باب وقت صلاة المغرب

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغُرِّ المحجلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ جديدٍ من دروس "المنتقى".

ضيف اللِّقاء هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

مع مطلع هذا اللِّقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: الحقيقة بقيت أسئلة في الباب السابق سماحة الشيخ، نستأذنكم في طرحها، في باب وقت صلاة المغرب، فأقول في هذا السؤال: ما السور التي يُستحبّ أن يقرأها المسلمُ في المغرب؟

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فقد تنوعت قراءةُ النبي ﷺ في صلاة المغرب: فقرأ فيها بطولى الطوليين الأعراف في بعض الأحيان، وقسمها في ركعتين، وهي الأعراف، وقرأ فيها بالطور، وكان يقرأ فيها بالمرسلات كما روت ذلك أم هشام بنت حارثة بن النعمان، وقرأ فيها بقصار المفصل، فالسنة فيها الغالبة أن يقرأ فيها بقصار المفصل، وإن قرأ الإمامُ بعض الأحيان من أوساط المفصل أو من طواله فلا بأس؛ عملًا بالسنة كلها.

س: قراءة سورة الأعراف كاملة قد تشقّ على الجماعة، هل يُخبرهم قبل أن يقرأها؟

الشيخ: لا حاجة، لا يقرأها، الأولى ألا يقرأها؛ لأنَّ فيها مشقةً على الناس، ولم يُحفظ عنه ﷺ إلا مرة، أنه قرأها مرة، وإنما يُؤخذ بالآخِر فالآخِر من أفعاله ﷺ وأقواله، فكان في آخر حياته يقرأ بالمرسلات وبقصار المفصل عليه الصلاة والسلام.

س: في حديث مروان بن الحكم قال: قال لي زيدُ بن ثابت: ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل؟! سماحة الشيخ، كيف يُنكر زيد بن ثابت قراءةَ مروان بقصار المفصل في المغرب، مع أنَّ هذا هو الغالب من فعل الرسول ﷺ؟

الشيخ: كل واحدٍ من الصحابة قد يخفى عليه بعضُ أمر النبيِّ ﷺ، ولعله خفيت عليه بعضُ الأشياء فيما كان يفعله ﷺ في آخر حياته، فزيد حفظ شيئًا، وغيره من الصحابة حفظوا أشياء، اللهم ارضَ عنهم جميعًا، والعبرة بما ثبت في السند، وقد ثبت عنه ﷺ أنه كان يقرأ في المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء بأوساطه، فالأمر واسع بحمد الله.

س: والمراد بقصار المفصل؟

الشيخ: على ظاهره، مثل: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل]، وَالضُّحَى [الضحى]، وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ [التين]، ومثل: وَالْعَصْرِ [العصر]، الْقَارِعَةُ [القارعة]، ومثل: وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ [الطارق]، ومثل أشباه ذلك.

س: أخيرًا بعض الأئمة في صلاة المغرب بمجرد أن ينتهي المؤذنُ من الأذان يأمره بالإقامة، هل يستجيب؟

الشيخ: لا، السنة ألا يعجل، السنة أن يتريث بين الأذان والإقامة بعض الشيء، كان النبيُّ ﷺ لا يُقيم بعد الأذان، يتأخر، وكانوا يُصلون بعد الأذان ركعتين، ويقول ﷺ: بين كل أذانين صلاة، بين أكل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، لمن شاء، ويقول: صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، ثم قال في الثالثة: لمن شاء، فدلَّ على أنه لا يعجل بالإقامة، بل تكون بين الأذان والإقامة فسحة يمكن أن يُصلي فيها الناسُ الركعتين كما أشار النبيُّ ﷺ ونصح وأوصى.

بَابُ تَقْدِيمِ الْعَشَاءِ إذَا حَضَرَ عَلَى تَعْجِيلِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ

- عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَؤُوا بِهِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ.

- وَعَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَحَضَرَ الْعَشَاءُ فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاءِ.

- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاءِ، وَلَا تَعْجَلْ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ.

وَلِلْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُد: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ، وَتُقَامُ الصَّلَاةُ، فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّهُ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ.

