والمعدن جبار، والبئر جبار يعني: هدرًا، إذا طاح فيها أحدٌ، أو أصابت أحدًا العجماء، يعني: ما يضمن، نعم.

س: بعضهم يُفرق بين ما إذا كان راكبًا وسائقًا لها؛ إذا كان راكبًا وأصاب بفمها يضمن، وإذا أصاب برجلها .....؟

ج: إذا كان يعرف .....، أما إذا كان ما يعرف ذلك فلا يضمن إلا إذا استطاع معها، أما إذا كان ما يعلم بذلك فليس بيده شيءٌ، نعم.

س: الخمس .....؟

ج: الأقرب -والله أعلم- أنه للفُقراء والمساكين، مصرف الزكاة، وإن دفعه لبيت المال فالحمد لله، لا بأس، النبي ﷺ أطلق هذا الخمس، مثلما قال: فيما سقت السَّماء العُشر، وفي الأوقية ربع العشر، هذا على صاحبه، يُخرجه للفقراء كالزكاة، نعم.

باب الخصومة في البئر والقضاء فيها

2356- حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبدالله ، عن النبي ﷺ قال: مَن حلف على يمينٍ يقتطع بها مال امرئٍ مسلمٍ، هو عليها فاجرٌ، لقي الله وهو عليه غضبان، فأنزل الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا الآية [آل عمران:77]. فجاء الأشعث فقال: ما حدَّثكم أبو عبدالرحمن، فيَّ أُنزلت هذه الآية؛ كانت لي بئرٌ في أرض ابن عمٍّ لي، فقال لي: شهودك، قلت: ما لي شهودٌ. قال: فيمينه، قلت: يا رسول الله، إذن يحلف. فذكر النبي ﷺ هذا الحديث، فأنزل الله ذلك تصديقًا له.

الشيخ: وهذا فيه الحذر من الظلم والأيمان الفاجرة، وأن الواجب على المسلم أن يحذر الظلم لإخوانه المسلمين، أو لغيرهم من المعصومين، فالظلم ظُلماتٌ يوم القيامة، وليحذر أن يدَّعي باطلًا ببيناتٍ كاذبةٍ، أو يمينٍ كاذبةٍ؛ ولهذا قال ﷺ: مَن حلف على يمين صبرٍ يقتطع بها مال امرئٍ مسلمٍ، وهو فيها كاذبٌ؛ لقي الله وهو عليه غضبان، وفي اللفظ الآخر: مَن اقتطع حقَّ امرئٍ مسلمٍ بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرَّم عليه الجنة، قالوا: يا رسول الله، وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال: وإن كان قَضِيبًا من أراكٍ رواه مسلمٌ.

والمقصود التحذير من الظلم، وهكذا شهود الزور، يقول النبي ﷺ: ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاث مراتٍ، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان مُتَّكئًا فجلس، فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور؛ لأن شرَّها عظيمٌ.

وفي هذا أن الزبير اختصم مع إنسانٍ في بئرٍ له، فقال له النبي ﷺ: بيِّنتك، قال: ما عندي بيِّنةٌ. قال: لك يمينه، قال: إذن يحلف ولا يُبالي. فقال عليه الصلاة والسلام: مَن حلف على يمينٍ هو فيها كاذبٌ لقي الله وهو عليه غضبان.

المقصود أن المدعي ليس له إلا اليمين، ولو كان كبيرًا، ولو كان عالـمًا، ليس له إلا اليمين إذا لم تكن عنده بينةٌ.

س: إذا عاهد الله ألا يفعل شيئًا وفعله، هل عليه كفَّارة يمينٍ؟

ج: عليه الإثم العظيم؛ لأنه من خصال أهل النفاق، أما هل عليه كفَّارةٌ؟ ما أعلم؛ لأنه ما يُسمَّى: يمينًا، يُسمَّى: عهدًا، ومن خصال المنافقين: إذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، نسأل الله العافية، والله يقول: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء:34].

س: هل هناك صيغةٌ مُعينةٌ لليمين؟

ج: والله، أو بالله، أو تالله، أو والرحمن، أو والعليم، أو والحكيم، أو وربنا، أو والذي نفسي بيده، أو ومُقلب القلوب، يعني: يحلف بالله سبحانه وحده، لا يجوز الحلف إلا بالله، والحلف بغير الله كفرٌ وضلالٌ، يقول النبي ﷺ: مَن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت، رواه الإمام أحمد بإسنادٍ صحيحٍ عن عمر ، عن النبي ﷺ: مَن حلف بشيءٍ من دون الله فقد أشرك، وعند أبي داود والترمذي بسندين صحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ أنه قال: مَن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك، وقال: مَن حلف بالأمانة فليس منا.

فالواجب الحلف بالله وحده، أما الحلف بغير الله فهو من الشرك الأصغر، وقد يكون أكبر إذا قام بقلبه ما يقتضي أنه يُماثل الله، أو يُضاهي الله، أو أنه يجوز الحلف به لسرٍّ فيه، أو ما أشبه ذلك.

فالمقصود أن الحلف بغير الله من المحرَّمات الكفرية، والأصل فيه أنه كفرٌ أصغر، وقد يكون أكبر، على حسب ما يكون فيه من المقاصد والقرائن، نعم.

س: الحلف بالمصحف؟

ج: إذا أراد كلام الله لا بأس، أما إذا أراد الورق أو الجلد ما يجوز، أما إذا أراد المصحف، قال: والمصحف، وكلام الله، مثل: لو قال: وعلم الله، وعزَّة الله.

س: يحلف على المصحف؟

ج: إذا قال: وكلام الله، أو وعزَّة الله، أو وعلم الله، صحيحٌ.

س: بعض الناس يُحضر القرآن؟

ج: هذا يفعله بعض الناس، ما أعرف عليه دليلًا، وهذا للتَّعظيم، يعني: لتأكيد الخطر، لكن ما أعلم أنه فعله النبي ﷺ، ولا الصحابة، يُروى عن بعض السلف أنه فعله، أو بعض الأمراء.

س: مروان بن الحكم كان يُحلِّف بعض الناس على المنبر، هل لهذا أصلٌ؟

ج: له أصلٌ، في الحديث الصحيح: مَن حلف على منبري هذا بيمينٍ آثمةٍ فقد تبوأ مقعده من النار، وهو حديثٌ لا بأس به، فالحلف عند منبر النبي ﷺ جريمةٌ أشدّ من الحلف في مكانٍ آخر، هذا من باب التَّغليظ.

س: الحديث: مَن حلف على منبري؟

ج: مَن حلف على منبري هذا -أو عند منبري هذا- بيمينٍ كاذبةٍ لقي الله وهو عليه غضبان، أو قال: فقد تبوَّأ مقعده من النار، حديثٌ صحيحٌ، لفظه نحو هذا، قريبٌ من هذا اللفظ: تبوأ مقعده من النار، أو فهو عليه غضبان، قريبٌ من هذا اللفظ: عند منبري هذا، نعم.

س: مَن أخرجه، أحسن الله إليك؟

ج: غالب ظني أنه أحمد وجماعةٌ من أهل السنن، نعم.

س: خاصٌّ بمنبره عليه الصلاة والسلام؟

ج: منبر النبي ﷺ في المدينة.

باب إثم مَن منع ابن السَّبيل من الماء

2358- حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا عبدالواحد بن زياد، عن الأعمش قال: سمعتُ أبا صالح يقول: سمعتُ أبا هريرة يقول: قال رسول الله ﷺ: ثلاثةٌ لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يُزكيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ: رجلٌ كان له فضل ماءٍ بالطريق فمنعه من ابن السَّبيل، ورجلٌ بايع إمامًا، لا يُبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها رضي، وإن لم يُعطه منها سخط، ورجلٌ أقام سلعته بعد العصر، فقال: والله الذي لا إله غيره، لقد أعطيتُ بها كذا وكذا، فصدَّقه رجلٌ، ثم قرأ هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا [آل عمران:77].