الشيخ: هذه الأحاديث تدل على أنَّ المصلي إذا حضر لديه العشاءُ عند الأذان يبدأ بالعشاء؛ لهذه الأحاديث الصحيحة، وما ذاك إلا لأنَّ قلبه قد يتشوش عند قيامه قبل أن يأخذ حاجته، فكان من فضل الله ورحمته أن يبدأ بالعشاء؛ حتى يأتي الصلاةَ وقلبه مطمئن غير مشغولٍ.

والأحاديث في هذا كثيرة، ومن هذا: قوله ﷺ في حديث عائشة: لا صلاةَ بحضرة الطعام، ولا وهو يُدافعه الأخبثان.

وذكر من الأحاديث أنَّ أهل المدينة ذاك الوقت عشاؤهم قبل المغرب في آخر النهار؛ ولهذا ذكر إذا قُدِّم العشاء فابدؤوا به قبل أن تُصلوا المغرب، وهذا يعمّ المغرب وغير المغرب، فلو كان العشاءُ قرب أذان العصر، أو الغداء قرب أذان العصر؛ فإنه يبدأ به، وهكذا لو كان العشاءُ قرب أذان العشاء، فإنه يبدأ به.

والمقصود أنه يأتي الصلاةَ بقلبٍ مطمئنٍّ، ليس مُتعلقًا بالعشاء، ولكن لا ينبغي للمؤمن أن يتَّخذ هذا عذرًا له، وأن يأمر أهله بإحضار العشاء عند الأذان؛ فإنَّ هذا يكون قد تعمد التَّأخر عن صلاة الجماعة، لكن إذا صادف أنه قُدِّم العشاء أو حضر العشاءُ عند الأذان فإنه يبدأ به، أما أن يتَّخذ هذا عادةً فهذا معناه تعمد التأخر عن الصلاة في الجماعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

س: يستدل بعض الكسالى على جواز التَّخلف عن الصلاة بحجة الأكل، وهذا يحدث منهم دائمًا؟

الشيخ: وهذا مثلما تقدم لا يتعمد، النبي ﷺ قال: وحضر العشاء، وقدم الطعام، أما كونه يتعمد أن يقول لأهله: قدِّموه عند الأذان، فهذا معناه تعمد التَّخلف عن صلاة الجماعة، فلا يجوز هذا، ولكن متى صادف أنه قدم العشاء وهو يُؤذن، أو حضر عند القوم وهم يتعشون أكل معهم وقضى حاجته، ولا حرج عليه في ذلك، لكن ليس له أن يتعمد اتِّخاذ تقديم العشاء عذرًا له في التَّخلف عن الجماعة ويعمد أهله لذلك.

س: ما الحكمة من كون المرء يُقدم الطعام على أفضل العبادات، وهي الصلاة؟

الشيخ: لأنه إذا جاء إلى الصلاة وقلبه مُعلَّق بالطعام لم يُصلها كما ينبغي بالطُّمأنينة والخشوع والإقبال عليها، بل يكون قلبه مُعلَّقًا بالطعام، والله يقول: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1- 2]، فالصلاة جديرة بالعناية والإقبال عليها بالقلب والقالب، فلا ينبغي أن تكون في قلبه شواغل تشغله عنها، فإذا قدم العشاء بدأ به؛ حتى يأتيه بقلبٍ فارغٍ مُقبلٍ عليها، خاشعٍ فيها.

س: إذا بدأ بالأكل وأُقيمت الصلاةُ هل يستمر حتى يشبع أو يكتفي بلقيمات؟

الشيخ: لا، حتى تنتهي حاجته مثلما في الحديث.

س: ذكرتم يا شيخ حديث: لا صلاةَ بحضرة طعام لعلكم تشرحونه؟

الشيخ: رواه مسلم، نعم لا صلاةَ بحضرة الطعام المعنى: يبدأ بالطعام، ولا يُقدم الصلاة عليه.