الشيخ: وهذا فيه الحذر من الأيمان الفاجرة، والحذر من أن يُبايع على الدنيا، يُعطي الوفاء ولم يفِ، فالحذر من منع الماء في الفلاة مَن يحتاج إليه كما تقدم، وهو ظلمٌ وتسببٌ في هلاك الناس ومواشيهم، وهكذا فيه التحذير من الأيمان الفاجرة بعد العصر، وأن فيه خصوصيةً، فبعد العصر أشدّ؛ لأنه يختم نهاره بالكذب والظلم، نسأل الله العافية، فيحلف على السلعة أنه أُعطي بها كذا وكذا، أو اشتراها بكذا وكذا، وهو يكذب؛ حتى يخدع الناس، فهذا فيه الوعيد الشديد: لا يُكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يُزكيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ.

المقصود أن هذه المسائل من الكبائر، هذه المسائل الثلاث من الكبائر: منع فضل الماء، ولا سيما في الفلاة يمنعه عن أهل الحاجة، الثانية: اليمين الكاذبة بعد العصر في بيعه وشرائه، يقول: شريتُه بكذا. وهو يكذب، أو سِيمت بكذا. وهو يكذب، والثالثة: مَن يُبايع السلطان للدنيا: إن أعطاه من الدنيا وفى بالبيعة، وإن لم يُعطه نقض البيعة، وتقدم ما يتعلق باليمين الفاجرة التي يدفع بها المدعي، وأنها أيضًا من الكبائر.

س: نقض البيعة بالخروج عليه، أو .....؟

ج: يخرج عليه، أو لا يلتزم بالسمع والطاعة، كله واحدٌ.

س: وأيش العلة "بعد العصر" بهذا الوقت؟

ج: الله أعلم؛ لأنه يختم نهاره بالشر، وينبغي للمؤمن أن يختمه بالتسبيح والتهليل والذكر والتوبة إلى الله، فهذا عكس القضية: ختمه بكبيرةٍ من الكبائر؛ بظلم الناس والكذب.

س: ما يُقاس عليه أول الوقت؟

ج: الله أعلم.

باب سكر الأنهار

2359- حدثنا عبدالله بن يوسف: حدثنا الليث، قال: حدثني ابن شهابٍ، عن عروة، عن عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما: أنه حدَّثه: أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبير عند النبي ﷺ في شِرَاج الحرَّة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرِّح الماء يمرّ. فأبى عليه، فاختصما عند النبي ﷺ، فقال رسول الله ﷺ للزبير: اسقِ يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري، فقال: أن كان ابن عمتك؟! فتلوَّن وجه رسول الله ﷺ، ثم قال: اسقِ يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65].

قال محمد بن العباس: قال أبو عبدالله: ليس أحدٌ يذكر عروة، عن عبدالله إلا الليث فقط.

الشيخ: وهذا يدل على شرعية الصلح بين الناس؛ لما فيه من التسهيل إذا رضوا، فإذا لم يرضوا يحكم الحاكم بالحقِّ ولو فيه غضاضةٌ على أحدٍ، فالرسول ﷺ أراد الصُّلح بينه وبين الزبير؛ ليخفض حقَّ الزبير حتى يذهب الماء إلى جاره أسرع، فلما قال الأنصاري ما قال، وحملته محبةُ المال ومحبةُ الانتصار على الخصم أن قال: "أن كان ابن عمتك؟!" فغضب ﷺ وحكم بالحقِّ، وأن الزبير يسقي إلى الجدر، يعني: حتى يعمَّ ملكه، مزرعته يعمها الماء، ثم يُطلق الماء على مَن بعده، وهكذا.

وتقدم أنه إذا كان الرسول ﷺ يُقال في حقِّه هذا، فمَن يسلم بعد هذا من القُضاة؟!

فالواجب على القضاة أن يُروضوا أنفسهم على الصبر، وأن يتحملوا، فإن سيد الخلق وأفضل الخلق لم يسلم من مثل هذا الكلام، فغيره من باب أولى، فإن المفلوج قد يتكلم بغير شعورٍ من شدة ما يقع من الغضاضة والكراهة لأن يفلج، ولو كان مفلوجًا بالحقِّ، لكن من طبيعة الناس أنهم يُحبون أن يفلجوا، ولا يفلجوا، إلا مَن عصم الله، فإذا فلج قد يتكلم بما لا ينبغي، فليتحمل القاضي، وليتصبر، فالرسول ﷺ لم يُعاقب الرجل، بل صفح، ولم يُنقل أنه عاقبه، وهذا من حلمه عليه الصلاة والسلام وصبره، ومن خُلقه العظيم، كان خلقه القرآن: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى:43]، وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، لكن مَن بعده ليس له أن يعفو عن حقِّ النبي ﷺ، لو قال أحدٌ بعد ذلك ليس للسلطان أن يعفو عنه، بل يجب أن يُعاقَب، مَن سبَّ الرسول ﷺ واتَّهمه، لكن هو ﷺ له أن يعفو عن حقِّ نفسه كرمًا وجودًا عليه الصلاة والسلام.

س: هذا يحتمل أنه منافقٌ؟

ج: ظاهر الحال أنه منافقٌ، أو من شدة الغضب شرطت منه هذه الكلمة، وهي رِدَّةٌ، تُوجب الردة.

س: مَن استدل بهذا الحديث على جواز الأحكام العُرفية .....؟

ج: لا، ما له حقٌّ، لا بد أن تكون الأحكام مُوافقةً للشرع، إلا إذا كانت الأحكام ما فيها ضررٌ: صلحٌ بينهم ما فيه مخالفةٌ للشرع.

س: لو لم يكن مُنافقًا في الأصل تكون هذه الكلمة؟

ج: ردَّةٌ، نعم، تُهمة النبي ﷺ ردَّةٌ، ما في شكٍّ، بإجماع المسلمين.

س: ورد أن هذا الرجل بدريٌّ؟

ج: في غالب ظني أنه حاطب بن أبي بلتعة، والمقصود أن الإنسان يقع منه الشيء، ولو كان كبيرًا، قد تقع منه الزلة.

س: ..............؟

ج: كلما مرَّ عليه يأخذ حقَّه، ثم ..... الذي يليه الأول فالأول، الأقرب فالأقرب، الأسبق فالأسبق.

باب شُرب الأعلى قبل الأسفل

2361- حدثنا عبدان: أخبرنا عبدالله: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة قال: خاصم الزبيرَ رجلٌ من الأنصار، فقال النبي ﷺ: يا زبير، اسقِ، ثم أرسل، فقال الأنصاري: إنه ابن عمتك! فقال عليه السلام: اسقِ يا زبير، ثم يبلغ الماء الجدر، ثم أمسك، فقال الزبير: فأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65].

باب شُرب الأعلى إلى الكعبين

2362- حدثنا محمد -هو ابن سلام-: أخبرنا مخلد بن يزيد الحراني، قال: أخبرني ابن جريج، قال: حدثني ابن شهاب، عن عروة بن الزبير: أنه حدَّثه: أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبير في شِرَاجٍ من الحرَّة يسقي بها النخل، فقال رسول الله ﷺ: اسقِ يا زبير، فأَمِرَّه بالمعروف، ثم أرسل إلى جارك، فقال الأنصاري: أن كان ابن عمتك؟! فتلوَّن وجه رسول الله ﷺ، ثم قال: اسقِ، ثم احبس، يرجع الماء إلى الجدر، واستوعى له حقَّه، فقال الزبير: والله إن هذه الآية أُنزلت في ذلك: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65].