بَابُ جَوَازِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ

- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ الْمُؤَذِّنُ إذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ، حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ شَيْءٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: إلَّا قَلِيلٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

وَفِي لَفْظٍ: كُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. فَقِيلَ لَهُ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلَّاهُمَا؟ قَالَ: كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

وَفِي رِوَايَةٍ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

- وَعَنْ أَبِي الْخَيْرِ قَالَ: أَتَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، فَقُلْتُ لَهُ: أَلَا أُعَجِّبُكَ مِنْ أَبِي تَمِيمٍ: يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ؟! فَقَالَ عُقْبَةُ: إنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قُلْتُ: فَمَا يَمْنَعُكَ الْآنَ؟ قَالَ: الشَّغْلُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

450- وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا بِلَالُ، اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ نَفَسًا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ طَعَامِهِ فِي مَهَلٍ، وَيَقْضِي الْمُتَوَضِّئُ حَاجَتَهُ فِي مَهَلٍ رَوَاهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي "الْمُسْنَدِ".

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على أنه يُشرع أن يُصلي ركعتين بين أذان المغرب وبين الإقامة؛ لأن الرسول ﷺ أمر بهذا، قال: صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب ركعتين، ثم قال: لمن شاء في الثالثة، وقال ﷺ: بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، ثم قال في الثالثة: لمن شاء، وكان الصحابة يفعلونها والنبي يراهم، أما قول أنس: "فلم يأمرنا ولم ينهنا" فقد خفي عليه الأمرُ، فقد ثبت الأمر؛ قال: صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، ثم قال: لمن شاء كراهية أن يتَّخذها الناسُ سنةً لازمةً؛ لئلا يظنوا وجوبها؛ ولهذا قال: لمن شاء حتى يعلموا أنها سنة، وليست واجبةً؛ ولهذا قال في اللفظ الآخر: بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، ثم قال في الثالثة: لمن شاء؛ ليعلم أنها سنة، وليست واجبةً، بعد أذان المغرب ركعتان، بعد أذان العشاء ركعتان؛ لأنها سنة، ليست واجبةً.

أما الظهر فراتبة: قبلها أربع، يُسنّ قبل الظهر أربع، ويُسنّ قبل العصر أربع أيضًا، كما في الحديث: رحم الله امرأً صلَّى أربعًا قبل العصر، وأما الفجر فسنتها راتبة: قبلها ركعتان، فتبين بهذا أنه يُشرع قبل الصلاة ركعتان: المغرب والعشاء؛ لأمر النبيِّ ﷺ، وقبل الفجر ركعتان، سنة راتبة، وقبل الظهر أربع، سنة راتبة، وقبل العصر أربع، رغب فيها النبيُّ ﷺ: رحم الله امرأً صلَّى أربعًا قبل العصر.

أما حديث بلالٍ: اجعل بين أذانك وإقامتك مقدار ما يفرغ الآكلُ من أكله .. إلخ، فهو حديث ضعيف، ولكن الأحاديث الصَّحيحة تكفي عنه، الأحاديث الصحيحة، ثم التأخير في الإقامة ليس إلى المؤذن، التأخير في الإقامة إلى الإمام، بأمر الإمام، فحديث ما يتعلق ..... ضعيف، ولكن الإمام هو الذي ينظر في الأمر، هو الذي بيده الإقامة، وأما المؤذن فليس بيده إلا الأذان، أما الإقامة فهي بيد الإمام، هو الذي إذا شاء قدم، وإذا شاء أخَّر.

فالسنة للإمام أن يُراعي ما بيَّنه النبيُّ ﷺ في جميع الأوقات؛ فيتأخر في المغرب بعض الشيء حتى يُصلي الناسُ ركعتين؛ حتى يتلاحق الناسُ: الذي يتوضأ يلحق، والذي في الطريق يلحق، وكذلك في العشاء لا يعجل؛ حتى يُصلي الناسُ ركعتين، والسنة ألا يعجل، إذا كانوا لم يجتمعوا السنة ألا يعجل حتى يجتمعوا؛ لأنَّ النبي ﷺ كان إذا رآهم اجتمعوا في العشاء عجل، وإذا رآهم أبطأوا أخَّرها -العشاء- عليه الصلاة والسلام.

وهكذا في الفجر لا يعجل، وكان النبيُّ ﷺ يُصلي في بيته ركعتين ولا يعجل في الفجر، أما الظهر فالسنة قبلها أربع بتسليمتين، كان النبيُّ لا يدع أربعًا قبل الظهر عليه الصلاة والسلام، ويُشرع قبل العصر أربع: رحم الله امرأً صلَّى أربعًا قبل العصر.