قال لي ابنُ شهابٍ: فقدرت الأنصار والناس قول النبي ﷺ: اسقِ، ثم احبس حتى يرجع إلى الجدر، وكان ذلك إلى الكعبين.

الشيخ: انظر كلامه على الجدر، والأنصاري مَن هو؟

س: لو حلف بعد العصر ..... وكان صادقًا؟

ج: ما يضر، لو كان صادقًا ما عليه شيءٌ، الكلام في الكاذب، أما الصادق فلا بأس.

س: إذا كان في غير العصر ما يقع هذا الذنب العظيم؟

ج: الظلم عظيمٌ، لكن كونه .....، لكن الظلم مُحرَّمٌ، والكذب مُحرَّمٌ في كل وقتٍ، لكن بعد العصر -ظاهر الحديث- يكون زيادةً في الإثم.

أيش قال على الجدر؟

القارئ: ذكر العيني -أحسن الله إليك-، يقول: الجدر هو الأصل. ثم قال في الشرح: تفسير لفظ "الجدر" المذكور في الحديث من عند البخاري، وقد مرَّ الكلام فيه، وهذا هنا وقع في رواية المستملي وحده.

الشيخ: أيش قال على الأنصاري؟

القارئ: هذه ساقطةٌ -أحسن الله إليك- يقول: هي في الشرح. وليست موجودةً في المتن، الجدر هو الأصل.

الشيخ: أيش قال؟

القارئ: يقول: الجدر هو الأصل، كذا هنا في رواية المستملي وحده، وفي هذا الحديث غير ما تقدم: أن مَن سبق إلى شيءٍ من مياه الأودية والسيول التي لا تُملك فهو أحقُّ به، لكن ليس له إذا استغنى أن يحبس الماء عن الذي يليه.

وفيه أن للحاكم أن يُشير بالصلح بين الخصمين، ويأمر به، ويُرشد إليه، ولا يلزمه به إلا إذا رضي، وأن الحاكم يستوفي لصاحب الحقِّ حقَّه إذا لم يتراضيا، وأن يحكم بالحقِّ لمن توجه له، ولو لم يسأله صاحب الحقِّ.

وفيه الاكتفاء من المخاصم بما يفهم عنه مقصوده من غير مبالغةٍ في التنصيص على الدعوى، ولا تحديد المدعي، ولا حصره بجميع صفاته.

وفيه توبيخ مَن جفى على الحاكم، ومُعاقبته، ويمكن أن يُستدلّ به على أن للإمام أن يعفو عن التعزير المتعلق به، لكن محل ذلك ما لم يُؤدِّ إلى هتك حُرمة الشرع، وإنما لم يُعاقب النبي ﷺ صاحبَ القصة لما كان عليه من تأليف الناس، كما قال في حقِّ كثيرٍ من المنافقين: لا يتحدث الناسُ أن محمدًا يقتل أصحابه.

قال القرطبي: فلو صدر مثل هذا من أحدٍ في حقِّ النبي ﷺ، أو في حقِّ شريعته لقُتل قتلة زنديقٍ. ونقل النووي نحوه عن العلماء، والله أعلم.

الشيخ: حقٌّ، هذا حقٌّ، أيش قال على الأنصاري؟

مداخلة: في كلامٍ على الجدر، أحسن الله إليك: وفيه: أن أهل الشرب الأعلى يُقدَّم على مَن هو أسفل منه، ويحبس الأول الماء حتى يبلغ إلى جدار حائطه، ثم يُرسل الماء إلى مَن هو أسفل منه، فيسقي كذلك، ويحبس الماء كذلك، ثم يُرسله إلى مَن هو أسفل منه، وهكذا، وفي حديث الباب: احبس الماء.

الشيخ: المقصود -والله أعلم- أن الجدر يعني: النهاية، يعني: نهاية المشربة، الجدر: الجدار الذي هو الحد أو..... الذي هو الحد أو نحوه، حتى يستوي الماء، يعمّ الماء.