فالسنة للمؤمن أن يُحافظ على هذه النَّوافل كما رغَّب فيها النبيُّ عليه الصلاة والسلام، وكما فعلها عليه الصلاة والسلام.

س: السَّواري: "يبتدرون السَّواري"، ما هي السَّواري؟

الشيخ: العمد للسترة يُصلي ركعتين؛ لئلا يمر بين يديه أحدٌ، المصلي للنافلة إذا كان حوله سارية صلَّى إليها إذا كان يخشى أن يمر بين يديه أحدٌ.

س: المواظبة الدائمة على الركعتين قبل إقامة صلاة المغرب؟

الشيخ: سنة، والعشاء كذلك ..... سنة، يعني: سنة لازمة، هذا المقصود، وإلا هي سنة في نفسها.

س: إذا كان المرءُ في المسجد قبل أذان المغرب، هل يُؤمر بأداء الركعتين؟

الشيخ: أفضل، يقوم بعد الأذان ويأتي بالركعتين.

س: هل الإقامة أذان؟

الشيخ: أذان، تُسمَّى: أذانًا: بين كل أذانين صلاة، تُسمَّى الإقامة: أذانًا.

س: أخيرًا دلَّ حديثُ أُبَيٍّ على أنه لا ينبغي البدار بصلاة المغرب، خلافًا لما يفعله بعضُ الأئمة من المبادرة الشَّديدة؟

الشيخ: لا، السنة أن يتأخَّر بعض الشيء، لا يعجل؛ حتى يتلاحق الناس ويُصلون ركعتين، الحاضر والداخل يُصلي ركعتين، بعد الأذان عشر دقائق ونحوها فيها الكفاية.

بَابٌ فِي أَنَّ تَسْمِيَتَهَا بِالْمَغْرِبِ أَوْلَى مِنْ تَسْمِيَتِهَا بِالْعِشَاءِ

- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا يَغْلِبَنَّكُم الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُم الْمَغْرِبِ، قَالَ: وَالْأَعْرَابُ تَقُولُ: هِيَ الْعِشَاءُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: نعم، العشاء تُطلق على المغرب، لكن الأفضل أن يغلب عليها اسم المغرب، والعشاء لاسم صلاة العشاء، ولقد جاء في بعض الأحاديث: بين العشاءين، من باب التَّغليب، فالسنة أن يكون الغالب في تسميتها المغرب، والعشاء تسميتها العشاء، وإن سميت بالعتمة فلا بأس، كما جاء في الحديث أيضًا، فالعشاء تُسمَّى: العشاء، وتُسمَّى: العتمة، والمغرب الأفضل أن تُسمَّى بالمغرب، كما سمَّاها النبيُّ ﷺ.

بَابُ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَفَضْلِ تَأْخِيرِهَا

مَعَ مُرَاعَاةِ حَالِ الْجَمَاعَةِ وَبَقَاءِ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ

- عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: الشَّفَقُ: الْحُمْرَةُ، فَإِذَا غَابَ الشَّفَقُ وَجَبَتِ الصَّلَاةُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةً بِالْعَتَمَةِ، فَنَادَى عُمَرُ: نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: مَا يَنْتَظِرُهَا غَيْرُكُمْ، وَلَمْ تُصَلَّ يَومَئِذٍ إلَّا بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ.

- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إذَا وَجَبَتِ الشَّمْسُ، وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا يُؤَخِّرُهَا، وَأَحْيَانًا يُعَجِّلُ، إذَا رَآهُمُ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَأُوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانُوا أَوْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ ﷺ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ، حَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى، فَقَالَ: إنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَخَّرَ النَّبِيُّ ﷺ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ قَالَ: قَدْ صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا، أَمَا إنَّكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا، قَالَ أَنَسٌ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ خَاتِمِهِ لَيْلَتئِذٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: انْتَظَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةً لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ حَتَّى ذَهَبَ نَحْوٌ مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ. قَالَ: فَجَاءَ فَصَلَّى بِنَا، ثُمَّ قَالَ: خُذُوا مَقَاعِدَكُمْ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا مَضَاجِعَهُمْ، وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُمُوهَا، وَلَوْلَا ضَعْفُ الضَّعِيفِ، وَسَقَمُ السَّقِيمِ، وَحَاجَةُ ذِي الْحَاجَةِ لَأَخَّرْتُ هَذِهِ الصَّلَاةَ إلَى شَطْرِ اللَّيْلِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