قارئ الشرح: وفي حديث الباب: احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، وفي حديث عبدالله بن عمرو الذي أخرجه أبو داود وابن ماجه من رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله ﷺ قضى في سبل المهزور أن يُمسك حتى يبلغ الكعبين، ثم يُرسل الأعلى إلى الأسفل.

والمهزور -بالزاي ثم بالراء- وادي بني قُريظة. قاله ابن الأثير.

وفي حديث عبادة بن الصامت الذي أخرجه ابن ماجه عنه قال: إن رسول الله ﷺ قضى في شرب النخل من السيل: أن الأعلى يشرب قبل الأسفل، ويترك الماء فيه إلى الكعبين، ثم يُرسل الماء إلى أسفل الذي يليه، وكذلك حتى تنقضي الحوائط.

وفي حديث ثعلبة بن أبي مالك القرظي الذي أخرجه ابن ماجه أيضًا عنه قال: قضى رسول الله ﷺ في سيل مهزور الأعلى قبل الأسفل، فيسقي الأعلى إلى الكعبين، ثم يُرسل إلى مَن هو أسفل منه.

وقال الرافعي: لا مخالفة بين التقديرين؛ لأن الماء إذا بلغ الكعب بلغ أصل الجدار.

وقال ابن شهاب: فقدرت الأنصار والناس قول النبي ﷺ: اسقِ يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، كان ذلك إلى الكعبين على ما يجيء إن شاء الله تعالى.

وقال أبو الحسن الماوردي: ليس التقدير بالبلوغ إلى الكعبين على عموم الأزمان والبلدان؛ لأنه يدور بالحاجة، والحاجة تختلف باختلاف الأرض، وباختلاف ما فيها من زرعٍ وشجرٍ، وبوقت الزراعة، ووقت السَّقي.

وحمل بعض الفقهاء المتأخرين قول الفقهاء في أنه يسقي الأول أرضه، ثم يُرسله إلى الثاني، ثم يُرسله إلى الثالث: أن المراد بالأول مَن تقدم إحياؤه، وبالثاني الذي أحيى بعد الأول، وهكذا .....

الشيخ: زاد شيئًا؟

قارئ الشرح: نعم، على الحديث الأول: قوله: حتى يرجع إلى الجدر أي: يصير إليه، والجَدْر -بفتح الجيم وسكون الدال المهملة- هو المسناة، وهو ما وُضِعَ بين شربات النخل كالجدار، وقيل: المراد الحواجز التي تحبس الماء. وجزم به السهيلي.

ويُروى الجدُر -بضم الدال-، حكاه أبو موسى، وهو جمع جدارٍ.

وقال ابن التين: ضبط في أكثر الروايات بفتح الدال، وفي بعضها بالسكون، وهو الذي في اللغة، وهو أصل الحائط.

وقال القرطبي: لم يقع في الرواية إلا بالسكون، والمعنى: أن يصل الماء إلى أصول النخل.

قال: ويُروى بكسر الجيم، وهو الجدار، والمراد به جدران الشربات التي في أصول النخل، فإنها ترفع حتى تصير تُشبه الجدار.

والشربات -بمعجمةٍ وفتحاتٍ- هي الحفر التي تُحفر في أصول النخل.

وحكى الخطابي الجذْر -بسكون الذال المعجمة- وهو جذر الحساب، والمعنى: حتى يبلغ تمام الشرب.

قال الكرماني: المراد بقوله: أمسك أي: أمسك نفسك عن السقي، ولو كان المراد أمسك الماء لقال بعد ذلك: أرسل الماء إلى جارك.

قلت: قد قالها في هذا الباب كما سيأتي في رواية معمر في التفسير، حيث قال: ثم أرسل الماء إلى جارك، وصرَّح في رواية شعيب أيضًا بقوله: احبس الماء.