الشيخ: كل هذه الأحاديث تدل على أنَّ الأفضل في العشاء التأخير، وإن صُليت في أول وقتها فلا بأس، وكان ﷺ يُراعي الجماعة، فإن رآهم اجتمعوا عجَّلها، وإن رآهم أبطأوا أخَّرها، ويقول ﷺ: إنَّ تأخيرها أفضل لولا أن أشقَّ على أمتي، فدل على أنَّ الإمام يُراعي حال المأمومين؛ فإذا كانوا يرغبون تعجيلها ويحضرون عجَّلها لهم؛ حتى لا يشقَّ عليهم، فإذا صاروا يرغبون في التَّأخير أخَّرها إلى ثلث الليل، أو ما نحو ذلك؛ حتى يجمع بين المصلحتين: بين مراعاة الرفق بهم، وبين مراعاة الوقت المناسب.

وتقدم أنَّ وقتها إلى نصف الليل، وكونه في بعض الأحيان أعتم فلعله أصابه شغلٌ عليه الصلاة والسلام؛ فلهذا أعتم بهم بعض الليالي، يعني أخَّر إما لنومٍ أو غيره، فبين لهم ﷺ أنهم في صلاةٍ ما انتظروها، وبعض الناس قد صلوا وناموا، وهم في صلاةٍ ما انتظروا الصلاةَ.

فالمؤمن إذا انتظر الصلاةَ فهو في صلاةٍ وإن طالت المدةُ، ما دام ينتظرها، والأجر ثابت له، وهذا من فضل الله جلَّ وعلا.

فالسنة للإمام أن يُراعي المأمومين، وأن يرفق بهم، مثلما قال في الأحاديث الأخرى: أيُّكم أمَّ الناس فليُخفف؛ فإنَّ فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة، ويقول: أيها الناس، إنَّ منكم مُنفرين، فالإمام يُراعي المأمومين، ولا يُنفرهم من الصلاة، بل تكون له عناية بالوقت؛ حتى لا يشقَّ عليهم، فلا يتأخر فيشقّ عليهم، ولا يتعجل فيشقّ عليهم، ولكن يُراعي أحوالهم؛ فيتأخر الشيء اليسير الذي يُمكنهم من الحضور وإدراك الصلاة، ولا يُؤخر تأخيرًا يشقّ عليهم جلوسهم في المسجد والانتظار، يكون عند العناية التامَّة.

س: تسمية العشاء بالعتمة؟

الشيخ: تُسمَّى: بالعتمة، وتُسمى: بالعشاء، لكن الأفضل تسميتها: بالعشاء، قال النبي ﷺ: لا تغلبنَّكم الأعرابُ على تسمية صلاتكم العشاء: بالعتمة، فإنهم يعتمون بالإبل، والنبي ﷺ قد سمَّاها والصحابة، تقول عائشة: أعتم النبيُّ ﷺ. والمقصود أنها تُسمَّى: بالعتمة، وتُسمَّى: بالعشاء، ولكن الأفضل أن يغلب عليها اسم العشاء.

س: إذًا نقول: الأفضل في صلاة العشاء حيث أداؤها؟

الشيخ: الأفضل التأخير إذا لم يجتمعوا، والتَّعجيل إذا اجتمعوا، والتأخير فيها أفضل، هذا الأصل فيها، التأخير فيها أفضل، إلا إذا اجتمعوا قدَّمها، والظهر الأفضل فيها التَّقديم، وهكذا بقية الصَّلوات، إلا إذا اشتدَّ الحرُّ فإن السنة في الظهر التأخير حتى ينكسر الحرُّ.

س: لو طبَّق الإمامُ السنةَ وأخَّر الصلاة لحصل كلام من الجماعة في المسجد؟

الشيخ: لا، يُراعيهم: إن كانوا يحبون التَّقديم قدَّمهم، مثلما في حديث جابر: إذا رآهم اجتمعوا عجَّل، وإذا رآهم أبطأوا أخَّر عليه الصلاة والسلام؛ لأنَّ ترغيبهم وتشجيعهم على الحضور من أهم المهمات.

س: الأفضل التَّأخير إلى الثلث أو إلى النِّصف؟

الشيخ: لا، قبل النصف، إلى الثُّلث.

 

بَابُ كَرَاهِيَةِ النَّوْمِ قَبْلَهَا وَالسَّمَرِ بَعْدَهَا إلَّا فِي مَصْلَحَةٍ

- عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ الَّتِي يَدْعُونَهَا: الْعَتَمَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: جَدَبَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ السَّمَرَ بَعْدَ الْعِشَاءِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ: جَدَبَ يَعْنِي: زَجَرَنَا عَنْهُ، ونَهَانَا عَنْهُ.

- وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ اللَّيْلَةَ كَذَلِكَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أُمورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَقَدْتُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ لَيْلَة كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَهَا؛ لِأَنْظُرَ كَيْفَ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِاللَّيْلِ. قَالَ: فَتَحَدَّثَ النَّبِيُّ ﷺ مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَقَدَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: هذه الأحاديث تدل على أنَّ السنة التَّبكير بالمغرب، وأنه يُكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها، إلا في مصالح المسلمين، كان النبيُّ ﷺ يكره النوم قبلها، والحديثَ بعدها، وكان كما تقدم يُبادر بالمغرب، لكن بعد الأذان بقليلٍ كما تقدم، وكان في العشاء يكره النومَ قبلها، والسَّمر بعدها إلا في مصالح المسلمين كما قال عمر، كان الصديقُ يسمر مع النبي ﷺ في مصالح المسلمين، ومعهما عمر، فإذا جلس الإنسان بعد العشاء لمصلحةٍ شرعيةٍ: كدراسة دروسه، أو عناية بأمر المسلمين -كالهيئة- أو شغل آخر من مصالح المسلمين فلا بأس، المهم أن يكون السمر لمصلحةٍ، أما السمر الذي قد يُفوت صلاةَ الفجر أو يُفوت قيام الليل فهذا مكروه؛ ولهذا زجر النبيُّ السمر بعدها.

وجدبه يعني: نهى عنه، ومنع منه؛ لئلا يُوقعهم في النوم عن الفجر، أو يشغلهم عن قيام الليل.

فالسنة للمؤمن التَّبكير بالنوم، كان ﷺ إذا صلَّى العشاء أوى إلى فراشه، إلا أن تكون هناك مصلحة للمسلمين سمر فيها مع الصديق ومع عمر، لمصالح المسلمين.

وفي حديث ابن عباسٍ: أنه نام عند خالته ميمونة؛ لينظر صلاة النبي ﷺ، وهذا من فهمه وفقهه وحذقه ، وكان حين مات النبيُّ ﷺ قد ناهز الاحتلام، لم يبلغ، وخالته ميمونة تزوجها النبي ﷺ سنة سبعٍ من الهجرة في عمرة القضاء. فنام عندهم ليعلم وليرى صلاة النبي ﷺ.

ففي هذا أنه ﷺ لما شرع بعد العشاء تحدث مع أهله ساعةً وهذا يدل على حُسن خلقه ﷺ، وأنه كان يُحادث أهله، وينبسط معهم عليه الصلاة والسلام، ثم نام.

وفيه دليل على جواز نوم الصغير عند الرجل وأهله إذا كان لم يبلغ، فإنه كان رضي الله عنه في نومه عند ميمونة قبل البلوغ، وكان قد ناهز الاحتلام كما أخبر عن نفسه، فدل على أنَّ مثله لا بأس أن ينام عند الرجل وأهله؛ لأنه نام عند ميمونة خالته وهي عند النبي عليه الصلاة والسلام، فلما قام النبيُّ يتهجد قام ابنُ عباسٍ وصفَّ عن يساره، فجعله النبي عن يمينه، وجعل يُصلي مع النبي ﷺ عن يمينه عليه الصلاة والسلام، فدلَّ ذلك على حُسن خلقه ﷺ، وعلى ذكاء ابن عباسٍ وفهمه وحرصه على الخير ، وعلى أنه لا بأس أن ينام الصبي عند الرجل وأهله: كأبيه، أو عمه، أو أخيه، ونحو ذلك.

المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ على تفضلكم بالحديث معنا في هذا الدرس الطيب المبارك من دروس "المنتقى".