والحاصل أن أمره بإرسال الماء كان قبل اعتراض الأنصاري، وأمره بحبسه كان بعد ذلك.

الشيخ: تكلم على الأنصاري؟

القارئ: نعم، قوله: أن رجلًا من الأنصار.

س: يُحمل على الشروب؟

ج: المقصود إلى الكعبين، واضح الكعبين من أعلاه إلى أسفله حتى يعمَّ الكعبين، أو ما حولهما، أو ما يُشبه، وإذا تراضى الناس على غير هذا جاز، إذا صار عُرف الناس وتراضيهم على أكثر من هذا فلا بأس، وإلا فالأصل ..... الجدر، أصل الجدار يعني: الأساس، يعني: يعمّه الماء، يستر الأرض.

س: ................؟

ج: إذا تراضوا على شيءٍ فيما بينهم، مثل: جيران وتراضوا ما يضرّ، الحق لهم، أما إذا تنازعوا يحكم عليهم، مثلما حكم النبي ﷺ: الصلح جائزٌ بين المسلمين، مثلما أراد النبي ﷺ أولًا، فإذا لم يتراضوا وجب الحكم بما حكم به النبي ﷺ، يعمّ الماء أولًا إلى الكعبين عمومًا تامًّا، ثم يُرسل الماء إلى مَن يليه.

قارئ الشرح: قوله: "أن رجلًا من الأنصار" زاد في رواية شعيب: "قد شهد بدرًا"، وفي رواية عبدالرحمن بن إسحاق، عن الزهري عند الطبري في هذا الحديث: أنه من بني أمية بن زيد، وهم بطنٌ من الأوس، ووقع في رواية يزيد بن خالد، عن الليث، عن الزهري عند ابن المقرئ في "معجمه" في هذا الحديث: أن اسمه حميد. قال أبو موسى المديني في "ذيل الصحابة": لهذا الحديث طرقٌ لا أعلم في شيءٍ منها ذكر حميد إلا في هذه الطريق. ا.هـ.

وليس في البدريين من الأنصار مَن اسمه حميد.

وحكى ابن بشكوال في مُبهماته عن شيخه أبي الحسن بن مغيث أنه ثابت بن قيس بن شماس، قال: ولم يأتِ على ذلك بشاهدٍ.

قلتُ: وليس ثابتٌ بدريًّا.

وحكى الواحدي أنه ثعلبة بن حاطب الأنصاري الذي نزل فيه قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ [التوبة:75]، ولم يذكر مُستنده، وليس بدريًّا أيضًا، نعم ذكر ابن إسحاق في البدريين ثعلبة بن حاطب، وهو من بني أمية بن زيد، وهو عندي غير الذي قبله؛ لأن هذا ذكر ابن الكلبي أنه استشهد بأحدٍ، وذاك عاش إلى خلافة عثمان.

وحكى الواحدي أيضًا وشيخه الثعلبي والمهدوي أنه حاطب بن أبي بلتعة، وتُعقب بأن حاطبًا وإن كان بدريًّا، لكنه من المهاجرين، لكن مُستند ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عبدالعزيز، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب في قوله تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية [النساء:65]، قال: نزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة، اختصما في ماءٍ. الحديث، وإسناده قويٌّ، مع إرساله.

الشيخ: على كل حالٍ، الأمر سهلٌ، يكفي، نعم، ما لنا حاجةٌ فيه، المهم أن هذا هو الحكم، وأما كونه فلانًا أو فلانًا فهذا سهلٌ، ما هو بمعصومٍ.

س: قول الرسول ﷺ عن ربِّه في حال البدريين: اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرتُ لكم؟

ج: ما هو بإذنٍ لهم في المعاصي، لكن أن الله يُوفقهم للتوبة، أو للتسديد، أو يمنعهم من قربان المعصية، أو نحو ذلك، لا يأذن لهم في المعاصي، ليس هناك أحدٌ مأذونٌ له في المعاصي.